مبادرة نون: دعوة السلام والمجتمع الديمقراطي رؤية لإنقاذ الشرق الأوسط
سلطت الندوة الرقمية التي عقدتها مبادرة نون لحرية أوجلان، تحت عنوان "المستجدات في مبادرة السلام والمجتمع الديمقراطي"، نخبة من المثقفات الواعيات، اللواتي يحملن رؤى نقدية وتحليلات معمّقة للتطورات السياسية والاجتماعية الراهنة.

مركز الأخبار ـ دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" تُعد حجر الأساس لبناء مجتمعات مستقرة تُحترم فيها الحقوق وتُصان فيها الكرامة، كما تعزز الحوار والتعددية، وتُضعف جذور العنف والتهميش، وفي ظل الأزمات، تصبح هذه الدعوة ضرورة أخلاقية وسياسية لضمان مستقبل مشترك للجميع.
تناولت المتحدثات في الندوة التي عقدتها مبادرة نون لحرية أوجلان أمس الثلاثاء 22 تموز/يوليو، أبرز القضايا التي تؤرق المجتمعات الواقعة تحت وطأة الأنظمة اللاديمقراطية، واستعرضن كيف يمكن لدعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" أن تشكل نقطة تحول تاريخية تتجاوز حدود تركيا، وتمتد بتأثيرها إلى عموم الشرق الأوسط.
ومن بين الأفكار الجوهرية التي تم طرحها، برزت نظرية "الأمة الديمقراطية" كإطار فكري لإنهاء النزاعات والصراعات القائمة على إنكار الآخر، إذ ترى المبادرة أن التغيير لا يأتي إلا بتبني مشروع يعترف بالتعددية ويرتكز على العدالة والمساواة.
"رؤية القائد أوجلان للسلام والتعددية في وجه الدولة القومية"
وفي مداخلة لها، قالت سوسن شومان الناطقة باسم المبادرة، أن مبادرة نون هي رد جميل للقائد عبد الله أوجلان الذي أهدى النساء الفلسفة والفكر، مؤكدةً على أن دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" هي طريق العيش بين الشعوب بمفهوم ديمقراطي.
وأوضحت أنه في لحظة فارقة تعيشها منطقة الشرق الأوسط، وسط توترات لا تهدأ وصراعات تستنزف الشعوب، ظهرت دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" كنافذة أمل ورؤية جديدة نحو التعايش والتعددية، مشيرةً إلى أن هذه المبادرة لم تكن مجرد طرح سياسي، بل تمثل نداء عميقا للكرامة الإنسانية، أطلقه القائد عبد الله أوجلان، الذي لم يطالب بالسلطة أو الهيمنة، بل دعا ببساطة إلى الاعتراف بالوجود والعيش المشترك، فمنطق المبادرة ينبع من قناعة بأن الكفاح المسلح، الذي اضطرت إليه الشعوب تاريخياً، لم يكن يوماً هدفاً في حد ذاته، بل ضرورة فرضتها سياسات الإقصاء والإنكار التي مارستها الدول القومية.
ولفتت إلى إعلان التخلي عن السلاح من قبل مقاتلي الحرية جاء ليضع الكرة في ملعب الدولة التركية؛ فهي اليوم أمام خيار تاريخي، إما أن تمد يدها لتصنع سلاماً مستداماً، أو تستمر في دوامة الإنكار التي أتعبت الجميع، منوهةً إلى أن "شعوب هذه المنطقة، وبالأخص الشعب الكردي، تعرضت لعقود من التهميش والقهر، واستُهدفت هويتها وحضارتها ولغتها، من خلال سياسات قومية متعصبة، ترفض الاعتراف بالآخر وتفرض نموذجاً أحادياً للحكم والثقافة والدين، الدعوة لم تأتِ لتلغي دور أحدا، بل لتقول نحن نريد أن نتعايش معكم، لا أن نحل محلكم".
وأشارت إلى أنه في قلب المشهد السياسي المتوتر في تركيا، تأتي قضية القائد عبد الله أوجلان لتسلط الضوء على مسألة جوهرية، اعتراف الدولة بحقوق الشعوب وبوجودها الحضاري والثقافي، فالدولة القومية، كما تُجسدها تركيا، سعت لعقود إلى طمس هوية الشعب الكردي، ونفي لغته وثقافته، والتمسك بنموذج أحادي لا يعترف بالمكونات الأخرى، منوهةً إلى أن القائد عبد الله أوجلان، الذي ارتبط اسمه بالكفاح المسلح من أجل الحقوق والعدالة، لم يكن يوماً داعياً للحرب، بل كان المفكر الذي يدرك أن الكفاح المسلح وسيلة اضطرارية، فرضها واقع القهر والتهميش، ومع ذلك، عرف بحكمته متى ينحني للسلام، ومتى يصوغ مبادرات تاريخية، مثل تلك التي مدّ فيها يده نحو الدولة التركية داعيا إلى التعايش، لا إلى السيطرة، وإلى الاعتراف المتبادل، لا الإقصاء.
وشددت على أن القضية تتعلق بإعادة تعريف الدولة نفسها؛ الانتقال من مركزية مطلقة إلى نموذج ديمقراطي يعترف بالتعدد ويمنح الحقوق لكل مكوناته، الدعوة، بحسب رؤية القائد أوجلان، ليست نداء سياسياً فقط، بل مشروع إنقاذ لمنطقة تعاني من الهيمنة الخارجية والتقسيم القومي والصراعات العبثية.
"إلقاء السلاح رؤية القائد أوجلان للسلام والديمقراطية الاشتراكية"
وفي مداخلة لها قالت لمة دينا الطائي أنه من السهل رفع السلاح دفاعاً عن النفس، لكن أن تمتلك الجرأة وهذه الشجاعة بإلقاء السلاح تعتبر أصعب خطوة، ولا يقوم بها إلّا من هو متمرس في هذا النضال، ومن يمتلك الشجاعة الفعلية للتوجه نحو الحلول والسبل الاخرى في النضال.
وأوضحت أن هذه الخطوة الجريئة لم تكن مجرد ختام لمرحلة، بل انعكاس لرؤية القائد عبد الله أوجلان، الذي لا يرى في الديمقراطية مجرد نظام غربي تقليدي، بل نموذجاً تشاركياً قائماً على الاعتراف بالآخر ورفض الإقصاء، مشيرةً إنها "ديمقراطية اشتراكية"، تنبع من المجتمع وتُبنى بوعي جماعي، وهي، بحسب روشان، تعني ببساطة "أنت موجود وأنا موجود، ونتشارك في بناء مجتمعاتنا".
ولفتت إلى أنه في منطقة مثقلة بالحروب والاحتقانات الطائفية والإثنية، يصبح هذا النموذج ضرورة لإنقاذ الشعوب من الانقسامات والخوف المتبادل، وأمام الهيمنة الإمبريالية ومخططات التفتيت، تبرز مبادرة القائد أوجلان، التي أطلقها في 9 أيار/مايو الماضي لحل حزب العمال الكردستاني ونزع سلاحه، كدعوة للتعايش والسلام، بعيداً عن العنف والاستبداد.
وأوضحت أن القائد أوجلان، الذي خاض مسيرة نضالية على مدى أكثر من أربعة عقود، لم يكن أسيراً لجمود فكري، بل استطاع أن يتحول مع المتغيرات دون أن يتخلى عن المبادئ، فهو يدعو إلى المرونة السياسية، ويدرك أن الجرأة الحقيقية ليست في رفع السلاح، بل في إلقائه بحثاً عن حلول أكثر إنسانية واستدامة.
وأكدت على أن الفكر الذي يتبناه ليس نظرياً جامداً، بل حيّ يتحرك مع حاجات الشعوب وتطورها، ويستمد قوته من الماركسية كمنظومة تُطبّق بوعي ومسؤولية، وليس كقالب جامد، وهذا ما يجعل منه ليس مجرد قائد سياسي، بل مفكر يعيد تعريف الصراع ويقترح مسارات جديدة للحرية والعدالة في منطقة تعاني من التهميش والانقسامات.