"دور النساء في السلام المستدام"... ندوة رقمية بمشاركة نساء من مختلف الدول
أكدت النساء المشاركات في ندوة "دور النساء في السلام المستدام"، أن المرأة هي من تصنع السلام، وتحمل الذكريات وتبني المستقبل.

شهلا محمدي
مركز الأخبار ـ عقدت مبادرة "حملة وقف جرائم القتل بدافع الشرف"، أمس السبت 30 آب/أغسطس، ندوة بعنوان "دور النساء في السلام المستدام" عبر منصة زووم، بمشاركة ست متحدثات بارزات من مختلف الدول.
في افتتاح الندوة، شدد المتحدث باسم "حملة وقف جرائم القتل بدافع الشرف"، على أهمية مشاركة هؤلاء النساء القادمات من دول تعاني من النزاعات، مؤكداً أن أصواتهن وتجاربهن ورؤاهن ضرورية ليس فقط لفهم التحديات التي يواجهنها، بل أيضاً لفهم القوة التحويلية التي يحملنها في بناء السلام والمصالحة.
وأضاف أن النساء كن دائماً في طليعة الجهود لإنهاء العنف، وشفاء المجتمعات، وترسيخ السلام المستدام. ومع ذلك، غالباً ما يتم تجاهل مساهماتهن أو استبعادهن من المفاوضات الرسمية، مؤكداً أن السلام، عبر الحدود والثقافات، لا يمكن أن يكون مستداماً بدون مشاركة النساء وقيادتهن الكاملة.
صانعات السلام، حاملات الذكريات، وبانيات المستقبل
أكدت الناشطة في حقوق المرأة وميسّرة الجلسة إلهة أماني، في كلمتها أن النساء عبر التاريخ، ومن دون أن يُعترف بجهودهن، ورغم المخاطر التي كانت تهددهن، كنّ دائماً صانعات للسلام وأصواتاً جريئة للعدالة، مضيفةً أن "اجتماعنا اليوم يأتي في وقت يشهد فيه العالم انقسامات عميقة، وحروباً، ونزوحاً، وعدم استقرار سياسي".
وأشارت إلى أوضاع النساء في أفغانستان، فلسطين، سوريا، لبنان، تركيا، الهند، إيران، وأوكرانيا، مؤكدة أن النساء وسط الحروب يطالبن بالسلام ويحافظن على الحياة.
وقالت إن "ما يوحّدنا رغم اختلاف السياقات هو الحقيقة التالية: لا يمكن أن يوجد سلام مستدام بدون مشاركة النساء الكاملة والمتساوية، فالنساء لا يطالبن فقط بوقف العنف، بل يقدمن رؤى لتغيير المجتمعات، يعالجن جذور العنف، يداوين الانقسامات، ويضمنّ أن اتفاقيات السلام لا تكتفي بإسكات صوت البنادق، بل تعزز الأصوات التي طالما تم تجاهلها".
واختتمت إلهة أماني بالتأكيد على أن هذا اللقاء يُظهر أن النساء لسن مجرد ضحايا للحرب، بل هنّ صانعات للسلام، حاملات للذكريات، وبانيات للمستقبل.
تحديات النساء في الهند ومواجهة النظام الأبوي
بدورها قالت تمنا ساتيا، من الهند ومؤسسة منظمة السلام "نرجس ها"، إن النساء هنّ من يمكنهن لعب دور محوري في تحويل النزاعات إلى سلام مستدام، فهن الأمهات اللواتي يُشكلن الأسر، يعشن على الحدود، ويواصلن دعم تعليم الأطفال رغم ظروف الحرب.
وأضافت أن قيادة النساء كسرت الأعراف الذكورية وأثبتت أن مشاركة النساء ليست فقط بناءة، بل ضرورية. لكنها أشارت إلى أنها واجهت مقاومة عندما حاولت إيصال أصوات هؤلاء النساء إلى طاولات السلام.
وشددت تمنا ساتيا على أن قضايا النساء في الهند متعددة الأبعاد، وتشمل الإرهاب العابر للحدود، والتطرف، والفوضى السياسية. ومع ذلك، تمكنت النساء من الحصول على التعليم، والمشاركة في المفاوضات، ولعب دور في تخفيف النزاعات، والمساهمة في صياغة روايات تصنع السلام.
النساء تداوين نسيج المجتمع
قالت سلامية رمضان، الناشطة في حقوق المرأة والمديرة التنفيذية لـ "مبادرة التمكين وريادة الأعمال الاجتماعية"، إن السلام ليس حلماً بل ضرورة يومية تتطلب الكرامة، الأمان، والتحرر من العنف الاجتماعي والسياسي.
وأضافت أن النساء في فلسطين والمناطق المتأثرة بالنزاعات يتحملن عبئاً مضاعفاً، فهن غالباً أول من يتعرض للعنف، وفي الوقت نفسه أول من يستجيب لانهيار المجتمعات "عندما تفقد الأسر منازلها أو تُدمر سبل عيشها، تكون النساء هن من يعيدن بناء الحياة اليومية والمشاريع الصغيرة".
وشددت على ثلاث ركائز أساسية لتحقيق السلام المستدام التمكين الاقتصادي للنساء، إصلاح النسيج الاجتماعي، مواجهة الأنظمة غير العادلة.
وأكدت أن النساء، من خلال مقاومتهن للقتل، ومطالبتهن بمكانة مشروعة في صنع القرار، ورفضهن للهيمنة الذكورية، يمهدن الطريق نحو السلام.
ولفتت سلامية رمضان إلى أنه من القدس إلى بيت لحم، ومن غزة إلى كابول وطهران، نضالات النساء مترابطة "مع الثقة والدعم وقيادة النساء، لا نمن على أحد، بل نضمن إمكانية تحقيق السلام، فالسلام بدون عدالة لن يدوم".
النساء في تركيا خط المواجهة للمقاومة والسلام
من جانبها قالت فاطمة آيتاج، الرئيسة المشتركة لحزب النساء التركي، إن العنف والقتل القائم على النوع الاجتماعي قد تصاعد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بينما يتمتع الجناة بالحصانة، مضيفةً أن انسحاب الدولة التركية من اتفاقية إسطنبول شكل انتكاسة كبيرة، أضعفت حماية النساء وأظهرت أن حياة المرأة ليست ضمن أولويات الدولة.
وأوضحت أن الاستقطاب السياسي، والضغط على المجتمع المدني، وقمع النشطاء والصحفيين، جعل عمل المنظمات النسائية أكثر صعوبة. ومع ذلك، لا تزال النساء في طليعة المقاومة، من خلال تنظيم التجمعات، وبناء شبكات التضامن، والمطالبة بمستقبل عادل وسلمي.
وفيما يتعلق بعملية السلام، قالت فاطمة آيتاج إن الثقة بالحزب الحاكم والتحالف القومي غير ممكنة، مشيرةً إلى أن اقتراح الإفراج عن القائد عبد الله أوجلان يهدف أساساً إلى كسب أصوات الكرد وتعديل الدستور، لتمكين أردوغان من البقاء في السلطة، مؤكدة أن العديد من القادة السياسيين يقبعون في السجون، مما يجعل هذه العملية أقرب إلى مناورة لتعزيز السلطة منها إلى مسار حقيقي للسلام.
الترابط السلمي بين النساء ضرورة ملحة
قالت ورا المولا، الناشطة في حقوق المرأة ومنسقة شبكة "صانعات السلام الشابات"، إن لبنان بلد غارق في دوامات العنف، من الحرب الأهلية إلى الانهيار الاقتصادي والصراعات الأخيرة، وفي خضم ذلك تحملت النساء أعباء غير مرئية، بينما تم استبعادهن من مواقع صنع القرار، رغم أن الحفاظ على السلام بدون النساء أمر غير ممكن.
وأشارت إلى أن جنوب لبنان شهد دماراً واسعاً بعد وقف إطلاق النار، حيث دُمرت 70% من المنازل، وكان النساء والشباب هم من أنشأوا شبكات غير رسمية لإعادة توطين الأسر، وتوفير الغذاء، والدعم النفسي "لقد سدّوا الفجوات الطائفية، وابتكروا أشكالاً جديدة من القيادة، وتحدوا البنى الذكورية السائدة".
وأكدت أن النساء في مختلف أنحاء المنطقة، من فلسطين، سوريا، إيران، اليمن، وأفغانستان، يواجهن أنظمة مشتركة من العنف، الحرب، التهجير القسري، والاستبداد، مضيفةً أن التضامن العابر للحدود بين النساء هو شكل من أشكال المقاومة، وشرط أساسي لتحقيق السلام.
ودعت إلى وقف الإبادة الجماعية، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، ضمان مشاركة النساء في مفاوضات السلام كصانعات قرار، دعم طويل الأمد للمنظمات النسائية، حماية المدافعات عن حقوق المرأة، وتعزيز التضامن بين الشباب في أوروبا والشرق الأوسط من أجل سلام مستدام.
سقوط الديكتاتور لا يعني بالضرورة تحقيق السلام المستدام
قالت لاما دراباتي، الطبيبة والمدافعة عن حقوق المرأة، إن النساء هن أولى ضحايا الحرب والعنف، وفي الوقت نفسه أولى صانعات السلام، ومنذ الأيام الأولى للنزاع في سوريا، اتضح أن بناء السلام يتطلب مشاركة النساء والرجال من مختلف الأديان والطوائف.
وأضافت أن النساء لسن ضحايا سلبيات، بل فاعلات مرنات قادرات على سد الفجوات، لكنها حذرت من أن سقوط ديكتاتور، دون عمليات شاملة تتمحور حول النساء، لا يفضي إلى سلام دائم، كما يظهر في مجازر السويداء والمناطق الساحلية في سوريا.
وشددت على أن إشراك النساء في إعادة بناء المستقبل أمر ضروري، مشيرة إلى أن الدراسات تُظهر أن وجود النساء على طاولة المفاوضات يزيد من احتمال استدامة اتفاقيات السلام بنسبة 35%، ومع ذلك غالباً ما يتم تهميش النساء في المنطقة من العمليات الرسمية، رغم فهمهن العميق لاحتياجات مجتمعاتهن.
وأضافت أن الناشطات في السودان، اليمن، أفغانستان، مصر وتونس يواجهن القمع، لكنهن ما زلن يتمسكن بالأمل في التغيير، ويطالبن بالكرامة والمساواة والعدالة، مؤكدة أن استبعاد النساء يجعل السلام هشاً بينما إدماجهن يفتح أبواب الحوار والاستقرار طويل الأمد.
واختتمت بتحديد ثلاث أولويات أساسية يجب أن تكون النساء في صميم عمليات السلام، كمفاوضات وصانعات قرار، ينبغي تعزيز الشبكات النسائية المحلية والإقليمية لتقوية أصواتهن وتوفير الدعم في البيئات العدائية، الاستثمار المستدام في قيادة النساء، من خلال توفير الموارد، والتعليم، والدعم طويل الأمد، ضروري لتحقيق السلام المستدام.
الوقاية من الحرب تعني بناء مجتمعات شاملة
قالت مليحة مغازهاي، المؤرخة الاجتماعية، إنه في الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي استمرت 12 يوماً، دفعت النساء والأطفال الثمن الأكبر، لكن في أحلك اللحظات، تجلت روح الصمود البشري وتضامن النساء حيث كان الناس يتشاركون الطعام والمأوى.
وأضافت إن القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن يعترف بالتأثير غير المتناسب للنزاعات على النساء، ويدعو إلى مشاركة كاملة للنساء في عملية السلام، لكن التاريخ أظهر أن النساء غالباً ما يتم تهميشهن. عندما تكون النساء حاضرات كقائدات وصانعات قرار، تصبح اتفاقيات السلام أكثر استدامة، لأن رؤيتهن تنبع من الحياة اليومية والأسرة والمجتمع.
وأكدت أن السلام المستدام يعني العدالة والكرامة والفرص والأمن الإنساني، وبدون النساء كصانعات قرار حقيقيات، يكون السلام هشاً ومؤقتاً، مضيفةً أن الوقاية من الحرب لا تقل أهمية عن إنهائها، وتتطلب مجتمعات شاملة تتقاسم فيها النساء السلطة وتُسمع فيها جميع الأصوات.