اليمن يحتضن متحف الذاكرة لتوثيق معاناة سكان تعز خلال الصراع

نُظمت فعاليات معرض "متحف الذاكرة" الذي أقيم في مدينة تعز لتوثيق معاناة سكان المدينة تحت الحصار المستمر، وضم المعرض أكثر من 430 عملاً فنياً جسدت أوجه الألم والدمار وسط حضور واسع من مختلف فئات المجتمع.

رانيا عبد الله

اليمن ـ أكدت المشاركات في معرض "متحف الذاكرة" على أن ما قدمه المشاركون في المعرض من رسومات وإبداعات كانت بالفعل وسيلة لاسترجاع الذكريات القديمة، حيث أنها حملت رسائل متعددة، منها ما يعكس الأزمات التي تمر بها مدينة تعز "يجب إبقاء الذاكرة الحقوقية حية لضمان عدم نسيان ما تعرضت له المدينة".

لا تزال مدينة تعز، الواقعة جنوب غرب اليمن، تعيش تحت وطأة الحرب والحصار الذي امتد لأكثر من عشر سنوات، حيث دفع سكانها ثمناً باهظاً نتيجة القصف المستمر والحصار المفروض منذ عام 2015 من قبل الحوثيين، وفي محاولة لتوثيق هذه المعاناة وتخليد الذاكرة الجمعية نُظمت كل من مكتب "شؤون الحصار" بالتعاون مع مكتب الثقافة، وفرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف، ومنظمات "سام" للحقوق والحريات، ورابطة "أمهات المختطفين"، ومعهد ""D.T بداية أيلول/سبتمبر الجاري فعاليات معرض "متحف الذاكرة" في المتحف الوطني بالمدينة.

وضم المعرض أكثر من 430 عملاً فنياً متنوعاً، شملت لوحات تشكيلية وصورا فوتوغرافية ومجسمات تعبيرية، جسدت جميعها أوجه المعاناة التي يعيشها سكان تعز ويستمر المعرض لمدة أسبوع، وشهدت حضوراً واسعاً من مختلف فئات المجتمع، من شخصيات اعتبارية وناشطين وناشطات ومواطنين، الذين عبروا عن أهمية المتحف في حفظ وإحياء الذاكرة الجمعية، مؤكدين أنه يوثق جريمة الحصار ويخلدها في الوعي العام.

 

رسائل من قلب المعاناة

وعلى هامش المعرض قالت الصحفية، معالي أحمد إن "متحف الذاكرة" كان بالفعل وسيلة لاسترجاع الذكريات القديمة، من خلال إبداعات الشباب ورسوماتهم التي حملت رسائل متعددة، منها ما يعكس العشق الذي تعيشه تعز، ومنها ما يرمز إلى العطش والأزمات التي تمر بها المدينة "أن اللوحات والصور كانت مليئة بالحيوية، وأن زيارتها للمتحف منذ افتتاحه وحتى اليوم جعلتها تشعر بأن الرسالة وصلت، وأن الفنانين الجدد استطاعوا التعبير عن معاناة تعز من خلال أعمالهم الفنية".

وعبرت هدى هاني وهي احدى الزائرات في المعرض وكانت تقطن خارج المدينة، عن دهشتها من تفاصيل المعرض، وقالت إنها كانت تعلم بوجود أزمة، لكنها لم تكن تتخيل حجم المعاناة التي عاشها الناس، خاصةً الأطفال، في ظل صعوبة التنقل ونقص المواد الغذائية، مشيرةً إلى أن الطريق الطويل الذي كان يسلكه الناس عبر الجبال يعكس حجم الكارثة، وأن العالم يجب أن يعرف ما يحدث في تعز.

أما ريم محمد الشكري وهي معلمة في مجمع هال سعيد، فقد أكدت أن مشاركتها في المعرض جاءت لتوصيل رسالة عن الخراب والدمار الذي لحق بالمدينة، وما نتج عنه من تشريد للأسر وانتشار الأمراض "أن اليمن لا يزال يعاني وخصوصاً مدينة تعز، ويفتقر الشعب إلى أبسط مقومات الحياة"، مشيرة إلى أن المرض والتشرد هما أبرز مظاهر المعاناة المستمرة.

 

فنانات يافعات

وحظي المعرض بمشاركة فنية لعدد من الفتيات اليافعات اللاتي عبرت رسوماتهن عن المعاناة والدمار الذي عاشته مدينة تعز، وتحدثت بسمة مختار، وهي فنانة شابة تبلغ من العمر 17 عاماً، عن لوحتها التي رسمتها بالفحم، والتي تجسد طفلاً يتمسك بلعبته رغم الدمار من حوله، في إشارة إلى تمسك الأطفال بطفولتهم رغم الحرب.

وأوضحت أن السلاسل في اللوحة ترمز إلى الأسر، بينما ترمز الحمامة إلى الأمل القادم، مضيفةَ أنها اكتشفت موهبتها في الرسم خلال الحرب، لكنها واجهت ركوداً كبيراً في تنمية هذه الموهبة بسبب استمرار الحرب، وعدم وجود جهات داعمة أو معاهد تعليمية، وتأمل أن يعم السلام ويُشجع الفنانون منذ بداياتهم.

ومن جهتها قالت الطالبة رهف صلاح البالغة من العمر 15 عام "شاركت في المعرض لتوثيق المعاناة التي عشنها وما زلنا نعيشها، أن المشاركات البسيطة التي عرضت في المتحف تمثل جزءاً من الحياة التي عاشها الأطفال في تعز"، متمنية أن يعيش أطفال اليمن مثل باقي أطفال العالم في سلام، وأن تنتهي هذه المعاناة قريباً"، مضيفةً أن مشاركتها جاءت لتقديم تأثير بسيط من خلال الرسومات التي تعكس ما عاشه الأطفال في ظل الحرب.

وقدم "متحف الذاكرة" سرداً بصرياً وفنياً لتجربة الحصار، من خلال عرض أكثر من 250 لوحة فنية، و165 صورة فوتوغرافية، و20مجسماً تعبيرياً، بالإضافة إلى شاشة عرض وركن مخصص لشهادات وتجارب الضحايا. كما يحتوي المتحف على عدد من مخلفات القذائف والصواريخ، في محاولة لتوثيق المأساة وتحويلها إلى ذاكرة جمعية حية تخدم مسار العدالة والمصالحة المجتمعية.

وشهد افتتاح المعرض حضوراً واسعاً من مختلف الشرائح السياسية والثقافية والأكاديمية، إلى جانب عدد من مدراء العموم والشخصيات الإعلامية والثقافية، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، الذين أكدوا أهمية هذه الفعالية في نقل صورة حقيقية عن معاناة تعز، وتوثيقها للأجيال القادمة.