الأمم المتحدة تكشف عن انتهاكات جنسية مروعة ضد أطفال ونساء في اليمن خلال 2024

سلط تقرير أممي جديد الضوء على تصاعد العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في اليمن خلال عام 2024موثقاً 11حالة اغتصاب وانتهاكات ضد أطفال وفتيات في بيئات احتجاز ومخيمات الحوثيين.

اليمن ـ تشهد مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن انتهاكات خاصةً بحق الأطفال، مثل تزويج القاصرات وتجنيد الفتيات، في ظل صمت مجتمعي وتقصير في المحاسبة، مما يزيد من تفاقم معاناة الضحايا في بلد يرزح تحت وطأة الحرب.

سلّط تقرير أممي حديث الضوء على واحدة من أكثر الزوايا قتامة في النزاع اليمني المستمر منذ أكثر من عقد، حيث وثّقت الأمم المتحدة تعرض 11فتى وفتاة لحوادث اغتصاب وعنف جنسي خلال عام 2024، مؤكدة أن هذه الأرقام لا تمثل سوى جزء ضئيل من الواقع المظلم الذي يعيشه الضحايا في بلد تمزقه الحرب المستمرة منذ سنوات.

ووفق التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول العنف الجنسي المرتبط بالصراعات، فقد تحققت المنظمة الدولية من ارتكاب حوادث اغتصاب وانتهاكات أخرى ضد ستة فتيان وخمس فتيات بين كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ديسمبر 2024، مشيرة إلى أن النساء والفتيات تواجهن مخاطر متزايدة في ظل صمت اجتماعي وخوف واسع من الوصم والانتقام، ما يجعل معظم الحالات طي الكتمان.

 

عنف ممنهج

وأكد التقرير أن العنف الجنسي في اليمن مرتبط بالنزاع بصورة مباشرة، ويُستخدم كأداة ضغط، إذ غالباً ما يتعرض الضحايا للاستغلال الجنسي والتعذيب النفسي والجسدي أثناء الاحتجاز أو ضمن بيئات مسيّسة، كالمخيمات الصيفية التي ينظمها الحوثيين للأطفال لتلقينهم عقائدياً والتي تحولت إلى بيئة خطرة شهدت وقوع اعتداءات جنسية، بينها حالات اغتصاب للأطفال، إضافة إلى ممارسات تشجع زواج القاصرات القسري كوسيلة لضمان الولاء للجماعة.

وأشار التقرير إلى زيادة ملحوظة في تجنيد الفتيات ضمن ما يُعرف بـ"الزينبيات"، الجناح الأمني النسائي للحوثيين، حيث يتم اختطاف بعض الفتيات قسراً، واستغلالهن لاحقاً في العمل المنزلي القسري والعنف الجنسي. وتعتبر هذه الممارسات انتهاكاً صارخاً للمواثيق الدولية ولحقوق الطفل، وتؤكد أن العنف الجنسي في اليمن ليس حوادث معزولة، بل ظاهرة منهجية مرتبطة بأساليب القمع والتلقين العقائدي.

وبحسب فريق الخبراء الأممي المعني باليمن، فإن العنف الجنسي لا يقتصر على النساء والفتيات، بل يشمل أيضاً الأطفال والرجال في مراكز الاحتجاز، حيث يُستخدم كأداة تعذيب وقمع، ويؤكد التقرير أن هذه الممارسات تمثل شكلاً من أشكال العنف الممنهج الذي يهدف إلى إذلال الضحايا وكسر إرادتهم، مما يزيد من معاناتهم النفسية والاجتماعية على المدى الطويل.

 

احتجاز تعسفي

وأوضح التقرير أن الحوثيين لجوا خلال العام الماضي إلى احتجاز تعسفي لموظفين أمميين وعاملين في منظمات محلية ودولية، ما أدى إلى تعليق خدمات حيوية كانت تقدم للناجين والناجيات من العنف الجنسي، خصوصاً في مناطق سيطرتهم شمالي البلاد.

وزاد الوضع سوءاً بعد فرض قيود مشددة على حركة الموظفات اليمنيات العاملات في منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، إلى جانب أزمة تمويل حادة أعاقت تقديم الدعم الضروري للضحايا، بما في ذلك الرعاية النفسية والقانونية والطبية.

وحث الأمين العام للأمم المتحدة جميع أطراف النزاع على السماح بالوصول دون عوائق إلى مرافق الاحتجاز لضمان رصد الانتهاكات والتحقيق فيها، داعياً الحوثيين إلى "الإفراج الفوري عن المدنيين المحتجزين تعسفياً، بمن فيهم الموظفون الأمميون والعاملون في المنظمات الإنسانية"، كما طالب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إلى ضمان تقديم خدمات متخصصة للضحايا، وتطوير برامج حماية تستجيب للاحتياجات العاجلة للنساء والفتيات.

 

توثيق محلي وانتهاكات مأساوية

وأصدرت مؤسسة رصد لحقوق الإنسان في نيسان/أبريل 2024 تقريراً بعنوان "أخاف من الفضيحة" يوثق حالات اغتصاب الأطفال في اليمن، وأشار التقرير إلى أن العديد من هذه الجرائم لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية، مؤكداً أن المراكز الصيفية التابعة للحوثيين تشكل بيئة محفوفة بالمخاطر تعرض الأطفال لانتهاكات جنسية متنوعة.

وفي مدينة مأرب، سجلت الجهات القضائية أكثر من 60 قضية اغتصاب للأطفال خلال عامي 2021 و2022، مشيرةً إلى أن هذه الجرائم لم تقتصر على مخيمات النازحين، بل امتدت إلى المناطق السكنية المختلفة، وتقدر المصادر أن نسبة القضايا المبلغ عنها لا تتجاوز 5% من إجمالي الحالات الفعلية، بسبب الخوف والوصمة الاجتماعية.

أما في مدينة حجة، فقد وثقت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان في تشرين الأول/أكتوبر 2022 حالات اغتصاب لست فتيات قاصرات وامرأة على يد جنود سودانيين تابعين للتحالف، وأسفرت إحدى هذه الاعتداءات عن وفاة إحدى الفتيات، بينما تم اختطاف أخرى، ودعت المنظمة إلى إنشاء آلية دولية للمساءلة الجنائية لضمان محاسبة الجناة ومنع تكرار هذه الجرائم.

ويؤكد مراقبون حقوقيون أن معظم الانتهاكات الجنسية في اليمن تبقى في الظل بسبب الخوف والوصمة الاجتماعية، ما يجعل الضحايا وأسرهم غير قادرين على الإفصاح عن الجرائم، ويرى هؤلاء المراقبون أن استمرار العنف الجنسي يعود جزئياً إلى غياب المساءلة وضعف آليات العدالة في مناطق النزاع، إذ لم يُقدّم أي من مرتكبي الجرائم إلى المحاكمة علناً، ما يعزز ظاهرة الإفلات من العقاب ويشجع على تكرار الانتهاكات.

ويجب تحرك عاجل لضمان حماية النساء والأطفال، وتقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا، مع الضغط على الأطراف المسؤولة للامتثال للقوانين الدولية ووقف هذه الانتهاكات فوراً، إذ إن صمت المجتمع المحلي والدولي أمام هذه الانتهاكات يعزز المعاناة ويعمّق الجروح النفسية والاجتماعية للضحايا، ويحوّل الجرائم إلى أداة قمع مستمرة تهدد حاضر ومستقبل اليمنيين.