أزمة النفايات في كرماشان بين الادعاءات الحكومية والواقع البيئي المرير

تزداد أزمة النفايات في كرماشان سوءاً يوماً بعد يوم، إلا أن الادعاءات الحكومية بشأن إعادة التدوير بنسبة مئة بالمئة بعيدة كل البعد عن الواقع الميداني، حيث تسعى مصانع إعادة التدوير لتحقيق أرباح للمساهمين أكثر من سعيها لحماية البيئة.

نسيم أحمدي

كرماشان ـ إن فقدان مصادر المياه الجوفية، وهبوط الأرض، والتلوث البيئي، وانقراض الأنواع الحيوانية، كلها عوامل تهديد حذر منها نشطاء البيئة منذ سنوات طويلة بشأن عواقبها الوخيمة، إلا أن السلطات الإيرانية تجاهلت هذه التحذيرات وسعت إلى إنكار الحقيقة، لأن الأسس التي يقوم عليها هذا النظام مبنية على أرض كلما كانت أكثر جفافاً، زادت منافع أصحاب القرار فيه.

في السنوات الأخيرة، واجهت البيئة في إيران أزمات عديدة، وإذا أردنا التركيز على محافظة كرماشان ودراسة قضية واحدة، فإن أزمة تراكم النفايات فيها تُعد من القضايا التي قد تُحدث آثاراً لا يمكن تعويضها على بيئة هذه المحافظة، وبغض النظر عن غياب ثقافة فرز النفايات من مصدرها، فإن الحكومة لم تضع أي حلول لتعويض التقصير في إدارة النفايات وإعادة تدويرها.

 

زيادة إنتاج النفايات والإحصاءات المتناقضة

وفقاً للإحصاءات المتوفرة، فقد ارتفع معدل إنتاج النفايات في كرماشان خلال العامين الماضيين من 600 طن يومياً إلى 1500 طن، مما يدل على أن وتيرة إنتاج النفايات في كرماشان في تصاعد مستمر، وفي المقابل لا توجد أي مصادر دقيقة وموثوقة يمكن الاستناد إليها بشأن إعادة تدوير هذه الكمية من النفايات.

في عام 2019، أعلنت وكالات الأنباء التابعة للحكومة أن 700 طن من النفايات يتم إعادة تدويرها يومياً في كرماشان، بينما أفادت نفس المصادر الحكومية في مكان آخر أن إنتاج النفايات اليومي في كرماشان يبلغ 600 طن، ومن خلال هذين الخبرين يُستنتج ما يقارب أكثر من 100% من النفايات المنتجة في كرماشان يتم إعادة تدويرها، في حين أن الدول الرائدة في مجال إعادة التدوير لا تدّعي أبداً إعادة تدوير جميع نفاياتها بنسبة 100%، بل تتراوح نسب إعادة التدوير لديها بين 60% إلى 90% في مجالات مختلفة.

وبناءً على هذا الادعاء، فإن محافظة كرماشان وحدها قد تفوقت على دول مثل ألمانيا، والنمسا، وبلجيكا في مجال إعادة التدوير، ويأتي هذا الادعاء في وقت تمتلئ فيه حاويات النفايات في شوارع كرماشان بالنفايات، ووفقاً لأقوال العديد من السكان، فإن هذه الحاويات لا تُفرغ في كثير من الأحيان لأسابيع.

 

الفجوة بين الادعاء والواقع في إعادة تدوير النفايات

إن تهالك أسطول نقل النفايات، وحاويات القمامة التي تحتاج إلى استبدال وصيانة جذرية، وعدم وجود حاويات مخصصة لفرز النفايات في شوارع كرماشان، كلها مؤشرات تدل على أن المدينة لم تحقق أي تقدم يُذكر في مجال إعادة تدوير النفايات، بل لم تخطُ حتى خطوة واحدة في هذا الاتجاه.

حيث تروج الحكومة بشكل واسع لإعادة تدوير النفايات المنتجة في كرماشان من خلال "شركة إعادة تدوير المواد وإنتاج السماد العضوي" الواقعة فيها، وتدّعي أن هذه الشركة تقوم بإعادة تدوير 100% من النفايات المنتجة في المحافظة، لكن اللافت للنظر هو أن هذه الشركة، وفقاً للزيارات الميدانية والمعلومات المتوفرة، لم تلعب دوراً فعّالاً في الحد من مصادر التلوث البيئي، بل إنها مجرد مصنع يهدف إلى تحقيق الأرباح لمساهميه.

وتدّعي إدارة هذه الشركة أن معظم النفايات المنتجة في مركز كرماشان والمدن التابعة لها يتم إعادة تدويرها، لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الهدف الأساسي يجب أن يكون تقليل إنتاج النفايات والتلوث البيئي، وليس فقط تحقيق الأرباح من إعادة تدوير النفايات لصالح فئة محددة تعمل في هذا المجال.

 

عدم كفاءة مصانع إعادة التدوير وتركيزها على المصالح الشخصية

الهدف من طرح هذا الموضوع هو أنه إذا كانت هذه المصانع تدّعي أنها تعمل في مجال حماية البيئة، فلماذا لا تقوم بتركيب أي حاويات نفايات قابلة للفرز في شوارع المدينة؟ ولماذا لا تزال بيئة مدينة كرماشان، بالإضافة إلى المناطق المحيطة بها، مليئة بالنفايات ومخلفات البناء؟ في عام 2014، تم الإعلان عن افتتاح أول مصنع لإعادة تدوير مخلفات البناء في كرماشان، والذي قيل إنه يمكن أن يكون نموذجاً يُحتذى به في باقي المحافظات، لكن بعد حصول القائمين عليه على مبالغ كبيرة من الميزانية والقروض الضخمة، تم إغلاقه بعد عدة أشهر فقط.

شركة إعادة تدوير المخلفات هذه تُدار من قبل نفس الإدارة التي تدير شركة إعادة تدوير النفايات في محافظة كرماشان، والتي تم الإشارة إليها سابقاً، مما يُستنتج منه أن الهدف الأساسي هو تحقيق الأرباح للمساهمين وليس معالجة الأزمات البيئية في المحافظة، فشركة إعادة تدوير النفايات، وخلال 11 عاماً الماضية، لم تقم بأي نشاط يُذكر في مجال معالجة مخلفات البناء، بل اكتفت بتحديد موقع لتجميع هذه المخلفات بهدف إدخالها في دورة إعادة التدوير، إلا أن هذا الموقع لم يشهد أي عملية تدوير فعلية، بل تحول إلى مكان لتكديس المخلفات فقط.

 

عدم كفاءة مصانع إعادة التدوير وتركيزها على المصالح الشخصية

وهناك هدف أخر من طرح هذه المواضيع هو أنه إذا تم افتتاح مصنع بهدف إعادة التدوير، فيجب أن يكون نهجه قائماً على تقليل إنتاج النفايات، وتنظيف البيئة، ومعالجة جميع أنواع التلوث البيئي، لا أن يكون هدفه الوحيد هو الربح المالي.

 

نقص الميزانية وضعف المعدات ووضع العمال

تم تحديد ميزانية بلدية كرماشان لعام 2025 بمقدار 8500 مليار تومان، وهو ما يعادل الدعم النقدي البالغ 45 ألف تومان لـ 188 مليون شخص، أي ما يقارب ضعف عدد سكان إيران، وإذا تم تخصيص فقط 1% من هذا المبلغ لشراء حاويات فرز النفايات وتوفير برامج تدريبية متنوعة، يمكن تقليل إنتاج النفايات والتلوث البيئي بشكل كبير.

يستخدم معظم عمال النظافة في البلدية أدوات بدائية مثل العربة اليدوية والمجرفة لجمع النفايات، ويتقاضى عدد كبير منهم أدنى مستوى من الرواتب، بالإضافة إلى أن زي العمل الذي يرتدونه غالباً ما يكون ممزقاً ومهترئاً، فإن حالتهم الصحية والجسدية ليست جيدة، مما يدل على أن البلدية تفرض عليهم أقصى قدر من العمل مقابل أدنى أجر، وتسعى إلى تخصيص أقل ميزانية ممكنة للعناصر الأساسية المسؤولة عن جمع النفايات في المدينة.

وبالإضافة إلى العيوب الكثيرة في المعدات ووضع عمال النظافة في بلدية كرماشان، فإن شاحنات نقل النفايات متهالكة، وحاويات النفايات المستخدمة خارج الخدمة، مما يدل على أن الإجراءات المتخذة لمعالجة النفايات في مدينة كرماشان ليست سوى إجراءات شكلية تهدف إلى التغطية على الواقع، وتبرير التقصير الفاضح من قبل هذه المؤسسة.

 

واقع أزمة النفايات في كرماشان

بالنظر إلى التحليلات السابقة والوضع الحالي في شوارع المدينة التي تغصّ بالنفايات، يمكن القول إنه خلافاً لجميع الادعاءات التي تطرحها الحكومة بشأن معالجة النفايات في كرماشان، فإن أزمة النفايات تتجاوز بكثير التصور الذي تحاول السلطة ترسيخه في المجتمع من خلال غطاء إيجابي؛ غطاء مهما تم تزيينه بادعاءات زائفة، فإنه لا يستطيع إنكار الحقيقة المتمثلة في أن الحكومة تلعب دوراً في تفاقم هذه الأزمة.