نساء غزة تواجهن المرض بالوعي... جلسة حوارية تكشف الواقع الصحي الكارثي في الملاجئ

أكدت المشاركات في الجلسة الحوارية التوعوية، أن ما يواجهه سكان غزة من انتشار للأمراض والأوبئة ليس قضاءً حتمياً بل نتيجة مباشرة لانهيار المنظومة الصحية، وغياب الشروط البيئية السليمة للحياة.

نغم كراجة

غزة ـ سلّطت الجلسة التوعوية التي نظمتها الجمعية الفلسطينية الأهلية بدعم من مؤسسة "هيومنتي" الضوء على الأمراض المعدية التي تهدّد صحة النساء في مراكز الإيواء، وتساهم في رفع وعيهن بطرق الوقاية والسلامة الصحية.

في ظل اتساع رقعة النزوح وازدياد التكدس في مراكز الإيواء المنتشرة في قطاع غزة، نفذت الجمعية الفلسطينية الأهلية بدعم من مؤسسة "هيومنتي" جلسة حوارية نوعية استهدفت مئات النساء داخل تلك الملاجئ، سلطت خلالها الضوء على تصاعد خطر الأمراض المعدية التي باتت تحاصر النساء والأطفال في أوضاع غير إنسانية، منذ اندلاع حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وجاءت الجلسة ضمن سلسلة تدخلات مجتمعية تستهدف التوعية والحد من المخاطر الصحية، قادتها الدكتورة أنهار الدهيني، التي شكّلت بمداخلتها محوراً رئيسياً في النقاش، وأفسحت المجال للأصوات النسائية الحقيقية من قلب الأزمة لتشاركن تجاربهن المؤلمة.

 

المعرفة وقاية والوعي سلاح النساء في مواجهة الأوبئة

وافتتحت أنهار الدهيني الجلسة قائلة "إن ما نعيشه اليوم من تفشٍ سريع وخطير للأمراض المعدية بين النساء والأطفال ليس قضاءً حتمياً بل هو النتيجة المباشرة لانهيار المنظومة الصحية، وغياب الشروط البيئية السليمة للحياة، حين تعيش العائلة الواحدة في خيمة صغيرة مكتظة، وتُحرم من الماء النظيف، والغذاء الكافي، والخدمات الصحية الأساسية فإن الفيروسات والبكتيريا تجد طريقها إلى أجسادنا بسهولة، وتنتقل بيننا دون حواجز"

وأوضحت للنساء خلال الشرح المبسط والمكثف، أن أبرز الأمراض المعدية التي سُجِّلت في المخيمات ومراكز الإيواء شملت التهابات الجهاز التنفسي الحادة، والإسهالات الشديدة، والتسمم الغذائي، والتهابات الكبد الوبائي إلى جانب الطفح الجلدي، والجرب، والقمل، وبعض حالات جدري الماء، مؤكدةً أن غياب أدوات النظافة الشخصية، وتلوث مصادر المياه، والاكتظاظ، وتوقف حملات التطعيم عوامل ساهمت في تفشي هذه الأوبئة بصورة غير مسبوقة.

كما خصّت في حديثها النساء الحوامل والمرضعات، محذرةً من تعرضهن لأعراض مضاعفة نتيجة ضعف المناعة وسوء التغذية، ما يعرض الجنين والأم معاً للخطر لا سيما في ظل غياب المتابعة الطبية المنتظمة.

ووفقاً للتقارير الصادرة عن منظمات أممية عاملة في غزة، فقد سُجل ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بالأمراض المعدية بين النساء والأطفال داخل مراكز الإيواء منذ بدء حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حيث تم توثيق أكثر من 120 ألف حالة إصابة بأمراض جلدية وتنفسية وهضمية، كان للنساء والأطفال النصيب الأكبر منها، وأشارت التقارير إلى أن الاكتظاظ، وشحّ المياه النظيفة، وانعدام النظافة الشخصية، ساهمت في تفشي هذه الأمراض على نحو غير مسبوق.

وأضافت أنهار الدهيني أن "الأمراض المعدية هي نتائج لظروف صحية متدهورة، وإذا لم نستطع أن نغيّر هذه الظروف بالقوة فعلى الأقل نمتلك سلاح الوعي والوقاية، علينا أن نغسل أيدينا إن وُجد الماء، ونُبعد الأطفال عن المجاري، ونُهوّي الخيام، ونتبادل المعرفة ففي مواجهة المرض المعرفة وقاية".

"ما ذنبنا؟"

وخلال الجلسة، تم الاستماع إلى شهادات نساء عانين بشكل مباشر من تبعات هذه الأمراض، كانت الشهادة الأولى ليلى الزعانين وهي نازحة من حي الشجاعية، والتي سردت تفاصيل إصابة أطفال عائلتها بالنزلة المعوية قائلة "حياتنا في الخيام وبجوارنا أكوام من النفايات المتكدسة وحصولنا على مياه الشرب غير النظيفة في مركز الإيواء الذي نعيش فيه، لم أعد أقوى على الاهتمام بعائلتي وأخشى أن يصاب أحد منا بالتهاب الكبد الوبائي، نحن نشرب ونغتسل من ذات المصدر الملوث ولا نملك خياراً آخر ما ذنبنا؟".

 

"الجلسات تمثّل طوق نجاة حقيقي للنساء"

من جانبها قالت فلسطين الخالدي "كنت أجهل الكثير من الأمور المتعلقة بصحتي كامرأة نازحة، ولم أكن أدرك أن بعض الأعراض التي نتعامل معها يومياً قد تكون مؤشرات لأمراض خطيرة، بعد هذه الجلسة شعرت أنني أصبحت أكثر وعياً بحقّي في الحصول على الرعاية والنظافة، وتعلمت كيف أعتني بنفسي وأحمي أسرتي من العدوى، هذه التوعية جاءت في وقت نحن فيه بأمسّ الحاجة إلى المعرفة والوقاية، ولا شكّ أن مثل هذه الجلسات تمثّل طوق نجاة حقيقي للنساء فهي تمنحهن المعرفة التي تفتقدها بيئة النزوح وتعيد لهن شيئاً من السيطرة على صحتهن في ظل الفوضى والحرمان".

وفي ختام الجلسة أعلنت الجمعية الفلسطينية الأهلية عن توزيع طرود صحية نسائية في محاولة للتخفيف من وطأة المعاناة اليومية، والتقليل من معدلات انتقال العدوى، وقد ضمت الطرود مستلزمات أساسية للنساء وأطفالهن وقد جرى تسليمها للحاضرات مرفقة بإرشادات حول الاستخدام، وتوصيات عامة حول النظافة الشخصية والعزل الطوعي عند ظهور الأعراض.

وقالت أنهار الدهيني "ندرك أن هذه الطرود لا تُحدث معجزة لكنها محاولة لإسناد النساء في خط الدفاع الأول عن الأسر، وتوفير الحد الأدنى من الحماية في ظل غياب الخدمات، وتُعيد قليلاً من الكرامة المهدورة في واقع متصدع".

وخرجت النساء من الجلسة وقد حملن شعوراً بأن أصواتهن مسموعة، وآلامهن ليست مجرد أرقام في تقارير الإغاثة، ومع وعي جديد بالإجراءات الممكنة، ولو بأدوات بسيطة، أدركن أن مقاومة المرض تبدأ من الوعي، والمعلومة قد تسبق الدواء في قدرتها على الإنقاذ.

وفي مراكز الإيواء التي تتحول مع الوقت إلى مدن من خيام، وبين صرخات الأطفال ونظرات الأمهات القلقة، تبقى مثل هذه الجلسات نافذة للمعرفة، وأملاً ضئيلاً في واقع يتناقص فيه كل شيء إلا الحاجة إلى النجاة.