نساء السويداء تطالبن بحماية دولية... صرخة من قلب الألم

في ظل التصعيد المستمر والانتهاكات التي تمارسها مجموعات إرهابية مسلحة تابعة لجهاديي هيئة تحرير الشام التي تطال المدنيين في مدينة السويداء السورية، تتعالى أصوات النساء مطالبة بحماية دولية تقي المجتمع من انتهاكات تمارس بصمت.

روشيل جونيور

السويداء ـ ما يجري في مدينة السويداء السورية لم يعد مجرد رفض للسلطة، بل بات صراعاً من أجل البقاء والكرامة، هذه الكلمات تحمل نداءً مؤلماً وعميقاً، كما عبرت عنه الناشطة لينيا درويش.

ما حدث في مدينة السويداء خلال الأيام الماضية لم يكن وليد اللحظة، ولم يتفجر فجأة من فراغ، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من القهر والانتهاكات، بدأت بالتضييق والحصار، واستُكملت بتشويه سمعة أهلها واتهامهم بالانفصالية والعمالة، هذه الحكاية التي يُروى جزء منها من نيسان الماضي، تعكس مرحلة تصعيد ممنهج تعرض فيها أبناء السويداء لسلسلة هجمات وتحريض دموي من قبل جماعات إرهابية تابعة لهيئة تحرير الشام، تُنفذ تحت غطاء شرعي زائف.

بدأت الناشطة السورية لينيا درويش من مدينة السويداء، حديثها بكلمات تفيض بالألم، متحدثةً عن مدينة باتت صرخاتها لا تُسمع إلا في أروقة الألم والخذلان، السويداء، المدينة التي قررت أن تواجه الظلم بالكلمة، تواجه اليوم حملة ممنهجة خنقت صوتها، بعد أن سارعت أجهزة الأمن والتنظيمات الإرهابية لتكميم أفواه أبنائها "لا أخاطب اليوم شركاء الوطن، بل أوجه ندائي إلى أصحاب العقول الحرة والضمائر الحية، الشريك الحقيقي لا يقبل أن يُستعبد أخوه الإنسان، ولا أن تُنتهك حريته وكرامته آمل أن يصل صوتي إلى كل الأحرار حول العالم، أولئك الذين يؤمنون بأن الحرية حق لا يُساوَم عليه، لإنقاذ المدنيين العزل من حملة الإبادة الجماعية، من يصمت اليوم قد يكون ضحية الغد". 

وأشارت إلى أنه منذ أن قررت السويداء رفض سلطة القمع، وهي تعاقب على موقفها، أبناؤها يُقتلون لأنهم عبروا عن آرائهم، تُشن ضدهم حملات تحريض طائفية، وتُمارس بحقهم انتهاكات لا تصفها الكلمات، فقط لأنهم رفضوا الخضوع لسلطة تتخذ من الإبادة سبيلاً للهيمنة "تعرضت السويداء اليوم لحملة ممنهجة لأنها عارضت السلطة بالصوت والكلمة والرأي، تواجه اليوم محاولات لإخضاعها سياسياً بالنار"، متسائلةً "لماذا نقتل اليوم؟ أيعقل أن نقتل لأننا عارضنا تلك السلطة, لقد تم التحريض ضدنا طائفياً لإخضاعنا، وعندما لم نخضع سعوا لإبادتنا".

 

إرهاب ممنهج وسلطة ترتدي قناع الشرعية

ولفتت إلى أنه في مشهد لا يشبه سوى الكوابيس، دخلت الأرتال المسلحة إلى مدينة السويداء، تحمل معها السلاح والفكر المتطرف وتدعي بناء دولة "لقد مارس المسلحون العديد من الانتهاكات من قتل وخطف وحرق للمنازل، وإهانة كرامة النساء والرجال دون رادع أو حساب"، مشيرةً إلى أن الأصوات التي خرجت من أفواه هذه الجماعات لم تكن سوى أنشودة للدمار، تنشد على أنغام التحريض والطائفية، مستترة برداء شرعية مزيفة لم تخدع أحداً.

جاء الخامس عشر من تموز/يوليو الجاري، ليشكل لحظة مفصلية، حين استُخدم شعار "فض الاشتباكات" كذريعة لتوسيع المجازر "قامت قوات ما يسمى بالأمن العام في 15 تموز، بحجة فض الاشتباكات بالوقوف إلى جانب المسلحين عوضاً عن احتواء النزاع، وساهمت في تنفيذ جرائم قتل وحرق ممنهجة، وصلت إلى حد قصف المدينة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، وحتى الطائرات المسيرة".

 

جرائم ممنهجة وامتهان للكرامة

كانت الأحياء السكنية في السويداء تغفو على صوت الحياة، قبل أن تُوقظها نيران القذائف وهدم الأبنية فوق ساكنيها، لم يعد هناك مكان آمن، حتى البيوت التي كانت تروي حكايات العائلة، تحولت إلى أنقاض، في مشاهد تقشعر لها الأبدان، نُفذت إعدامات ميدانية داخل المنازل وأمام مرأى من الجيران على حد قول لينيا درويش "حتى المنشآت الطبية، التي يُفترض بها أن تكون ملاذاً للنجاة، لم تُستثنَ من الاستهداف، اقتُحم المشفى الوطني، وتروعت كوادره، وقُتل مصابون داخله خلال تلقيهم العلاج، لم يكن القصف عشوائياً، بل ممنهجاً ومدروساً ليكسر كل رموز الحياة في المدينة، والآلاف اضطروا للنزوح نحو الأرياف، تاركين خلفهم منازلهم التي أُحرقت، ومحالهم التي سُرقت، وحياتهم التي سُلبت، النساء لم يسلمن من الاعتقال الجماعي، وسط حملات خطاب طائفي وتحريض ممنهج على الكراهية".

وأوضحت أن مشاهد الإذلال طغت على تفاصيل الحياة اليومية، في استهداف سافر للكرامة والرمزية الثقافية، هذه ليست مجرد أحداث عابرة، بل جرائم موثقة تنادي للعدالة، وتطالب بصوت حقيقي يُنصف من تم سحقه تحت وطأة القمع والتواطؤ.

 

جوع وتعتيم... نداء إنساني مُستعجل

وأكدت على أن الحصار المفروض على مدينة السويداء لم يكن مجرد إجراء أمني، بل كان خنقاً مدروساً للحياة بكل تفاصيلها، أُغلقت الطرق أمام المساعدات الإنسانية، وقوافل الأمم المتحدة حُجبت عن الوصول، بل وصل الأمر إلى التعدي على منظمات كالهلال الأحمر، في مشهد يلخص مدى التعتيم المتعمد، حتى مياه الشرب لم تسلم، حيث تم تسميمها وسط غياب أي رقابة أو استجابة دولية، مما أدى إلى موت العجزة والمعاقين بصمت مخزٍ من المجتمع الدولي.

وأضافت "في هذا المشهد الكئيب، تُقتل امرأة مسنة في الثمانين من عمرها، هل كانت هذه المرأة تهدد الأمن القومي؟ تساؤل يؤلم أكثر مما يطلب إجابة"، ولفتت إلى أن الوضع في المدينة مأساوي "الجثث تملأ الشوارع، والاتصالات مقطوعة، والعائلات تعيش في عزلة كاملة عن العالم، الأهالي اليوم لا يطالبون برفاهية، بل يصرخون طلباً لدخول عاجل للمنظمات الإنسانية والصحافة الدولية، لعل التوثيق ينقذ ما تبقى من حياة خلف الركام والحصار".

 

السويداء وحدها في المواجهة

رغم إعلان وقف إطلاق النار في التاسع من تموز/يوليو الجاري، لم تُحترم الكلمات ولا الاتفاقيات، لتعود قذائف الهاون وتسقط من جديد على أحياء مدينة السويداء، المدينة التي وقفت وحدها في وجه الإرهاب، اليوم، تُعاقب على صمودها، والصمت الدولي يُسجل كوصمة عار على جبين الإنسانية "بعد صدور قرار اتفاق وقف إطلاق النار لـ 48 ساعة، قام عناصر داعش الممولة والتابعة لوزارة الدفاع السورية بخرق الاتفاقية".

وأشارت إلى أن العالم ربما عاجز عن حمايتهم، لكن أقل ما يمكن فعله هو إيصال صوت الحق، ونقل الصورة الكاملة لما يحدث في السويداء دون تزييف أو مجاملة، مطالبة بالحماية الدولية ورفع الحصار فوراً، وتساءلت "كيف يُمنح سلاح المجموعات والفصائل المسلحة صفة "الشرعية"، بينما يُصنف دفاع أبناء السويداء عن أنفسهم بأنه "غير شرعي؟".

وأكدت على أن السلطة التي لا تسعى لنزع سلاح الجماعات الإرهابية بل تغض الطرف عن جرائمهم، هي شريك مباشر في تنفيذ المجازر "ما يحدث اليوم في السويداء ليس مجرد نزاع محلي، بل معركة كرامة ووجود، ستُخلَّد في ذاكرة التاريخ".

وقارنت ما يجري بما حدث في فلسطين منذ عام 1847، حين بدأت جرائم القتل والتهجير والنكبات بحق شعبها، إلى أن جاء حصار غزة، فتعاطف العالم وأبدى ردود فعل، حتى وإن كانت مجرد خطابات، أما السويداء، فلم تسمع صوتا من العشائر العربية، إلا حين تحركت نخبها المسلحة نحو جبل الريان، لتخوض معركة لا هدف لها سوى الإبادة الطائفية، كما تصفها.