ثلاث أعوام من تكرار سيناريو الانتهاكات... المناطق المحتلة والحدودية تَنزف (2)

يستمر سيناريو سفك الدّماء وازدياد عدد الضَّحايا على الأراضي المحتلة والحدودية بشمال وشرق سوريا، وسط صمت دولي وعدم الجدية في طرح الحلول لإنهاء الأزمة من قبل أطراف الصراع

النّصف الأول من 2021... استمرار لسيناريو سفك الدّماء والنّهب   

رهف يوسف 
قامشلو ـ
منذ التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2019، حتى التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2021، لم تتوقف الانتهاكات التّركية في شمال وشرق سوريا، وتمكنت منظمة حقوق الإنسان في إقليم الجّزيرة من مواكبة وتوثيق عدد من الانتهاكات، التي تبرز الأساليب التّركية الوحشية على مدى ثلاث أعوام، وهي التي استندنا إليها خلال إعداد هذا التّقرير.  
في الـ 4 من آب/أغسطس 2021، قصفت مرتزقة ما يسمى بالجيش الوطني قرية الصَّفاويّة في بلدة عين عيسى، مما تسبب بمقتل 4 أشخاص من عائلة واحدة، وثلاث أطفال أحدهم بعمر الـ 12 عاماً، وطفلتين وأصيبت أم وابنتها.  
 
  
تشير إدارية منظمة حقوق الإنسان في إقليم الجّزيرة أفين جمعة إلى أنه في المناطق المحتلة خرجت العديد من المظاهرات التي تطالب بالكف عن الاعتداء على النّساء، "هناك حالات ضمن عشائر عربية تم فيها التّحرش بالنّساء أو اعتقالهنّ، للضغط على العشيرة أو ممارسة العنف الجنسي على المرأة ضمن المعتقلات".   
وفي الـ 17 من آب/أغسطس تعرضت بلدة زركان التّابعة لناحية تل تمر للقصف العشوائي، بأكثر من 50 قذيفة، فقدت على إثرها امرأة وطفل حياتهما، وأصيب 16 آخرون بينهم 5 أطفال و4 نساء، وتدمر عدد كبير من ممتلكات المدنيين، ونزح العديد منهم نحو قرى نذكر منها "الربيعات، الزّيديّة، الدّردارة، ومزرعة، وقبور القراجنا، مشتلة وشيغلي، باب الخير والطّويلة".
ويوم الجمعة في 17 أيلول/سبتمبر، قصفت قرية الدبس التّابعة لعين عيسى، بالأسلحة الثّقيلة والصّواريخ، وراح ضحية القصف المستمر أربع مدنيين بينهم طفل، وفي 22 أيلول/سبتمبر، قُصفت القرية نفسها مرة أخرى، وقتل أثناء ذلك شاب بعمر الـ 35 عاماً رمياً بالرصاص، بعد خطفه ونهب 50 رأس من أغنامه، وأصيب 5 آخرين طعناً بينهم رجل ثمانيني وامرأتين، حسب شهادة أحد الأهالي. وكانت قد قصفت المنطقة خلال شهر أيلول/سبتمبر بأكثر من 1067 قذيفة، واخترقت طائرات الاستطلاع سمائها 21مرة.
22 كانون الثّاني/يناير، قصفت طائرة مسيرة تركية أحد منازل المدنيين في كوباني، مما أدى لإصابة مدني بجروح بليغة، وفي الـ 16 من نيسان/إبريل قُصف منزل في قرية علبلور غربي كوباني بـ 5كم، واقتصرت الاضرار على المادية وبث الرّعب.
كما أنه في 19 آب/أغسطس، استهدفت سيارة على طريق الحسكة ـ قامشلو، وفي نفس اليوم تعرض مقر مجلس تل تمر العسكري لغارة جوية، مما أدى لمقتل 5 أشخاص بينهم امرأتين، بالإضافة لعدد من الجرحى. 
وبلغ عدد المعتقلين في النصف الأول من 2021، 117 شخص، بينهم 8 نساء، تعرضوا للتعذيب، وطالبوا ذويهم بدفع فدية مقابل الافراج عنهم.
ووثقت 5 حالات اغتصاب لنساء بينها حالتي قتل، وذكرت امرأة من رأس العين/سري كانيه، أنه ما لا يقل عن 15 امرأة تعرضنّ للاغتصاب والعنف الجنسي على يد مرتزقة ما يسمى "الجيش الوطني السوري"، وأنهن يخشين الإجهار بما حدث معهنّ خوفنّ من الانتقام ونظرة العيب.  
وعلى خط السّاجور لم تتوقف الانتهاكات خلال النّصف الأول من  2021، بدءاً من قرية الصّيادة شمال غربي منبج ووصولاً لقرية الهوشرية شمال شرقي منبج، واستهدفت القرى التّالية بالمدفعية الثّقيلة وعدد من الأسلحة "قرية التوخار الكبير 4 مرات، والهوشرية 16 مرة، والجات 15 مرة، وعون الدَّادات 4 مرات، وأم جلود 6 مرات، والدّندنيَّة 3 مرات، والعسلية مرتين، والجّاموسية 3 مرات، الصيادة وجب الصيادة 4 مرات، وأم عدسة 5 مرات، وعرب حسن كبير 5 مرات وخلال قصفها في 28 آب/أغسطس 2021 أُصيب طفل بعمر الـ 10 سنوات، كما استهدفت اليانلي 3 مرات، والزّنغل مرتين".  
وحسب التّقرير الصّادر عن المركز الإعلامي لمجلس منبج العسكري، وثق مقتل 30 مدني، وإصابة 73 آخرين، جراء استهداف قرى منبج من قبل درع الفرات. 
وفي كوباني عام 2021 انفجرت 6 ألغام، فقد بسببها مدنيين حياتهما، وأصيب آخر بجروح، علماً أن داعش كان يدخل المنطقة عبر الحدود بتسهيل من حرس الحدود التّركي. 
وعن العدد الاجمالي للانتهاكات في النّصف الأول من 2021، بلغ عدد المُختطفين والمعتقلين معاً 152 مدنياً، المعتقلون عددهم 117 بينهم ثمانية نساء، والمُختطفون عددهم 25 مدنياً وثمانية نساء.  
كما واستهدف 10 مدنيين من قبل الاحتلال التّركي بينهم امرأة و4 أطفال، وقتل 6 بينهم طفل، وجرح 33 بينهم طفل خلال اعتداءات على الحدود، وبلغ عدد ضحايا التفجيرات والاشتباكات بين الفصائل المسلحة أنفسهم 35 بينهم 30 مقتول و5 جرحى.
وبلغ إجمالي الذين تعرضوا للضرر بسبب القصف 197 بينهم 22 قتيلاً منهم 3 نساء و9 أطفال، وجرح 48 بينهم 3 عناصر من النظام و15 امرأة و10 أطفال.  
وتؤكد أفين جمعة أنه من الصّعب جداً الحصول على المعلومات من تلك المناطق "أغلب توثيقاتنا من شهود العيان في تلك المناطق، ولا يمكن الدّخول إليها، ولكن الأشخاص الذين نجوا من المعتقلات، والتّعذيب والخطف، هم أو أحد أفراد عائلتهم يروي تفاصيل ما حدث معهم، وهكذا يتم التوثيق حسب الأدلة المُتوفرة".  
 
حولوا المنازل لسجون واستولوا على ممتلكات المدنيين وجندوا أطفالهم ودمروا التّعليم وقطعوا المياه
قسموا المناطق إلى قطاعات وكل قطاع يسيطر عليه فصيل في رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي، ويمتلك كل فصيل عدة سجون كانت عبارة عن منازل لمدنيين، وتوجد سجون خاصة بالنساء، ومن الفصائل "الفرقة 14، ولواء سليمان شاه، ولواء الحمزة، ولواء السّلطان مراد النشط في رأس العين، فرقة المجد، الجبهة الشّامية النّشطة في تل أبيض، صقور الشّمال، لواء الشهيد بدر، أحرار الشّرقية، كتيبة المعتصم... وغيرها". 
وحسب شاهد عيان في المنطقة، حول الاحتلال التركي مدرسة الرازي إلى قاعدة له، وكذلك مدرسة باب الخير التّابعة لناحية زركان، ومشفى روج، ومركز الأعلاف، وكازية مطر، وعدد من المشاريع والمزارع التي تعود لـ "ذبيان الديري وعلي السعيد"، ومشروع "كابي" الذي تحول لنقطة عبور للأتراك داخل وخارج تركيا كونها الأقرب للشريط الحدودي.
وسجلت منظمة حقوق الإنسان في إقليم الجزيرة 1614 شكوى للاستيلاء على المنازل وممتلكات المدنيين 961 منها من قرى رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي، و1243 شكوى عن سرقة أثاث منزلي و18 عن الاستيلاء على معامل صناعيّة، و99 للاستيلاء على مزارع ومداجن، وسرقة 34 سيارة و292 دراجة نارية، و190 محل ونهب محتوياتها من بضاعة وعُدة داخل المحال، و488 غطاسات مائية، و259 محركات زراعية، و533 مولدة كهربائية منزلية، وسجلت شكاوى عن الاستيلاء على أراضي زراعية بمساحة 51463 دونم خاص بسكان المنطقة.
وطالبت منظمة حقوق الانسان لجان حقوق الانسان، بالضّغط على الدّولة التّركيّة، للسماح للجهات المحايدة ومنظمات حقوق الانسان ولجان تقصي الحقائق بالدخول إلى الأراضي المحتلة، والتأكد من الشّكاوى الواردة، إلا أنهم رفضوا ذلك بشكل قطعي، حسبما قالت أفين جمعة.
وفي قرى خربة جمو والداوودية وثق الاستيلاء على 80 منزل للمدنيين، وجرف 8 منازل في الداوودية لبناء قاعدة عسكرية تركيا مكانها، إضافة لإفراغ القرى الايزيدية في رأس العين/سري كانيه وعددها 15 قرية من سكانها، وناهيك عن السلب والنهب قامت المرتزقة بالاستيلاء على أراضيهم وجني محاصيلهم، ووثق حتى الآن الاستيلاء على 65 منزل إيزيدي.
وأما فيما يتعلق بالمواقع الأثرية، يوجد ما يزيد عن 100 موقع أثري في رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي، وكما حدث في عفرين توجد مخاوف من أنها تعرضت للنهب والسّلب والتّنقيب الغير قانوني، إذ بنيت قواعد عسكرية في موقعين أثريين وهما تل دهليز وتل داوودية، مما يهدد الآثار بالتّلف.
واغلقت 810 مدارس على كامل الشّريط الحدودي، وتضرر منها 27 مدرسة نتيجة القصف العشوائي، مما حرم 86000 طالب/ة من حقهم في التّعليم، إذ تم اغلاق 482 مدرسة بشكل كامل.
ولا ننسى تجنيد الأطفال، ونقلهم للقتال في ليبيا، وإذربيجان وفق مصادر حقوقية عدة، إضافة للتدريبات العسكرية للأطفال داخل المدارس. 
وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر، استهدفت مقبرة للأرمن بالقرب من قرية تل كيفجي الأشورية في ريف مدينة تل تمر، مما تسبب بتدمير أجزاء كبيرة منها، وذلك ضمن سلسلة هجمات نفذوها على الأراضي الأشورية في ريف تل تمر "تل شنان، تل كفجي، تل جمعة"، وتسبب ذلك بنزوح معظم سكانها.
أما عن المياه، قطعت الدّولة التّركية المياه عن أكثر من مليون نسمة في مدينة الحسكة، إذ أوقفت محطة علوك المؤلفة من 34 بئر والقريبة من رأس العين/سري كانيه عن العمل، وذلك بالتزامن مع تفشي جائحة كورونا، وارتفاع درجات الحرارة في الصّيف، وتم ايقاف المحطة أكثر من 19 مرة.
وخفضت تركيا الوارد المائي لنهر الفرات، مما أدى لتحول أجزاء كبيرة من مجرى نهر الفرات إلى جداول ماء صغيرة لا تكفي سوى لعيش الأسماك والكائنات النّهرية الصّغيرة، ويشهد الفرات انخفاض منسوب مياهه لأقل من 200 متر مكعب، منذ كانون الثاني/يناير 2021، مما تسبب بتهديد للثروة الحيوانية والزّراعيّة، وظهور 1400 حالة تسمم حسب تقارير طبية من المشافي والمراكز الصّحيّة، نتيجة لتلوث المياه، إضافة لخفض ساعات تقنين الكهرباء نظراً لتوقف عنفات السّد عن العمل، والتي كانت تغذي عدة نقاط رئيسية في شمال وشرق سوريا.
وتصنف أفين جمعة الانتهاكات التي أوردنا ذكرها على أنها جرائم حرب "ارتكبت على نّطاق واسع وممنهج ويومي، من أجل افراغ المنطقة، وهذه جريمة تغيير ديمغرافي، ضد الإنسانية، ويعاقب على ذلك القانون الدولي، ويمكن أن ترفع كدعاوى أمام المحاكم الدّولية منها محكمة الجنايات الدّولية".
 
ماذا عن الأهالي في المخيمات ومراكز الإيواء؟
بلغ عدد مراكز الإيواء 77 مركزاً، إضافة للمخيمات التي أنشئت لاستيعاب اللاجئين وهي "رأس العين، واشوكاني، نوروز، تل أبيض".
وتعتبر أفين جمعة أنّ زيادة شدة الانتهاكات برزت عبر ارتفاع نسب النّزوح، "كل فترة تنزح عوائل جديدة، ولا سيما في المناطق الواقعة على خطوط الجّبهة، باعتبار هناك اشتباكات من فترة لأخرى وتسلل أو هجوم، وهم يقدمون لنا أدلة صوتية أو مصورة تبرهن على الانتهاكات التي حدثت بحقهم".
لا تلقى المخيمات ومراكز الايواء أي دعم دولي، وبالرغم من ذلك ما يزال النّازحون مجبرون على السّكن فيها، ومنها مخيم واشوكاني الذي يقع في بلدة توينة 13 كم غرب الحسكة، أنشأ في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، مباشرة بعد موجة النّزوح التي رافقت الهجمات التّركية، بجهود الادارة الذّاتيّة في شمال وشرق سوريا، ونتيجة عدم قدرة المخيم على استيعاب أعداد النازحين المتزايد الذي بلغ 2378 عائلة بينهم 7490 طفلاً و10،000 امرأة، وكل خيمة فيه تحتوي 7 إلى 8 أفراد، افتتح 40 مركز للإيواء ضمن مدارس الحسكة وتل تمر وأريافها، تضم 1509 عائلة تتضمن 7432 فرداً.
وأما مخيم رأس العين الذي تأسس في 8 أيلول/ سبتمبر 2020 على مساحة 175 دونم من الأرض، يحتوي حالياً على 2160 عائلة، تتضمن 11300 فرداً، وعدد الخيم 2640 خيمة مرفقة بمطبخ صغير من الإسمنت، ولكنه يفتقر للكهرباء والماء.
وعن مخيم نوروز بمدينة ديريك، الذي تأسس في عام 2014، لاستقبال الايزيديين الذين نزحوا من شنكال في العراق أثناء هجوم داعش، فقد استقبل في عام 2018 نازحين من عفرين، وفي الأول من حزيران/ يونيو 2019 اعيد الإيزديين إلى منازلهم ونقل أهالي عفرين الذين بلغ عددهم 201 إلى خارج المخيم، ومنذ 24 تشرين الأول/ اكتوبر من نفس العام بدأ المخيم باستقبال نازحي رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي ويحوي حالياً 296 عائلة تضم 1481 فرداً بينهم 258 امرأة، و873 طفلاً، بينهم 258 طفل من عمر اليوم إلى الخمس سنوات و240 من عمر السّت سنوات حتى عمر الـ10 سنوات و275 حتى عمر الـ17 سنة، ويبلغ عدد ذوي الاحتياجات 58 حالة، والعدد في تزايد يومي، ويستطيع المخيم استيعاب ما يقارب 900 عائلة حسب مدير علاقات المخيم.
أما مخيم المحمودلي الذي يقع شمال الطبقة على طريق خط الجّزيرة بالقرب من قرية المحمودلي، فافتتح في حزيران/يونيو 2019 وتديره مفوضية اللاجئين، ويضم 1767 عائلة، تضم 8478 فرداً، ويبلغ عدد النساء 1797، والاطفال 5145.
وفي مخيم تل أبيض/كري سبي، الواقع 40 كم شمال الرقة قرب بلدة تل السّمن، والذي تم انشائه في الأول من تشرين الثّاني/نوفمبر 2019، يوجد 843 عائلة، تضم 4253 شخصاً، منهم 1914 رجل، و2339 امرأة، بينهم 2602 طفلاً.
ويعاني النّازحون ضمن المخيمات المذكورة من نقص أدنى الإمكانيات للعيش، وقلة المياه والحرارة المرتفعة في الصّيف والبرد القارص خلال الشّتاء، وفي معظمها تنعدم سبل التّدفئة والتّكييف. 
وتقول أفين جمعة أن توصيات منظمة حقوق الانسان تتمثل بإنهاء الاحتلال، والسماح بعودة المهجرين بضمانات دولية، وايجاد قوات حفظ السلام في هذه المناطق لتمنع أي انتهاكات أو شن عملية عسكرية جديدة بحجة حماية الحدود "يجب محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، فمجرد انهاء الاحتلال لا يحقق عدالة انتقالية، إضافة لأنه يجب معرفة مصير المفقودين والمخطوفين".