تصاعد مظاهر الفصل الجندري في الأماكن العامة بسوريا يثير القلق

تتصاعد المؤشرات حول تراجع مقلق في المساحة المتاحة للنساء داخل الفضاء العام السوري، ممارسات فصل جندري بدأت تطال تفاصيل الحياة اليومية في المؤسسات والمرافق، لتكشف عن مسار محافظ يتسلل بهدوء ويستهدف ركائز المساواة التي ناضلت من أجلها النساء لعقود.

مركز الأخبار ـ بينما تُرفع شعارات مدنية الدولة، تواجه السوريات واقعاً يُقصيهن ويهدد مشاركتهن الكاملة والفاعلة في الشأن العام، فقد بدأت تثار مواقف تشكّل صورة مصغرة عن واقع أوسع من التمييز الممنهج، حيث تُغلف السلطة الذكورية ممارساتها بذرائع دينية أو ثقافية، وتُبعد النساء خطوةً إضافية عن المجال العام.

في تطور لافت يعكس تغيرات مقلقة في الفضاء العام السوري، بدأت تنتشر في عدد من المدن السورية في الآونة الأخيرة، وخصوصاً دمشق، ممارسات تفصل النساء عن الرجال في المرافق العامة، شملت وسائل النقل، المصاعد، وحتى ساحات دور العبادة.

هذه الإجراءات التي جاءت أحياناً بقرارات غير رسمية وأخرى رسمية من قبل هيئة تحرير الشام التي سيطرت على السلطة، أثارت جدلاً واسعاً، وُصفت فيه بأنها انتكاسة لمبدأ المساواة ومساس مباشر بالحريات الفردية والكرامة الإنسانية.

وقد أشعلت حادثة منع المحامية السورية عهد خوجا من استخدام مصعد مخصص للموظفين الرجال في أحد المباني الحكومية في دمشق موجة غضب على مواقع التواصل الافتراضية، بعد أن طُلب منها استخدام مصعد "مخصص للنساء" تجنباً لـ "الاختلاط"، وقد أظهرت اللقطات التي نشرتها لافتات توضح المصاعد المخصصة للنساء من تلك المخصصة للرجال في المبنى.

وأثار مقطع الفيديو استياءً واسعا في مواقع التواصل، حيث اعتبر الكثير من المعلقين أن هذه السلوكيات غير مقبولة وتستند إلى منطق السلطة الذكورية وتنتقص من مكانة النساء وعملهن في الميدان العام،

بالطبع لم تمتثل عهد خوجا لما اعتبرته تمييزاً مهنياً وانتهاكاً صريحاً لحقها في ممارسة مهنتها كمواطنة ومُحامية، مؤكدة في تصريحاتها "أنا لست هنا كامرأة فقط، بل كمحامية أؤدي واجبي، ولن أسمح بالتقليل من شأني المهني".

هذه الحادثة ليست معزولة، إذ رُصدت حالات مشابهة في مرافق صحية وجامعات ومساجد، من بينها، تخصيص المقاعد الخلفية للنساء في حافلات مستشفى المواساة، وتثبيت فواصل حديدية في باحة الجامع الأموي تفصل بين الجنسين، ما أثار استياءً حتى في أوساط الزوار الأجانب، كما شهدت دمشق وعدة مدن أخرى حراكاً شعبياً يطالب بمدنية الدولة ويعبر عن رفضه للهيمنة الفكرية التي تمارسها بعض الجماعات المتشددة، وإحدى التظاهرات في دمشق حملت مشهداً أثار جدلاً واسعاً، حيث دعا أحد المشاركين إلى عزل النساء عن الرجال أثناء الاحتجاج، مردداً شعارات دينية وسط هتافات التكبير.

 

الدستور يَعِد بالحماية... والممارسات تناقضه

ورغم أن "الإعلان الدستوري الانتقالي" ينص صراحةً على منع التمييز وحماية الحريات، لا تزال الآليات المؤسسية لمساءلة الجهات المسؤولة عن الفصل الجندري غائبة أو غير فعالة، بحسب ناشطات حقوقيات.

في المقابل، بدأت أصوات نسائية ومدنية تتعالى لمواجهة هذا النهج التقييدي، عبر التوثيق، التعبئة الرقمية، والتظاهر السلمي، مطالبةً بمدنية الدولة ورفض أي شكل من أشكال الهيمنة الفكرية أو تبرير التمييز تحت عناوين "الحماية" أو "الضرورات الدينية".

وبينما يحاول البعض تبرير هذه الإجراءات بدعوى "احترام خصوصية المرأة"، ترى نساء كُثر أن في ذلك تغليفاً لفكر محافظ يقصي المرأة من الفضاء العام ويختزل وجودها في أدوار هامشية.

ولم تكن الردود مقتصرة على الاعتراض اللحظي، بل رافقتها حملات لتوثيق دور النساء السوريات تاريخياً من طبيبات ومهندسات ومعلمات في خمسينات القرن الماضي، إلى ناشطات ميدانيات اليوم في تأكيد أن المرأة السورية لم تكن يوماً على هامش التاريخ، بل في قلبه.