نساء تستحضرن ملاحم بطولية من خلال التعريف بالتراث المغربي

تحاول النساء المغربيات التعريف بالتراث المغربي عن طريق الغناء والرقص والذي جسد الملاحم البطولة من خلال الفرق الفلكلورية.

رجاء خيرات

مراكش ـ تلعب النساء دوراً هاماً في الحفاظ على التراث اللامادي والموروث الثقافي، وهو ما تجسده فرق الفلكلور المغربي باختلاف ألوانه وأنماطه، هذه الفرق التي تحتل فيها النساء مكانة هامة سواء من حيث أصواتهن الجبلية الصداحة بالمواويل أو الرقصات التي تقدمنها للجمهور.

تعد المرأة الحارس الأمين على الثقافة الشفاهية التي تلقنها للأجيال اللاحقة، والتي تحافظ عليها من الاندثار، كما أنها سفيرة الثقافة بامتياز لكونها منخرطة بشكل فعلي في الحفاظ على التراث اللامادي الذي تزخر به كل مدن المغرب من أندلسي وجبلي وأمازيغي وصحراوي حساني وغيره.

وعلى هامش المهرجان الوطني للفنون الشعبية الذي أقيم بمراكش في نسخته الثالثة والخمسون الذي انطلق في الرابع من تموز/يوليو وأسدل الستار عن فعالياته أمس الاثنين الثامن من الشهر ذاته بمراكش، تحدثت نساء تنتمين لفرق شعبية عن تجاربهن واستحضارهن لملاحم البطولة وانخراطهن المبكر في فرق الفلكلور.

 

شموخ وكفاح المرأة البعمرانية

وقالت عضوة فرقة "نفوس غوفوس للتراث" بمنطقة أيت بعمران فاطمة بولمان إنها انضمت للفرقة منذ سن مبكر، لكون المرأة البعمرانية "نسبة لأيت بعمران" تحتل مكانة هامة داخل المجتمع، وقد لعبت ادواراً بطولية في تاريخ المنطقة التي عُرفت بنضالها ومقاومتها للمستعمر الإسباني.

وأشارت إلى أن النساء كن مقاومات ومجاهدات، ومنهن من حملن السلاح وكن تخبئن المجاهدين بعيداً عن أعين المستعمر وتقمن بمهام كثيرة مثل الطبخ والتمريض في صفوف المصابين والجرحى.

وعن الصور النمطية والوصم الذي قد يلاحق الفنانة الشعبية في فرق "أحواش"، أكدت أن المرأة البعمرانية يمكن أن تكون استثناءاً حقيقياً لأنها ساهمت في تحقيق الأمجاد والبطولات وتحرير المنطقة من الاستعمار (انتفاضة سيدي إفني)، وبالتالي فهي يمكن أن تكون متساويةً مع الرجل في هذا الجانب.

ولفتت إلى أنه داخل الفرقة هناك نساء متزوجات يسمح لهن أزواجهن بمرافقة الفرقة والتجول عبر المهرجانات والعروض، لكن نسبتهن قليلة.

وأوضحت أن بعض الرقصات التي تقدمها النساء داخل الفرقة تجسد بالفعل الملاحم البطولية التي خاضها سكان المنطقة لطرد المستعمر الإسباني، حتى أضحت رمزاً من رموز المقاومة الشعبية، مما أكسبها قيمة اعتبارية مهمة داخل المدينة وخارجها.

وعن الفلكلور ودوره في التعريف بالمقاومة، قالت إن الرقص الذي تقدمه النساء داخل الفرق يعكس انخراطهن في جيوب المقاومة والتصدي للعدوان، وهو الذي منح النساء مكانة مهمة داخل الفرق. 

 

 

امرأة تقود فرقة رجالية

من جانبها، قالت رئيسة فرقة "ميزان هوارة" فاطمة الكحولي المعروفة بفاطمة الشلحة، وهي المرأة الوحيدة التي تترأس فرقة تضم عشرين عضواً تقريباً كلهم رجال.

وعن تجربتها أوضحت "تعلمت أصول الميزان الهواري (نسبة إلى هوارة في الجنوب) في سن مبكرة، وهو يعتبر من أصعب الإيقاعات المغربية، حيث ينبغي تحقيق التناغم بين الأيدي والأرجل والتحرك على الخشبة، وهو أمر يتطلب دراية واسعة وخبرة لا تتحقق إلا بالممارسة الطويلة، مما جعلني أترأس الفرقة".

وأشارت إلى أنها "إتقاني لأداء رقصة الأفعى والميزان الهواري ليس فقط من ساعداني لأكون مشرفة، بل لكوني أتمتع بقوة الشخصية وتجربة في تدبير الخلافات التي قد تحدث بين الأعضاء والبحث عن المناسبات والعروض التي نعمل فيها، وكذلك جلب اهتمام الجمهور الذي يحب هذه الرقصات، وكلها مميزات جعلت مني مؤهلة لأشرف على الفرقة لما يزيد عن ثلاثة عقود تقريباً"، وكما أكسبها ذلك شهرة داخل المغرب وخارجه، وهي تجوب مع فرقتها المهرجانات والحفلات التي يقدمون من خلالها عروضاً مميزة ويعرفون بتراث المنطقة والميزان الهواري.

أما عن غياب النساء داخل الفرقة، أوضحت أنهن تنخرطن وتتعلمن أصول وخبايا الرقص والإيقاع، لكنهن ما إن يتزوجن حتى تغادرن الفرقة لأن الأزواج والالتزامات الأسرية تمنعهن من الاستمرار "بحكم التقاليد والأعراف التي تمنع النساء من الظهور في المجالات الفنية برفقة أعضاء رجال".

تشكل فاطمة الشلحة استثناءاً بين كل النساء، لأنها عملت منذ سنوات على قيادة سيارة أجرة متنقلة بين منطقتها والمناطق المجاورة لها، استطاعت من خلال هذا العمل الذي يعد حكراً على الرجال أن تفرض نفسها بقوة على مجتمع ذكوري لا يرحم. 

 

 

التعريف بالزي والحلي

ومنذ ثلاثة عقود انخرطت فاطمة خوخوشي في العمل ضمن فرقة أحواش تبينت طاطا (جنوب المغرب)، وهو الفن الذي تلقت أصوله على يد "رايسات" رائدات سبقوها، وتعلقت به حتى أتقنته وأصبحت واحدة من الوجوه المعروفة في فرقة "أحواش".

وعن مكانة النساء داخل الفرقة، أكد أن العازفين والطبالين يتقعدون الأرض، بينما النساء تبقين واقفات بشموخ وهن ترافقن إيقاع الطبول بالتصفيق والرقص وهو ما يعكس مكانة النساء في إقليم طاطا.

وأشارت إلى أن تواجد النساء داخل فرق أحواش لا يقتصر فقط على الغناء والرقص، بل إنهن تعرفن بالتراث من خلال الزي الذي يرتدينه والحلي التي تتزين بها والذي يميز المنطقة، فالنساء ترتدين نفس الزي وتضعن نفس الحلي على رؤوسهن وجباههن وفوق معاصمهن وحول خصورهن، لافتةً إلى أن العرض لا يستقيم إلا بوجود النساء في صفوفه.

وحول ما إذا كان الرقص يضع النساء محل وصم ونظرة دونية، أكدت أن سكان المنطقة يعتزون بتراثهم وبأحواش، ولا يمكن أن تقام مناسبة أو زفاف دون فرقة لأحواش يتمايل ويتغنى معها الصغير قبل الكبير، لذلك يسود احترام كبير لهذا الموروث الثقافي الذي ينتقل من جيل لآخر، وينبغي تخليده والمحافظة عليه.

كما لفتت إلى أنها باعتبارها جدة ولها أحفاد صغار، فهذا منحها وضعاً اعتبارياً، حيث غالباً ما تحظى المرأة المتقدمة في السن بمكانة خاصة وينظر لها باحترام وتقدير حتى وإن كانت تعمل في فرقة للغناء والرقص.

 

 

نساء إملشيل… رمز الحب والصمود

تشتهر منطقة إملشيل (الجنوب الشرقي) بموسم الخطوبة، الذي يعرف توافد العديد من الأشخاص من مختلف مناطق العالم لإحيائه، والذي تعود جذوره التاريخية إلى أسطورة "أسلي وتسليت"، حيث يحكى أن حبيبين من قبيلتين متعاديتين أحبا بعضهما البعض، لكن العداء بين القبيلتين حال دون أن يتزوجا وأجبرا على الفراق، فانتحرا بعد أن رمى الفتى نفسه في بحيرة تسمى "إسلي" (أي العريس) ورمت الفتاة بنفسها في بحيرة أخرى تسمى "تسليت" (العروس) وهما بحيرتان من أجمل بحيرات شمال أفريقيا، ومنذ ذلك الحين والمنطقة تحتفل بموسم الخطوبة، موسم سنوي تتخلله زيجات جماعية تخليداً لذكرى ذلك الحب الأسطوري.

وقالت إحدى عضوات فرق أحواش "أيت احديدو" هنو موح وأكبرهن سناً "إن قبائل أيت احديدو معروفة بمقاومتها للمستعمر على مر تاريخ المغرب كباقي القبائل الأمازيغية وبالتالي فالتراث الغنائي (أحواش) ما هو إلا تعبير عن الملاحم البطولية التي قادها رجال ونساء المنطقة الأحرار الذي عرفوا بشموخهم وتصديهم لأي عدوان قادم من الخارج".

وأشارت إلى أنه هذا التاريخ أكسب المرأة مكانة هامة داخل قبائل أيت احديدو، وأصبح لها رأي يتخذ به، كما انضمامها لفرقة أحواش لا ينتقص من هذه المكانة ولا يمكن أن توصم بالعار بل على العكس هي تعتبر رمزاً للثقافة والتعريف بها من خلال هذه المهرجانات، كما أنها تعرف بالحايك (السلهام الصوفي الذي تلفه النساء حولهن).

وأوضحت أن موسم خطوبة بإملشيل أعطى إشعاعاً قوياً للمنطقة وعرف بعاداتها وموروثها الثقافي، كما أنه يشكل مناسبة لالتقاء الراغبين في الارتباط، الذي يعقدون قرانهم خلال هذا الموسم، كما يجعل الناس يحتفلون بشكل جماعي.