"ديوانه سالار"... كتاب يحلل جرائم قتل النساء في إيران

كيف يمكن للأب أن يقتل ابنته؟ سؤال حاولت رنا سليماني الإجابة عليه من خلال كتابها "ديوانه سالار"، الذي أشارت من خلاله إلى أن النظام الديكتاتوري يعتبر نفسه المحكمة العليا القادرة على اتخاذ القرارات نيابة عن الجميع، ويصبح هذا نموذجاً لرجل العائلة.

شهلا محمدي

مركز الأخبار ـ تسعى الكاتبات الإيرانيات للحد من ارتفاع معدل جرائم القتل والعنف ضد المرأة في إيران والمجتمعات الأبوية، كونها مشكلة اجتماعية معقدة للغاية تتطلب استخدام جميع الوسائل لمنع هذا النوع من الجرائم.

اندفع حشد من الناس إلى داخل الحمام مثل موجة هادرة من البحر الأسود، ترددت الصراخات والصيحات بصوت عال في جميع أنحاء القاعة، كانت النساء يرتدين الأسود يدفعن بعضهن البعض، ويحاولن الوصول، لقد كافحت حتى أتمكن من شق طريقي عبر أجساد الحاضرين، من خلال إطار الزجاج الموجود على السرير في الحمام، رأيت فتاة صغيرة ميتة مستلقية بسلام وشعرها الأسود يتدلى من رأس السرير مثل شلال، تحرك جسد الفتاة النحيل مثل قطعة ورق هشة في أيدي الموتى الباردة.

كانت امرأة تضرب على ظهر الزجاج بقبضتها وتصرخ "اغسل هذا الملاك برفق!" وكانت امرأة أخرى تسحب شعرها وتصرخ "حفيدتي، حفيدتي العزيزة"، كان صوت امرأة أخرى يقول "يا إلهي، كنت في سرير سكير، اكسر ذراعك، أي نوع من الآباء يقتل طفلته بهذه الطريقة؟".

والحانوتي الذي كان مشغولاً بعمله، يسكب دلواً مليئاً بالماء على جسد الفتاة، ويقوم الآخر بنقله، ثم يسكب دلو آخر من الماء عليه، وفجأة نظرت إلى رأس الفتاة الذي كان ملتصقاً برقبتها بشكل غريب، سقطت امرأة بعد فقدانها للوعي على الأرض عند قدمي، ارتفعت أصوات صراخ النساء، كانت هناك غرز حول رقبة الفتاة، متصلة رأسها برقبتها بغرز كبيرة.

لقد تتبعت أثر النساء اللاتي يرتدين الأسود ويضربن صدورهن، ووصلت إلى امرأة جالسة على الأرض، ممسكة بالأرض وتسكب حفنة من التراب الأسود على وجهها، ومن أنينها أدركت أنها والدة الفتاة الصغيرة.

كانت تحمل حقيبة مدرسية وردية اللون على ركبتها، وأخرجت أقلام التلوين والقرطاسية الخاصة بابنتها واحدة تلو الأخرى ووضعتها على صدرها، كان صوته متعباً وبلا حياة، وقالت إن "اليوم هو الأول من شهر أيلول، كان من المفترض أن أذهب لاستقبالك في الظهيرة في اليوم الذي بدأت فيه المدرسة"، وواصلت المرأة سرد قصة مريرة عن الليلة السابقة؛ وفي الليلة التي غادرت فيها المنزل غاضبةً، اعتقد زوجها أنها رحلت إلى الأبد، لذلك، في انتقام قاس، قطع رأس ابنتهما الصغيرة بالسكين.

هذا مقتطف من كتاب "ديوانه سالار" للكاتبة الإيرانية رنا سليماني المقيمة في السويد، والذي نشرته في خريف عام 2024، حيث طرحت في مقدمته، كيف يمكن للأب أن يقتل ابنته؟ ويتناول الكتاب قضية قتل النساء من خلال سرد قصة قتل طفلة على يد والدها، والتي شهدتها بنفسها.

وحول هذا الكتاب وفكرة كتابته والهدف منه، قالت رنا سليماني أنها شاركت أهدافها من كتابة "ديوانه سالار" وأهمية بناء الثقافة ومحاربة استمرار دائرة العنف التي يمكن أن تنتج عن الثقافة البالية والدين والحكم الاستبدادي.

 

ما هو هدفك من نشر كتاب "ديوانه سالار"؟

ونظراً لارتفاع معدل جرائم القتل والعنف ضد المرأة في إيران والمجتمعات الأبوية، فقد اعتقدت أنه ليس فقط يجب تأليف هذا الكتاب، بل وأيضاً بناء المزيد من المعلومات والثقافة في هذا المجال، لأنها مشكلة اجتماعية معقدة للغاية وتتطلب منا استخدام جميع الوسائل لمنع هذه الأنواع من جرائم القتل.

سمعنا اليوم خبراً آخر عن رجل في مدينة أردبيل أقدم على قتل زوجته أمام ابنته الصغيرة ثم انتحر، ومن المؤسف أنه لا يمر يوم إلا ونسمع فيه أنباء عن هذه الجرائم، وتستمر إيران في محاولة تجنبها بحجة أن جرائم القتل هي نزاعات عائلية، وبطبيعة الحال، من الجدير بالذكر أن هذه الجرائم ليست قضية جديدة في إيران، بل إنها مستمرة وتكثفت، والآن ما يحدث بشكل متكرر، والأمر الغريب الذي فكل يوم نسمع خبراً عن مقتل امرأة على يد رجل.

عندما يحدث العنف في المجتمع، تستمر دورة العنف هذه، هناك العديد من العوامل التي تساهم في جرائم الشرف هذه، بما في ذلك الثقافة، وتقاليد الحكومة، التي لا تردع النساء فحسب، بل هي نفسها قاتلة منهجية لهن، والأحكام التي تصدرها ضد النساء، والتي تصور النساء على أنهن شخص لا يملك السيطرة على نفسه وأن الرجال هم من يملكون السيطرة عليهن، والتبعيات الاجتماعية والاقتصادية، التي توفر بيئة مناسبة للقتل باسم الشرف.

قبل أيام كنت أقرأ خبراً مفاده أن نائب وزير الداخلية أعلن أن انتحار النساء والفتيات ظاهرة عالمية، يريدون جعلها أمراً طبيعياً دون التطرق إلى الضغوطات الاجتماعية والتمييز الممنهج السائد والذي يضيق المجال أمام النساء ويدفعهن إلى الانتحار.

بالطبع أنا ضد هذا، ولكن يجب أن ننظر إلى الحقائق، وأن هناك العديد من الأسباب التي يمكن منعها، وتنظيمها، والتوعية بها، خاصة عندما بدأت النساء يعشن حياة حرة، وتطالبن بحقوقهن وتعين حقوقهن بأنهن مالكات لأجسادهن وأن المرأة ليست شرف أحد، لأنه عندما تكون السلطة في يد أحد، لا يمكن انتزاعها منه بسهولة، والآن يبدو أن الإيرانيات مضطرات إلى النضال بشكل مضاعف ضد الذهنية الأبوية الديكتاتورية.

في هذا الكتاب، أشرت بشكل رئيسي إلى أن النظام الديكتاتوري في بلد ما يعتبر نفسه المحكمة العليا ويعتقد أنه قادر على اتخاذ القرارات نيابة عن الجميع، ويصبح هذا نموذجاً لرجل العائلة، لأن معظم الديكتاتوريين هم أيضاً من الرجال، كما نرى الآن أن شخصاً واحداً يتخذ القرارات نيابة عن المجتمع بأكمله دون أن يرغب في سماع أصوات شعبه، وهذا ما ينتشر أيضاً، عندما يقوم الرجل بشنق زوجته بحبل المشنقة فمن أين جاءت هذه المشنقة؟ لقد شاهدوا الناس يُشنقون منذ الطفولة، حسناً، هذا يظهر دور العنف.

 

ما هي أهمية بناء الثقافة في مكافحة جرائم الشرف، وباعتبارك مؤلفة كتب عن هذا الموضوع عدة مرات، ما هي أهمية هذا الكتاب من وجهة نظرك؟

من الصعب جداً بالنسبة لي، ككاتبة، أن أعبر عن هذه الآلام، أستطيع أن أكتب عن الأشياء الجميلة، لكنها ليست موجودة لأكتب عنها، عندما كتبت كتاب "عاشت الحياة" عن إعدام أربع نساء، قال لي أحد الأصدقاء "لماذا تكتبين هذه الأشياء؟ اكتبي عن أشياء من شأنها أن تبيع كتابك، وما إلى ذلك؟" ولكن قلت إن كتاباتي ليست مؤلمة، الألم موجود في مجتمعنا.

 ككاتبة، كيف لا أستطيع أن أتفاعل عندما أرى رأس امرأة مقطوعة؟ عندما أملك القدرة على استخدام القلم، لماذا لا أكتب؟ عندما أرى رأس طفلة صغيرة مقطوعة ملقاة على سرير المشرحة، وقد فعل والدها هذا بحجة غضب أمها، في حين أن اليوم التالي هو الأول من شهر أيلول وكان من المفترض أن تذهب إلى المدرسة، كيف يمكنني أن أغمض عيني عن هذا العنف؟ أعتقد حقاً أنه إذا أردنا إحداث تغيير، فيجب علينا الدعم والكتابة والتكاتف حتى يتمكن الأب، حتى في المناطق الأكثر بعداً، عندما يريد رفع يده على طفله، من فهم الألم الذي يمر به هذا الطفل؟

وفي ختام حديثها قالت رنا سليماني عن اختيار اسم مجنون للكتاب "أعتقد أنه بالنظر إلى الظروف الموجودة وحقيقة أن الإنسان يمكنه بسهولة أن يأخذ حياة إنسان آخر، فهو ليس شخصاً سليماً لأن الشخص السليم لا يمكن أن يؤذي شخصاً آخر إلا إذا كان هناك خطأ ما فيه، وكان هذا سبب اختيار اسم كتابي".