خوفاً من التمثيل بجثثهم... قصة امرأة تدفن أحبائها في حديقة المنزل
نور طليعة أم فقدت ابنها وثلاثة من إخوتها، في المجزرة التي ارتكبتها الجماعات المسلحة التابعة لجهاديي هيئة تحرير الشام في السويداء، ودفنت جثامينهم في حديقة المنزل خوفاً من التم أجسادهم بعد الموت.

روشيل جونيور
السويداء ـ أيام عصيبة مر بها الدروز في مدينة السويداء السورية عندما تمت مهاجمتهم ليلة الثلاثاء 13 تموز/يوليو من قبل جهاديي هيئة تحرير الشام تحت راية الحكومة المؤقتة، في هذه الأيام فقد نحو 1517 شخص حياتهم من بينهم 300 إعدام ميداني، وما يزال 560 في عداد المفقودين.
مساء يوم الثلاثاء أي ليلة الهجوم بدأت أصوات القذائف تقترب من قلب مدينة السويداء السورية وكانت نور طليعة تحاول أن تتشبث بما تبقى من الأمان، وزوجها كان خارج المدينة، والقصف يزداد، فاتصل بها شقيقها جميل وقال لها "تعالي إلينا، لعل وجودنا معاً يخفف من وطأة الخوف"، ذهبت إلى منزل العائلة، وهناك اجتمعت مع والدتها، وأخواتها، وزوجات إخوتها. كانت ليلة طويلة، مليئة بالقلق، قضينها في الممر الداخلي للمنزل، بعيداً عن النوافذ، تحاولن الاحتماء من القذائف التي تساقطت بلا توقف.
قبو الحلويات... ملاذ النساء
في صباح يوم الأربعاء، نزلت نور طليعة ومن معها إلى محل الحلويات التابع للعائلة على طريق الرحى، حيث يوجد قبو يمكن الاحتماء فيه، لكن القصف اشتد، والدبابات وصلت إلى المشفى، وبدأت بإطلاق النار مباشرة على المبنى، وتقول عن ذلك "كان معنا نساء من قرية المجدل، وأمهات، وأطفال. قلق الشبان علينا دفعهم لأخذنا بالسيارة، وفعلاً ركبنا في السيارات وأخذونا إلى قرية المشقوق. كنا نحو 25 امرأة، ولم نتمكن من أخذ أي شيء معنا".
العودة إلى المدينة... طريق محفوف بالموت
عاد الشبان إلى المدينة، لكن الطريق كان مليئاً بالقناصين، وكل برج مرتفع عليه قناص، وكل سيارة تتحرك كانت هدفاً، وعندما وصلوا إلى مدينة السويداء وتحديداً في محيط المشفى بدأ القنص من كل الجهات، وتعرضت السيارة للرصاص، حتى عدادات السيارة انثقبت.
وبينت نور طليعة أن أخاها "استمر بقيادة السيارة تحت الرصاص حتى الوصول إلى البيت"، وفقد أخيها بسام حياته فور وصوله إلى المنزل، وبعد نصف ساعة فقد أخيها جميل أيضاً حياته. أما عمرو حمايل ابنها فقد أصيب برصاصات متعددة، إحداها اخترقت صدره وخرجت من كتفه.
ولم يتوقف النزيف وليس هناك مشفى، ولا إسعاف، ولا اتصالات "حاولوا إسعافه، لكن المشفى خارج الخدمة. الدبابات أمام الباب، والمشفى تم قصفه".
والسيارة التي معهم كانت شبه مدمرة، والاتصالات مقطوعة "حتى الممرضين الذين نعرفهم لم يتمكنوا من مغادرة منازلهم، فالقنص في كل مكان"، ولم يتوقف نزيف عمرو حمايل حتى الساعة الثامنة مساءً، دون أن يتمكن أحد من مساعدته، ليفقد حياته أمام أعين خاله وأخيه، كما أن ابن شقيقها رأى والده يموت أمامه وهو مكبل الأيدي.
الدفن في الظلام... لحماية الجثامين
خافوا من أن يقتحم جهاديي هيئة تحرير الشام ومن يؤازرهم المكان ويروا الجثامين ويقوموا بالتمثيل بها، فانتظروا حتى حلول الظلام، وتولى شقيق نور طليعة دفنهم في حديقة منزل العائلة "تم دفن بسام، جميل، وعمرو في حديقة المنزل، دون جنازة، ودون وداع، فقط خوفاً من أن تُنتهك أجسادهم بعد الموت".
البحث عن وسيم
في صباح يوم الخميس، وبعد انسحاب المجموعات المسلحة التابعة لجهاديي هيئة تحرير الشام التي اقتحمت مدينة السويداء، بدأ البحث عن الأخ الخامس، وسيم، الذي لم يكن معهم. بحثوا عنه في المشفى، وفي بيته، وفي كل مكان، وفي النهاية وجدوه مصاباً على الطريق، وقد نفدت ذخيرته، ودفنه أخوه بجانب إخوته في بيت العائلة.
قبر جماعي في الحديقة
نور طليعة لم تفقد فقط ابنها، بل فقدت ثلاثة من إخوتها ودفنهم أخوها في حديقة منزل العائلة، ولم يكن هناك وقت للحزن، ولا مساحة للوداع، فقط خوف من أن تُهان أجسادهم بعد الموت.
قصة نور طليعة ليست استثناءً، بل واحدة من عشرات القصص التي تروى بصوت النساء، اللواتي لم يعدن يطلبن سوى أن يترك لهن حق الحزن بكرامة، وحق الحياة بأمان.