ماي ساتو: تدمير المقابر في إيران يهدد الذاكرة الجماعية وينتهك القانون الدولي
أدانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة ماي ساتو هدم قطعة الأرض رقم 41 في بهشت زهرة في طهران وتحويلها إلى موقف للسيارات، مؤكدةً أن تدمير هذه المواقع لا يطمس السرديات الفردية فحسب، بل يهدد أيضاً الذاكرة الجماعية.
مركز الأخبار ـ تتصاعد الانتقادات الدولية بعد إعلان السلطات الإيرانية تحويل قطعة الأرض رقم 41 في مقبرة بهشت زهراء بطهران إلى موقف للسيارات، وهي القطعة التي تُعرف تاريخياً باسم "قبر المعدمين" وتضم رفات عدد من السجناء السياسيين الذين أُعدموا خلال العقود الماضية، إضافة إلى ضحايا أحداث سياسية بارزة في البلاد.
أصدرت المقررة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المعنية بإيران ماي ساتو، أمس الجمعة 14 تشرين الثاني/نوفمبر، بياناً أدانت فيه مجدداً هدم القطعة 41 من مقبرة بهشت زهراء جنوب طهران، مؤكدةً رفضها للتبريرات التي قدمتها السلطات الإيرانية حول هذا الإجراء، مشيرةً إلى أن المعلومات الواردة تفيد كذلك بتعرض قبور ضحايا الانتفاضة الشعبية في البلاد، إضافة إلى قبور ضحايا حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية للهدم.
ونشرت ماي ساتو عبر مواقع التواصل الافتراضي منصة "إكس" أنها إلى جانب عدد من خبراء الأمم المتحدة، وجّهت رسالة إلى السلطات الإيرانية تندد فيها بهدم القطعة رقم 41 في مقبرة بهشت زهرة، وقد حملت الرسالة توقيع ماي ساتو نفسها، إضافة إلى ألكساندرا زانتاكي المقررة الخاصة المعنية بالحقوق الثقافية، ومقررة الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري غابرييلا سيتروني، وموريس تيدبول- بينز المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً، والمقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة وبرنارد دوهيم.
في آب/أغسطس الماضي، صرّح نائب عمدة طهران بأن السلطات قامت بتحويل قبور السجناء السياسيين الذين أُعدموا في ستينيات القرن الماضي في مقبرة بهشت زهراء إلى موقف سيارات، مشدداً على أن هذا الإجراء أثار إدانة واسعة من جانب خبراء المنظمة، خصوصاً فيما يتعلق بهدم القطعة رقم 41 من المقبرة، كما أعلن نائب رئيس بلدية طهران خلال صيف هذا العام أن القطعة رقم 41 ستُخصَّص لتشييد موقف سيارات جديد، وذلك بهدف تسهيل حركة عائلات شهداء الحرب العراقية ـ الإيرانية المدفونين في القطعة المجاورة رقم 42.
وتُعتبر القطعة رقم 41 في مقبرة بهشت زهراء واحدة من أبرز الرموز المرتبطة بمعارضي الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث دُفن فيه عدد كبير من السجناء السياسيين الذين أُعدموا خلال العقود الماضية، وعلى رأسهم أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وقد اشتهر هذا المكان باسم "قبر المُعدمين"، ويُقال إنه يضم أيضاً قبور ضحايا الانتفاضة الشعبية في إيران، إضافة إلى بعض الرأسماليين الذين أُعدموا في السنوات الأولى التي تلت الثورة عام 1979، ومنذ ذلك الحين بقيت هذه المقبرة عرضةً للتدمير والإهمال، مع فرض قيود صارمة على زيارات العائلات والناجين، ما جعله رمزاً للصراع المستمر بين الذاكرة الجماعية والسلطات.
وأوضحت ماي ساتو، أن تدمير هذه المواقع لا يطمس السرديات الفردية فحسب بل يهدد أيضاً الذاكرة الجماعية، مؤكدةً أن هذا الفعل يُعد انتهاكاً للقانون الدولي ويزيد من معاناة العائلات المتضررة "كما بيّنا في مراسلاتنا مع السلطات الإيرانية، فإن القانون الدولي يفرض على الدول واجب التحقيق في حالات الوفاة غير القانونية المحتملة، وضمان الحفاظ على الأدلة المرتبطة بها".
وأكدت أن القبور المرتبطة بالإعدامات الجماعية في ثمانينيات القرن الماضي تُعد بمثابة مسارح جريمة، وتستلزم حماية قانونية وطبية متخصصة وفق بروتوكول مينيسوتا"، وهو البروتوكول الدولي المعتمد للتحقيق في حالات الوفاة غير القانونية المحتملة.
وأفادت المقرر الخاصة بأنها أجرت مراسلات رسمية مع السلطات الإيرانية حول قضية هدم القطعة رقم 41 في مقبرة بهشت زهراء، ونشرت نص الرد الذي تلقّته من القضاء الإيراني عبر البعثة الدائمة للجمهورية الإسلامية لدى مكتب الأمم المتحدة الأوروبي في جنيف قبل أسبوعين، وجاء في الرسالة "أن المقابر في مختلف أنحاء البلاد تخضع لتغييرات دورية في استخدام الأراضي وفق لوائح التطوير الحضري، بغض النظر عن الانتماءات الدينية أو العرقية أو الجماعية، وأن هذا القسم لم يشهد أي عمليات دفن منذ نحو أربعة عقود، وأن التحقيقات الميدانية والوثائقية أظهرت أن القبور هناك كانت خالية من النقوش أو علامات التعريف أو الرموز الدينية والعرفية".
وأشارت الرسالة أيضاً إلى أنه وفقاً لكاميرات المراقبة، لم تتم زيارة سوى قبر واحد، تزوره امرأة مرة أو مرتين سنوياً ونظراً لأن حفر قبر دون تصريح ديني أو قانوني يُعد جريمةً وفقاً لقانون العقوبات الإسلامي، فقد التزمت منظمة بهشت زهراء بهذا المبدأ وامتنعت عن أي عمل يخالف الضوابط الشرعية والقانونية".
قبل حملة الهدم الأخيرة، لم يكن هذا الموقع ولا المقابر المشابهة له بمنأى عن الاستهداف، إذ شهدت على مدى العقود الماضية سلسلة طويلة من الانتهاكات المتكررة، فقد تعرّضت القبور هناك مراراً للتخريب المتعمد، سواء عبر إزالة الشواهد أو طمس النقوش، كما طالتها أعمال تدنيس ألحقت أذى بالرموز الدينية والعرفية التي تزيّنها.