في ظلام الفرمان... أحد عشر عاماً من الانتظار والأمل لا يموت
"أقسمتُ، إن عادت ابنتي، سأقرع الطبول وأعزف على المزمار، لو نادوا عادت مع أبنائها الثلاثة، لفرحت قلوبنا"، بهذه الكلمات عبّرت قمر ليفا خضر عن ألمها العميق وحنينها لرؤية ابنتها المختطفة منذ أحد عشر عاماً، في واحدة من أبشع صفحات التاريخ الإيزيدي.

جيلان روج
شنكال ـ في 3 آب/أغسطس 2014، ارتكبت داعش مجزرة مروعة بحق الإيزيديين في شنكال، فقتلت المئات واختطفت آلاف النساء والأطفال، ولا يزال مصير الكثيرين مجهولاً، بينما صمت العالم أمام هذه الفظاعة، وقف المناضلون من أجل الحرية وحدهم، مضيفين صفحة من البطولة في وجه السواد.
أملٌ ينبض وسط اليأس
في يوم الفرمان، وقعت مأساة عائلة قمر ليفا خضر، حيث اختُطفت ابنتها وأحفادها على يد داعش، ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم، وعلى الرغم من مرور أحد عشر عاماً، لا تزال الأم تعيش ألم ذلك اليوم وكأن الجرح لم يُغلق، بل يزداد عمقاً مع كل لحظة انتظار.
وسط هذا اليأس، تزرع قمر ليفا خدر بذور الأمل، متشبثةً بحلم لقاء أحفادها من جديد، تروي تفاصيل ذلك اليوم الذي صادف عيداً مقدساً لدى الإيزيديين "كانت ليلة العيد حين وصلتنا معلومات تُحذر من فرمان قادم، وبدأ الناس بالفرار، اتصلنا بأقاربنا في الجنوب، فأخبرونا أنهم يهربون عبر المنحدرات، لكن مرتزقة داعش قطعوا الطريق واقتادوهم كقطيع بلا راعٍ".
وتتابع "في الساعة العاشرة صباحاً، هربنا نحن أيضاً، كان صهري وزوجته وابنيهما وابن عمي معنا، فركبنا السيارة وتوجهنا إلى البرية، سألت جارنا العسكري عن الوضع، فقال اهربوا فوراً، فهم يقتلون الرجال ويأخذون النساء والفتيات، وهكذا، فرّ جميع الإيزيديين إلى البراري في محاولة يائسة للنجاة".
قُتلت 73 امرأة
بدأت داعش هجومها الوحشي من جنوب شنكال، مما جعل تلك المنطقة مسرحاً لأبشع المجازر والدمار والاختطاف في يوم الفرمان، كان الهجوم بالغ القسوة إلى درجة أن الإيزيديين في الجانب الشمالي اعتقدوا أن لا أحد قد نجا من الجنوب.
في ذلك اليوم، كانت قمر ليفا خضر في الشمال، بينما كان معظم أبنائها وأقاربها في الجنوب، حيث وقعت الكارثة الكبرى.
تروي ما سمعته من فظائع ارتكبتها العصابات بحق أهلها "كنا نعتقد أن الجميع في الجنوب قد قُتلوا، هربوا إلى الجبال، لكن الأطفال والشيوخ والنساء المسنات ماتوا عطشاً وجوعاً، المرتزقة تسللوا بين الناس بالسيوف، وقطعوا رؤوسهم، ولم يتركوا جريمة إلا وارتكبوها بحق الإيزيديين".
وتضيف بأسى "في كوجو وحدها، قُتلت 73 امرأة مسنّة بوحشية، خدعهم داعش بوعود كاذبة، قالوا لهم سنأخذكم إلى أماكن آمنة ونشغّل لكم المكيفات، إحدى النساء قالت لزوجة ابنها تعالي، سيأخذوننا إلى مكان جميل، وهكذا اقتادوهم إلى سولاخ، وهناك قتلوهم جميعاً، جريمتهم الوحيدة كانت أنهم إيزيديون".
فقد الأبن وزوجة الأبن والأحفاد والأخ
خلال حديثها، كانت قمر ليفا خضر تتوقف مراراً، تقول إنها عاجزة عن الكلام، ثم تعود لتكمل، وكأنها تصارع بين ألم الذكريات ورغبتها في إيصال صوتها للعالم، جزء منها يرفض استرجاع يوم الفرمان ووحشيته، وجزء آخر يصرّ على أن يسمع الجميع ما فعلته داعش، وما اقترفته القوات التي وعدت بحمايتهم، ثم خانتهم.
لم تقتصر المأساة على اختطاف ابنتها، بل امتدت لتشمل ابنها وزوجته وأطفاله الثلاثة، وشقيقها مع زوجته وأبنائهم الأربعة، وابن شقيقها مع زوجته وبناته الثلاث.
وقالت "على حد علمي، زوجة ابني وأبناؤها الثلاثة تم بيعهم، أما ابني نفسه فلا أعرف عنه شيئاً، أخي اعتُقل مع أسرته، وبعد فترة قُتل في وسط شنكال، ابنتي اختُطفت مع أطفالها الأربعة، وفُصلت عنهم في تل عفر"، مضيفةً "تم تحرير أصغر أبناء ابنتي خلال حملة الباغوز، ونُقل إلى دار الإيزيديين في إقليم شمال وشرق سوريا، إحدى بناتي هناك أخبرتني أنهم أحضروا كاميان إلى بيتها، فسألتها إن كان يعرف شيئاً عن البقية، لكنه قال إنه لم يرَ أحداً منهم".
لتجنب الوقوع في قبضة العصابات
بعد أن نجت قمر ليفا خضر وعائلتها من قبضة الموت في يوم الفرمان، لجأت إلى إقليم كردستان، بينما بقي شقيقها في شنكال يواجه المصير المجهول، تروي ما حدث لشقيقها، الذي حاول قتل نفسه وعائلته لتجنب الوقوع في أيدي داعش "أثناء الهروب، قطعت داعش الطريق عليهم واقتادتهم نحو قرية دكري، طلب أخي من السائق أن يصطدم بالحائط حتى لا يُقبض عليهم أحياء، وعندما دخلوا القرية، قفزوا من السيارة، وأغلق فم ابنته الصغيرة كيلا تُصدر صوتاً، وظلوا يختبئون ويتنقلون كل ليلة خوفاً من القبض عليهم".
استمر اختباؤهم لأيام، حتى وصل مقاتلو حزب العمال الكردستاني، الذين أنقذوهم من موت محقق، بحسب قمر ليفا خضر "لولا الكريلا، لما نجا أحد، لقد هبّوا لنجدتنا في لحظة كنا فيها على حافة الفناء".
العودة إلى الجذور... رغم الجراح
بعد فتح ممر إنساني من قبل مقاتلي الحرية، توجه الإيزيديون إلى إقليم شمال وشرق سوريا وإقليم كردستان، ومع تطهير شنكال من العصابات الإرهابية، عاد كثيرون إلى قراهم، لكن آلاف الإيزيديين لا يزالون في المخيمات.
حيث قالت قمر ليفا خضر "العودة إلى الديار خيرٌ من أي مكان آخر، عندما كنا في المخيمات، كان همّنا الوحيد هو الرجوع إلى جبل شنكال، فبدونه لا وجود للإيزيديين"
ثوب أبيض ينتظر اللقاء
في ختام حديثها، عبّرت قمر ليفا خضر عن أمنيتها العميقة "أتمنى إطلاق سراح جميع الإيزيديين الذين لا يزالون في قبضة داعش، فلا أحد يسأل عن الإيزيديين أو يفكر فيهم. مطلبنا هو تحرير الفتيات والنساء الإيزيديات"، ورغم كل الألم، لا تزال تنتظر عودة ابنتها وأحفادها، بثوبها الأبيض، رمزاً للأمل الذي لا ينكسر في وجه الظلام.