إقرار مشروع قانون حول المهر... إلغاء السجن أم إلغاء الضمانة للنساء؟

المشروع البرلماني لإلغاء السجن عن المدينين بالمهر، رغم طرحه تحت شعار "إنسنة العقوبات"، قد يُفقد النساء آخر ضمانة مالية وقانونية، ويتركهن عرضة للفقر والعنف الأسري دون حماية كافية.

مركز الأخبار ـ أعلن نواب البرلمان الإيراني، بعد إقرارهم على الخطوط العريضة لهذا المشروع، أن عقوبة السجن للمدينين بالمهر ستُلغى ويُستعاض عنها بـ "المراقبة الإلكترونية". في الظاهر، يأتي هذا المشروع بهدف تقليل عدد السجناء وتنفيذ السياسات العامة للأمن القضائي، لكن في العمق يثير أسئلة جوهرية حول مصير حقوق النساء والتوازن في عقد الزواج.

بحسب ما صرّح به رئيس لجنة القضاء في البرلمان، فقد تقرر في المشروع الجديد أن يتمكّن القاضي من استخدام أنظمة المراقبة الإلكترونية بدلاً من السجن بالنسبة للمحكومين في القضايا المالية، ومن بينهم المدينون بالمهر، وهذا يعني أن الرجل المدين، عوضاً عن الحبس، يمكنه أن يعمل أو يقيم في منزله تحت إشراف السوار الإلكتروني، مع دفع جزء من الدين تدريجياً.

يُعد هذا المشروع جزءاً من إصلاحات أوسع في "قانون كيفية تنفيذ الأحكام المالية"، حيث أُعلن أن الهدف الأساسي هو تقليل عدد السجناء الماليين وإيجاد بدائل للعقوبة السجنية، وفي النسخة الجديدة، جرى تخفيض السقف الجزائي للمهر من 110 قطعة ذهبية إلى 14 قطعة فقط، كما أُزيل عملياً الضمان التنفيذي الجزائي.

 

الخلفيات الاقتصادية والإحصائية

وتشير الإحصاءات إلى أنه من بين أكثر من 15 ألف سجين في قضايا غير عمدية في إيران، هناك نحو 1900 شخص يقبعون في السجن بسبب ديون المهر. ورغم أن هذا الرقم ليس كبيراً مقارنةً بإجمالي عدد السجناء، إلا أن حساسية الموضوع اجتماعياً وعائلياً جعلته دائماً في بؤرة اهتمام صانعي السياسات.

من ناحية أخرى، أدى الارتفاع الكبير في أسعار الذهب خلال السنوات الأخيرة إلى تحوّل المهور التي حُددت في الماضي إلى ديون ثقيلة، بحيث أصبح من المستحيل عملياً على كثير من الرجال سدادها. وهذا العامل يُعد المبرر الأساسي الذي يطرحه البرلمان لمشروع "إلغاء السجن في قضايا المهر".

ورغم أن إلغاء السجن يُعتبر مقاربة إنسانية ومنسجمة مع سياسات تقليص عدد السجناء بسبب القضايا المالية، إلا أن ناشطات حقوق المرأة يرون أن المشروع الجديد يُضعف عملياً الركيزة المالية والقانونية للنساء في الزواج.

وفي القوانين الحالية في إيران، تُقيَّد الكثير من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء بعد الزواج بموافقة الزوج. ومن هنا، يُنظر إلى المهر عملياً باعتباره الأداة الوحيدة الرادعة والضمانة المالية للمرأة في الحياة المشتركة. إن إلغاء الضمانة الجنائية للمهر من دون توفير بديل داعم، قد يضع النساء في أوضاع غير متكافئة اقتصادياً وحقوقياً.

 

فقدان السند الوحيد للنساء

في البنية القانونية الحالية في إيران، يُعتبر المهر واحداً من الأدوات القانونية القليلة التي يمكن أن تحمي المرأة من الأضرار الاقتصادية والحقوقية الناجمة عن الزواج. كثير من النساء، بسبب القيود المفروضة على حق الطلاق، حضانة الأطفال، وحتى حق السفر إلى الخارج، يرون في المهر الضمان العملي الوحيد لمستقبلهن.

مع إلغاء الضمانة الجنائية للمهر، يصبح هذا السند فعلياً بلا أثر. ونتيجة لذلك، قد تجد المرأة التي تنفصل عن زوجها بعد سنوات من الحياة المشتركة نفسها بلا ممتلكات مشتركة، ولا حق قانوني فعّال للمطالبة بمهرها. مثل هذه الظروف قد تضعها أمام الفقر، وانعدام الأمن الاقتصادي، بل وحتى العودة للاعتماد على الأسرة أو المجتمع الذي غالباً لا يقدّم دعماً كافياً للنساء المطلقات.

ويرى خبراء الأسرة أن إضعاف الضمانة المالية للنساء يمكن أن يؤدي إلى زيادة العنف الأسري، وإجبار النساء على البقاء في علاقات خطرة أو مسيئة.

وفي وضع لم يعد للمرأة فيه أداة فعّالة للضغط القانوني على الزوج المسيء، يستطيع الرجل أن يستمر في ممارسة العنف النفسي والجسدي من دون خوف من الملاحقة المالية أو القضائية.