نساء فلسطين... عندما تصبح الأرض هي القضية

كبقية مناطق الشرق الأوسط تعرضت فلسطين للعديد من الهجمات والسيطرة لكن قصتها تعقدت منذ أربعينيات القرن العشرين، وتعقدت معها قضية حقوق المرأة ففلسطين أصبحت هي قضية العرب والمسلمين وليس للمرأة الفلسطينية مكان للكفاح إلا من أجل الأرض.

سناء العلي 

مركز الأخبار ـ "فلسطين أم إسرائيل" إن مجرد التفوه بإحدى التسميتين يبين إلى أي طرف ينتمي أو ينحاز القائل أو أن الـ 75 عاماً الماضية كان لها الأثر الأكبر على واقع هذه المنطقة التي قسمت العالم إلى طرفان متصارعان، استمرت معركتهما الثقافية مع خفوت صوت السلاح فالطرف الأول هو القائل إن فلسطين للعرب مسلمين ومسيحيين، والطرف الثاني يقول إن هذه أرض اليهود التاريخية.   

ما بين الرواية التاريخية والدينية ضاعت الحقيقة وجميع الروايات عاطفية سواء كانت يهودية معتمدة على التوراة وكتب التناخ العبرية أو عربية إسلامية لا يعرف مدى مصداقيتها، لكن علم الأديان والتاريخ لديهما رواية أخرى أقرب إلى الحقيقة، وكذلك الواقع والاعترافات.

 

فلسطين أرض الكنعانيين

تؤكد المعلومات التاريخية أنه حتى عام 1200 ق.م كانت فلسطين تسمى بأرض كنعان ولكن فيما بعد أخذت تسميتها من الفلستيون أو الفلستينيون وهم الشعب القادم من الأناضول في القرن 12 ق.م، وقد هاجموا فلسطين وسيطروا على عدة مدن، وبقوا فيها لأكثر من 500 عام، كما أن مدينة أريحا من أقدم المدن في التاريخ ومرت عليها 21 حضارة منذ الألف الثامن ق.م، وهي مهد الديانتين اليهودية والمسيحية.   

أما العبرانيين أو اليهود فهم شعب كنعاني بالأصل والكنعانيون سكنوا بلاد الشام وعبدوا كلاً من إيل وابناءه بعل ويهوة وغيرهم، وتميز اليهود عن باقي الكنعانيين بأنهم اتخذوا إله واحد وهو "يهوة" إلههم القومي، وتميزوا في منطقتين هما السامرة وأورشليم، ولكن قصتهم تطورت وتشكلت ملامح اليهودية لديهم بعد أن تعرفوا على الحضارة في بابل بعد السبي عام 539 ق.م، وعلى ذلك فالسكان الأصليين لفلسطين هم الكنعانيين.  

والكنعانيون من الشعوب السامية والسامية إحدى الشعوب الكبرى الثلاث (الآرية (الهندو أوروبية) ذات اللغات الأبجدية، والقوقازية ولغتها مقطعية)، والعرب أيضاً ساميين لكن موطنهم أساساً في البادية المتاخمة للحدود الآشورية، كما جاء في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام "أقدم نص وردت فيه لفظة عرب هو نص آشوري من أيام الملك شلمنصر الثالث ملك آشور ويقصدون بها بداوة وإمارة 'مشيخة' كانت تحكم في البادية المتاخمة للحدود الآشورية... ومراد البابليين أو الآشوريين أو الفرس من بلاد العرب البادية التي في غرب نهر الفرات الممتدة إلى تخوم بلاد الشام".

احتلالات متعددة تعرضت لها فلسطين بدأها البابليون ثم الفرس واليونان من بعدهم المصريون البطالمة ثم السلوقيون الإغريق والسوريون، وفي عام 63 ق.م أصبحت فلسطين جزء إلى الإمبراطورية الرومانية ثم سيطر عليها اليونانيون عام 324 م لتصبح المسيحية هي دين الدولة، واكتسبت أهمية دينية كبيرة فيقال إن المسيح ولد في بيت لحم، وبنيت كنيسة في مكان مولده حسب الرواية المسيحية وتعتبر أول كنيسة في العالم، وراعى المسلمون ذلك عند دخولهم البلاد لعلاقتهم الطيبة مع الديانة المسيحية عام 634م، ولكن في عهد الفاطميين استولى عليها الصليبيين وكان ذلك في عام 1099م، واستمرت سيطرتهم مئة عام ثم حررها صلاح الدين الأيوبي عام 1187 في معركة حطين الشهيرة، ثم سيطر عليها العثمانيون عام 1516م.

 

التخلص من اليهود وزرع الاضطراب في الشرق الأوسط

الحرب والمؤامرات يقودها الرجال لا غيرهم لا دور للنساء في الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمت هنا وهناك من أجل تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، ولم يكن للفلسطينيات أي دور حتى ذلك الوقت في بلادهن المحتلة من قبل الدولة العثمانية، والهجمات الفرنسية والبريطانية التي استمرت لعقود.

المراجع العربية تتهم العالم بحياكة خيوط المؤامرة ضد فلسطين والشرق الأوسط بوضع إسرائيل في قلبه فيما يستند اليهود إلى المصادر التاريخية والدينية لتبرير أحقيتهم في استعادة أرضهم، والحقيقة أن القمع والإبادات ضد اليهود في أوروبا منذ القرن الخامس عشر، وحتى محاكم التفتيش التي أنشأت منذ القرن الثاني عشر من قبل الكنيسة في إسبانيا ضد المسلمين في الأندلس وجهت عدائها فيما بعد لليهود أيضاً، وارتكبت مجازر بحقهم لا تقل عما فعله هتلر في "الهولوكوست"، خلال الحرب العالمية الثانية، دفعت اليهود للبحث عن "ملجأ" باسم وطن، يحميهم من الحقد الغربي الذي سعى بكل ما أوتي من قوة للتخلص منهم، وبدأت فكرة وطن قومي من تيودور هرتزل الذي ألف كتاب "دولة اليهود" ونظم انعقاد عدة مؤتمرات في مدينة بازل السويسرية أولها عام 1897، ولكن لم تكن فلسطين هي الهدف ولكنها فرضت عليهم من قبل القوى الغربية فقبلوا بها مجبرين.

التخلص من اليهود في أوروبا كان مسعى للقائد العسكري نابليون بونابرت الذي دعاهم لدعم حملاته العسكرية قائلاً لهم "سارعوا للمطالبة باستعادة مكانتكم بين شعوب العالم"، وطالبهم بالتوجه صوب فلسطين في العام 1799، وكان لوزير خارجية بريطانيا آنذاك اللورد بالمرستن الرأي ذاته في إقامة دولة لليهود وفي فلسطين تحديداً، فهناك وثيقة مسربة من القنصل البريطاني في القدس، وليام يونج، إلى اللورد بالمرستن عام 1839 يشرح فيها الأوضاع في فلسطين معتبراً أن اليهود أصحاب الحق الإلهي في الأرض ويقترح أن تكون بريطانيا الحامي لهذا المشروع، وتكشف وثيقة أخرى تعاون الدولة العثمانية في هذا الشأن حيث أرسل بالمرستن رسالة إلى سفيره في إستانبول يوضح فيها أهمية دور السلطان عبد الحميد الثاني في تشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين.

والوثائق بهذا الشأن كثيرة وتضم "قاعدة بيانات الوثائق الرئيسية للقضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي" النصوص الكاملة للاتفاقيات والمعاهدات والرسائل والوثائق الرئيسية، وجزء منها منشور في موقع مجلة الدراسات الفلسطينية.

بداية سقوط الدولة العثمانية كانت أيضاً بداية تنفيذ المشروع، فالخسائر التي منيت بها الدولة العثمانية نتيجة انتفاضة المناطق الأوروبية عليها أجبرتها على القبول بمنح العديد من الامتيازات للأجانب الذين استغلوها أفضل استغلال وبدأ اليهود بالهجرة إلى فلسطين رغم المعارضة المحلية، وفي نهاية القرن التاسع عشر تم إحصاء سكان فلسطين وكانوا (403,795 مسلماً و43,659 مسيحياً و15,011 يهودياً) مع العلم أن هذه الأرقام لا تشمل نحو 10 آلاف يهودي يحملون جنسيات أجنبية).

إذا فوعد بلفور عام 1917 لم يكن إلا اللمسات الأخيرة على مشروع حيكت خيوطه بدقة ولأكثر من قرنين.   

 

هل تستحق الدولة كل هذه المجازر؟  

منذ بداية القرن العشرين بدأ اليهود بتشكيل عدد من الميليشيات ومنها "هاجاناه، شتيرن، إرجون، بيتار، بلماح"، وقد أحصى المؤرخون الفلسطينيون تنفيذها لـ 80 مجزرة خلال احتلالها 400 قرية وبلدة فلسطينية عام 1948.

هذه المجازر يندى لها جبين الإنسانية وهي ليست اتهامات بل إن مشاركين بها تحدثوا عما ارتكبوا كما في مجزرة دير ياسين التي قتل فيها قرابة 300 فلسطيني قبل شهر من إعلان دولة إسرائيل، ومنهم زفي أنكوري من وحدة الهاجاناه الذي كتب في صحيفة دافار الإسرائيلية بعد عقود من المجزرة "دخلت من 6 إلى 7 بيوت في دير ياسين، رأيت أعضاء تناسلية مقطوعة وأمعاء نساء مسحوقة"، وقال أحد الناجين من المجزرة التي ارتكبت في نيسان/أبريل 1948 "شيء تأنف الوحوش نفسها ارتكابه، لقد أتى القتلة بفتاة فلسطينية واغتصبوها بحضور أهلها ثم بدأوا بتعذيبها وألقوا بها في النار، كما شوهوا جثث الشهداء وبتروا أعضائهم وبقروا بطون الحوامل".

واستمرت هذه الانتهاكات التي ترقى لجرائم ضد الإنسانية طيلة الـ 75 عاماً الماضية حتى الهجوم الأخير على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

تاريخ دموي حقيقي عاشه الفلسطينيون وخاصةً النساء من أجل فكرة زرعها الغرب في أذهان اليهود من أجل وضع خنجرهم في قلب الشرق الأوسط، وتحاول إسرائيل إخفاء هذا التاريخ المشين فقد كشفت صحيفة هآرتس العبرية عام 2019 أن فريق من وزارة الدفاع الإسرائيلية أزال مجموعة من الوثائق التاريخية المتعلقة بالفظائع التي ترافقت مع قيام "دولة إسرائيل"، المعروفة فلسطينياً بالنكبة.

يقول الفيلسوف الكردي عبد الله أوجلان "الدولة القومية التي يُعلى من شأنها على الدوام ويطلب الدم والروح والعقيدة إكراماً لها والتي تعكس على أنها الاختراع الذي ينذر الجميع أنفسهم ويضحون في سبيله إنما هي إله الحداثة الحقيقي"، وعن الحدود الجغرافية قال "تكريس المساحات المرسومة افتراضياً ونقشها إلى هذه الدرجة في أذهان المواطنين وكأنها موجودات مقدسة أزلية وسرمدية وائتمانهم عليها إنما يعني إنشاء أكبر القضايا وأكثرها تعقيداً فالاهتمام الكبير بحدود الدولة يؤدي لاستملاك البشر وتسخيرهم وتبضيعهم وتجييشهم بحيث لا يبقى فرق بين الوطن وبين السجن".

وهو ما حدث فعلاً في فلسطين فقد نشأت أكثر القضايا تعقيداً ثقافياً وسياسياً وحقوقياً وكذلك على صعيد حقوق المرأة التي أصبحت ضحية المجازر والسلطات المختلفة، فمن أجل هذه الدولة يبرر قادة العمليات العسكرية اليهود قيامهم بكل المجازر.

 

العنف الجنسي... قضية مهملة

خلال السنوات التي سبقت النكبة وبعدها، تعرضت الفلسطينيات للعنف الجنسي ورغم أنه لا توجد إحصائيات حول ذلك إلا أن هناك العديد من الشهادات التي توثق جرائم الاغتصاب وقد فضحت صحيفة هآرتس عام 2016 ما حدث ولكن تم إغلاق الملفات دون معاقبة الجناة والذين وصلت أعمارهم لأكثر من 70 عاماً، واستخدم الاغتصاب كسلاح حرب حتى أنه في عام 2014 اقترح الباحث في شؤون الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان الإسرائيلية مردخاي كيدار اغتصاب أمهات وأخوات مقاتلي المقاومة الفلسطينية كأداة ردع وإذلال للمقاتلين.

وفي المعتقلات تتعرض الأسيرات للعنف الجنسي المتمثل بالتحرش والتهديد بالاغتصاب وحتى الاغتصاب وهو ما كشفت عنه الكاتبة عائشة عودة بكل شفافية عندما قالت إنها تعرضت للاغتصاب بعصا، وبينت أنه تم التحقيق معها عن حياتها الجنسية بدلاً من السياسية خلال فترة أسرها التي دامت 10 سنوات.

وهناك نحو 17 ألف امرأة معتقلة من عام النكسة 1967 منهن كبيرات في السن وقاصرات وحوامل أنجبن داخل السجون، ومن ذوات الاحتياجات الخاصة، والأوضاع الإنسانية سيئة للغاية فنتيجة انعدام المياه الصالحة للشرب تنتشر الأمراض، ولا تتمتع الأسيرات بالخصوصية في الحمامات، وتتعرضن للإهمال الطبي والتفتيش المفاجئ والعاري والحرمان من الزيارة.

 

غزة... الصمت الدولي الفاضح

سقط القناع عن المجتمع الدولي في العديد من القضايا ومنها ما يحدث في فلسطين وخاصة الأحداث التي شهدتها غزة نهاية العام 2023، فالنساء اللواتي تشكلن ما نسبته 49.3 بالمئة من سكان في قطاع غزة وعددهن نحو مليون بحسب آخر إحصائية أصبحت أكثر من 90 بالمئة منهن مهجرات وسط ظروف غير إنسانية فتعرضن للقصف الهمجي ما أدى لمقتل نحو 8900 امرأة، وإصابة أكثر من 23 ألف امرأة أخرى بحسب آخر إحصائية، هذه الإصابات تسببت بإعاقات وتشوهات سترافقهن ما بقي من حياتهن واللواتي نزحن تعرضن لمضايقات وسرق مصاغهن أو أجبرن على رميه أرضاً.

وأكد تقرير للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان صدر في منتصف شباط/فبراير 2024 أن "أسرائيل واثناء عملية النزوح قام بقصف السيارات والشاحنات التي كانت تمتلئ بالنساء حيث شاهدن وشاهد جميع من جاء على طريق صلاح الدين من الجهة الشرقية لقطاع غزة بأن هناك نساء قد تعرضن للقصف وكانت جثثهم متطايرة فوق الطرق وأيضاً جثث لنساء ملقاة فوق العربات التي تعرضت للقصف حتى أن جثثهن قد تحللت".

تستمر الحرب ووصل عدد الضحايا لـ 35 ألف و91 قتيل/ـة و78 ألف و827 مصاب/ـة واكتفت الأمم المتحدة بالإعلان عن قلقها من الانتهاكات بحق النساء بعد تقارير وتأكيدات من مسؤولين أممين منهم القررة الأممية في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز التي وصفت ما يحدث في غزة بـ "جرائم الحرب غير المسبوقة، وممارسات إسرائيل تمهد للإبادة الجماعية.

 

"طلقة واحدة اثنين قتلى"

خلال سنوات الحرب ناضل الشعب الفلسطيني بكافة الطرق السلاح والحجارة والدبلوماسية ويشكل الإنجاب قضية مقاومة، وخاصة في قطاع غزة، وقد أثرت هذه السياسة التي اتبعوها في تغيير تعداد السكان فقبل العام 1948 شكل اليهود 8 بالمئة فقط، ثم ارتفع عددهم عام 1965 لأكثر من 88 بالمئة، ولكن في السنوات الأخيرة ضاعف الفلسطينيون من الولادات لتصبح في العام 2022 نحو 50 بالمئة، ولدى "إسرائيل" قلق من التفوق الديموغرافي وقد نوقشت هذه القضية في مؤتمر هرتسيليا الذي عقد في عام 2003، وتستهدف القوات الإسرائيلية النساء لأنهن وعاء الحياة وتعتبرهن "سلاح حرب"، وقد ارتدى جنود وحدة القناصة في القوات الإسرائيلية قمصاناً مرسوم عليها امرأة محجبة وحامل تحمل بندقية وتكون واقعة في مرمى هدف القناص وتكون بندقيته موجهة إلى رحمها ومكتوب في الأسف "طلقة واحدة اثنين قتلى".

ويحتفظ اليهود بثقافة غربية لا تفضل عدد كبيراً من الأطفال بينما الثقافة الشرقية لدى الفلسطينيين تحرص على إنجاب الكثير والكثير من الأبناء ففي غزة الكثافة السكانية على مساحة القطاع 360 كم هي الأعلى عالمياً لكن هذه المقاومة تسببت في الكثير من المشاكل ومنها البطالة والسكن وتلوث المياه وفقدان الأراضي الزراعية لصالح الكتلة السكانية وغيرها، لكنهم يعولون عليها من أجل تغيير نظرة العالم تجاه قضيتهم.

 

عقيدة ذكورية وحراك نسوي مرتبط بالوطن

تقع فلسطين على مساحة 26.990كم2، منها 6.220كم2 للسلطة الفلسطينية، و5.860كم2 للضفة الغربية التي تضم عدة مدن على سفوح التلال والمستوطنات الإسرائيلية ونقاط التفتيش العسكرية، وعلى مساحة 360كم2 يتربع قطاع غزة، أما "دولة إسرائيل" فتقع على مساحة 20.770كم2، وهناك ثلاث عقائد أساسية "يهودية، مسيحية، إسلامية"، إضافةً للعديد من الطوائف، وتطبق القوانين بحسب كل منطقة.  

النسبة الأكبر من السكان يتقاسمها اليهود والمسلمون فيما تقل أعداد المسيحيون بشكل متزايد فمعظمهم يفضلون الهجرة عن البقاء في بلد متأزم عالق في قضية لا أمل قريب في حلها رغم أنهم حصلوا على العديد من الحقوق وفق اتفاق أوسلو الموقع عام 1994 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

الدين يكبل المرأة والمسيحية عقيدة ذكورية لكن لا تهتم الكثير من العائلات بما يقوله الدين عن المرأة، بينما العقيدة اليهودية ذكورية بامتياز وتشريعاتها لا تتعامل مع النساء بصفتهن بشراً بل أصل الشرور، وينقسم اليهود في فلسطين لقسمين أحدهما متزمت جداً تجاه تعاليم الدين ويحتقر المرأة إيما احتقار وهم اليهود الحريديم الذين يكرهون دولة إسرائيل والعلمانية، ورغم أن القوانين علمانية فيما يخص الأحوال الشخصية وهناك مساواة بين الجنسين إلا أن هؤلاء لا يطبقون إلا تعاليم دينهم.

أما المسلمون فوضعهم القانوني هو الأكثر تعقيداً في العالم وقد فشلت محاولة السلطة الفلسطينية التي تتمتع بحكم ذاتي محدود على بعض المناطق وفق اتفاق أوسلو في توحيد القوانين، ففي الضفة الغربية ما يزال يطبق القانون الأردني للأحوال الشخصية وتعديلاته لسنة 1976، أما في قطاع غزة فيطبق قانون حقوق العائلة لسنة 1954 والذي يستند إلى قانون الأحوال الشخصية العثماني لعام 1919.

تشظي الوضع في البلاد دفع النساء لتوحيد صوتهن من أجل إيقاف سلسلة الانتهاكات الممارسة بحقهن فكانت الحركة النسوية التي بدأت جذورها بداية القرن العشرين وارتبطت في معظمها بدايةً برفض الانتداب وكذلك الاطماع الإسرائيلية.

وظلت الحركة النسائية على هذا الوضع حتى كانت ثورة 1929 التي اشتعلت إثر حادثة البراق فبادرت الفلسطينيات إلى عقد المؤتمر السيدات العربيات الفلسطينيات في القدس فكان الأول من نوعه في الناحية التنظيمية واتجاه القرارات الوطنية، واشتركت فيه أكثر من 300 امرأة من مختلف أنحاء فلسطين، واتخذت فيه عدة قرارات، ووضعت قدرات الحركة النسائية الفلسطينية ضمن دائرة الحركة الوطنية النضالية العامة، وساهمت الجمعيات النسائية في تكوين الوعي العام بين النساء.

كانت النساء الفلسطينيات في طليعة المظاهرات الوطنية الرافضة لسياسة الانتداب البريطاني، وفي عام 1938 افتتح المؤتمر النسائي العربي وكان وفد فلسطين أكبر الوفود

إذ ضم عدداً كبيراً من النساء العاملات في الحركة، بالإضافة إلى عدد من ممثلات لجان السيدات العربيات المنتشرة في مدن فلسطين. طرح الوفد الفلسطيني مجموعة من القضايا الوطنية كانت المحور الذي دارت حوله أبحاث المؤتمر ومناقشاته، وشاركت الحركة النسوية الفلسطينية أيضاً في المؤتمر النسائي العربي عام 1944 الذي عقد في القاهرة من أجل بحث قضية فلسطين وموقف المرأة العربية من هذه القضية.

 

الوعي النسوي وتحديات الحرب

في مطلع التسعينيات بدأت حدة الانتفاضة تتراجع وبدأ الحديث عن مفاوضات التسوية بين الجانب الإسرائيلي ومنظمة التحرير، وتم التركيز على قضايا وحقوق المرأة وضرورة سن قانون للأحوال الشخصية وكان لابد من مأسسة العمل النسوي، وبعد عام 1994 بدأت مجموعة من الناشطات باتخاذ خطوات حثيثة لإقامة هذا المركز وتم تسجيله باسم "مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي"، حيث بدأ المركز بممارسة عمله في الدفاع عن حقوق المرأة.

ومن خلال اتفاق أوسلو تم إنشاء سلطة حكم ذاتي محدود على عدة أجزاء وفي عام 1996 تم إجراء أول انتخابات رئاسية وتشريعية واستفاد مركز المرأة من هذا التحول وبدأ بالتعاون مع مؤسسات حقوقية ونسوية وكثف عمله على مجموعة من القضايا.

وفي عام 1998 تشكلت لجنة من أجل مسودة مشروع قانون للأحوال الشخصية دون مشاركة أي امرأة وقد حملت هذه المسودة الكثير من التمييز ضد المرأة ولكن لم يتم تقديمها إلى المجلس التشريعي جراء اندلاع الانتفاضة عام 2000.

مرت السنوات ولم يتحسن وضع النساء حتى عام عام 2011 عندما صدرت تعميمات من قبل المجلس الأعلى للقضاء شملت بعض حقوق النساء ومنها عدم إيقاع اﻟﻄﻼق ﺧﺎرج إﻃﺎر المحاكم اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، وﻓﺮض ﻏﺮاﻣﺔ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ أي رﺟﻞ يفعل غير ذلك، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت، وآخر متعلق بالإرث وما يزال المسار طويل من أجل إيجاد قانون أحوال شخصية واحد للشعب الفلسطيني على أرضه.

 

يحملون مفاتيح العودة

منذ نكبة الـ 48 ورغم مرور هذه السنوات الـ 75 ما يزال المسنين الذي غادرو منازلهم وهم في ريعان الشباب آملين بالعودة بعد أيام يحملون تلك المفاتيح أو أورثوها لأبنائهم، تلك المفاتيح التي رسمت ملامح المقاومة بأحلى صورها. ربما والأكيد أن هذه المنازل لم يعد لها أي وجود بعد الاستيطان والأكيد أيضاً أن الغرب متآمر على قضية الشعب وهذا أيضاً واضح من استمرار المجازر بحق أهالي غزة طيلة أشهر وبقاء الشعب الغزاوي متمسك بأرضه، حتى أن النساء اللواتي كن ضحية الحرب الأبرز بشهادات منظمات دولية أظهرن تمسكهن بالحياة وبغزة فوسط القصف والدمار أحيين العيد وصنعن الكعك وأردن العودة إلى منازلهن التي سوت بالأرض ولم يبقى منها إلا الذكرى.