الشعوب أفشلت مشروع الشرق الأوسط الجديد (3)

الشرق الأوسط منطقة مميزة لكنها تنطوي على مختلف العوامل التي تغذي الصراعات، وهذا ما ساعد الغرب كثيراً لإدارة سياسة استغلالية تدميرية، فالحقبة الاستعمارية مستمرة بصيغ متعددة وصور متنوعة.

سناء العلي

مركز الأخبار ـ يتحكم الغرب بالشرق الأوسط ويضع خططاً على هواه وكل ما يخدم مصالحه، في حين تكافح الحركات التحررية على اختلاف انتماءاتها وكذلك النسوية من أجل تسليط الضوء على هذا الخطر، وتمكنت شعوب الشرق الأوسط من إفشال مشاريع القوى الرأسمالية ولكنها ما زالت تتخبط محاولة النهوض بنفسها وسط دكتاتوريات الدولة والحرب الخاصة.   

لم تتوقف المؤامرات على الشرق الأوسط منذ الحروب الصليبية وتمثلت في العديد من الاتفاقات التقسيمية والفتنة الطائفية والمؤامرات وإشعال فتيل الإرهاب، وإلصاقه بالإسلام والحركات الاشتراكية، وعلى مضض يقبل الشرق الأوسط بالولاية الغربية عليه وسط رؤية استشراقية تكبل أي محاولة للتفكير خارج الصندوق، ليتحمل هذا الشرق وزر كل مصائب العالم.

 

الإرهاب صنيعة غربية

تغير العالم كثيراً بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 الشهيرة عندما فجرت طائرات مدنية استولى عليها تنظيم القاعدة برجي التجارة العالميين، وأصبحت الظروف الدولية مناسبة جداً للتدخل بالشرق الأوسط بذريعة محاربة الإرهاب.

لعل بدء الصراع كان في أفغانستان بين الاتحاد السوفييتي آنذاك والولايات المتحدة الأمريكية، ولم تتورع الأخيرة عن دعم نواة تنظيمات خطيرة على الأمن العالمي متمثلة بما عرفوا بالمجاهدين الأفغان، الذين رفضوا التدخل السوفياتي وانتشر القتل حتى أن أكثر من 500 ألف أفغاني قضوا في صراع الوكالة، ونزح أكثر من مليوني مواطن آخر إلى الجارة باكستان.  

حرب الوكالة هذه كانت بداية لما يحدث اليوم من انتشار لتنظيمات أصولية إرهابية تحارب هنا وهناك لصالح قوى دولية طامعة في الشرق الأوسط، السوفييت كانوا طامعين أيضاً وتدخلوا بسياسة أفغانستان دون ترك الإرادة الحرة للشعب ليدير نفسه بنفسه فأشعل الاتحاد السوفياتي حرب التمرد في العام 1979 عندما تم نشر الجيش الأربعين على الحدود وتدخل بشكل سافر في القرارات الداخلية وقتل رئيس الوزراء وعين آخر موالي له.  

رئيس الوزراء الذي قتل كان يحاول تغيير ولائه لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كان صراعاً على السلطة وبحث عن داعم وهذا الداعم إما أمريكا الإمبريالية أو القطب الثاني المتمثل بالاتحاد السوفياتي وعلى الحالتين لم يكن أي منهما بإرادة الشعب الذي كان ولا يزال ضحية أطماع السلطة والغرب.

هناك في أفغانستان بدأت بذرة الإرهاب في العالم الإسلامي لكن تاريخ الإرهاب لا يقتصر على المسلمين أو فئة أو شعب معين، تاريخياً ترافق القتل والإجرام مع التاريخ البشري، الحروب الصليبية لم تكن أقل دموية مما يحدث اليوم ولا ما قام به هتلر ضد اليهود وكذلك العديد من المجازر التي ارتكبت في أنحاء متفرقة من العالم.

في العام 1985 وصف رونالد ريغان الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين (1981ـ1989) "إيران وليبيا وكوريا الشمالية وكوبا ونيكاراغوا"، بشركة قتل دولية وأسمى هذه البلدان أيضاً بـ كونفدرالية الدول الإرهابية، ووضعت سوريا والعراق واليمن الجنوبي أيضاً على لائحة الدول الراعية للإرهاب، إضافة للعديد من الحركات الاشتراكية والتحررية.

هذه البلدان أو الحركات عارضت السياسة الأمريكية وهي إما مسلمة أو اشتراكية، أي أنه تم حصر الإرهاب بهاتين الصفتين واعتبر الإرهاب موجهاً ضد الغرب حصراً، إلا أن الواقع يشهد بأن ضحاياه شعوب الشرق الأوسط.

هذه الفترة حساسة جداً لأنها الحلقة الأهم في المشروع الغربي للسيطرة على الشرق الأوسط بعد وضع أساسات هذا المشروع بعد الحربين العالميتين وتنفيذ اتفاقيات تفكيك المنطقة.

تم توريط العراق بحربي الخليج الأولى والثانية، وفرضت عليه عقوبات دولية في العام 1990 أنهكت البلاد، وفي العام 1992 تم فرض عقوبات على ليبيا انتهت بعد غزو العراق في العام 2003 وميل معمر القذافي لتطبيع العلاقات مع أمريكا.

 

الشرق الأوسط الجديد

أول من ذكر الشرق الأوسط الكبير، هو شمعون بيريز رئيس إسرائيل في الفترة ما بين (2007 ـ 2014)، وجاء هذا الذكر بعد عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 وقد ألف كتاباً يحمل ذات الاسم يؤكد ضرورة استمرار الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.

وجاء في كتابه "خلال محادثاتي العديدة مع الشخصيات الأوروبية... رسمنا برنامجاً خاصاً بشرق أوسط جديد يقوم على التعاون الاقتصادي أولاً يتلوه تفهم سياسي متواصل... وقد حفزت هذه الفكرة مخيلات العديد من حلفاء إسرائيل بمن فيهم الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران والمستشار الألماني هيلموت كول الذي يعود إليه الفضل في زرع الاحتمالات العظمى للشكل الإقليمي الجديد... وكنتيجة لذلك فقد بدأت الشركات الأوروبية الرئيسية في تطوير خطط لتوسيع النشاط التجاري في الشرق الأوسط كما بدأ البنك الدولي نشاطه حيث تم وضع الأسس اللازمة لأنشطة مختلفة".

وعاد المؤرخ البريطاني برناند لويس لذكر هذه التسمية في العام 1992 بمقال حمل عنوان "إعادة هيكلية الشرق الأدنى"، وذكر الشرق الأوسط الكبير مجدداً في عام 2004 وهذه المرة من قبل مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي (وهي مؤسسة مكرسة لترويج التزام الولايات المتحدة الفاعل على الساحة الدولية) ضمن بحث تقوم به أمريكا، وناقشته مع الدول الصناعية الكبرى المعروفة باسم مجموعة الثمانية.

ويضم الشرق الذي يخططون لإنشائه البلدان العربية وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان، ودول ذات غالبية مسلمة كإندونيسيا وبنغلادش وأوزباكستان وغيرها، أي أنه سيتم إنشاء كيان وفق دين محدد يسهل التلاعب به والسيطرة عليه مما يمهد لقمع الإثنيات المختلفة، بتسهيل وضع سياسة موحدة تجاهه، لكن هذا المشروع مرن يمكن تبديل بعض الأماكن والخطط حسب الحاجة.

لا تعرف شعوب الشرق الأوسط حقيقة المرأة وأهمية دورها لكن الغرب أصبح يملك هذا الوعي ولذلك جاء في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي قدم لمجموعة الثمانية الآنفة الذكر أن المنطقة تعاني من ثلاث نواقص وهي "الحرية المعرفة وتمكين المرأة".

ناقش القائد عبد الله أوجلان هذا المشروع وكان رأيه أنه "ضرورة لا بد منها كي يتمكن النظام الرأسمالي من الخروج من الأزمة، قبل تلقيه الضربة القاضية. وبدون إلحاق هذه المنطقة بالنظام السائد، فإن مصادر الطاقة الأولية من جهة، والظواهر الاجتماعية الثقافية والدينية من جهة ثانية؛ ستُقحِم أمريكا في حالة لن يهدأ لها بال فيها. ولن تقف القوى المتميزة بمرتبة الإمبراطورية مكتوفة الأيدي إزاء هذه الحقائق. لذا، بُذِلَت المساعي لإدارة المنطقة بشكل استعماري وشبه استعماري رأسمالي، خلال القرنين الأخيرين. وكُبِتَت أنفاس شعوب المنطقة بالاعتماد على بنى الدولة الاستبدادية. لكن ومع ذلك لم يحصل إلحاقٌ ذو معنى بالرأسمالية. وتجذَّرَ الصراع العربي الإسرائيلي الاستراتيجي أكثر فأكثر. وتحامل الإسلام الراديكالي على خالقتِه أمريكا. أما أنموذج الدول القومية المؤسَّس ضمن حدود مرسومة ومُقاسة بالمسطرة؛ فأسفر عن انغلاق قالبي ورجعي. في حين أن القوموية والديانوية والدولتية كادت تخنق مجتمعات الشرق الأوسط كدرع محصن لا مثيل له في العالم. من هنا، ثمة حاجة لفكرة المشروع الجديد. المهم هنا هو؛ كيف، ومع أي من القوى سيرى هذا المشروع النور؟ وأي نظام سياسي واقتصادي سيتخذه أساساً؟ وكيف ستردُّ شعوب المنطقة عليه؟. هذه هي المسألة الأساسية، وبالتالي التناقض الأولي، على الصعيد الجيوبوليتيكي، بالنسبة للنظام بالزعامة الأمريكية، سواء بحلفه الناتو، أو بهيئته للأمم المتحدة، فالهدف المستهدَف الآن هو "الإسلام الصلب" أو "فاشية الإسلام" (عوضاً عن الفاشية والشيوعية سابقاً). إن قوى النظام وأذياله يشعرون بالضيق والسخط من موجة "العولمة" التي يتم إعلاؤها".

 

ربيع جفت أوراقه مبكراً

السلطة والدولة مختزلان في تلقي وإصدار الأوامر وسيادة القانون والنظام الداخلي وعليه فكل سلطة ودولة هما عقل جامد وفي هذه الخاصية تكمن نقاط قوتهما وضعفهما معاً فمن المحال أن تكون ميادين الدولة والسلطة ساحات يُبحث فيها عن الحريات أو تتحقق ضمنهما الحريات وقد أخطأ ماركس وأنجلز في قولهما إن الدولة والسلطة أداتان أساسيتان للبناء الاشتراكي بينما أصاب الليبراليون في قولهم إن "المزيد من الدولة يعني القليل من الحرية".

وقد أدركت شعوب الشرق الأوسط هذه الحقيقة خاصة أن القمع والاستبداد سمة أنظمة تحكمها وفق سياسة الدولة القومية التي تعد التحول السلطوي الأقوى، وتشهد هذه الأنظمة تفاقماً في القضايا الاجتماعية، وإنكار للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والمرأة.

بالمقابل يطلب من الشعوب بذل الدم والروح من أجل "الوطن" لكن هذا الوطن يتم اختزاله بالسلطة "الرئيس وحاشيته" وتمارس أجهزة الأمن الرقابة الصارمة من أجل بث الرعب بين الشعب، ويتم تفقيره حتى لا يفكر إلا برغيف الخبز لكن الحرية أسمى من ذلك ولو أنها تهاونت كثيرةً في حقها إلا أن الشعوب اكتفت من القمع وقالت كلمتها.

انطلاقاً من هذه الحقائق يمكن معرفة الغضب الشعبي الذي بدأ قبل أكثر من 13 عاماً، فمنذ أواخر العام 2010 كسر الشعب التونسي الخوف المرتبط دوماً ببطش أجهزة أمن الدولة، ورفع راية الحرية، القهر والظلم وتراكمات هذين الشعورين دفعا طارق الطيب محمد البوعزيزي لإحراق نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، وبعدها تجرأت الشعوب العربية وكسرت شوكة الأنظمة الديكتاتورية الشمولية التي تحكمها.

الثورة انتقلت إلى مصر في 25 كانون الثاني/يناير 2011 وقلبت موازين الغرب، وأسقط الشعب نظام حسني مبارك ووقف الجيش إلى جانب الشعب بعد أن شارك في ترهيبه بادئ الأمر، لكن بقدر ما يفتقر أو يحرم مجتمع ما من قيمه في الذكاء والعقل والثقافة فإنه يكون غارقاً في العبودية لذلك الشباب الذي ملأ الساحات طلباً للحرية لم تكن لديه رؤية لإدارة البلاد، ولم يملك الوعي المتأسس على الواقعية والذي يفتح الآفاق أمام الحرية في كل الأوقات، مما سهل على الإخوان المسلمين الذين هم أكثر الأطراف تنظيماً في تحقيق هدفهم المنشود وهو السلطة وربط الدين بالدولة.

كما أدت تراكمات أخطاء نظام معمر القذافي إلى إسقاط نظامه وشاركت في ذلك دول غربية على رأسها فرنسا ففي أحد لقاءته قال عضو المجلس الوطني الانتقالي محمود جبريل أن فرنسا اعلمتهم بضرورة الهجوم على طرابلس عام 2011، لتصبح الثورة أو تكون منذ بدايتها تصفية حسابات.

وتزامنت معها ثورة الشباب في اليمن ورغم محاولات الشباب اليمني إبقاء الاحتجاجات سلمية إلا أن القمع كان نصيبهم من نظام علي عبد الله صالح وهناك دول إقليمية وكبرى تدخلت من أجل مصالحها فتحولت مطالب الحرية وإقصاء حكومة من أكثر الحكومات فساداً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، إلى صراع طائفي.

ومن مدينة درعا السورية كانت المفاجأة فنظام أمن الدولة العسكري لم يستطع إذلال الشعب وقالوا كلمتهم، هذه الثورة حلقة في سلسلة الثورات الشعبية في بقية البلدان لكن هناك عدة إرهاصات أدت لاندلاعها أبرزها القمع والفقر والاستيلاء على مقدرات البلاد والمناصب والاقتصاد، والسيطرة على مختلف المجالات لفئات وأشخاص معينين ولم يستطع نظام الأسد التعامل مع الشعب السوري الذي انكسر لديه الشعور بالخوف والرعب وأشعل فتيل أزمة لم تنتهي على خير حتى اليوم عندما بطشت قواته بالشعب.

أما الاحتجاجات التي عمت البحرين أو ما تعرف بـ "انتفاضة اللؤلؤة"، نسبة لدوار اللؤلؤة الذي احتشد فيه المتظاهرين السلميين، تعرضت لقمع الدولة بدعم من مجلس التعاون الخليجي، ولم تفلح مطالب إنهاء الحكم الملكي وسحقت الثورة بعد استهداف المتظاهرين ما عرف بـ "الخميس الدامي".

مع هذا التحرك الواسع تشجع الشعب الجزائري ليغير من واقعه المتردي ويطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وإنهاء قانون الطوارئ المفروض منذ العام 1992، ورفضاً للواقع المعاش قام عدة أشخاص بإحراق أنفسهم في محاكاة لما فعله البوعزيزي لكن النظام لم يسقط ولم يحصل الشعب على الكثير من الحقوق وإنما استطاع دفع الحكومة لرفع حالة الطوارئ وإجراء إصلاحات متعددة.

ولم تنجح ثورة جيبوتي التي استمرت من كانون الثاني/يناير حتى آذار/مارس 2011، نتيجة القمع والاعتقالات الجماعية ومنع المراقبين الدوليين.

واندفع الشعب العراقي أيضاً إلى الساحات مطالباً بالقضاء على الفساد والبطالة وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وإطلاق سراح المعتقلات، لكن القمع كان نصيبها ليتم قتل 200 شخص تقريباً في مداهمة القوات العسكرية لقضاء الحويجة في يوم واحد.

ولم يغب الشعب الفلسطيني عن مشهد الاحتجاجات الذي عم جغرافيا الشرق الأوسط فطالب بإنهاء الانقسام والوجود الإسرائيلي والحصار على غزة، وقاد هذا الحراك الفئة الشابة، وشهدت البلاد مسيرات العودة المليونية، لكنها تعرضت للقمع الإسرائيلي.

وفي الأردن ضاق الشعب ذرعاً من تردي الأوضاع الاقتصادية والبطالة، والعنف المفرط من قبل الأمن، ولكنه لم يفلح في تغيير النظام فقد أسكت النظام الملكي هذا الحراك بأن أقال الحكومة وأجرى بعض الإصلاحات، ولم ينجح الحراك أيضاً في المغرب ولا السعودية في إنهاء النظامين الملكيين، ولم يحصل العمانيون إلا على القليل من الإصلاحات.

ولم يقبل الشعب الموريتاني الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب عام 2008 وهذه كانت أرضية شكلت احتقان لدى الشعب الذي خرج باحتجاجات واسعة فقد اكتفى من البطالة والغلاء والفساد في القضاء وانتشار المحسوبية والفساد السياسي والاقتصادي، لكنه ووجه بالقمع، وفشلت الثورة رغم أن هذا البلد لديه معارضة واسعة النطاق وهناك تكتلات سياسية وحقوقية أبدت مطالبها الواضحة بإسقاط النظام.

ورغم التنكيل به من قبل نظام عمر حسن البشير قال الشعب السوداني كلمته، وكما في بقية البلدان الثورة لم تكن وليدة اللحظة أو متأثرة فقط بالربيع العربي وإنما هناك إرهاصات سبقت ذلك بكثير، فهذا البلد شهد توتراً طيلة تاريخه ولم يستقر حتى بعد انفصال الجنوب بداية العام 2011، واستمر نزاع دارفور، والتضييق على الحريات وسلب حقوق المرأة، والفقر والغلاء، لكن القمع والقتل كان مصير المطالبين بالتغيير وفشلت الثورة.

وفي الكويت اندلعت سلسلة احتجاجات في وقت مبكر من الثورات العربية فمنذ منتصف عام 2010 استخدم المحتجون كلمة أرحل ضد رئيس الوزراء آنذاك، وقبلت مطالب الشعب وتمت إقالة الحكومة وحُل مجلس الأمة، فيما قاد الشباب/ات الاحتجاجات اللبنانية المطالبة بالإصلاح وإنهاء النظام الطائفي الذي هو تركة الانتداب الفرنسي، لكن لم يتغير شيء.

فيما حمل الجماهير في إيران علمي إيران ومصر تعبيراً عن تضامنهم مع الشعب المصري في ثورته، ورغم تحذيرات السلطات وتخوفها من أي حراك في البلاد إلا أن الاحتقان الشعبي بعد انتخابات عام 2009 ومستوى حقوق الإنسان والمرأة المتدني وأحكام الإعدام والاعتقالات والفقر فجر الغضب الشعبي فنزل الآلاف إلى الساحات لكنهم قوبلوا بالقمع وما كان من البرلمان الذي كان من المفترض أن يكون صوت الشعب إلا أن طالب بإعدام قادة المعارضة وأجهضت الثورة لكنها لطالما تجددت بعد ذلك.

 

تآمر مزدوج على الشعوب

لم يكن الغرب ليستطيع التغلغل بالشرق الأوسط بهذا القدر خاصة بعد العام 2011 لولا الخيانة الداخلية التي قادتها عدة أطراف على رأسها متبني الإسلام السياسي، الذين لم يكونوا إلا أدوات لتطبيق الأجندات الغربية والسيطرة على الاقتصاد والقرار السياسي وبالتالي استعباد الشعوب وتفقيرها، كل ذلك مقابل وصولهم إلى السلطة.

فلطالما وضع الشرق الأوسط تحت المراقبة والضبط عبر الأنظمة الاستبدادية القومية المتعصبة دينياً، وفي السنوات الأخيرة برز ما يعرف محاربة الإرهاب والأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية التي تصنعها بعض البلدان، وفعلاً تم التعدي الغربي على عدة بلدان عربية بهذه الحجج ولم تكن المعارضة إلا الوجه الآخر من السلطة.

يبدو الوضع مقلقاً معتماً وليس هناك أفق للحل من حروب وأوبئة ومجاعات وهجرة وعنف واستغلال ولكن وسط هذا الضباب هناك احتمال كبير أن تكون المستجدات التي يشهدها الشرق الأوسط ستدفع باتجاه تبني أنظمة ديمقراطية وستفشل مخططات تمكين الإسلام السياسي الذي يعمل ككلب الراعي لحراسة منافع الغرب.

الاحتمال الأكبر هو أن تشهد المرحلة المقبلة، نشاطاً فعالاً للشعوب، وانتعاش ثقافاتها، التي هي بمثابة أثمن خزينة افتقدتها، في هذه المرحلة؛ وعودتها ثانية إلى حياتها وأوساطها الخاصة بها. ففصلُ الشعوب عن حقائقها الثقافية، ولَّد معه نتائج أشد حدة من المجازر الجسدية أو الاقتصادية، ومن عمليات النهب والسلب.

يقول القائد عبد الله أوجلان أن على الشعوب من أجل الخروج من أزماتها "تجاوز الشوفينية والحروب المشحونة بالنعرات القوموية، وفرضها دمقرطة ذاتها وسلامها، والتحامها بحقيقتها الثقافية والمحلية. ما يندرج ضمن هذا الاحتمال هو عدم قيام الشعوب بذلك بمفردها، بل بالاشتراك مع النظام ذي الدولة النواة ولكن ببناها المحجَّمة والمقوَّضة وعلى خلفية مبادئ واضحة. وبدلاً من البنية الطبقية والجنسية والإثنية والثقافية السلطوية لحضارتنا، ستتحول خلال فترة تاريخية مصيرية إلى "حضارة عالمية ديمقراطية" تعترف بقيم الشعوب الديمقراطية والمشاعية، ومنفتحة نحو الحرية الجنسية، ومتخطية للقمع الإثني والقومي، ومعتمدة أساساً على التعاضد الثقافي".

انطلاقاً من اهتمام وكالتنا بقضايا الشرق الأوسط بدءاً من قضايا المرأة نأمل أن تعي شعوب الشرق الأوسط حقيقتها، وأن تستيقظ من سباتها وأن تقول كفى للظلم والتمييز والقهر والفقر والاستعباد وأن تدير نفسها بنفسها وفق نظام ديمقراطي أممي.