المرأة جندي البحرين المجهول وحاملة شعلة الثورة

رغم أن النتائج لم تكن بقدر الآمال إلا أنها شكلت علامة فارقة في تاريخ البلاد، عندما عبرت النساء عن مطالبهنّ بضم أصواتهن لصوت الشباب البحريني عام 2011 وأوقدن شعلة الثورة في دوار اللؤلؤة.

مركز الأخبار ـ في البحرين إحدى البلدان المعروفة كمركز للنفط في الخليج العربي تعيش نساء مثقفات واعيات بحقوقهن لم تغريهن الثروة النفطية عن النضال من أجل غدٍ تكون فيه العدالة الاجتماعية القانون الراسخ للجميع مواطنين ومواطنات، وقد أوضحت النساء مطالبهن عندما ضممن صوتهن لصوت الشباب البحريني في عام 2011 وساهمن في إشعال ثورة اللؤلؤة التي شكلت علامة فارقة في تاريخ البلاد.  

   

القائدة المجهولة

المرأة البحرينية مثقفة فالدفعات الأولى من النساء درست خارج البلاد منذ أواخر العام 1890 وتم افتتاح أول مدرسة للإناث باسم خديجة الكبرى عام 1928، وافتتحت أول كلية للتمريض سنة 1959، وقد حصلت المرأة على حقها في التصويت عام 2002، والمواطنين/ات حاصلين على تعليم جيد ونحو ربع نساء البحرين تعملن خارج المنزل وفي مختلف المجالات وتدرن الجمعيات والمنظمات النسائية متحديات الوضع السائد وهو العمالة الأجنبية التي تركت شباب وشابات البلاد في بطالة وفقر فالبلاد تستضيف أكثر من 6 آلاف وافد للعمل بمواقع مهمة منها الجيش والشرطة.

أما تاريخياً لابد من الإشارة إلى أنه في البحرين لا يوجد ما يشير إلى نظام أمومي لكن من المؤكد أن نظام تعدد الآلهة تطور بمرور الزمن كحال مختلف الحضارات، كما أن جميع الآلهة التي عرفها البحرين تعود جذورها للآلهة السومرية، وعشتار لها قدسيتها فكان البلح يقدم لمعبدها، ورغم الحرب على المجتمع النيولوتي إلا أن الإلهة الأنثى بقيت لمئات السنوات قرينة الإله الذكر رغم سيطرة الأخير على معتقدات أهالي البحرين فتم عبادة إله النخيل إنزاك وزوجته مسكيلاك.  

وكان هناك احترام لخصوصية النساء، وتم إيلاء الموسيقا اهتماماً كبيراً وتشير إلى ذلك العديد من آلات القيثارة التي عثر عليها، وعمت المساواة بين الجنسين في مراسم الدفن وحتى الآن لا يوجد ما ينفي استلام النساء مناصب كهنوتية.

 

مشاركة نسائية مميزة في الحراك

قضية الثورة من أكثر القضايا الإشكالية في الشرق الأوسط فبقدر ما تكون المواقف المنادية بالتقدم المستقيم خاطئة فإن تجذر التمييز بين النظرية والممارسة العملية يفضي أيضاً إلى ممارسات خاطئة، وهذا ما شكل ذريعة للسلطات لتربط الثورة بالأطماع الإيرانية في المنطقة.

طيلة سنوات كانت هذه الثورة حقيقة مؤجلة فالتغييرات المهمة في حرية الرأي والتعبير التي تم منحها للشعب في العام 1999 وعودة الحياة البرلمانية ومنح المرأة حقها في التصويت وإطلاق سراح المعتقلين/ات السياسيين/ات، لم تستمر إلا لسنوات، ووصلت الأزمة السياسية لأوجها منذ تحويل البحرين إلى مملكة عام 2002 فالشعب مسلوب الإرادة والملك يتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة، وتسيطر العائلة المالكة على معظم المناصب المهمة فمنذ العام 2010 تألفت نصف الحكومة من عائلة آل خليفة، مما دفع الشعب للاحتجاج طيلة سنوات لتصبح ثورة 14 شباط/فبراير 2011 هي باكورة الاحتجاجات فإضافةً إلى تميزها في العديد من النواحي ومنها المشاركة النسائية الواسعة تميزت بسلميتها وأثبتت أن الشعب البحريني راقٍ في حراكه عندما حمل المحتجون/ات الأزهار ليجابهوا بها الدبابات.

إن اتهام الثوار والثائرات بالتبعية لإيران هو أسلوب التخوين الأسرع لأي نظام في المنطقة لإجهاض أي محاولة للتغيير واستندت السلطات على مطامع إيرانية مستمرة في البلاد كذلك النسبة الكبيرة وهي 60 بالمئة من الشعب المنتمي للمذهب الشيعي، لكن ثورة اللؤلؤة نفت أي ارتباط حاولت السلطة زج الثوار والثائرات فيه إذ شارك فيها شيعة وسنة وهتفوا معاً "لا سنية لا شيعية بحرينية فقط"، وطالب الجميع بوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان، ونددوا بسرقة الثروات العامة من قبل العائلة المالكة، ذلك قبل أن ترتفع لافتات تطالب بإسقاط النظام نتيجة العنف ووقوع ضحايا.

وفي دوار اللؤلؤة تم إنشاء مركزين إعلاميين أحدهما للرجال والآخر للنساء وذلك لتزويد الصحافة بتطورات الحراك، وأنشأ المعتصمون/ات مكاناً للرسوم الفنية، وجلس الشبان والشابات بجوار بعضهم يكتبون اللافتات ويرسمون وقد أقاموا معرضاً لتلك اللوحات وسط الدوار، وكذلك كرنفال. 

 

التحالف ضد الإرادة الحرة

مفهوم السلطة متشعب ومتشابك فنظام الملكية الذي بدأ منذ عهد سومر في بلاد الرافدين يستمر إلى اليوم، وعلى ذلك فالحركات المناهضة للسلطة والتي تنبثق دوماً من القاع والخارج تجعل التحالف أمراً لابد منه بين أصحاب السلطة الشركاء في ظل سلطة مهيمنة واحدة، مع العلم أن نظام السلطة في العالم أجمع يرتبط تسلسلياً بالنظام السلطوي الذي يسبقه ويتمتع بخاصية لا تحتمل الفراغ أبداً لأن أي فراغ أو انقطاع يؤدي لانهيار المركز، وهذا ما فعله النظام البحريني إذا استنجد بمجلس التعاون الخليجي لمساعدته في إجهاض الثورة.

وتدخلت القوات المشتركة "درع الجزيرة"، في 14 آذار/مارس واقتحمت دوار اللؤلؤة وفضت الاعتصام السلمي بالعنف الذي كان قرار السلطة رغم صراخ المعتصمين "سلمية سلمية" وهو ما أدى لمقتل 45 متظاهراً، واعتقل الآلاف وتعرضوا للعنف في السجون بحسب منظمة العفو الدولية، وفرض حظر التجوال وأصبح منظر المدرعات في الشوارع مألوفاً، وكل ذلك يصب في مصلحة الغرب الذي أبدى خشيته من أي تغيير فبريطانيا وأمريكا لديهما قواعد مهمة في البلاد.

 

تعذيب ممنهج للمعتقلات

برزت أسماء العديد من النساء اللواتي شاركن في الثورة منهن آيات القرمزي وكانت في العشرين من عمرها، وقد لاحقتها السلطات حتى اعتقالها بعد انتشار فيديو من الحراك ألقت فيه قصيدة تهجو فيها رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، واعتقلت في 30 آذار/مارس 2011 لتتعرض لأشكال مختلفة من التعذيب فضربت بالأسلاك الكهربائية على وجهها، ومكثت في الحبس الانفرادي وتعرضت للهواء البارد حتى كادت تتجمد، وحكم عليها بالسجن عاماً واحداً، ولكن بعد إجبارها على تقديم اعتذارها للملك على التلفزيون الرسمي تم إخلاء سبيلها وبقيت رهن الإقامة الجبرية.

ورغم وجود فريق ممول من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من أجل حقوق الإنسان إلا أنهما تخلتا عن ثورة البحرين لأنها لا تصب في مصالحهما واكتفت أمريكا بإعلان قلقها منتصف العام 2023 من وضع السجون بعد أن أعلن أكثر من 800 سجين إضراباً عن الطعام، لكن تقرير أعدته منظمة "أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين"، تحت عنوان "كسر الصمت، المعتقلات السياسيات يفضحن الانتهاكات الحاصلة داخل السجون"، كشف الكثير من الانتهاكات بحق المعتقلات وارتكز في معلوماته على مقابلات مع 9 نساء أو أقاربهن، قالت سجينات أنهن تعرضن لاعتداءات في جميع مراحل الإجراءات الجنائية من الاعتقال التعسفي إلى الاعتداءات الجسدية والتعذيب النفسي من أجل الحصول على اعترافات وليس انتهاءً بالمحاكمات الغير قانونية فبيئة السجون تتسم باللاإنسانية.

وأورد التقرير العديد من النقاط المهمة منها أن نسبة الاستهداف السياسي ترتفع بحق الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان منذ العام 2017، وقال التقرير أن ابتسام الصايغ ونجاح يوسف تعرضتا للاغتصاب لرفضهما العمل كمخبرتين لدى السلطات، وأكدت نجاح يوسف التي اعتقلت بعد انتقادها إقامة سباقات "الفورميلا ون" في البحرين مع تزايد انتهاكات حقوق الإنسان لصحيفة اندبندنت "تعرضت للاغتصاب، تم سحق كرامتي"، هذه شهادة جريئة ومهمة من امرأة تعيش في مجتمع الخليج العربي.

وتعرضت هاجر منصور لانتهاكات عديدة منها الحبس الانفرادي ومنع الزيارات قبل أن يتم الإفراج عنها في عام 2020 بعد سجنها لثلاث سنوات وذنبها أن صهرها معارض يمارس نشاطه خارج البلاد، وهناك العديد والعديد من المعتقلات وقصص التعذيب والانتهاكات ولكن العالم أصم أذنيه عن ثورة البحرين ونساء البحرين وآلامهن.

 

وتستمر....

البحرينيات لديهن عملهن المعتاد فهن تعتبرن من أكثر نساء المنطقة نشاطاً فالنسبة الأكبر من الفتيات تلقين تعليمهن في وقت مبكر بالمقارنة مع دول الخليج العربي ولذلك فإن الحراك النسائي كان مبكراُ أيضاً إذ أن الجمعيات النسائية في البحرين وعددها 21 جمعية تأسست مطلع الألفية وهو الوقت الذي أنشئ فيه المجلس الأعلى للمرأة كمؤسسة رسمية ثم تأسس الاتحاد النسائي للمرأة بعضوية الجمعيات النسائية عام 2006.

وظهرت عدة شخصيات نسائية قادت التغيير فالأختان بدرية وشهلا خلفان بالإضافة إلى موزة الزايد، من أهم الكاتبات اللواتي أثرن ليس في البحرين فقط وإنما في دول الخليج عموماً إذ تميزت كتاباتهما بالجرأة في تناول حقوق المرأة السياسية والاجتماعية، وكذلك حقها في العمل، وكانت بدرية خلفان أول من نادى بضرورة سن قانون للأسرة لحماية الزوجة والأطفال، داعيةً لتحقيق المساواة بين الجنسين، أما شهلا خلفان، فكانت كتاباتها تعبيراً عن توجهها الماركسي ومطالبها تمحورت حول المساواة ورفع الوعي السياسي ودعت إلى ربط الحركة النسائية البحرينية بالحركات النسائية في العالم.

ولكن هذه المساعي لم تنقذ النساء من القانون الذي بخس النساء حقهن في أن تكن مواطنات على نفس درجة المساواة مع الرجال فانضمام البحرين لاتفاقية سيداو في العام 2000 وعدة اتفاقيات أخرى لم يحدث تغيير مهم في التشريعات التمييزية ضد المرأة فلا يزال قانون العقوبات يسمح للمغتصب بالإفلات من العقاب في حال تزوج من ضحيته، ولا تزال المتزوجات بأجانب تعانين في منح الجنسية لأبنائهن، وحتى على صعيد الأجور هناك فجوة، ولا تزال المرأة مقيدة الحقوق على صعيد مشاركتها في العمل السياسي.

كما أن الظروف الاجتماعية أو الدينية أو الاقتصادية أو التشريعات الخاصة بالعمل، تمثل تحديات أمام المرأة الساعية لإثبات نفسها في سوق العمل، وهذا ما يزيد نسبة البطالة بين صفوف النساء حيث كشف الاتحاد العام للعمل أن نسبة معدل البطالة العامة في البحرين 10 % من القوى العاملة البحرينية، وفي صفوف الشباب قد تصل النسبة إلى 20% وتمثل النساء منهم 63% أي بعدد 9،260 امرأة، وهي بجميع المقاييس نسبة عالية.

لكن النساء لا توقفن نشاطهن بانتظار الوظائف الحكومية فقد عملن في جميع المهن ولأن الماضي مرآة الحاضر أكملت العديد من النساء أدوارهن في عمل أسرهن فمن كانت عائلتها تعمل بالزراعة أو بالصيد أو بالفخار تعلمت هذه المهنة ومارستها، أما الكبيرات في السن فتشغلن أنفسهن بتطريز النسج التقليدي وبذلك تحافظن على هذه الثقافة من الاندثار.

كما اقتحمن المرأة العديد من المجالات ومنها الرياضة وتمكنت خلال السنوات القليلة الماضية من إثبات جدارتها وقدرتها على المستوى الرياضي ولكنها لا تزل في بداية الطريق من أجل تأسيس رياضة نسائية حقيقية في البلاد، وعلى المستوى السياسي لم تستطيع تحقيق الحضور الذي تستحقه سواء في الانتخابات البرلمانية او البلدية ففي آخر انتخابات عام 2022 ظفرن بـ 8 مقاعد من أصل 40 مقعداً وهو أكبر عدد تحصل عليه منذ تأسيس البرلمان، وحتى في المجلس لذات العام لم تحصل النساء إلا على 3 مقاعد من أصل 30 مقعداً.

ختاماً يمكن القول إن الثورة هدأت في السنوات الأخيرة وعادت الحياة إلى ما كانت عليه لكنها مشحونة فالدماء التي سُفكت ستيقظ غضب الشعب في أي لحظة ورداً على أي موقف، والنساء لربما تقدن الثورة القادمة كما فعلت نساء إيران وشرق كردستان في ثورة Jin Jiyan Azadî.