من قارة إلى قارة... نضال المرأة قديماً وحديثاً (12)

الأخبارـ لبنان الدولة الشرق أوسطية، التي تعاني من الصراعات والحروب الأهلية والانقسامات السياسية، ووجود قيم العلمانية، إلا أنها تعتبر من البلاد التي تنعدم فيها الحرية بالنسبة للمرأة

 
في بلاد تواجد سهى بشارة ومي شدياق هامش من الحرية ومواصلة النضال
غرفة الأخبارـ لبنان الدولة الشرق أوسطية، التي تعاني من الصراعات والحروب الأهلية والانقسامات السياسية، ووجود قيم العلمانية، إلا أنها تعتبر من البلاد التي تنعدم فيها الحرية بالنسبة للمرأة. قانون تزويج القاصرات يروج ويشجع التحرش والاغتصاب، وتناضل النساء اللبنانيات في سبيل القضاء على احتكار الجهد والعنف المتعلق باستغلال الجمال، ونيل الحقوق التي سلبتها القوانين، وتبلغ نسبة تمثيل النساء في السياسة 0.2 بالمائة فقط.
في القسم الأخير لهذا الملف نتحدث عن ثاني بلدان الشرق الأوسط، لبنان. احتضنت لبنان عبر تاريخها العديد من الحضارات مثل الحضارة الفينيقية والبابلية والأشورية، وتنتشر في لبنان الغابات الجبلية وصولاً إلى البحر المتوسط. في عام 1943 تحررت لبنان من الاستعمار الفرنسي وأعلنت استقلالها. وهي تعتبر من أكثر بلدان المنطقة علمانية، يعيش فيها 18 مكوناً دينياً وقومياً مختلفا، شهدت البلاد حرباً طويلة بدأت عام 1975 وانتهت عام 1990.
 
صرخة "حرائق" سهى بشارة وصلت إلى أرجاء العالم
بسبب السياسيات الاستعمارية نشبت في لبنان صراعات داخلية وحرب أهلية استمرت 20 عاماً. خلال الحرب برز نضال المرأة خاصة في مجال مناهضة الجرائم ضد الإنسانية. والمناضلة سهى بشارة واحدة من تلك النساء المناضلات، ولدت سهى بشارة في بيروت عام 1967، كان والدها شيوعياً من أعضاء الحزب الشيوعي. وفي عام 1982 عندما احتلت إسرائيل بيروت انضمت سهى أيضاً إلى الحزب الشيوعي. وتكفلت بمهمة اغتيال قائد جيش الجنوب اللبناني الجنرال أنطوان لحد. دخلت منزل أنطوان لحد بصفتها مدربة إيروبوكس لتدريب زوجته. وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1988 انتظرت في المنزل حتى عاد لحد، وقبل أن تخرج أطلقت عليه النار من مسدس وأصابته في صدره وذراعه.
أصيب الجنرال خلال العملية، فيما اعتقلت سهى بشارة وأودعت سجن الخيام السيئ الصيت، وقضت 10 أعوام في السجن دون محاكمة، بينها 6 أعوام قضتها في العزلة. وبعد حملة مساندة واسعة في لبنان وأوروبا أفرج عن سهى بشارة عام 1998. في عام 2003م أطلقت سهى كتاب سيرة ذاتية شخصية لها أسمته "مُقاومة" يحكي عن حياتها في لبنان قبل وبعد الاعتقال. في عام 2011م قامت سهى بنشر كتاب آخر لها حمل عنوان "أحلم بِزنزانة من كرز" وهو كتاب سيرة ذاتية أيضاً كتبته مُشاركةً مع الصحفية اللبنانية كوزيت إلياس إبراهيم التي كانت أيضاً مُعتقلة في سجن الخيام. جزء من قصة سهى تم استخدامها عام 2010م في فلم كندي يُدعى "الحرائق."
تعيش سهى بشارة حالياً في المنفى ولا تستطيع زيارة وطنها. وعلى مدى 26 عاماً تسعى النساء اللبنانيات إلى لملمة جراح الحرب الأهلية، وتحطيم الكفن الذي تعيش فيه النساء جراء الطائفية والمذهبية.
 
مي شدياق: ضحيت بساقي ويدي من أجل الوطن
لبنان التي تعتبر "شرق أوسط مصغرة" تحولت إلى ساحة صراع وتجارب بين إسرائيل وسوريا وفرنسا. في هذا البلد وفي عام 2005 تم استهداف امرأة أخرى. وهي الصحفية اللبنانية مي شدياق. انتقدت مي بشدة التدخل السوري في بلدها، وفي شهر أيلول/سبتمبر من عام 2005 تمت محاولة اغتيال مي شدياق عبر زرع عبوة ناسفة في سيارتها مما أدى إلى إصابتها إصابة بالغة. وعرف عن مي شدياق التقارير الشديدة اللهجة والناقدة حيال عمليات الاغتيال السياسي التي تتم في لبنان والدول المجاورة. وأدت محاولة اغتيال مي إلى بتر ساقها اليسرى وذراعها، وبعد تلقي العلاج لمدة عامين عادت مرة أخرى إلى وطنها. وحازت مي على جائزة الشجاعة في الصحافة من مؤسسة إعلام المرأة الدولية. وخلال مراسم استلام الجائزة قالت مي شدياق "بسبب الحرب في وطني فقدت ذراعي، كما فقدت رجلي التي كنت أضرب بها وجه الأعداء، وهذا ليس بقليل. الصحافة شجاعة، وهي تعني التحدث بصوت عال وتحمل المخاطر. ولكن في لبنان ومنذ عام 2005 يتعرضون للقتل أو يضطرون مثلي للسير على عكازات أو على مقاعد المعاقين".
تشارك مي شدياق حالياً في مختلف الفعاليات من أجل حقوق المرأة كناشطة نسائية من خلال الجمعية التي أسستها باسمها.
 
هامش من الحرية 
من المفيد إلقاء نظرة على وضع المرأة في وطن سهى بشارة ومي شدياق، وبمقارنة بسيطة بين أوضاع المرأة اللبنانية والنساء في باقي الدول العربية، سنرى بوضوح أن هناك هامش أكبر من الحرية والحقوق في لبنان بالنسبة للمرأة. حيث تتمتع النساء اللبنانيات بحرية ارتداء اللباس قياساً بباقي الدول العربية، وكما تتمعن بحرية الحركة. كما تتمتع المرأة اللبنانية أيضاً بنفس الحقوق المدنية مع الرجل. ولكن ورغم كل ذلك وبسبب تعدد الأديان فإن القوانين الداخلية في لبنان تتغير بحسب التوجه الديني.
ورغم ما يظهر من هامش الحرية في لبنان، فإن تمثيل المرأة في المجال السياسي يكاد يكون شكلياً ومحصوراً بشكل رمزي في بضعة أشخاص.
 
سوزان حبيش انتقدت السعودية فتم إقالتها من منصبها
بالنظر إلى راهن البلاد فإننا نجد الصحف ووسائل الإعلام منشغلة بظاهرة التمييز واللامساواة ضد المرأة وتبعات هذه الظاهرة. وعلى سبيل المثال تم إقالة المقدم سوزان حاج حبيش رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية من منصبها بسبب إعجابها بتغريدة على موقع تويتر تسخر من منح المملكة السعودية المرأة حق قيادة السيارات.
 
في السياسة لا أسماء للنساء
تبرز المرأة اللبنانية بشكل واضح في الحياة الاجتماعية، إلا أن وجودها ضعيف جداً في مواقع القرار. وتناضل النساء اللبنانيات ضد تهميشهن من الساحة السياسية. فقبيل انتخابات شهر أيار/مايو، تم تنظيم حملة واسعة من أجل زيادة نسبة تمثيل النساء في المجلس النيابي، ورغم كل الجهود إلا أن نسبة تمثيل المرأة لم تتجاوز 0.2 بالمائة.
 
القانون يسمح بزواج كل من بلغ الـ 12
النضال من أجل حقوق المرأة لا يقتصر على ميدان السياسية، بل يتجاوزه إلى العديد من الميادين الأخرى. وهناك العديد من المواضيع التي تشغل بال النساء اللبنانيات وتناضلن من أجلها، منها الشرائع والقوانين الدينية التي تسمح للأطفال في سن الـ 12 بالزواج، وموضوع تزويج ضحايا الاغتصاب من مغتصبيهن، والعديد من المجالات الأخرى.
ومن المواضيع الأخرى أيضاً التي تشغل الرأي العام، قانون تجريم التحرش الجنسي الذي صدر عام 2017، ولكن لم يتم العمل حتى الآن بهذا القانون في البلاد. كما أن بعض المجموعات الدينية تسعى إلى تمرير قانون لا يعتبر القتل بداعي "الشرف" جريمة يعاقب عليها القانون، فيما النساء تناضلن ضد تمرير هذا القانون.
 
النساء قلن كلمتهن "كفى"
بعد إقرار قانون العنف المنزلي الذي صدر وبدأ تنفيذه اعتباراً من عام 2014، أعدت منظمة "كفى" النسائية مسودة قانون لمنع زواج الأطفال القصر، وسلمت مسودة القانون إلى المجلس النيابي. وعلى مدى ستة أعوام متواصلة تسعى النساء إلى تسليط الضوء على هذا الموضوع من خلال تنظيم مختلف النشاطات والفعاليات، ولكن حتى الآن لم يتم طرح القانون على المجلس النيابي.
 
العنف المستتر ترسيخ لثقافة الاستبداد
من أشكال العنف الذي تتعرض له النساء في لبنان هو العنف المتعلق باستغلال جسد المرأة. تتعرض النساء لعنف مستتر تحت اسم الجمال، حيث يتم فرض قيم الجمال الرأسمالية الغربية على المجتمع اللبناني، فيما تتسابق النساء للانسجام مع هذه القيم عبر التوجه إلى صالونات التجميل. النساء اللواتي ارتضين قيم الجمال التي وضعها المتسلطون، تمارسن عنفاً مستتراً ضد أجسادهن، فيما تناضل المنظمات النسائية ضد هذه الأشكال المختلفة للعنف.