حركة سوفراجيت... 'أصوات من أجل النساء'(2)

ناشطة سياسية آمنت منذ صغرها بحق المرأة في التصويت، ناضلت من أجله بكل الطرق والوسائل، تعرضت للسجن والتهديد والتعذيب، توج كفاحها بمنح المرأة حق التصويت بعد وفاتها بـ 18 يوماً

إيميلين بانكهورست... قائدة حركة سوفراجيت

مركز الأخبارـ .
إيميلين بانكهورست قائدة حركة سوفراجيت، وأحد أشهر مائة اسم مؤثر في القرن العشرين، وفقاً لتصنيف مجلة التايم في عام 1999.
ولدت إيميلين جولدين في 15تموز/يوليو 1858، في مدينة مانشستر بإنجلترا، نشأت ضمن عائلة ذات أفكار سياسية، كان والداها من المؤيدين لحركة مناهضة العبودية والداعمين لحقوق المرأة، تلقت تعلميها في مدارس خاصة في مدينتي مانشستر البريطانية وباريس الفرنسية، حضرت وهي في عمر 14 عاماً مع والدتها اجتماعاً من أجل حق المرأة في التصويت، تحدثت فيه مناصرة حقوق المرأة ليديا بيكر، كان حضور الاجتماع لحظة محورية في حياتها، فقد عزز فيها المعتقدات السياسية وشجعها على الانضمام إلى الكفاح من أجل حق المرأة في التصويت. 
تزوجت بعد عودتها من باريس وهي ماتزال في العشرين من عمرها من المحامي والداعم للاشتراكية وحقوق المرأة ريتشارد بانكهورست في عام 1879. عرفت إيميلين جولدين فيما بعد باسم زوجها "إيميلين بانكهورست". 
ساعد زوجها في صياغة قوانين ملكية النساء المتزوجات لعامي 1870 و1882، وكان عضواً في لجنة ممتلكات النساء المتزوجات، وصاغ قانون الامتياز البلدي الذي منح النساء غير المتزوجات الحق في التصويت في الانتخابات المحلية في عام 1869، أنجبت منه خمسة أطفال "كريستابيل وسيلفيا وأديلا وفرانك وهاري".
 
نشاطها السياسي
بدأ نضال إيميلين بانكهورست السياسي بمشاركة زوجها ريتشارد بانكهورست في دعم جمعية فابيان الاشتراكية التي تأسست عام 1884، وكانوا من الأعضاء الأوائل في حزب العمل المستقل (ILP)، نشطت في حركة النساء المحلية في مجال حق المرأة في التصويت، وانضمت إلى لجنة حقوق المرأة في مانشستر.
في عام 1889 انتقلا إلى لندن، وشكلا في العام نفسه مع النشطاء السياسيين رابطة الامتياز النسائية (WFL)، التي كانت تهدف إلى منح النساء المتزوجات والغير متزوجات حق التصويت، وتطالب بالمساواة فيما يخص الطلاق والميراث. نظم الزوجان العديد من الحملات وعقدا الاجتماعات في منزلهما الذي أصبح مركزاً للنشطاء السياسيين، إلا أنه بعد فترة وجيزة وتحديداً في عام 1893 تم حل الرابطة بسبب خلافات داخلية.
لم يستطيعا تحقيق أهدافهما السياسية في لندن، فعادا في عام 1892 إلى مانشستر، انضمت إيميليين بانكهورست إلى حزب العمل الذي تشكل عام 1894، كان هدفها المساعدة في تغذية الفقراء والعاطلين عن العمل في مانشستر، عينت كوصية في مجلس إدارة "أولياء قانون الفقراء" للإشراف على العمل، صُدمت من ظروف العمل في المبنى حيث كان السكان يتناولون طعاماً غير كاف ويرتدون لباساً سيئاً والأطفال الصغار يعملون على تنظيف الأرضيات، عملت خمس سنوات في المجلس وساعدت على تحسين ظروف العمل بشكل كبير، حيث أنها انشأت مدرسة في ورشة العمل، تولت بعد ذلك منصباً مدفوع الأجر كمسجلة للمواليد والوفيات في تشورلتون.
 
الاتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة... "أفعال لا أقوال"
كانت إيميلين بانكهورست عضوة في الاتحاد الوطني لجمعيات حق المرأة في التصويت (NUWSS)، الذي اتبع الأساليب السلمية لحصول المرأة على حقها في التصويت، لكنها كانت تؤمن بضرورة التخلي عن التكتيكات والأساليب السلمية للجماعات المناصرة للمرأة وتفضل الإجراءات الأكثر تشدداً وصرامة، وكانت لديها قناعة بمبدأ أن المرأة لن تحصل على حقوقها الأساسية إلا إذا حصلت على حقها في التصويت، وانطلاقاً من هذا المبدأ أسست في تشرين الأول/أكتوبر 1903 مع ابنتها كريستابيل بانكهورست الاتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة (WSPU) تحت شعار "أفعال لا أقوال" انضمت إليه بعد ذلك ابنتها سيلفيا.
عقد الاتحاد الاجتماعات السرية في منزل إيميلين بانكهورست، نمت عضويته بشكل كبير، وتبنى ألوان رئيسية وهي الأبيض والأخضر والأرجواني للدلالة على النقاء والأمل والكرامة، وأطلق على مجموعتهن اسم حركة سوفراجيت، وكان شعارها أصوات من أجل النساء "Votes for Women".
تبنى الاتحاد الأساليب المتشددة في سبيل الحصول على مطالبهم، كانت إيميلين بانكهورست في الخط الأمامي للمواجهة مع الشرطة، ولم تتخوف من تعريض نفسها للخطر أو الاعتقال، فعندما حضرت مؤتمراً لحزب العمل من أجل طرح مشروع قانون حق التصويت للنساء، لم يأبه أعضاء الحزب لهذا المشروع ولم يتم طرحه في الاجتماع، مما شكل غضباً لدى أعضاء الاتحاد دفعهم لتنظيم احتجاجات في الخارج، واتباع أساليب متشددة وإزعاج السياسيين أثناء الخطابات.
وفي شباط/فبراير 1906 نظمت إيميلين بانكهورست مع ابنتها سيلفيا وآني كيني مسيرة في لندن، شارك فيها ما يقارب 400 امرأة، هذه المسيرة حققت نجاحاً بسيطاً في السماح لمجموعات صغيرة من النساء بالتحدث إلى نوابهم، لكن دون جدوى.
أصبحت إيميليين بانكهورست أكثر قوة، قامت بجولة في البلاد وألقت الخطب في التجمعات والمظاهرات، وأصبحت كريستابيل المنظم السياسي للاتحاد، نقلت مقرها إلى لندن في عام 1907، نظمت إيميلين بانكهورست في العام نفسه أكبر تجمع سياسي، وفي العام التالي نظمت مظاهرة جمعت أكثر من 500 ألف شخص في هايد بارك.
 
الاعتقالات
تعرضت إيميلين بانكهورست لاعتقالات عديدة، ألقي القبض عليها أول مرة في عام 1908 بعد اقتحامها لمجلس العموم وحث الاعضاء على دعم حق المرأة في التصويت، حُكم عليها بالسجن ثلاثة أشهر، بعد إطلاق سراحها، صعد الاتحاد من أساليبه وحملاته العنيفة حيث قمن بتحطيم النوافذ وإضرام النيران في محتويات صناديق الأعمدة، وقيدن أنفسهن بالسلاسل في المباني العامة.
وبتاريخ 4آذار/مارس 1912 حكم على إيميلين بانكهورست مرة أخرى بالسجن تسعة أشهر؛ لمشاركتها في حملة تحطيم نوافذ مقر إقامة رئيس الوزراء هربرت هنري أسكويث، وجميع الأنحاء التجارية في لندن. أثناء وجودها في السجن أضربت عن الطعام احتجاجاً على سجنها، لكن الحكومة أمرت بإطعامها قسراً بعد أن ساءت حالتها الصحية عبر تمرير الطعام بأنابيب مطاطية تمر من أنفها إلى معدتها.
في عام 1913 سن البرلمان قانون الإفراج المؤقت عن السجناء الذي عرف باسم "قانون القط والفأر"؛ نتيجة لسوء حالتهم الصحية، هذا القانون سمح للحكومة بالإفراج عن السجناء عندما يكونوا مرضى وإعادة اعتقالهم بعد تعافيهم. 
اعتقلت مرة أخرى في عام 1913 بعد إدانتها بانفجار قنبلة في منزل المسؤول الحكومي ديفيد لويد جورج، حُكم عليها بالسجن ثلاث سنوات، لكن إضرابها عن الطعام أدى إلى الإفراج المبكر عنها، وبسبب قانون "القط والفأر" الذي فرضته الحكومة، اعتقلت وأطلق سراحها عدة مرات.
 
مجهودها الحربي
وجهت إيميلين بانكهورست طاقتها لدعم المجهود الحربي بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، أمرت بوقف نشاطات الاتحاد، وشجعت النساء على فعل ما بوسعهن، حيث أتيحت لهن فرصة لإثبات أنفسهن خلال الحرب، وشغلن وظائف الرجال ليتمكن من القتال في الجبهات، فكانت الحرب نقطة حاسمة في الحركة، تغيرت المواقف تجاه المرأة، وبات ينظر إليهن على أنهن يستحقن التصويت بعد أن خدمن بلادهن بشكل مثير للإعجاب. فبتاريخ 8شباط/فبراير 1918، أصدر البرلمان قانون تمثيل الشعب الذي منح حق التصويت لكل النساء فوق سن الثلاثين.
حولت إيميلين بانكهورست الاتحاد الاجتماعي والسياسي إلى حزب نسائي مكرس خصيصاً لتعزيز مساواة المرأة في الحياة العامة، التحقت بحزب المحافظين واختيرت لتكون مرشحة الحزب عن منطقة ستيبني في عام 1927، لكنها انسحبت بسبب سوء حالتها الصحية؛ وبسبب الإضراب عن الطعام ودخولها السجن عدة مرات، توفيت في 14حزيران/يونيو عام 1928، وبعد وفاتها بـ 18 يوماً أصدرت الحكومة قانوناً بتمديد حق التصويت ليشمل كل النساء اللواتي تتجاوز أعمارهن 21 عاماً، وذلك في 2تموز/يوليو 1928.
بعد وفاتها بعامين ولإحياء ذكراها أقيم لها تمثال في حديقة فكتوريا تاور جاردنز في لندن.
غداً... إيميلي دافيسون شهيدة حركة سوفراجيت
 
(غدير العباس)