المرأة الأردنية نجاحات وتحديات (3)

لم تتوقف الحركة النسوية منذ نشأتها في البلاد أوائل القرن العشرين عن المطالبة بحقوق المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، في مجتمع محافظ، موروثه الاجتماعي مليء بالتناقضات فيما يخص حقوق المرأة

العنف ودور القانون في تأصيله  

مركز الأخبار ـ ، ليأتي القانون مكملاً لهذا الإرث الاجتماعي الذي يتنقص من حقوق المرأة.
يعمل المجتمع الأردني وقانون المملكة على تأصيل التفرقة بين الرجل والمرأة، الأول من خلال التربية والموروث الاجتماعي، والثاني بإعطاء شرعية لهذه الممارسات. ناهيك عن دور المرأة في تكريس الفكر الذكوري، وإعادة انتاج أدوات القمع، من خلال التربية الذكورية لأبنائها، مما يؤدي إلى توريث فكر القمع والدونية للمرأة من جيل إلى جيل.
العنف متأصل، في المجتمع الأردني كما في كل مجتمعات الشرق الأوسط، لكن الإحصائيات غير دقيقة حوله، لأن النساء لا يُصرحنَّ بما يتعرضنَّ له، كما تنتشر ظاهرة القبول بالضرب من قبل الزوج، واعتباره حقاً من حقوقه، تقرير التنمية البشرية لعام 2014 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كشف أن 90 بالمئة من الأردنيات يبررنَّ ضرب الرجل للمرأة باعتباره حقاً من حقوقه.    
 
زواج القاصرات بالأرقام
في عام 2019 بلغت نسبة زواج القاصرات 10.6 بالمئة مقارنة بـ 11.6 بالمئة عام 2018 وتكون بذلك انخفضت بنسبة واحد بالمئة فقط، وقد انخفض أيضاً بنسبة 9 بالمئة في عام 2018 عن 2017. 
على ذلك لا زالت نسب زواج القاصرات في الأردن على ذات المستوى منذ سنوات رغم دعوات حقوقية داخلية وخارجية لإنهاء هذه الظاهرة، وبحسب دراسة أعدها مركز "تمكين" فإن زيادة زواج القاصرات تتناسب طرداً مع الزيادة السكانية.  
ساهمت الدساتير المتعاقبة في جعل زواج القاصرات المترسخ أصلاً في المجتمع قانونياً، من خلال إضافة استثناء للقانون الأصلي، فمع التقدم الذي أحرزه القانون بتحديد سن الزواج بـ 18 عاماً إلا أن اردافه بالاستثناء في حالات معينة جعل الانتهاكات تأخذ شكلاً قانونياً. 
وتنص المادة العاشرة في الفقرة أ من قانون الأحوال الشخصية المعمول به حالياً في المملكة، على أن سن الزواج للشاب أو الفتاة يجب ألا يقل عن 18 عاماً "يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يتم كل منهما ثمانية عشرة سنة شمسية من عمره".
ويأتي الاستثناء ليلغي ما سبقه في مجتمع يلعب على الثغرات، حيث تنص الفقرة ب من المادة 10 "على الرغم مما ورد في الفقرة أ من هذه المادة يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة أن يأذن في حالات خاصة بزواج من أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره وفقاً لتعليمات يصدرها لهذه الغاية إذا كان في زواجه ضرورة تفتضيها المصلحة، ويكتسب من تزوج وفق ذلك أهلية كاملة في كل ما له علاقة بالزواج والفرقة وآثارهما". 
لم يُعرف القانون الحالات الخاصة أو حدودها، مما ترك الباب مفتوحاً أمام زواج القاصرات، فأصبح كل من يريد تزويج ابنته أو المتاجرة بها يتذرع بكونها حالة خاصة.
كان من المتوقع في جلسة البرلمان التي عقدت في نيسان/أبريل 2019 بهذا الخصوص إلغاء التعديل، لكن المجتمعون اكتفوا برفع سن الاستثناءات إلى 16 عاماً بدل 15عام، مما أثار سخطاً واسعاً في المملكة وفي منظمة هيومن رايتس ووتش التي دعت المملكة إلى اغتنام الفرصة ورفع سن الزواج إلى 18 عاماً دون أي استثناءات. 
زواج القاصرات ينتج ظاهرة أخرى وهي مطلقات قاصرات، فالأرقام الرسمية وجمعية معهد تضامن النساء يشيران إلى ارتفاع نسبة طلاق القاصرات في البلاد بشكل كبير، في عام 2019 فقط بلغ عدد المطلقات اللواتي لم يبلغن 18 عاماً 309 مطلقات.  
 
ارتفاع نسب الطلاق 
انخفضت نسبة الطلاق في الأردن عام 2019 بنسبة 4.5 بالمئة مقارنة بالعام 2018 لكنها عادت لترتفع في عام 2020، وسجل الأردن رقماً قياسياً في معدلات الطلاق حيث يقع في المرتبة 14 عالمياً فالمملكة تشهد 60 حالة طلاق يومياً.
الزواج المبكر والقسري يساهمان في ارتفاع نسب الطلاق في المملكة، وبحسب الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن دائرة الاحصاءات العامة فإنه في عام 2017 شهدت البلاد تسجيل 71 حالة طلاق (رضائي وقضائي) في اليوم، من بينها 15 حالة طلاق مبكر "طلاق من زواج تم في ذات العام"، و2.7 حالة طلاق لقاصرات بغض النظر عن سنة الزواج. وفي نفس العام سجلت حالات الطلاق برضا الطرفين 21210 حالة.
في عام 2018 وقعت 26 ألف حالة طلاق ما يعادل 72 حالة يومياً وذلك بحسب سجلات المحاكم الشرعية كما سجلت البلاد 52 حالة طلاق في اليوم عام 2019، وازادت في عام 2020. 
تنص المادة 98 من قانون الأحوال الشخصية أن للزوج حق إعادة زوجته دون موافقتها في الطلاق الأول "للزوج حق إرجاع مطلقته رجعياً أثناء العدة أقوال أو أفعال، وهذا الحق لا يسقط بالأسقاط ولا تتوقف الرجعة على رضا الزوجة، ولا يلزم بها مهر جديد".   
تعاني المرأة بعد الطلاق في حال وجود أطفال فلا يمكنها السفر بأطفالها خارج الأردن إلا بموافقة والدهم، المادة 176 تنص على أنه "إذا كان المحضون يحمل الجنسية الأردنية فليس لحاضنته الإقامة به خارج المملكة، أو السفر به خارجها لغاية الإقامة إلا بموافقة الولي وبعد التحقق من تأمين مصلحة المحضون".
كما يعطي قانون الأحوال الشخصية الحق للرجل بأخذ أطفاله في حال امتنعت الأم من السفر، وتسقط الحضانة عنها، المادة 177 الفقرة ب "إذا رغب الأب الحاضن بالإقامة ب المحضون خارج المملكة وامتنعت مستحقة الحضانة عنها أسقط حقها فيها لأي سبب".
مع العلم أن آخر التعديلات على قانون الاحوال الشخصية تضمنت حضانة الأم لطفلها حتى بلوغه 15 عاماً بغض النظر عن دينها لكنها تفقد الحضانة في حال تزوجت على عكس الرجل.
 
الجنسية
هناك تمييز صارخ في قانون الجنسية الأردني حيث يحق للرجل منح الجنسية لزوجته إن كانت من إحدى الدول العربية بعد ثلاث سنوت والأجنبية بعد خمس سنوات، فيما لا يمكن للمرأة الأردنية إعطاء الجنسية لأطفالها إذا كانت متزوجة برجل غير أردني، وعدد هؤلاء النساء اللواتي يعانين من هذا التمييز 80 ألفاً امرأة بحسب وزارة الداخلية.
ورغم منح بعض المزايا لأبنائهن إلا أن حملة "أمي أردنية وجنسيتها حق لي" التي انطلقت منذ عام 2007 ما زالت مستمرة، وتؤكد النساء أن تلك المزايا لا تطبق على أرض الواقع، وليست إلا حبر على ورق لذر الرماد في العيون، وإسكات النساء عن المطالبة بحقهن وحق ابنائهن الذين لا يستطيعون العمل في المؤسسات الحكومية ولا حتى امتلاك رخصة قيادة.
 
الاغتصاب... العقوبات غير رادعة
على الرغم من الغاء القانون القاضي بإعفاء المغتصب من العقوبة حال زواجه من الضحية في عام 2017، إلا أن التطبيق الفعّلي للقانون الجديد لم يدخل حيز التنفيذ بعد. ونلاحظ أن المادة 304 تشير بشكل غير مباشر إلى أن للمغتصب الحق في الزواج من الضحية.
تبقى العقوبات رمزية وغير رادعة لمرتكبي جرائم الشرف والاتجار بالنساء، فالمادة الأولى من قانون العقوبات تقضي بحبس المغتصب مدة أقلها ستة أشهر ولا تتجاوز ثلاث سنوات.
سجلت الاحصائيات في العام 2018 وقوع 140 جريمة اغتصاب في البلاد وهو ذات الرقم الذي سجله العام 2014، والأرقام متقاربة خلال الخمس سنوات الأخيرة بحسب ما أكده معهد تضامن، حيث كانت 145 في عام 2017 وأقل من ذلك بقليل عام 2016 (138)، وفي عام 2015 كانت 122 جريمة اغتصاب.
 
التحرش... جريمة مسكوت عنها
لا تصرح النساء الأردنيات بما يتعرضنَّ له من ممارسات لفظية أو جسدية تندرج تحت خانة التحرش، لكن الدراسة الوحيدة والتي كسرت الصمت المطبق حول هذه الظاهرة المنتشرة في البلاد كشفت أن 75.9 بالمئة من النساء تعرضن لأحد أشكال التحرش، وكان الفاعل غالباً أحد الاقارب بنسبة 11.8 بالمئة. وكذلك تعرضت النساء إلى التحرش في الأماكن العامة من قبل غرباء وكانت النسبة 52.9 بالمئة، كما تعرضنَّ للتحرش في أماكن العمل ومقاعد الدراسة بنسبة 29.1 بالمئة، وهناك شكل حديث من التحرش وهو عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكانت النسبة 43.9 بالمئة. 
لا تعبر هذه النسب عن حقيقة التحرش، فالكثير من النساء يجدنَّ أنه من المعيب التحدث عن حالة التحرش التي يتعرضن لها كونهنَّ الملامات على ذلك. 
هذه الدراسة التي ذكرنا تفاصيلها هي الأولى من نوعها في البلاد، اعدتها اللجنة الوطنية لشؤون المرأة في عام 2019 بعنوان "ظاهرة التحرش في الأردن". 
في عام 2012م قامت الدكتورة الراحلة رولا قواس وكانت حينها عميدة كلية اللغات الأجنبية في الجامعة الأردنية، بمحاربة التحرش بطريقة مبتكرة وهي أن تحمل كل فتاة لافتة مكتوب عليها عبارات تحرش يطلقها الشبان في الجامعة أو الشارع تحت عنوان "هذه خصوصيتي"، وبدل أن تُشكر الدكتورة على جهودها في محاربة هذه الظاهرة تمت تنحيتها قيل فيما بعد أن الإقالة جاءت لتغييرات روتينية وليست كيدية، حيث تمت تنحية 12 استاذاً جامعياً في نفس الفترة.
لم تكن الحملة إلا صورة حقيقية عن واقع مرير تعاني منه الفتيات والنساء، لكن المجتمع استنكر الحملة بدلاً من أن يستنكر الممارسة المخلة بالأخلاق والتي تتعدى على كرامة وحرية المرأة. 
لا يوجد تعريف للتحرش في القانون الأردني لكن التعديلات الأخيرة أشارت إليه، وأقرت عقوبة ليست بالرادعة، وأشارت المادة 306 من قانون العقوبات على الحبس "مدة لا تقل عن ستة أشهر لكل من عرض فعلاً منافياً للحياء أو وجه عبارات أو قام بحركات غير أخلاقية على وجه مناف للحياء بالقول أو الفعل أو الحركة أو الإشارة تصريحاً أو تلميحاً بأي وسيلة كانت". وفي بداية العام 2020 تم إلغاء مصطلح التحرش الجنسي من النظام القانوني الأردني.
 
قانون التوقيف الإداري ضحاياه من النساء  
تتعرضن النساء لتهديدات مستمرة ومواقف كثيرة تجعل من عائلاتهنَّ في كثير من الأحيان مصدر تهديد لهنَّ، وخطراً محدق بهنَّ، فتلجأ المرأة إلى مكان أكثر أماناً قد يكون أحدها مؤسسات الدولة.  
لكن الفتيات الهاربات من أسرهنَّ يتعرضنَّ للاحتجاز بداعي حمايتهنَّ، ويتم العمل بقانون التوقيف الإداري لعام 1954 حتى الآن لمنع الجرائم. وتحتجز الفتيات والنساء في السجون بحجة منع ارتكاب جرائم ضدهنَّ، ولا يسمح لهنَّ بمغادرة السجن إلا عندما يتعهد الأهل بعدم التعدي عليهنَّ وضمان سلامتهنَّ. مع العلم أنَّ حالات احتجاز النساء بحجة حمايتهنَّ ما تزال مستمرة حتى كتابة هذا الملف.
وتم افتتاح دار آمنة لإقامة النساء وهي تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية وتم تحويل عدد من الموقوفات إدارياً اليها خلال عام 2020، وتتمتع النساء بحرية الدخول اليها أو الخروج منها.
 
جرائم الشرف قوانين تستهين بحياة المرأة 
في عام 2016 بلغ عدد الجرائم التي ارتكبت بحق النساء بذريعة الشرف 26 جريمة، وبذلك ارتفعت النسبة مقارنة بالأعوام السابقة إلى 52 بالمئة، كان المجرمين بنسبة 76 بالمئة كل من الزوج والأخ. 
قبل ذلك كانت تُقتل 15 إلى 20 امرأة بطرق مختلفة تحت ذريعة الشرف، ومع هذا الارتفاع المخيف حاولت المؤسسة الدينية استدراك الموقف بأن أفتت بأن جرائم الشرف تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأنها من أبشع الجرائم في المجتمع.
انخفض عدد الجرائم المرتكبة بحق النساء من 16 جريمة في عام 2017 إلى 7 جرائم عام 2018 بتراجع بلغ النصف تقريباً وبنسبة 44 بالمئة كنتيجة للتعديل على قانون العقوبات الذي أقره مجلس النواب في تشرين الأول/أكتوبر2017 بإضافة فقرة تفيد بأنه "لا يستفيد فاعل الجريمة من العذر المخفف المنصوص عليه في الفقرة 1 من هذه المادة إذا وقع الفعل على أنثى بداعي المحافظة على السمعة والاعتبار". 
وتنص المادة 98 من قانون العقوبات على منح عذر مخفف لمن يقتل زوجته، أو إحدى أصوله، أو فروعه، أو أخواته حال تلبسها بجريمة الزنا بحجة أنه في حالة غضب، الفقرة 1 "يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق، وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه"
وتشير المادة صراحة إلى أن للرجل الحق بقتل أحد قريباته "لا يستفيد فاعل الجريمة من العذر المخفف المنصوص عليه في الفقرة (1) من هذه المادة إذا وقع الفعل على أنثى خارج نطاق أحكام المادة (340) من هذا القانون". في المقابل تستفيد المرأة من العذر المخفف حال فوجئت بخيانة زوجها وفقاً لأحكام المادة (2/340)
 
ظاهرة استئصال أرحام "المعاقات ذهنيا" مثار جدل 
تنتشر في الأردن منذ مدة طويلة ظاهرة استئصال أرحام الفتيات المعاقات عقلياً، وتعتبر خطوة احترازية من قبل الأهل لحماية الفتاة من الحمل حال تعرضها لأي اعتداء جنسي، ورغم مطالب حقوقية عديدة وتحريم من قبل رجال الدين إلا أن الحكومة لم تسن حتى الآن أي تشريعات تمنع هذه الانتهاكات. 
في المقابل يدافع أهالي الفتيات عن هذا الانتهاك، معتبرين أنه حق مشروع لمواجهة مخاطر سن البلوغ فيما لو تم اغتصاب الفتيات وحصل الحمل.
معظم الدراسات حول هذا الموضوع أشارت إلى أن السبب الرئيسي وراء هذا الفعل مرتبط بجرائم الشرف، أضافة إلى صعوبة تعامل الفتيات مع التغيرات الطبيعية مثل الدورة الشهرية وعدم مبرر لوجود الرحم ما دامت الفتاة لا تستطيع الزواج. 
لكن في المقابل تصبح الفتاة عرضة بشكل مباشر للاغتصاب، إضافة إلى الأمراض التي قد تلحق بها بعد عملية الاستئصال، وتعرضها لتداعيات الشيخوخة وأمراض القلب وغيرها.  
قامت "لجنة المرأة في المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين" بمحاولة توعية الأهالي وتغيير اتجاهات الأسر التي لا تعلم مدى ضرر وخطر الاستئصال، إضافة إلى وضع "خطة فاصلة لمحاربة هذا الانتهاك وتحديد طريقة التعامل معه بالحوار، من خلال القانون والطب وحتى الرأي الديني المسيحي والإسلامي.
 
(سناء االعلي)