الآلهات في سورية... رمز البركة والتقديس(6) اللات، العزى والمناة: نظام ثلاثة آلهة

كل الأحداث التي جرت عبر التاريخ تركت خلفها أثراً بالمعنى المطلق، والمهم هنا هو متابعة وتعقب هذه الآثار

.
في يومنا هذا "إذا ما طلب منا تحديد وتعداد أماكن التقاليد الأبوية الأكثر صرامة بالطبع سنبدأ العد بالسعودية وشبه الجزيرة العربية". 
في الحقيقة هذا أمرٌ خاطئ، فتعداد أسماء الدول دون تفكير أو وفقاً لسياسات السلطات الحالية تجاه المرأة لن تتعدى سوى كونها مفاهيم محفوظة وخاطئة. 
هل تعلمون أن الشمس، القمر، النجوم، الحرب، البركة، العشق، الحياة، الموت؛ وكل حالات الإنسان الموجودة على وجه هذه الأرض تتمثل جميعها بعقيدة الإلهة اللات التي انبثقت من داخل شبه الجزيرة العربية ونشرت لونها على هذه الجغرافية؟.
يمكن القول إن تحريم تنفس المرأة على هذه الجغرافية مع هذه الشروط والظروف الحالية التي أظهرها التاريخ والمجتمع سيخلق العديد من المفاهيم الخاطئة.
لكن الثقافة التي يتم الحديث عنها ألهمت في الماضي الكثير من المعتقدات الأخرى المتعلقة بنظام التقاليد الإلهية. وشريان مقاومة النساء العربيات اليوم مستمد من هذه الثقافة.
مع ظهور الإسلام وانتشاره في المجتمعات العربية، تم القضاء على العقيدة القديمة وكادت تنعدم ولكن ثقافة المرأة الإله استمرت بأشكال وأساليب أخرى في الثقافة والمقاومة. 
إن نظام اللات الموجود في يومنا هذا هو نفسه نظام الآلهة الثلاثة اللات والعزى والمناة الذي كان موجوداً في ثقافة العبيد والذي انتشر في سائر أرجاء الشرق الأوسط وظهر فيما بعد بهويات وأشكال مختلفة إلى أن وصل إلى يومنا هذا باسم اللات.
سنشارككم ما جمعناه من المصادر التاريخية:
على الرغم من عدم وجود تاريخ واضح إلا أنه قبل الميلاد وفي القرن السابع عشر كانت مدينة الطائف الموجودة حالياً في السعودية هي أول مدينة بدأ فيها نظام هذه الآلهة. كانت الإلهة الرئيسة من بينهم تدعى اللات وتعرف بإلهة الشمس والقمر. أي أنها كانت تمثل استمرارية تعاقب النهار وأيضاً في الوقت نفسه كانت إلهة الأرض والعشق. 
في تماثيل اللات، تتشابك الشمس مع القمر في أعلى الرأس، في يدها تحمل رمز البركة والوفرة والحياة ألا وهي قبضة من سنابل القمح كما تحمل وعاء للبخور.
تحتل العزى المرتبة الثانية في نظام هذه الآلهة. تمثل هذه الإلهة نجوم الصباح والليل. وتمثل تعاقب الليل والنهار. كما أنها تمثل في الوقت نفسه إلهة الحرب والحب.
الإلهة مناة أيضاً تمثل الإيمان والموت. كما أنها كانت تُعرف بإلهة تحديد مصير الإنسان ويصلي الناس لها من أجل القضاء على أعدائهم أو لحمايتهم منهم، ورمزها القمر الهلال.
رمز نظام الآلهة الثلاث في المعبد هو صخرة مربعة.
تشكل الآلهة الثلاث ثالوثاً أنثوياً عند العرب الذين سكنوا شبه الجزيرة قبل الإسلام، والأنباط وأهل مملكة الحضر في العراق، وصلت عبادتها إلى أهل الشام نتيجة لترحال العرب الأنباط. اعتبرتهن هذه الشعوب بنات الله، معتقدين ان اللات ومناة ابنتا العزى. 
وفقاً لبعض المؤرخين فإن مكان الكعبة المبارك في الإسلام في يومنا هذا هو نفسه موقع معبد اللات حيث كان يوجد فيه صخرة مربعة يجتمع حولها جميع الناس للصلاة والدعاء للآلهة. كما يظهر أن الكعبة أيضاً بُنيت مربعة تحت تأثير معتقدات ذلك الزمن.
إضافة لمكان عبادتها في الكعبة لها عدة معابد في الطائف وسوق عكاظ والحجاز وفي الحي الغربي من مدينة تدمر. تقدم لها الهدايا والقرابين وتحفظ تحت صخرة اللات، من الهدايا التي تقدم اليها الأموال والحرير والسيوف، في أوقات الحروب ينصب الجيش بيتاً لها في المعسكر.
كما أنه تم عكس وتحريف العديد من المفاهيم القديمة وتبديلها بعادات أخرى مثل العادة التي تداولت في المجتمع العربي قبل الإسلام والتي تمثلت "بقيام العرب بدفن بناتهن حديثات الولادة وهن على قيد الحياة" (وأد البنات). فبحسب المصادر التي أجرتها الأبحاث على عقيدة اللات، فإن المجتمع العربي في ذلك الوقت ولإيمانهم بتلك الآلهة الثلاث كانوا يقدمون بناتهم كقرابين للآلهة لتصبح تلك الفتيات راهبات لمعبد الآلهة. لكن مع مرور الزمن تم تحريف هذه العادة من قبل النظام الأبوي الذكوري وعكسه إلى وأد البنات. 
عندما يفكر المرء في العديد من الحقائق التاريخية التي عكسها النظام الذكوري فإنه يمكننا عدم استبعاد هذا الاحتمال ولكنه يظل تفسيرنا الشخصي.
استمر الإيمان بعقيدة اللات في البداية بمدينة الطائف ومكة والكثير من مناطق السعودية لمئات السنين. وانتشر عبر جغرافيا الشرق الأوسط الشاسعة عن طريق التجارة.
تم بناء العديد من دور العبادة والمعابد إيماناً بهذا المعتقد وتتواجد بعض منها في سوريا.
تقول الرواية إن أتباع اللات هاجروا إلى سوريا لنشر دينهم ومعتقداتهم وتوسيع دائرة إيمانهم واتخذوا من مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا أهم مركز لعقيدتهم. ويعتقد أنه في القرن العاشر قبل الميلاد تم بناء معابد اللات في العديد من المناطق بالقرب من الرقة.
على الرغم من الدمار والحروب إلا أن بعض المعالم والآثار التاريخية مازالت قائمة. يعتقد أن قصر البنات هو واحد من هذه الآثار والذي كان في البداية معبداً للات وأعيد بناؤه بعدما تم تدميره باسم "قلعة النساء".
دُمرت آثار وبقايا عقيدة اللات في مدينة الرقة أثناء احتلالها ونهبها من قبل المغول وبعد الإسلام تمت إزالتها ودفنها بالكامل. 
لقد ظلت روح إلهة المقاومة مستمرة في عقول الناس وثقافتهم وحياتهم بشكل متغير ومختلف. فمدينة الرقة التي كانت مركزاً لعقيدة اللات وعبر التاريخ احتضنت انتفاضة حركة الزنوج ضد العبودية وهذا الأمر لم يأتِ من فراغ بل يستند ويستمد مصدره من جذور المقاومة.
فوق أراضي شمال شرق سوريا التي شهدت الحروب والاحتلال الذي لم ينته بعد، توجد الكثير من الآثار المخبأة تحت التلال، وقد كان ما ظهر منها على وجه الأرض أحياناً مزيجاً من ثقافة تل حلف والعُبيد التي كانت مركزاً لاجتماع ثقافة الآلهة مع الثقافة الأبوية وتأثيرهما على بعضهما البعض.
تأثير ثقافة الإلهة الأم على الحضارة ودول المدن ظاهر من خلال تماثيل الإلهة الموجودة منذ ما قبل الميلاد بين القرنين الأول والثامن. وعلى الرغم من وجود الملوك في المدن إلا أن نظام الإيمان بعقيدة الآلهة حافظ على وجوده في إدارة المدن.
إذا كان الإيمان بنهج اللات قد ضعف إلا أنه استمر قبل الميلاد بأشكال مختلفة إلى ما بعد ظهور الإسلام وتوسعه. لذا بعد الإسلام تم السعي إلى القضاء على ثقافة المرأة في البداية وعقيدة اللات ومحوها من شبه الجزيرة العربية ومن المنطقة بأكملها.
في أعمال الحفر والتنقيب في تلة (تل زيدان) قبل الحرب الأهلية في سوريا تم العثور على الكثير من آثار ومعالم هذه العقيدة ولكن مع بدء الحرب توقفت أعمال الحفر والتنقيب وبعد احتلال داعش جرت أعمال تخريبية كبيرة في تلك التلة. 
تشمل آثار عقيدة اللات الأخرى في سوريا مدناً مثل تدمر، وتل براك القريبة من مدينة الحسكة وتل بيدر ودير الزور المدينة المعروفة قديماً دورا أوروبوس.
عدا ذلك بنت قبيلة الناباتي السامية التي كانت من أتباع عقيدة اللات مدينة البتراء بالقرب من الأردن باسم إلهة أخرى وما زالت تحتفظ بمعبد سمي باسم الآلهة الثلاث.