. 

كما لو كانت مختبئة تحت الأرض بسبب الاحتلال وعمليات النهب في الماضي هي إحدى شرايين إلهة المنطقة التي ألهمت العديد من الحضارات التي تعاقبت على هذه المنطقة. 

تتطلب وبشكل خاص كل من المعرة، إعزاز وجرابلس والآثار المستخرجة من سد تشرين وأيضاً تل إنانا، مغارة البنات والكثير من الأماكن الأخرى إلى البحث والاكتشاف.

مازالت النساء يزرن أماكن مقاومة المرأة في تلك المنطقة وعلى الرغم من أن التاريخ الأبوي يريد إخفاء وإزالة تماثيل الآلهة الموجودة هناك إلا أنها مازالت تُظهر نفسها بقوة. 

تعالوا نتحدث عن كوبابا أم الآلهة. سنتحدث عن إلهة مملكة كركميش التي ظلت صامدة لـ 800 عام بفضل التجارة والزراعة. كوبابا هي إلهة الحضارة الهورية (الحورية)، وأثرت على نظام العقيدة الحيثية والفريجية وتم تغير اسمها إلى كيبل وذاع صيتها في جميع أنحاء الأناضول.

الكثير من المعالم والأدلة الأثرية التي اكتشفت في حاضرنا تشير إلى أن الإلهة كوبابا أصبحت مصدر إلهام كبير جداً، الأمر الذي سمح لها بالتوسع والانتشار بأسماء مختلفة في المدن.

من الأراضي التي أثرت فيها كوبابا روج آفا وقسم كبير من شمال كردستان. وفي منطقة الشهباء احتضنت هذه العقيدة كل من جرابلس والمنطقة الممتدة من الباب حتى كوباني. كما امتدت مملكة كركميش (جرابلس حالياً) شمالاً وصولاً إلى مدينة كلس وديلوك.

لا توجد معلومات مفصلة عن مملكة كركميش وحضارة كوبابا فقط صادفنا بعض المعلومات عنها قرابة القرن السابع عشر قبل الميلاد. 

تُظهر الأدلة الموجودة في الألواح والرقم المكتوبة في ايبلا وماري بأن ناحية ماري التي تتبع لمنطقة الشهباء قد بنيت في مملكة كركميش.

كما يتوقع أن هذه الحضارة استمرت لمدة 800 عام. وعُرف نظام عقيدتها ومزاياها الجغرافية التجارية والزراعية من المعلومات الواردة في الألواح المكتوبة التي تعود إلى تلك الحقبة التاريخية.

أيضاً في نفس الألواح المكتوبة تم الحديث عن شعب المنطقة الذي كان يتاجر بالخشب الخام، وذُكرت التحالفات والاتفاقات المكتوبة التي تم إبرامها مع مدن أوغاريت والميتانيين. 

ولكن تحدثت نفس الألواح المكتوبة عن أبلهان ملك كركميش وعن الملك الآشوري الأول شمشي ـ هدد والملك البابلي حمورابي في المدن الأخرى مما يعني أن نظام عقيدة الإلهة الأم قد أصبح ضعيفاً فيما بعد.

في القرن التاسع قبل الميلاد فقدت كركميش استقلالها وخضعت لسيطرة الآشوريين. سرعان ما انهارت مرحلة دول المدن وحلت محلها الإمبراطوريات. وفي عام 604 قبل الميلاد وقعت حرب بين القوات البابلية والمصرية في موقع مدينة كركميش ودخل الجيش البابلي الذي فاز في هذه الحرب إلى كركميش كمنتصر. 

بعد سيطرة البابليين خضعت كركميش لسيطرة الرومان وفي هذه الأثناء قامت شخصية الإمبراطورية الأبوية الذكورية بإسقاط وتدمير نظام عقيدة كوبابا وحاولت إنهاء الحياة المركزية لعقيدة الإلهة. وبعد العصور الوسطى تم التخلي نهائياً عن كركميش التي توجد فيها الكثير من الآثار التي تعود إلى كوبابا.

في عام 1699م وأثناء الحملات الصليبية تم التنقيب وحفر المدينة من قبل البريطانيين والفرنسيين. وفي عام 1986م تم العثور على دلائل وبيانات متعلقة بكوبابا وحضارتها. كما بدأ علماء الآثار البريطانيون بالتنقيب في منطقة حضارة مدينة كركميش عام 1910. بعد هذه الحفريات وأعمال التنقيب سرق البريطانيون معابد كوبابا وتماثيلها وأخذوها إلى لندن.

مؤخراً قام النظام السوري ما بين عامي 2006ـ2010 بالحفر والتنقيب في مناطق إعزاز والباب وجرابلس ونتيجة لذلك عثروا على بعض النقود التي نقشت عليها صورة كوبابا وعلى بعض تماثيلها.

في يومنا الراهن يتم عرض الألواح الكتابية المتعلقة بكوبابا في المتاحف في كل من مدينة ديلوك (غازي عتاب) في شمال كردستان وأنقرة عاصمة تركيا. تحوي هذه الألواح المعلومات والدلائل المتعلقة بنظام عقيدة كوبابا.

أكثرها لفتاً للانتباه هو اللوح الموجود في متحف الحضارات الأناضولية في أنقرة الذي يحوي رسمة لكوبابا حيث يبلغ طوله 82 سم ويعتقد أنه يعود لأعوام 750ـ850 ق.م، تظهر في الصورة المنقوشة على اللوح وهي تحمل في يدها اليمنى رمانة، وفي يدها اليسرى المخفية تحمل شيئاً يشبه المرآة. وتمثل القرون الموجودة على رأسها رمز الألوهية. وفي الأعلى تظهر كتابة صغيرة.

جاء في اللوح الذي يعتقد أنه كتب باسم كوبابا في زمن كامانيس ملك كركميش والذي يظهرها على أنها إلهة البركة والحرب:

" معبد كوبابا [...] أنا بنيته، وضعت تمثالي أمامه. جعلتها تسيطر على قلاع بنات كركميش والمناطق التي عشت فيها. [...] من أجل كوبابا ملكة كركميش قمت أنا حاكم كركميش ببناء منطقة تسودها الكرامة. جميع الملوك و... والأمراء سيأتون ليصلوا لك. هو من سيحمينا من شرها، انا أيضاً سأحارب باسمها كل من لا يقبل خيرها ومعجزاتها (كوبابا).