صمت النساء وقود السلطة الذكورية في إقليم كردستان
صمت نساء إقليم كردستان تجاه الظلم الاجتماعي، والقتل، وممارسات العنف، لم يعد حياداً بل تحول إلى وسيلة تُوظف لصالح السلطة وتعزز من نفوذها.

آفان كريم
مركز الإخبار ـ في ذكرى الإبادة الجماعية التي طالت آلاف النساء الإيزيديات في شنكال، غابت أصوات نساء إقليم كردستان عن المشهد، حيث كان من الممكن أن يشهد احتجاجات وتظاهرات نسوية تندد بالجريمة التي وقعت في الثالث من آب/أغسطس 2014، لكنها لم تحدث، فذلك الصمت، في وجه جريمة مخططة داخلياً وخارجياً، يثير تساؤلات حول دور المرأة في مواجهة الظلم.
على مدار السنوات التي تلت فاجعة شنكال، حيث كانت النساء الإيزيديات المستهدفات الرئيسيات في جرائم الاتجار والاختطاف، ولا يزال مصير المئات منهن مجهولاً حتى اليوم.
ورغم جسامة الحدث، لم يشهد إقليم كردستان أي تحرك نسوي واسع النطاق؛ فلا مظاهرات جماهيرية شاركت فيها أعداد كبيرة من النساء، ولا حملات منظمة ترتقي إلى مستوى الكارثة، بل اقتصر الأمر على مبادرات فردية واحتجاجات محدودة.
في المقابل، تخرج نساء إقليم شمال وشرق سوريا سنوياً إلى الساحات بأعداد كبيرة، رافعات أصواتهن تضامناً مع نساء شنكال، ومنددات بالجرائم الوحشية التي ارتُكبت بحقهن، في مشهد يعكس وعياً نسوياً حياً وفاعلاً.
الصمت النسوي شرعنة للواقع وتكريس للعنف
منذ انتفاضة عام 1991، تعيش المرأة في إقليم كردستان تحت وطأة التهميش والإقصاء، حيث تُحرم من حقوقها داخل الأسرة، وتُواجه أشكالاً متعددة من العنف، وغالباً ما تكون القوانين ذاتها سبباً في تفاقمه.
ورغم وجود نخب نسوية ومنظمات تُعنى بشؤون المرأة، إلا أنهن لم ينجحن في توحيد الصوت النسوي أو دفع النساء للمشاركة الفاعلة في الحراك المجتمعي، مما حال دون تشكيل قوة ضاغطة تُواجه السلطة وتحدّ من العنف الممنهج، وهذا الصمت، الذي يبدو حياداً، هو في جوهره قبول بالواقع، ويُسهم في استمرار العنف بشكل خفي، يتفاقم يوماً بعد يوم دون حلول.
السلطة تُسكت النساء عبر منظومة إعلامية موجهة
اعتمدت السلطة في إقليم كردستان على آليات متعددة لإسكات النساء، أبرزها الإعلام، الذي لعب دوراً سلبياً في تشكيل الوعي النسوي، فمع غياب وسائل إعلامية جادة تُعنى بقضايا المرأة، باتت معظم المنصات تكرّس الصمت من خلال بث برامج ومسلسلات سطحية تُبعد النساء عن أدوارهن الحقيقية، وتدفعهن نحو واقع مشوّه من الانشغال بالقضايا الهامشية، مما يُفقدهن القدرة على المطالبة بالحرية والحقوق.
والإعلام إلى جانب الثقافة الاستهلاكية، دفع النساء نحو تسليع أنفسهن وتقزيم شخصياتهن، حتى داخل أسرهن، حيث غاب الدور الإيجابي للمرأة كمربية ومشاركة في صنع القرار، المال، الذهب، المظاهر، والسيارات الفارهة، تحوّلت إلى أهداف فارغة تُغذيها السلطة، مما جعل كثيراً من النساء ينسين دورهن الإنساني، ويندمجن في منظومة رأسمالية تُفرغهن من جوهرهن، وتُبعدهن عن قضايا الحرية والكرامة.
ذلك الصمت يصب في مصلحة السلطة
الصمت الحالي للنساء يصب بالكامل في خدمة أصحاب السلطة في هذا الإقليم، ويفتح أمامهم الطريق لمواصلة التسلط وممارسة العنف ضد النساء، سواء عبر المجتمع أو من خلال القوانين والمؤسسات الحكومية، والأسوأ من ذلك أن النساء يُشكلن قوة مؤثرة في المجتمع، ويملكن القدرة على تغيير نمط الحكم ومواجهة الظلم، لكن صمتهن ورضاهن بهذا الواقع يمنح السلطة مزيداً من الأمان، ويمنع أي خوف من وعي نسوي يقلب المعادلة.
الحل الوحيد يكمن في تنظيم النساء
في هذا الواقع الراهن في إقليم كردستان، حيث اختارت النساء الصمت، لا بد من أن ينظمن أنفسهن عبر مجموعات ومنظمات نسوية، وأن يطلقن حملات توعية على مستوى الأحياء والمدن، وينظمن لقاءات وندوات يقودها مختصون في قضايا الحرية والحقوق.
يجب أن يكون للمرأة صوت في جميع مفاصل المجتمع، وأن تُمارس ضغطاً حقيقياً على السلطة، وتمنع استمرار العنف، وألا تسمح للسلطة الذكورية بأن تفرض نفسها على الأسرة والنساء تحت مسميات مختلفة.