نساء فلسطين ينسجن المقاومة والأمل بالإبرة والخيط
في زوايا البازار الذي دعت له رابطة المرأة الفلسطينية تتقاطع الخيوط كما تتقاطع المصائر؛ كل غرزة تنطق باسم امرأة وجعها لم يُسكتها، بل حوّلته إلى حكاية مطرزة بالصبر، هنا لا يُعرض المنتج فحسب، بل يُعرض معنى البقاء ذاته.
أسماء فتحي
القاهرة ـ في زمن تتقاطع فيه الذاكرة بالحرب، وتُروى فيه الحكايات عبر الخيط والإبرة أكثر مما تُروى بالكلمات، تولد مساحات صغيرة تشبه الوطن المفقود، فبازارات النساء الفلسطينيات لم تعد مجرد تجمعات للحِرف أو المعروضات، بل أصبحت مسارح للذاكرة، وأمكنة تُستعاد فيها فلسطين باللون والخط والغرز المتتابعة فتلتقي النساء لتحولن الغربة إلى فعل مقاومة، ويُجدن رسم حدود الهوية على أقمشةٍ لم تَعرف النسيان.
النساء اللاتي حملن الوطن في حقائبهن الصغيرة، جئن ليؤكدن أن الإبداع ليس ترفًا، بل استمرار للحياة في وجه الفقد، وفي كل قطعة تصنعها يدٌ فلسطينية، تنبعث ذاكرة الأرض ودفء البيت، ويُعاد ترميم ما كسرته الحرب.
فلم تكن الطاولات مزدحمة فقط بالمطرزات والمنتجات اليدوية، بل كانت ممتلئة بالحكايات، بالذاكرة، والإصرار على الحياة، هنا، الإبرة ليست مجرد أداة عمل، بل وسيلة مقاومة تحمل ملامح الوطن، وصوت النساء اللواتي حوّلن الألم إلى فن، والغربة إلى مساحة جديدة للحلم.
النساء لم يأتين فقط بمنتجات بل برسالة
قالت سوزان رضوان، من غزة، إن للحرب أثر كبير عليها فقد حولتها من فنانة تطريز إلى فنانة تحمل رسالة تسعى لإيصالها لجميع أنحاء العالم من خلال ما تقدمه من منتجات.
وأكدت أنها حرصت على تجسيد القضية الفلسطينية حتى تصل للجميع "حرصت على دمج الرموز الفلسطينية بين الكوفية رمز الصمود والأقصى حيث الروح والهوية والخارطة التي حرصت عليها في تصاميمي كأحد رموز المقاومة".
وأوضحت أنها فخورة بكل النساء المتواجدات اليوم في البازار، معتبرة أن صبرهن وصمودهن وتعلقهن بوطنهن فخر لهن "العارضات لم يأتين بمنتجاتهن فقط بل بقضيتهن المتأصلة بداخلهن كذلك".
دعم مقاومة النساء
كشفت نادية الأغا، مسؤولة لجنة التراث برابطة المرأة الفلسطينية، أن البازار جاء بدعوة من الرابطة وشارك به أكثر من 50 مشتركة بينهن نازحات وفلسطينيات وسودانيات ومصريات.
وأكدت أن المعروضات هي مشغولات صنعتها أيادي النساء "رابطة المرأة الفلسطينية تعتمد في منتجاتها على التطريز الفلسطيني والتراث المستوحى من البيئة الطبيعية بفلسطين".
واعتبرت أن هذا النمط الترويجي لمنتجات النساء دعم في حد ذاته لها في إيصالها رسالة أن المقاومة ليست مقتصرة على السلاح ولكنها قد تكون بالإبرة والخيط.
وأوضحت أن البازارات تساعد النساء في الترويج لمنتجاتهن لكونها بذلك ستتمكن من إعالة أسرتها وتوفير احتياجاتها فضلاً عن إيصال رسالتها "الكثيرات ينسجن روايتهن وتجاربهن الشخصية بالإبرة والخيط".
الحلم دافع نحو العمل
أكدت نوران فرج، من غزة، أنها تعمل على البراند الخاص بها منذ سبعة أعوام حينما كانت متواجدة في غزة، وأنها باتت خبيرة به وتقدم كورسات حول تعلم المكرمة والكروشيه.
وأوضحت أن عملها متنوع وغير قاصر على المكرمية، وأنها تستطيع تنفيذ أي تصور في مخيلة العملاء، مشيرة إلى أنها ظلت في خضم الحرب بغزة لنحو 7 أشهر وأنها عندما اتت لمصر كانت فعليا مكتئبة ولا تستطيع فعل أي شيء أو موصلة عملها وتوقفت تماماً.
وعن أثر ذلك على مشروعها فقد أوضحت أن وجودها بعيداً عن غزة جعلها تبدأ من الصفر مرة أخرى لبناء البراند الخاص بها، مؤكدة أن الحرب أفقدتهم كل شيء وتوقفها الآن زاد من دافعيتها نحو التطور وتحقيق الطموحات التي تجعلها في المقدمة وتحلم بحضور لافت على الصعيد العالمي كذلك.
يبقى الخيط الذي جمع هؤلاء النساء أطول من حدود الغربة وأقوى من صخب الحروب، فحين تصبح الإبرة سلاحاً، يتحول الفن إلى لغة للمقاومة، واليد إلى وعدٍ بالمستقبل، ما يحدث في البازار اليوم ليس حدثاً عابراً، بل فصل من حكاية طويلة تكتبها النساء على طريقتهم بخيوط من حب، وصبر، وانتماء لا يبهت.