المرأة في كرماشان ضحية التابو الاجتماعي والتمييز الذكوري
في مدينة كرماشان، تجد النساء المشردات أنفسهن مضطرات إلى نبش القمامة، التسول، ومواجهة حالات حمل غير مرغوب فيها، ليصبحن بذلك ضحايا لدائرة مغلقة من الفقر، الإدمان، والاستغلال، وتشير الدلائل إلى تورط بعض الجهات الحكومية في تغذية هذه الدائرة واستمرارها.

نسيم أحمدي
كرماشان ـ الكثير من الدلالات تكشف عن انتشار واسع لشبكات توزيع المخدرات، فرغم محاولات الجهات الرسمية لتقليل أرقام الإدمان بهدف تحسين صورة مدينة كرماشان بشرق كردستان، إلا أن التناقضات في البيانات الرسمية تثير الشكوك حول مصداقيتها، حتى الأرقام المُخفّضة تؤكد استمرار معدلات الإدمان المرتفعة في المنطقة.
تشير البيانات المتناقضة حول الإدمان في محافظة كرماشان إلى واقع مُهمَل ومُنكَر، فقد أعلن المحافظ السابق، أن عدد المدمنين في عام 2023 لا يتجاوز 7 آلاف، بينما كانت الإحصاءات الرسمية عام 2012 تشير إلى 55 ألف مدمن.
هذا التراجع الحاد في الأرقام يبدو غير واقعي، خاصة مع وجود أقل من 30 مركز علاج مرخّص، لا تتجاوز طاقة كل منها 20 إلى 30 شخصاً، ما يجعل فرص التعافي محدودة للغاية.
ومع كون نسبة كبيرة من المدمنين مشرّدين، فإن العودة إلى الإدمان بعد الخروج من مراكز العلاج أمر شائع، مما يُضعف مصداقية الأرقام الرسمية، كما أن معظم المدمنين في كرماشان يقعون ضحية منظومة استغلالية تُدار من قبل عصابات توزيع المخدرات.
في محافظة كرماشان، تُعد النساء من أكثر الفئات تضرراً من دوامة الإدمان والاستغلال التي تديرها شبكات توزيع المخدرات، وفقاً لإحصاءات عام 2011، شكّلت النساء نحو 8% من إجمالي 55 ألف مدمن، أي ما يقارب 5 آلاف امرأة، معظمهن ضحايا لرجال يُجبرونهن على التسوّل مقابل الحصول على المخدرات.
تلجأ العديد من النساء المدمنات إلى جمع النفايات أو ممارسة التسوّل، وغالباً ما يعرضهن للاستغلال الجنسي، مما يؤدي إلى حالات حمل غير مرغوب فيه، حيث يُستخدم الأطفال لاحقاً كوسيلة ضغط ضمن دائرة الاستغلال.
وأشارت الناشطة الاجتماعية ماريا محمدي إلى أن معظم هؤلاء النساء مررن بتجارب الحمل والإجهاض، ويعشن تحت سيطرة رجال مدمنين يستغلونهن جنسياً، وتُفاقم القوانين المحلية من معاناتهن، إذ تُجرّم النساء اللواتي لديهن أطفال غير شرعيين، كما أن مراكز علاج الإدمان القليلة في كرماشان لا تستقبل النساء المصحوبات بأطفال، ما يجعل فرص التعافي شبه معدومة ويزيد من هشاشة أوضاعهن.
الوجه الحقيقي للسياسات الحكومية
في كرماشان، يُعتقد أن الحفاظ على شبكة الإدمان قد يكون أحد أساليب الحكومة لإخضاع الأفراد وتحويلهم إلى أدوات طيّعة، حيث يُفقدهم الإدمان القدرة على التفكير الحر ويجعلهم أكثر قابلية للطاعة والانقياد، تجاهل السلطات لملاحقة الموزعين الرئيسيين للمخدرات يُشير إلى احتمال تورّطها في دعم هذه المنظومة.
وتكشف كوروش قاسم، التي تعمل في تجارة الخردة، عن جانب آخر من هذه الحلقة؛ إذ قالت إن العديد من جامعي النفايات، رجالاً ونساءً، يسلّمون ما جمعوه في منطقة جعفر آباد مقابل مواد مخدرة بدلاً من المال، وفي كثير من الحالات، يُقال لهم إن كمية المواد التي حصلوا عليها تفوق قيمة الخردة التي سلّموها، ما يُدخلهم في دوامة من الديون القسرية، تُجبرهم على مواصلة العمل دون مقابل، وتُبقيهم تحت سيطرة الموزعين.
"نساء مثقلات بالديون وأطفال بلا مأوى"
تعبّر عن واقع مأساوي تعيشه النساء المشرّدات في كرماشان، حيث يؤثر حتى الجنس في طريقة ممارسة جمع النفايات، ويُعد عاملاً حاسماً في مسار حياتهن.
قالت كوروش قاسم إن معظم النساء اللواتي يعملن في جمع النفايات هنّ مدمنات، وغالباً ما يعتنين بأطفال لا يُعرف من هم آباؤهم، ما يجعلهن يتحملن مسؤولية الأمومة وحدهن، كون المرأة تحمل طفلاً يجعلها أكثر ضعفاً، ويُجبرها على بيع ما تجمعه من نفايات بأرخص الأسعار، فقط للحصول على مبلغ زهيد بدلاً من المخدرات، علّها تشتري شيئاً لطفلها، فعلى سبيل المثال، إذا كانت قيمة ما جمعته 200 ألف تومان، فإنها لا تحصل إلا على 20 ألفاً، وغالباً ما تُستغل النساء المدمنات بشكل أكبر، إذ يُسلب حقهن ويُنهب ما يملكن بسبب هشاشتهن الاجتماعية.
النساء ضحايا للتهميش والتمييز والاستغلال الجنسي
لا يهم موقع المرأة أو مكانتها، فالنظرة الذكورية العدائية تجاهها تتكرر باستمرار، وهذا ما يفسر لماذا تُعد النساء العاملات في جمع النفايات ضحايا للتهميش، التمييز، والاستغلال الجنسي من قبل الرجال المحيطين بهن، لذا، حتى في أدنى مستويات المجتمع، مثل التسوّل والإدمان، يجب توقّع وجود سلوكيات معادية للنساء.
الحجاب فوق القمامة... سياسة الحكومة المخادعة
رغم أن ظاهرتي الإدمان وجمع النفايات بين النساء والرجال في كرماشان تتسع يوماً بعد يوم، فإن الحكومة تسعى إلى التستر على هذه الحقيقة، فالعجلة التي تُحرّك منظومة الإدمان والتسوّل في المدينة تدور بفعل السياسات الرسمية، التي تركز على فرض الحجاب على النساء، بدلاً من انتشال رؤوسهن من صناديق القمامة، إنها سياسة تُعنى بالمظهر وتغفل عن جوهر الأزمة الإنسانية.