الحكومة السورية المؤقتة... خطابات الديمقراطية نهاراً والمجازر والاعتقالات ليلاً
مع تنصيب أحمد الشرع "الجولاني" نفسه رئيساً للحكومة السورية المؤقتة، تصاعدت الممارسات القمعية بحق النساء ومختلف المكونات، ففي الوقت الذي تُرفع فيه شعارات الديمقراطية خلال النهار في الشوارع، تتحول الليالي إلى كابوس من المداهمات والمجازر.

ليلى طه
لقد مر ما يقارب 5 أشهر على سقوط نظام الأسد في سوريا، أي منذ أن أصبحت العاصمة السورية دمشق تحت سيطرة جهاديي هيئة تحرير الشام، خلال هذه الفترة، واجه الشعب والمرأة السورية انتهاكات في الحقوق ومجازر لم يشهدها من قبل.
عندما شن جهاديي هيئة تحرير الشام، وريثة داعش المرتبط بالقاعدة، هجمات ضد نظام الأسد في ريف حلب الغربي في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، لم يتوقع أحد أن تتغير الموازين بهذه السرعة، ففي ذاك اليوم، تقدمت هيئة تحرير الشام في حلب وسيطرت على المدينة في فترة زمنية قصيرة قبل أن تحول انتباهها إلى دمشق.
وأصبحت حماة وحمص، وهما مدينتان مهمتان للغاية في سوريا، تحت سيطرة الجهاديين واحدة تلو الأخرى، وفي الوقت الذي وصلت فيه هيئة تحرير الشام إلى دمشق، كانت أعلام استسلام قوات نظام الأسد ترفرف بالفعل، وفي مكان أو اثنين، أطلقت نيران أسلحتها، لكن ذلك كان لمجرد الاستعراض.
وفي 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، تمت الإطاحة رسمياً بحزب البعث، ولم يكن من الواضح ما الذي حل محله في ذلك الوقت، إلا أنه ظهر أعضاء وقادة تنظيم القاعدة وداعش بمظهر جديد، وغيّروا ملابسهم، في البداية تم خلع العمائم والجلباب، ليبدأ عهد البدلات وربطات العنق، في محاولة لجعل العالم ينسى ماضيهم الدموي، ظهر هؤلاء القتلة على المسرح بمظهر جديد.
كان أول إجراء اتخذه جهاديي هيئة تحرير الشام تغيير المناهج التعليمية بقرار وقعوه في 31 كانون الأول/ديسمبر 2024، وبموجب هذا القرار، حُذفت من كتب التاريخ أجزاء عن حياة شخصيات مهمة في تاريخ سوريا وتاريخ المرأة، مثل زنوبيا ونازك العابد، كما حُذفت نظرية التطور من كتب العلوم، ومن التغييرات الأخرى الجديرة بالملاحظة في المناهج الدراسية استبعاد الشعوب الأخرى.
بالإضافة لما سبق تم عقد اجتماع لمجموعة من القتلة خلف الأبواب المغلقة في 29 كانون الثاني/يناير الماضي تحت اسم "مؤتمر النصر" وانتخاب أحمد الشرع "الجولاني" رئيساً للدولة، ليصبح الوضع أكثر حرجاً، فقد استولت عقلية أحادية ومتطرفة دينياً ومعادية للمرأة والشعب على حكومة بلد متعدد الثقافات والطوائف مثل سوريا، وقد فضح أحمد الشرع "الجولاني"، رئيس الحكومة السورية المؤقتة، هذه العقلية مرة أخرى بتوقيعه على مسودة الدستور المؤقت في 13 آذار/مارس الماضي، وقد رفض مشروع الدستور هذا صراحةً حقوق الشعب والمرأة.
ماذا حدث في دمشق؟
تغير الوضع عندما أطاح جهاديي هيئة تحرير الشام بنظام الأسد، واستولوا على العاصمة دمشق، ففي المدينة التي كانت تعيش فيها الشعوب والطوائف والمعتقدات والثقافات المختلفة معاً وتعبر عن نفسها، أصبح لون الخوف هو السائد الآن.
وأصبح الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة للنساء على وجه الخصوص، فقد أُجبرن على العيش في نظام يهيمن عليه الذكور، وكان عليهن بالفعل أن يكافحن ضد هذه العقلية كل يوم وكل لحظة، ومع وجود جهاديي هيئة تحرير الشام في دمشق، شعرت النساء أنهن يُجررن إلى وضع أكثر قتامة، ففي الأيام الأولى، حاولوا إخفاء وجوههم خلف ثياب "الديمقراطية والحداثة"، ولكن عندما أصبحت داعش هي العقلية، لم يكن التغيير بهذه السهولة، كان هناك فرق كبير بين الخطاب والتنفيذ، فبينما كانت دمشق مدينة تتحرك فيها المرأة بحرية وتختلط بالآخرين وكانت بارزة ودائماً في المقدمة، أصبحت هذه المدينة بعد سيطرة جهاديي هيئة تحرير الشام مكاناً يتم فيه ترهيبها ومحاولة طمس كيانها.
وخاصة المجازر التي ارتكبت بحق العلويين في 6 آذار/مارس، كانت بمثابة إيقاظ لعقلية داعش، هذه هي الطريقة الوحيدة لوصف ما حدث في مدن الساحل السوري، حيث شهدت أجمل المدن السورية كاللاذقية وطرطوس مجازر بحق أبناء الطائفة العلوية التي ستأخذ مكانها في صفحات التاريخ السوداء.
وبحجة "فلول النظام السابق"، هاجم جهاديي هيئة تحرير الشام الآلاف من النساء والأطفال والمسنين من العلويين وقتلت عوائل بأكملها، وقد ذكر عدد من الأشخاص أن هناك الآلاف من حالات الاختفاء القسري وخطف النساء بشكل خاص، أجل، اختطفت العقلية الذكورية آلاف النساء، حيث قال أقاربهن الذين لم يرغبوا في ذكر أسمائهم أن عدد النساء المختطفات لا يقل عن ألفين أو ثلاثة آلاف امرأة وأن هؤلاء النساء تم بيعهن في إدلب، بعبارة أخرى، تم بيع هؤلاء النساء كعبيد ولا يزال هذا الوضع مستمراً.
هذه عقلية داعش التي هاجمت شنكال عام 2014 واختطفت آلاف النساء الإيزيديات وباعتهن في الأسواق، كما تعرضت النساء والفتيات الإيزيديات للتعذيب والاغتصاب، ما حدث في المدن الساحلية السورية وما فُعل بالعلويين وما لحق بالنساء هو مأساة شنكال ثانية!
لقد كانوا يهدفون من خلال مجازر العلويين إلى ترهيب الشعب، وإسكات جميع القوى المعارضة لسياستهم من خلال خلق مناخ من الخوف، وبهذه الطريقة، استمرت هجماتهم وأعطى العالم بأسره موافقته الصامتة على هذه الفظائع.
النساء لا يشعرن بالأمان
في أعقاب المجازر المرتكبة بحق العلويين، لا أحد في دمشق يشعر بالأمان والجميع ينتظر دوره بقلق، كل ليلة، هناك تقارير عن غارات وعمليات اختطاف في الأحياء التي يعيش فيها المسيحيين والعلويين والآشوريين والدروز، في كل يوم، تسير الحياة في شوارع دمشق بشكل طبيعي للغاية حيث يذهب السكان إلى أعمالهم ويخرجون إلى الأسواق، لكنهم قلقون وحذرون، خاصة عندما يحل الليل، فمن المستحيل رؤية أي شخص في الشوارع، عندها يتضح مدى الخوف الذي خلقه الخوف، فالشوارع فارغة، والجميع في الأسواق يغلقون محلاتهم.
ولأن الظلام يعني ازدياد حالات الاختطاف ومداهمة المنازل والعنف والتحرش والاغتصاب، تحاول النساء الوصول إلى منازلهن في أسرع وقت ممكن بخطوات سريعة، أما الرجال فيكونون مجبرين على الخروج ليلاً لقضاء بعض الحاجات الضرورية لذلك يتم اعتقالهم بسرعة أكبر.
في دمشق، يمكن لكل شعب ومعتقد وثقافة أن يجد مكاناً له حيث الأرضية الاجتماعية مناسبة تماماً لذلك، هذه الفسيفساء من الشعوب تلاحظ أيضاً في الحضور المتعدد للمرأة، ولكن الآن تحولت النساء إلى لون واحد، فقد أصبح من الصعب رؤية النساء مكشوفات الرأس في الشوارع، وتغطين رؤوسهن لتجنب التحرش والعنف والاختطاف تحت مرأى جهاديي هيئة تحرير الشام، ليس فقط في دمشق، ولكن أيضاً في مدن مثل حلب وحمص وحماة بالطبع، يكاد ينعدم حضور النساء في الشوارع.
إغلاق شوارع حلب أمام النساء
الأخبار الواردة من حلب على وجه الخصوص ليست مشجعة أيضاً، في مدينة عريقة مثل حلب، هناك تقارير عن دعوات "الدخول في الإسلام" في الأحياء التي يعيش فيها الآشوريون، ومرة أخرى، تقول النساء من هناك أن النهار عادي وهادئ، ولكن في المساء كأنهم يعيشون في مدينة أخرى، ففي كل صباح عندما يستيقظن من النوم يجدن أحياء مختلفة محاصرة ويسمعن صراخ النساء والرجال والأطفال يبكون، إنهم يصرخون على أولئك الذين تم اختطافهم وقتلهم، وهم يبحثون بيأس في كل مكان، ليس لديهم مكان يلجؤون إليه طلباً للمساعدة.
في الواقع، إن الأمل الوحيد للآشوريين وغيرهم من الشعوب التي تعيش في حلب هو حييْ الشيخ مقصود والأشرفية، ووفقاً للمعلومات التي وصلتنا من حلب وحي الشيخ مقصود فإن هناك هجرة كبيرة من الأحياء التي تسيطر عليها جهاديي هيئة تحرير الشام إلى أحياء مثل الشيخ مقصود والأشرفية.
عفرين أصبحت مركزاً للاستيعاب
على غرار حلب، فإن عفرين أيضاً على شفا مجزرة، خاصة وأن الاحتلال التركي اجتاح المدينة في 18 آذار/مارس 2018 ويواصل نهبها، وتسعى عملية الاحتلال هذه، التي تهدف إلى تغيير ديموغرافية المدينة، إلى تغيير ثقافة ولغة وطريقة حياة الشعوب التي تعيش فيها.
العقلية التي تحاول تغيير الخصائص الثقافية لكرد عفرين من خلال القمع والاستيعاب والعنف الجسدي والخطف والتحرش والاغتصاب، تحاول أيضاً جعل النساء صامتات وسلبيات ومعدومات الحياة ويرتدين البراقع السوداء، ربما من الضروري أن نذكر هنا الطابع المهيمن والرائد والاجتماعي والشجاع لنساء عفرين، فمرتزقة الاحتلال التركي يحاولون إخضاع النساء اللاتي لا يطأطئن رؤوسهن بالقوة، لذلك ينتهكون حقوقهن من خلال الخطف والاغتصاب، وعلى الرغم من أن الناس الذين يعيشون في القرى والمناطق الريفية يعيشون حياة أكثر طبيعية، إلا أن وسط المدينة أشبه بسجن مفتوح، ومرتزقة الاحتلال التركي موجودون في كل مكان ويفعلون ما يريدون، ووفقاً للأخبار الواردة من عفرين؛ فإن المضايقات أصبحت حدثاً يومياً، فبينما تسير الحياة بشكل طبيعي خلال النهار، تقع في الليل حوادث مثل النهب والخطف والمداهمات والمجازر.
كيف سيكون رد الدروز؟
في المجازر التي يشنها جهاديي هيئة تحرير الشام جاء دور الدروز فيها، ففي مدينة جرمانا قرب دمشق ليلة 28 نيسان/أبريل الماضي، قام الجهاديين بمهاجمة أبناء الطائفة الدرزية، ما فعلوه ضد العلويين في اللاذقية وطرطوس، يخططون الآن لجعل الدروز يعيشون ذات الألم والخوف، إلا أن الدروز يقاومون هذه المجازر والقمع بعدم الاستسلام، فالعقلية الذكورية التي يهيمن عليها الذكور تحاول تدمير المجتمع الذي صنعته المرأة، فالنساء الدرزيات لم يقبلن يوماً بهذه العقلية ولن يقبلن أبداً.
ما يحدث هو في الواقع تسريع نهاية جهاديي هيئة تحرير الشام، حيث لن تكون نضالاتهم الأخيرة كافية لإنقاذهم، فالمجازر التي يرتكبونها ستؤدي إلى نهايتهم، المهم أن النساء والشباب، القوة الأكثر ديناميكية في المجتمع، يناضلون أكثر ضد هذه العقلية الظلامية، فهاتين الفئتين تمتلكان أكبر قوة وإمكانات ضد هذه الانتهاكات، لذلك، يجب علينا كنساء ألا نبقى صامتين ضد هذه المجازر بعد الآن ويجب أن نزيد من نضالنا من أجل سوريا ديمقراطية تحترم جميع الطوائف والثقافات.