اختفاء غامض للفتيات في الساحل السوري وسط صمت رسمي ومصير مجهول
تتزايد حالات اختفاء الفتيات في الساحل السوري وسط غموض يلف مصيرهن، حيث تكشف شهادات مؤلمة عن عمليات خطف ممنهجة، وتهديدات تطال العائلات، في ظل صمت رسمي وإعلامي مريب.

زوفا الجبل
طرطوس ـ بعد استلام جهاديي هيئة تحرير الشام السلطة، اصبح كابوس الاختطاف هو ما تعيشه أغلب النساء والفتيات في الساحل السوري والعلويات منهن تحديداً، فخلال ستة أشهر وثقت أكثر من 36 حالة خطف على الأقل وفق إحصائيات منظمة العفو الدولية، لكن الرقم الحقيقي يمكن أن يكون أكبر بكثير، إذا تمت إضافة عدد النساء اللواتي غرر بهن من خلال مواقع التواصل الافتراضي وتم إخراجهن إلى مناطق مثل إدلب وحلب لتلقين مصيراً مجهولاً دون أن يتركن إمكانية لاسترجاعهن والسبب أن ثمة توثيقات يقوم بها الشباب المستدرجين للفتيات والنساء، تظهر بهذه التوثيقات الفتاة أو المرأة وهي تعلن ذهابها بكامل إرادتها.
في ظل تصاعد المخاطر الأمنية والتهديدات التي تطال الأهالي في سوريا على يد جهاديي هيئة تحرير الشام، يرفض العديد من الشخصيات الكشف عن أسمائهم أو الظهور في مقاطع الفيديو حفاظاً على حياتهم وسلامتهم الشخصية. هذا الإجراء الاحترازي يعكس حجم التحديات التي يواجهها الأهالي.
وبناءً على المعلومات التي أفادت بها مراسلة وكالتنا في مدينة طرطوس، فإن شابة تدعى "م. س" غادرت منزل عائلتها الواقع في ريف طرطوس متوجهة إلى المدينة خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، لكن فجأة ودون سابق إنذار، انقطع التواصل معها تماماً حتى هذه اللحظة، حيث لم يفلح والدها في الوصول إليها عبر هاتفها المحمول، الأمر الذي أثار قلق وذعر أسرتها، مما دفعها إلى إطلاق حملة بحث شملت مختلف أرجاء المدينة في محاولة للعثور عليها.
يقول شقيق الفتاة المفقودة إن شقيقته حاولت الاتصال بوالدها، إلا أن الأخير لم يكن بالقرب من هاتفه في تلك اللحظة، وعندما انتبه للمكالمة الفائتة عاود الاتصال بها، لكنه فوجئ بأن الهاتف خارج نطاق التغطية، واستمرت محاولاته المتكررة للتواصل معها دون أي نتيجة تُذكر، لكن بعد عدة ساعات تلقى شقيقها اتصال من رقم دولي، وعندما أجاب سمع صوتاً أجش يتحدث بلهجة عربية يخبره أن شقيقته باتت تحت سيطرته. ورغم كل محاولات العثور عليها، بقيت قصة اختفاء الفتاة محاطة بالغموض والتساؤلات.
بالعودة إلى عدد المخطوفات في الساحل السوري، تتكشف قصص يلفها الغموض وتغيب عنها أي أدلة موثقة بالصوت أو الصورة، فعمليات الخطف غالباً ما ترافقها حالة من الرعب والهلع، تدفع الأسر إلى التزام الصمت خوفاً من أن تمتد التهديدات إلى باقي أفراد العائلة، ويعد الأطفال أول من يلوح الخاطفون بتصفيتهم ما يجعل الحديث عن الواقعة محفوفاً بالمخاطر.
"العودة من الجحيم"
قصص النساء والفتيات اللواتي تعرضن للانتهاكات كثيرة، وإحداهن المخطوفة (هـ. ع) والتي كانت تسكن في أطراف مدينة طرطوس تم خطفها بطريقة غامضة، ولكن تشكلت عملية ضغط إعلامية كبيرة من خلال مواقع التواصل الافتراضي ليتم إعادتها إلى أهلها وطفلها.
وعن تعرضها للاختطاف قالت (هـ. ع) لوكالتنا "لقد تناوب على اغتصابي عشرين شخصاً، وكانوا يخططون لبيعي لأحد الأمراء، ويتحدثون فيما بينهم عن تقاسم المال، وفجأة تلقى أحدهم اتصالاً من شخص يبدو أنه الأكثر نفوذاً بينهم، وسمعته يقول: وعدناه، وهي إذ بتحكي بتخرب بيتنا... ثم انتهى الكلام بـ أمرك أمرك". وعندما أخبروها بقرار عودتها، لم يكتفوا بذلك، بل هددوها قائلين إن تجرأت على كشف ما جرى، فلن يسمح لها برؤية ابنها مجدداً".
في المدن الصغيرة، لا شيء يبقى طي الكتمان طويلاً فالكلمات تنتقل بالهمس، وتتحول إلى حديث عام قبل أن تُقال بصوت مسموع. على أحد الأوتوسترادات الجنوبية لمدينة طرطوس، وقعت حادثة اختفاء غامضة لامرأة كانت تنتظر وسيلة نقل عامة، وهي أم لطفل صغير. صعدت إلى حافلة متجهة نحو قريتها، ومنذ تلك اللحظة انقطعت أخبارها، ومن ثم أُعلن عن اختفائها وأحدث الأمر ضجة إعلامية واسعة مما أدى في النهاية إلى عودتها، لكنها لم تعد كما كانت، عادت منهارة، تعاني من تقرحات جلدية والتهابات نسائية حادة، غير قادرة على الكلام أو حتى احتضان طفلها. كانت عودتها ثقيلة على زوجها الذي لم يتردد في تطليقها وكأنها اختارت مصيرها عن عمد.
وهنا تكمن مشكلة أخرى ألا وهي مصير النساء بعد عودتهن من الخطف، غالباً ما يقوم الأهل بإعادة الاحتضان وترميم الجروح النفسية، ولكن الزوج غالباً ما يرفض عودة زوجته إلى المنزل.
حالات الخطف هذه ولدت ذعراً كبيراً لدى الجميع، فأصبحت الفتاة تخرج برفقة والدها أو شقيقها، ومنهن تفضلن عدم الخروج لأن حتى وإن كانت ترافق أحد أفراد العائلة يتم اختطافها كما حصل مع الطفلتين وشقيقهما، إذ تم اختطاف الإخوة الثلاثة وبعد مناشدات واسعة ومفاوضات في الخفاء، أفرج عن الطفلتين القاصرتين بينما بقي مصير شقيقهما مجهولاً حتى اللحظة.
التخوف من سيارات الأجرة
وأكدت ذات المصدر بأن تشهد مدينة طرطوس مؤخراً ارتفاعاً ملحوظاً في الطلب على سيارات الأجرة "تاكسي" أو "السرفيس"، خاصة من المكاتب المعروفة، نتيجة تزايد المخاوف من استخدام وسائل النقل العامة في ساعات المساء المتأخرة، فقد أصبح التنقل ليلاً أمراً محفوفاً بالمخاطر.
وهناك تداول تحذير بين الأهالي يشير إلى أسلوب خطير يستخدم في بعض حالات الخطف، حيث يقوم سائق "السرفيس" بملء المقاعد بعدد محدود من الركاب، مع ترك مقاعد فارغة لراكبين أو ثلاثة، وغالباً ما تكون الضحايا من النساء اللواتي يصعدن لاحقاً، أما الركاب الموجودون مسبقاً، فيعتقد أنهم متواطئون في العملية، ويؤدون دوراً تمثيلياً ضمن مخطط الخطف.