مشاركة المرأة في المشهد السياسي يشهد تراجعاً وعدم الاستقلال المادي أحد الأسباب

أقدمت الناشطة رجاء كدوسي على ترشيح نفسها للانتخابات التشريعية التونسية، إلا أنها كغيرها من المترشحات صُدمت بالمجتمع الذي تخلى عنها لاعتقاده أن الرجل هو الشخص المناسب لممارسة السياسة.

إخلاص حمروني
تونس-
تعاني المرأة في المجتمع التونسي من تهميش وإقصاء من المجال السياسي، على الرغم من سعيها الدائم للنهوض بمجتمعها ونساء بلادها لتكن شريكات في صنع القرار.
رجاء كدوسي ناشطة في المجتمع المدني حاصلة على الإجازة الأساسية في إعلامية التصرف، تقول إنها عانت الإقصاء والتهميش في ظل المنظومات السائدة والسابقة، الأمر الذي شجعها للخروج إلى الشارع وتنظيم احتجاجات مع زملائها العاطلين عن العمل والدفاع عن حقوقهم.
وعن تجربتها تقول "نحن اليوم في تونس نمر بمرحلة جديدة بعيداً عن سياسات المنظومة السابقة، وقد قررت الدفاع عن حقي في العمل واخترت من أجل ذلك التمتع بالتكوين اللازم ومحاكاة الميدان والمشاركة في نشاط المجتمع المدني لأني اقتنعت أن حقوق المرأة في الجنوب والوسط تفتك ولا تهدى".
وترى أنه في ظل المرحلة السياسية التي تمر بها البلاد "من الضروري أن تتواجد المرأة على أرض الواقع لفهم آليات النظام وكيفية تكوين الفضاء العام وتركيبة الحكومة ومتابعة برامج السياسيين ومن المتحكم في تشكيلة الفضاء السياسي لمعرفة أسباب إقصاء المرأة من المشهد السياسي وخاصة الانتخابات التشريعية والمجالس المحلية".
وأضافت "من هذا المنطلق وبهذه الأفكار بدأت الخطوة الأولى من مشواري السياسي لأني لم أكن أفهم بتاتاً في الشأن العام والسياسي وأردت فهم أسباب إقصاء النساء المقيمات في المناطق الداخلية من المشاركة في الحياة السياسية حيث بقيت لفترة طويلة مهمشة ومقصية".
وأوضحت أن مشاركتها كانت وليدة الصدفة "فجأة وجدت نفسي أتحول من فتاة عادية تبحث عن عمل إلى امرأة تنشط في الميدان وتخالط المواطنين وأصحاب القرار حتى أن البعض عندما يسألني إن كنت سياسية أجيبهم أنا مواطنة عادية أدافع من أجل الحصول على حقوقي مقابل الواجبات التي أحرص على القيام بها"، مشيرةً إلى أن دخولها لهذا المجال كان بسبب دفاعها عن العاطلين عن العمل الذين طالت بطالتهم عشرة أعوام حيث شاركت ونسقت في تنظيم الاحتجاجات للدفاع عن حقوقهم في العمل لأنهم درسوا وحصلوا على شهادات علمية لكن تم تشغيل فقط من لهم واسطة نقابية أو سياسية أو عائلته من أصحاب القرار ومن يستطيع دفع رشوة في حين يمضي الطالب العادي عمره في رحلة البحث عن عمل "لمحاربة هذه القرارات الفاسدة والجائرة تحركنا وقمنا باحتجاجات بهدف تكوين مجتمع مدني".
ولفتت إلى أنه "بعد هذه التجربة على أرض الواقع ومحاكاة المجتمع المدني، اكتسبت شجاعة وقدرة كبيرة جداً على مواصلة المشوار والتقدم في الانتخابات التشريعية، وقد كان هذا القرار مفاجئ للجميع بقدر ما هو مفاجئ لي لأنني لم أملك التمويل اللازم ولا أشخاص يدافعون عن حملتي الانتخابية أو يروجون لها، ورغم ذلك ترشحت للانتخابات لا لشيء إلا لأكون موجودة وأثبت للجميع أن المرأة موجودة وبإمكانها تقديم الإضافة في الشأن السياسي وأنها فعالة وسياسية بطبعها".
نزعة ذكورية بحتة 
وأوضحت أن مشاركتها في الانتخابات كان قرار جريء لأن النساء في المناطق الداخلية تعشن إلى الآن تحت السيطرة الذكورية التي ترى أن المرأة لا يجب أن تكون صاحبة القرار وأن مهامها تقتصر على شؤون البيت وتربية الصغار. وفي فترة الانتخابات يرفضون التصويت للمترشحة فقط لأنها امرأة لا تتمتع بعد بالقدرة على الدفاع عن حقوقها، ولا تؤمن بقدرتها على التغيير والنجاح وأنها تخاف أن تكون صاحبة القرار للترشح للانتخابات لأنها دائماً تظن أن الرجل هو الأنسب.
وقالت "بتقديم ترشحي للانتخابات، أردت إثبات أن المرأة ند للرجل ومثل ما هي موجودة في البيت موجودة في الإدارة وفي الوظيفة العامة وهي ريادية وقيادية ولولا المرأة ودورها لاختل المجتمع، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال لأن التخلي عن العمل بمبدأ التناصف الأفقي والعمودي في القانون الانتخابي حرم المرأة من المشاركة في المشهد السياسي لأنها ستبقى تحت رحمة نتائج التصويت والذي دائماً يكون لصالح الرجل خاصةً في المناطق الداخلية مثل سيدي بوزيد وقفصة وتوزر وقبلي".
وأشارت رجاء كدوسي إلى أنها تبنت مشاكل المرأة في برنامجها الانتخابي لكنها صدمت بوجود الكثير من النفاق السياسي بحكم أن أغلبية النساء تخلوا عنها وعوض مساندتها قمن بالتصويت لمنافسها الرجل احتراماً لرغبة وأوامر عائلاتهن (آبائهن وأزواجهن)، الأمر الذي يتطلب ضرورة العمل على تغيير عقلية النساء الريفيات وربات المنازل وأيضاً المثقفات لضمان التغيير وتحفيز دور المرأة في كل المجالات.
وعن سبب تخلي منطقتها عنها لفتت إلى أن "نسبة مشاركة المرأة في المشهد السياسي في الفترة الأخيرة التي شهدت انتخابات المجلس التشريعي أو النيابي وفي المجالس المحلية كانت ضعيفة جداً لأن القانون الانتخابي يقوم على اختيار الأفراد وفي الجنوب التونسي ومناطق الوسط المرأة غير قادرة على أن تكون موجودة وبقوة في المشهد السياسي لعدة أسباب منها المادية، المرأة غير مستقلة مادياً ومنها اجتماعية كسيطرة النزعة الذكورية التي تحد من طموحها".
وكشفت أنها شاركت في الانتخابات التشريعية ولم يسعفها الحظ نظراً لسيطرة معتقدات ذكورية ولوجود النفاق السياسي ولوبيات تعمل من أجل دعم الرجال للحد من وصول النساء إلى مراكز القرار، لافتةً إلى أن هناك غش في نتائج التصويت خلال فترة المساء تغيرت المعطيات وربح منافسها الانتخابات بطرق غير قانونية، لذلك قدمت ضد منافسها قضية في المحكمة تتعلق بفساد ورشوة لاسيما بوجود شاهد اعترف بالتهمة المنسوبة إليه أمام نائب وكيل الجمهورية.
ورغم التجربة المريرة التي مرت بها، إلا أن إصرارها على النجاح أقوى لأن هذه المرحلة ستنتهي وتأتي حتماً مراحل أخرى ستكون فيها موجودة في الميدان وناشطة مع المجتمع المدني من أجل البحث عن الحقيقة وكشف الفساد.
واختتمت حديثها بمطالبة نساء منطقتها والنساء الأخريات الموجودات في المناطق الداخلية بأن تكن واعيات بحقوقهن وقادرات على الدفاع عنها قائلة "رسالتي لكل امرأة أن تكون جميلة بأفكارها وبمبادئها ومواقفها لأن الثبات هو أساس النجاح".