اقتراح البعثة الأممية لحكومة جديدة في ليبيا... ترميم للجراح وليس حلًا للأزمة
تشهد ليبيا أزمة سياسية معقدة، وسط انقسامات داخلية وتدهور اقتصادي. وترى الباحثة زاهية صالح أن الانتخابات هي الحل الأمثل، بينما تعتبر أن مقترح بعثة الأمم المتحدة بإنشاء حكومة جديدة غير مجدٍ.

ابتسام اغفير
بنغازي ـ في ظل الانقسامات السياسية الحادة وتعدد الحكومات في ليبيا، تبرز الانتخابات كالحل الأمثل لإعادة بناء الشرعية وتوحيد المؤسسات. فهي السبيل الديمقراطي الذي يضمن تمثيل إرادة الشعب، ويضع حداً للمراحل الانتقالية المتكررة التي عمّقت الأزمة وأطالت أمدها.
تعيش ليبيا منذ سنوات انقسامات وصراعات سياسية عميقة انعكست بشكل مباشر على حياة المواطن الليبي، من تدهور اقتصادي وارتفاع أسعار المعيشة إلى انعدام الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والوقود والغاز، إضافة إلى الانقسامات الإدارية بين الشرق والغرب، في هذا السياق قدمت بعثة الأمم المتحدة مقترحاً لإنشاء حكومة جديدة تهدف إلى الخروج من الأزمة، لكنها تواجه تحديات كبيرة على صعيد التنفيذ الواقعي، في ظل وجود حكومتين فعليتين، وتعقيدات سياسية مستمرة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى هذا المقترح وقدرته على تحقيق الاستقرار المنشود.
تستعرض الناشطة المدنية والباحثة السياسية زاهية صالح، لوكالتنا رؤيتها للواقع السياسي الليبي المعقد، مع التركيز على مقترح بعثة الأمم المتحدة لإنشاء حكومة جديدة، وتؤكد أن هذا المقترح لن يكون حلاً للأزمة الراهنة، وأن الانتخابات هي الطريق الأمثل، مع إبراز الدور الحيوي للمرأة الليبية في المرحلة الراهنة من التاريخ السياسي للبلاد.
الخروج من الأزمة يمر عبر إجراء انتخابات
وأشارت إلى صعوبة تنفيذ فكرة إنشاء حكومة جديدة وفق المقترح الذي قدمته بعثة الأمم المتحدة، مرجعة السبب إلى وجود حكومتين في البلاد الحكومة الليبية في الشرق، وحكومة الوحدة الوطنية في الغرب "الفرصة الأكبر للخروج من الأزمة تكمن في الانتخابات، رغم بعدها الزمني، بينما احتمال نجاح الحكومة الجديدة كحل للأزمة ضعيف جداً".
وأوضحت أن "إنشاء حكومة ثالثة سيزيد المشهد السياسي تعقيداً، باعتبارها جسماً موازياً للحكومات القائمة، وجاء المتقرح في ظل احتقان الشارع الليبي، وتذمر المواطنين نتيجة التدهور الاقتصادي، والانقسام السياسي وسوء المعيشة"، واصفة الوضع بأنه "امتداد لمراحل انتقالية طويلة منذ عام 2011، ما يثير أسئلة عديدة حول المدى والهدف والحل الواقعي لهذه الأزمة".
إنشاء حكومة جديدة سيزيد التوتر في الشارع الليبي
وترى زاهية صالح بأن الجمود السياسي التي تعيشه ليبيا هو ما دفع البعثة الأممية لتقديم المقترح "التأجيل المستمر للانتخابات وإطالة عمر الأزمة دفعهم لمحاولة ترميم الوضع السياسي، لكن هذا المقترح في الواقع لا يقدم أي حل جذري، بل يسعى لإرضاء الأطراف المتنازعة بلا جدوى، مبينة أن الحكومة الجديدة لن تكون منتخبة، بل يتم تشكيلها بالتوافق بين الأطراف، في حين أن الانتخابات هي الطريق الحقيقي لإعادة الشرعية للشعب.
ولفتت إلى أن "الحكومة الجديدة لن تسهم سوى في زيادة التوتر في الشارع الليبي" وترى أن الحل الأمثل يجب أن يكون ليبياً ــ ليبياً، فترتيب الداخل الليبي ضرورة، والمجتمع الدولي ليس لديه مصلحة حقيقية في حل الأزمة، حيث تخسر كل الأطراف مصالحها إذا تم التوافق، فالحل يكون عبر إرادة الشعب وتنازل الأطراف لصالح الانتخابات.
حل الأزمة عبر الانتخابات سيمثل إرادة الشعب
وبينت أن المشهد السياسي الليبي معقد ويحتاج إلى دراسة متأنية "إجراء الانتخابات على مستوى ليبيا، مع اختيار الأجسام الشرعية من قبل الشعب، لتمثل إرادته، بحيث يتحمل كل مواطن مسؤولية اختياراته وقراراته، سيقود ليبيا نحو حلولاً جذرية لأزمتها" مؤكدةً أن طرح "البرامج الانتخابية للشخصيات المرشحة بشكل علني يضمن محاسبتها لاحقًا على أي تقصير".
وأشارت زاهية صالح إلى أن "آخر انتخابات جرت في ليبيا كانت في عام 2014 لاختيار مجلس النواب، الذي تشكلت منه الحكومة الليبية الحالية، بينما الانتخابات المقررة في عام 2021 تم عرقلتها رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها جميع الأطراف، بما في ذلك دورها كمراقبة انتخابات، إذا انتهت صلاحية صفتها هذه على الرغم من أن الانتخابات لم تبدأ".
وحول غياب عملية إجراء الانتخابات مؤخراً، أوضحت أن الأمر يعود إلى الجدية في طرح الفكرة مرة أخرى، وحالة القلق والترقب التي تعيشها المفوضية العليا للانتخابات بسبب الوضع الأمني في طرابلس، مؤكدة أن الانتخابات ليست صعبة، بل تحتاج فقط لتكاتف الأطراف "ليبيا سبق وأن أجرت انتخابات في أصعب مرحلة في تاريخ البلاد".
سياسات معمدة لإطالة عمر الأزمة
وعن استهداف مقر بعثة الأمم المتحدة في طرابلس، ترى زاهية صالح أن هذا الاستهداف عشوائي، ولا يعكس موقفاً سياسياً محدداً، معتبرة أن "العاصمة تحت سيطرة المليشيات وأن البعثة لن تخرج من البلاد، بل يمكنها ممارسة مهامها من مدن أخرى بأمان"، مؤكدة أن "التأثير الحقيقي على ما تقدمه البعثة في ليبيا، يكون من خلال مشاركة المواطنين في المظاهرات والخروج للساحات، أو التعبير عن مطالبهم عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وأن العنف والتفجيرات لا تحقق المطالب".
وقالت "كلما اقترب الحل السياسي في ليبيا، تطول الأزمة بسبب الممارسات التي تهدف إلى زعزعة الأمن، مثل التفجيرات والاغتيالات والخطف، لتشتيت الرؤية وإطالة أمد الأزمة"، مؤكدة أن "الحل يحتاج إلى دراسة معمقة للأزمة، والضغط من أجل إجراء الانتخابات، مع ترتيب البيت الداخلي والمصالحة الوطنية وحل الملفات الاقتصادية الشائكة، لأن تدهور الوضع الاقتصادي يؤثر على التنمية الثقافية ويحول اهتمام المواطن نحو تلبية احتياجاته اليومية بدل المشاركة في الانتخابات".
دور المرأة كبير ومؤثر في إيجاد الحل
وأشارت إلى أن "النخب السياسية، بما في ذلك النساء الليبيات، تعمل بشكل جدي عبر الندوات والمؤتمرات والصالونات السياسية، لمناقشة الأوضاع ورفع المقترحات للجهات الشرعية لإيجاد حلول"، مؤكدة أن دور المرأة كبير ومؤثر، بما في ذلك تمثيلها على الساحة الدولية، حيث كانت أول امرأة تحصل على مقعد في الأمم المتحدة "المرأة الليبية أساس الحياة في البلاد، ولها دور كبير في التوعية والتمكين والتنمية"، متمنية أن تعود المرأة إلى الفعاليات الدولية مثل جامعة الدول العربية، وأن يكون لها دور بارز في السياسة والتنمية.
واختتمت الباحثة السياسية زاهية صالح حديثها بالتأكيد على أهمية الدور الدولي للاتحادات الإقليمية والدولية، مثل جامعة الدول العربية، مجلس التعاون الخليجي، الاتحاد المغاربي، والاتحاد الأفريقي وعلى أهمية عودة ليبيا إلى الساحة الدولية بعد انتقالها من نظام سياسي إلى آخر.