العنف السياسي وإعادة تشكيل المجتمع في غزة

تُعدّ النساء من أكثر فئات المجتمع تضرراً خلال فترات الحروب، إلا أن إقصائهن عن المحادثات يفاقم هذا الضرر، ففي غزة دفعت المرأة الثمن الأقسى للإبادة المستمرة، بينما الرجال هم من يتصدرون اليوم الدعوة إلى إيجاد الحلول.

رفيف اسليم

غزة ـ ساهم العنف السياسي الممارس على النساء في قطاع غزة طوال فترة الهجوم في إعادة تشكيل المجتمع، وذلك وفقاً للظروف التي عصفت به والمفاهيم الجديدة التي وجدت خلال تلك الفترات، كالنزوح، والتجويع، والمفاوضات التي غيب خلالها العنصر النسوي بشكل تام، فظهر مجتمع جديد لم تعتد النساء عليه.

طيلة فترة الحرب، احتكر الرجال المفاوضات والمؤتمرات فلم تضم هذه الجهات ولا حتى امرأة واحدة، رغم أن القانون الدولي نصّ على حضورٍ نسائي لا يقل عن 30 بالمئة، مما يؤكد هشاشة نتائجها بعد إقصاء نصف المجتمع.

ختام عودة الأخصائية الاجتماعية والنفسية والناشطة في مجال المرأة، أكدت أن النساء هنّ أكثر فئات المجتمع تضرراً، وأنهن دفعن الثمن الأقسى للإبادة الجماعية، إذ تركهن الهجوم في ظروف قاهرة يصعب احتمالها، ما عرضهن لكثير من الانتهاكات سواء في الجوانب الصحية والإنجابية والعملية، أو حتى في تفاصيل الحياة اليومية البسيطة التي فقدن خلالها جميع أشكال الرفاهية.

وتؤكد أن ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ليس كما بعده على حياة نساء غزة، خاصة فيما يتعلق بالحياة السياسة "اليوم لا تجد ذلك الشغف لدى النساء حول أوجه المشاركة، فأصبحت الحياة اليومية هي الأولوية، المتمثلة في كيفية توفير المياه والطعام"، لافتة إلى أن الوضع السياسي في فلسطين أبدى فشلاً ذريعاً ومنقطع النظير طوال فترة الهجوم التي استمرت على مدار عامين، إذ لم يظهر أي حزب سياسي واحد يبدي مسؤولية في الدفاع عن المدنيين أو القيام بما هو مطلوب منه.

وترى أن الحياة السياسية الفلسطينية التي تعاش اليوم خارج قطاع غزة، بكامل أركانها من مفاوضات ومؤتمرات وغيرها من تلك المظاهر، لا توجد فيها امرأة واحدة على الأقل، فلا نساء يشاركن في وضع مستقبل غزة، ولا في مؤتمرات إعادة الإعمار، مشيرةً أن المرأة في السياسية تستعمل فقط بغرض الحشد، لا للمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية المهمة أو لإبداء رأيها.

 

إعادة تشكيل بنية المجتمع

وقد أثرت جميع الظروف السابقة بحسب ختام أبو عودة، على تشكيل بنية المجتمع فأقل امرأة في قطاع غزة نزحت خمس مرات، مما يعني أنها في كل مرة ستبدأ تشكيل حياة جديدة لها، تعرضت خلالها لكافة أشكال العنف ليس السياسي أو الاقتصادي أو الجسدي والنفسي فحسب، بل "في كل مرة تتساءل المرأة هل سأنزح مع العائلة أم سأنفصل عنها؟ فالأهم هو إيجاد مكان يحتويها بغض النظر مع من هي".

وأوضحت أنه عندما عاشت مع النساء في المخيمات وجدت تركيبات اجتماعية متعددة ومنظومات ثقافية مختلفة، تجمعت من كافة مناطق وبلدات القطاع، من أقصى الشمال وحتى أقصى الجنوب، بالتالي نشأت علاقات اجتماعية جديدة ومختلفة انخرطت خلالها النساء عبر الحياة اليومية والاجتماعات الجديدة التي باتت تظهر في الأفران، ومناطق جلب المياه.

وبينت أنه ما قبل السابع من تشرين الاول/أكتوبر 2023 كان هناك بنية اجتماعيةً، وتركيبة متمثلة بالأسرة النووية والممتدة، بينما خلال الهجوم طغت فقط الأسرة النووية فنمط الخيمة لا يسمح بتواجد أكثر من عائلة داخلها حتى إن العائلة الواحدة قد تعيش في أكثر من خيمة لعلها تحصل على بعض الخصوصية المفقودة، كما أن الزيارات الاجتماعية فقدت بشكل تام بسبب غلاء أسعار المواصلات وبعد مناطق النزوح عن بعضها البعض.

وعلى الرغم من أن هناك عائلات أثبتت تكافلها مع بعضها البعض خلال الهجوم وقدمت الدعم والمساندة بأشكال مختلفة، إلا أن عائلات أخرى وفقاً لختام عودة، قطعت أواصر التواصل بينهم عنوة، خاصة عندما بقي نصف العائلة في غزة والنصف الآخر انتقل قسراً إلى خارج القطاع، ففرض ذلك  بنية اجتماعية جديدة في المجتمع الغزي انعكست سلباً على حياة النساء، التي باتت تحتاج إلى إصلاح هذا الوضع.

 

المرأة الفلسطينية قادرة على تغيير المجتمع

وأكدت أن المرأة لها دور كبير في إصلاح الوضع الراهن لذلك يمكنها إحداث التغيير من الأسرة أو عبر العمل وطرق أخرى مغايرة "المرأة الفلسطينية لو منحت دفة الحكم ستغير المجتمع عبر المجموعات الداعمة للنساء المهمشات على مختلف تقسيماتهن، كما ستتعامل مع قصص النجاح وتعززها، وفي ذات الوقت ستفكر كيف تعيد التكافل الاجتماعي".

وأوضحت أنه في قطاع غزة يجب العودة للعمل بخطط الطوارئ من خلال توفير حقيبة الإيواء والاسعافات النفسية الأولية، مع خلق مساحة آمنة داخل المخيم خاصة بالنساء فقط، مع الالتزام بالتوعية النفسية في ظل ازدياد عدد الجرحى والإعاقات "من الضروري الاهتمام أكثر بالتعليم لأنه مفتاح النهضة للكثير من المجالات خاصة المجتمعي".

وشددت ختام عودة الأخصائية الاجتماعية والنفسية والناشطة في مجال المرأة في ختام حديثها على ضرورة الاهتمام بالجيل الذي ولد خلال الهجوم، والتشبيك مع المؤسسات الدولية وتعلم كيفية تقديم التقارير وشهادات الضحايا اللواتي ظلمن خلال الهجوم وانتهكت حقوقهن "من المهم أيضاً تعزيز صمود النساء عبر الاهتمام بالتمكين الاقتصادي وتوفير فرص عمل أو تعويضهن عن بعض خساراتهن في هذا المجال تحديداً في سبيل القضاء على العنف السياسي وإعادة تشكيل مجتمع أفضل".