قرية المرأة jin war تطور مستمر وحياة تشاركية منظمة

تمثل قرية المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا نموذجاً فريداً، للاهتمام بحقوق المرأة ودورها في المجتمع، حيث تعمل على تمكين النساء اقتصادياً واجتماعياً في بيئة تركز على المساواة والحرية، فهذه القرية تعكس جهود إعادة بناء المجتمع .

شيرين محمد

قامشلو ـ يعكس افتتاح مركز الشبيبة والأطفال في قرية المرأة  "jin war"الحرص على بناء جيل قوي ومستقل، يمنحهم مساحة للتعلم والنمو والابتكار ضمن بيئة آمنة ومحفزة. إلى جانب ذلك، يلعب قسم العلاج الفيزيائي دوراً أساسياً في دعم صحة النساء والشابات، مما يعزز من قدرتهن على المشاركة الفعالة في حياة القرية، والقيام بأنشطتهن اليومية بكل قوة وحيوية.

في زاوية من قرى نواحي الدرباسية التابعة لمقاطعة الجزيرة بإقليم شمال وشرق سوريا، وعلى ضفاف الأمل والحرية، تعيش النساء معاً في قرية المرأة، التي تسمى بـ (jin war ـ أي أرض المرأة)، تعتبر القرية مساحة خاصة وحرة بنتها النساء بأيديهن، حيث لا تسمع فيها سوى ضحكات الأطفال، همسات الشبيبة والنساء، وصوت الحياة المستقلة التي تبنيها نساء يرفضن أن يكن مجرد ظل أو هامش في مجتمع يفرض عليهن قيوداً وتقاليداً لا تعبر عن إرادتهن.

وتأسست هذه القرية كملاذ آمن ومستقل للنساء فقط، ومع توسع القرية، فتحت نساؤها مؤخراً بيتاً للشبيبة ليعبر الشباب عن أفكارهم ويشكلوا مستقبلهم بأيديهم، وبيتاً للأطفال ليكبروا على قيم الحرية والكرامة، بالإضافة إلى قسم خاص للعلاج الفيزيائي يساعد النساء على الشفاء والعناية بأنفسهن، ضمن مستوصف (شيفا جن)، إذ يقدم خدمات طبية متكاملة، تعتمد على طب الأعشاب والطب الحديث.

في زيارة للقرية التقت وكالتنا مع إدارية القرية والمعلمة شيرين أحمد، التي تحدثت عن التدريبات التي تُنظم في القرية، وأهميتها للنساء في سبيل تطوير أنفسهن "أنا معلمة للمرحلة الابتدائية، أتيت إلى قرية (جنوار) منذ حوالي عام"، مبينة أنها إلى جانب تدريسها لطلاب القرية تقوم بإعطاء تدريبات للنساء "أقوم بتعليم الأمهات اللغتين الكردية والعربية. ألاحظ تطوراً ملحوظاً لديهن في تعلم اللغات يوم بعد يوم، وأرى أن تعلمهن هذه اللغات أمر مهم للغاية لتطويرهن وتنمية مهاراتهن".

وأضافت "بعيداً عن تعلم اللغات، نحرص على قراءة الكتب والبحث في التاريخ عن قضايا المجتمع، المرأة والحرية، المساواة، والديمقراطية. نغوص في قراءة الكتب التي تساعدنا على تطوير أسلوبنا وفن الخطابة لدينا. كما نولي أهمية كبيرة للثقافة والفن، ونتناول مواضيع متعددة تتعلق بالمرأة والعائلة، وغيرها من القضايا المهمة"، مضيفةً "نشاهد أفلام عالمية شهيرة تحتوي على معلومات تاريخية وقصص واقعية عن البطولات، مما يزيد ثقافتنا ويزيد من وعينا".

بعيداً عن ضغوط الماضي وأحكام المجتمع القاسية هن اللواتي زرعن الأرض بأيديهن، يزرعن خضارهن، ويعشن حياة مشتركة تعكس قيم التضامن، التعاون والاستقلالية. في هذه القرية كل زاوية تحكي قصة قوة، كل بيت طيني يحكي حكاية كفاح وأمل، وتبين شيرين أحمد "نشعر في القرية وأنا واحدة منهن، بالقوة في شخصياتنا كلما تعمقنا في البحث والقراءة وتعلمنا أفكار جديدة. كما أننا نعيش حياة كومينالية ومنظمة، نساعد بعضنا في كل شيء حتى في تدريب أنفسنا، كما ونعتبر القرية بيتنا الكبير، ونعمل معاً على تنظيفها، إعداد الطعام الحراسة، الزراعة، وكل ما يتعلق بحياتنا اليومية، ولكل امرأة في القرية دور أساسي تؤديه في بناء المجتمع".

وأكدت أن "التدريب جزء أساسي من حياتنا، منذ خمسة أشهر بدأنا فترة تدريبية بشكل يومي، والآن خصصنا له يومين في الأسبوع. هذا التدريب يعزز ذاكرتنا ويزودنا بالمعلومات التي نستفيد منها في حياتنا الشخصية وفي تعاملنا مع الآخرين، ويقوي أسلوب حياتنا. لا يقتصر التدريب على النساء فقط، بل يشمل الفئة الشابة أيضاً، حيث يوجد لدينا مركز خاص لتنمية المواهب والأفكار، وبالاشتراك مع الأمهات يتم اختيار المواضيع المهمة واعطاء تدريبات عنها".

وأضافت أن "التدريب مهم جداً في حياتنا، وخاصة للمرأة، التي تعرضت بعد التهميش إلى ظلم واستبعاد. لذلك من الضروري أن تستمر النساء في تدريب أنفسهن أينما كن. فالمرأة المثقفة تبني مجتمعاً مثقفاً. كما يقول القائد عبد الله أوجلان "التدريب مثل الماء والخبر"، يجب أن نستمر في تدريب أنفسنا".

وبدورها تحدثت المعالجة الفيزيائية في القرية ميرفت شيخموس، عن عملها ضمن القرية "أعمل في مستوصف "شفا جن" في قرية المرأة كمعالجة فيزيائية. بدء حبي لهذه المهنة منذ صغري، عندما كنت أشاهد جدتي تقوم بمعالجة أمراض النساء. مع مرور الوقت، زاد شغفي بهذه المهنة وبدأت أتعلم منها وأبحث عن العلاجات الفيزيائية، وأجمع المعلومات المهمة المتعلقة بها".

وبينت أن لديها عيادتها الخاصة "العيادة تستقبل ليس فقط نساء القرية وإنما أيضاً نساء القرى المجاورة وخلال مرحلة العلاج، أركز بشكل كبير على تحسين الحالة النفسية للمريضات، لأن الجسم بأكمله مرتبط ببعضه، والتوتر والحالة النفسية تؤثران بشكل كبير على فعالية العلاج، فالعلاج الفيزيائي مهم جداً، ونعمل قدر الإمكان على تجنب العمليات الجراحية أو الأدوية".

ولفتت الانتباه إلى حياة النساء في القرية، ووصفتها بأنها ليست مجرد مكان للسكن بل تجربة ثورية في بناء مجتمع بديل، حيث تكون النساء في مركز القوة، يصنعن القرارات ويخططن للمستقبل بإصرار "هنا تنمو الحياة وتتجدد وتكتب قصة جديدة عن المرأة التي قررت أن تكون حرة، مستقلة وقادرة على أن تحمي نفسها وقريتها، فالحياة في القرية تحفزني على الاستمرار في عملي فبمساعدة النساء استطعت التأقلم مع العمل وتقديم الدعم والمساعدة لهن".

وأشارت ميرفت شيخموس إلى أنه "في مستوصف "شفا جن" لدينا العديد من الأقسام، منها قسم الأمراض النسائية، وقسم المعالجة بالزيوت والطب الطبيعي، والعلاج الفيزيائي وقسم الإسعافات الأولية، نقوم بتقديم الخدمات للقرية وجميع القرى المجاورة. كما يوجد لدينا أقسام خاصة للأطفال في كل قسم من الأقسام التي ذكرتها".

وبدورها تحدثت أفين علي، عن بيت الشبيبة "أعيش في قرية المرأة منذ ما يقارب الخمس سنوات، وأعمل كعضوة في بيت الشبيبة الموجود في القرية. أحب قرية المرأة لأنها تفتح أبوابها لجميع النساء من حول العالم، وليس فقط لنساء المنطقة وأرى أن نموذج قرية المرأة فريد من نوعه وجماعي، وهذا ما يجعلنا نرتبط ببعضنا أكثر كنساء وشابات". 

وأوضحت أنه في مركز الشبيبة "نسعى إلى تطوير الفئة الشابة من كافة النواحي من خلال التدريبات المنظمة التي نقدمها لأعضائنا. نتعلم كيفية العمل كإعلاميين وصحفيين، ونتدرب على التصوير والمونتاج، كما نعزف على مختلف الآلات الموسيقية ونتدرب على الدبكات الفلكلورية ونتعلم العزف على الآلات الموسيقية، بالإضافة إلى ذلك نتعلم حياكة الصوف لتمضية أوقات الفراغ، ونمارس الرسم أيضاً، أي أننا نطور أنفسنا من كافة الجوانب".

وبينت أنهن في بيت الشبيبة تحرصن على دمج الشابات والشباب الجدد بالتنظيم والتدريب "نحرص على دمج الشابات والشباب الذين يأتون إلى القرية، ونزودهم بكل المواهب والأفكار والمعلومات التي تعلمناها سابقاً. لكننا نواجه صعوبة في ذلك، لأن الفئة الشابة تأثرت كثيراً بالإنترنت وتستخدمه بشكل غير صحيح. مع ذلك ومع مرور الوقت والتنظيم نستطيع تجاوز هذه المشكلة، إذ أن انشغالهم بتعلم مهارات جديدة يساعدهم على استغلال وقتهم بشكل أفضل".

وبينت أفين علي أنها شخصياً طورت من نفسها، وكان ذلك بفضل الحياة التشاركية "عندما جئت إلى القرية منذ خمس سنوات كنت صغيرة السن، واليوم أرى أنني تعلقت كثيراَ بهذه القرية وأعتدت على العيش فيها. فالتنظيم والتدريبات التي كانت ولا تزال موجودة في القرية تحفزني على الاستمرار في تطوير نفسي، والحياة التشاركية ساعدتني أكثر، وليس أنا فقط من طورت نفسي، بل أصدقائي أيضاً طوروا من أنفسهم".