ريادة الأعمال في لبنان... تحديات لتقليص الفجوة بين الجنسين
نتيجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ازدادت الفجوة بين الجنسين في لبنان، إلا أن النساء يواجهن ذلك بالكثير من المثابرة والإصرار لتمكين أنفسهن والوصول إلى مراكز ريادية.

سوزان أبو سعيد
بيروت ـ مع انخفاض نسبة مشاركة النساء في سوق العمل، حيث تشارك أقل من 30 بالمئة منهن فعلياً في القوى العاملة، توازياً مع تأثير النظام الاجتماعي الذكوري والقمعي في كثير من الأحيان على النساء، ساهمت الأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى انهيار العملة والتضخم على النساء وارتفعت معدلات الفقر والبطالة في صفوفهن، ما ساهم في ازدياد الفجوة بين الجنسين في سوق العمل، وهو ما يضيف تحديات إضافية على النساء مواجهتها.
وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الذي جاء تحت عنوان "الفجوة بين الجنسين في العالم للعام 2024"، احتل لبنان المرتبة 133 عالمياً والثامنة إقليمياً في مؤشر الفجوة بين الجنسين في العالم عن عام 2024، ويبين التقرير أن لبنان قد احتل المركز 122 عالمياً في معيار المشاركة الاقتصادية، والمركز 111 في معيار الثقافة والتعليم، والمركز 67 في مؤشر الصحة والحياة والمركز 142 لقوة الوساطة والقرارات السياسية.
"لبنان من اكثر الدول التي تعاني الفجوة بين الجنسين"
ندى خداج صبح مديرة قسم النساء في كلية سليمان عليان للأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، تقول "نظراً للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد، فإن عمل النساء ليس بالأمر الجديد. لقد ساهمت النساء بشكل كبير في تحسين الاقتصاد اللبناني، ومع ذلك، نسعى إلى تعديل قوانين العمل لتسهيل مشاركة النساء بشكل أكبر وفعّال في المجتمع، ويتضمن ذلك تعديل ساعات العمل في المؤسسات وغيرها من الأطر المهمة، وعلى الرغم من الإرث الثقافي الغني الذي يتمتع به لبنان، إلا أنه لا يزال من بين الدول التي تعاني من أكبر الفجوات بين الجنسين على مستوى العالم، فقد احتل لبنان المرتبة 145 من أصل 153 دولة في تقرير الفجوة بين الجنسين للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020، والمرتبة 132 من أصل 156 دولة في عام 2021 وفقاً لمؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي".
وأضافت "في عام 2022، بلغت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة 24 بالمئة فقط مقارنة بـ 76 بالمئة للرجال، مما يسلط الضوء على فجوة كبيرة في الشمول الاقتصادي، وفي عام 2023، طرأ تغير طفيف حيث بلغت النسبة 27.5 بالمئة للنساء".
بالرغم من التحديات...تواصل المرأة اللبنانية أعمال الريادة
وأشارت إلى أن "هذه الفجوة ليست وليدة الأزمة، فقد كانت نسبة مشاركة النساء في لبنان من بين الأدنى إقليمياً وعالمياً حتى قبل تفاقم الأوضاع الاقتصادية. ومع انتشار جائحة كورونا، تفاقم الوضع أكثر فقد تم تسريح عدد أكبر من النساء، وانخفضت أجورهن بشكل كبير، في حين تضاعفت أعباؤهن الأسرية ثلاث مرات بين رعاية المنزل والأطفال وكبار السن".
وأوضحت "مع كل هذه التحديات، تواصل النساء اللبنانيات القيادة والصمود، ففي عام 2019، شغلن 28.9 بالمئة من المناصب الإدارية العليا والوسطى، مما يعكس عزيمتهن وإمكاناتهن الكبيرة في تشكيل مستقبل الوطن، هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي دعوة للعمل لكسر الحواجز الهيكلية وإطلاق العنان للقوة الاقتصادية والاجتماعية الكامنة في نساء لبنان".
"المرأة هي منبع الإرادة"
من جهتها، قالت الخبيرة المالية لارا معكرون إنه "بالنسبة لمشاركة المرأة في سوق العمل، فما أشعر به وألمسه اليوم، أن هذا الأمر ينبع من الذات والإرادة، فتبدأ بالبحث عن فرصة العمل أو تخلقها، فلا أحد يمنعها من ذلك، إلا نتيجة لعوامل عائلية أو مجتمعات معينة تمنع المرأة من العمل، لكن اليوم المرأة والرجل يعملان جنباً إلى جنب، وإضافة إلى ذلك فالأزمة الاقتصادية والمالية التي مر بها المجتمع اللبناني، فبرأيي أن الحواجز بمواجهة الانخراط في سوق العمل تخلقها المرأة، أو تحد منها، فهي نابعة من الذات والطموح ورغبتها بالوجود في سوق العمل".
وأردفت "بالإضافة للعمل الأكاديمي الذي أقوم به بالجامعات، فهناك العمل الاستشاري لمساعدات العمل الريادي والشركات الناشئة والمتوسطة الحجم، حيث نبدأ ببناء الاستراتيجيات والإدارة المالية لمدها بالأفكار الجديدة ليكبر المشروع ولتوسيع السوق المحلي أو الوصول للأسواق الخارجية، وهنا تأخذ المرأة حيزاً كبيراً في المجال الذي أعمل فيه، كما وأن هناك جمعيات في شعاراتها دعم النساء وتمكينهن، لمساعدتهن في فكرتهن ومشروعهن سواء حرفة صغيرة أو أكبر، بتثقيفهن في مجال ريادة الأعمال والعمل على الأفكار المبتكرة في مجال يحبونه وعليه طلب، وإن كانت الفكرة مجدية اقتصادياً وبهدف جلب مستثمرين ليمكن تنفيذها على الأرض، وأيضاً نواكبهن في مجال نشر المعلومات الصحيحة وفي عملية تنفيذ الأفكار، والانتقال من الحلم إلى الواقع العملي وتحقيق ذاتهم وتحقيق دخل كافي، يجعل المرأة عنصر فعال في المجتمع والعائلة".
"الرغبة بالنجاح تدفع الشخص إلى المثابرة والنجاح"
وبدورها قالت هبة دلال مصممة الجرافيك ورائدة أعمال ومؤسسة شركة خاصة في هذا المجال "بدأت مسيرتي في ريادة الأعمال منذ عام 2016، وكنت أول تلميذة ماجستير في الجامعة اللبنانية، أقدم رسالتي لنيل هذه الشهادة، ولدي شركتي الخاصة المسجلة قانونياً، ومن هنا بدأت التحديات والصعوبات، كوني امرأة من جهة، وعدم وجود اكتفاء مالي من جهة أخرى".
وأضافت "على الرغم من وجود المعدات والموظفين والهيكلية الصحيحة، إلا أن هذا لم يوقفني، بل خلق لدي التحدي الكبير لأستطيع أن أثبت لعائلتي وللمجتمع بأن المرأة يمكنها أن تصل، وبأن تسعى للتعلم والمشاركة في ورش العمل التدريبية، والسعي من أجل تعلم أي مجال والبحث بجدية وهو ما نفتقده حالياً، وخصوصاً بوجود الذكاء الاصطناعي، والذي أصبح شائعاً استخدامه في العالم، ولا يعني هذا عدم استخدامه لمصلحتنا، ولكن علينا عدم الكسل والاتكال عليه لتصميم شعار أو فيديو مثلاً في مجال العمل".
وأشارت إلى أن الأزمات لا توقف العمل بل يجب التفكير بما يمكن أن تعمل عليه بدلاً من الوقوف مكتوفة الأيدي "عندما عصفت جائحة كورونا بالعالم توقفت شركتي وحاولت التفكير بما يمكن أن أعمل به، افتتحت مشروع آخر أسميته "زريعة" أي نباتات، وعملت على توصيل النباتات في وقت لم يكن التسويق الإلكتروني شائعاً، لذلك فإن الحياة والرغبة بالنجاح تدفع الشخص إلى المثابرة والنجاح، وليس الأمر مقتصراً على التخصص أو مجال الدراسة، بل يمكن أن تكون في مجال مختلف تماماً عما ندرسه".
تكاتف نسوي تشجع بعضها البعض في سبيل ضمان حقوق المرأة
من جهتها، قالت ميرا نجيم وهي مسؤولة موارد بشرية في شركة كبرى "نسبة المرأة في العمل الريادي أصبحت عالية، وهذا ما يقوي شخصيتها، ويجعلها تعيش اختبارات جديدة في حياتها، في الوقت الذي تجبر على ترك أطفالها في المنزل وعائلتها لتلبي ساعات العمل الذي عليها القيام بها، ولذلك عليها العمل على تحقيق التوازن بين حياتها العملية والمهنية، حيث تعود بعد عملها لتلبية احتياجات منزلها وواجباتها تجاه عائلتها".
وأضافت "الوضع الاقتصادي في البلد والغلاء، يؤثر سلباً على المرأة العاملة، حيث أن راتبها لا يكفي لتلبية كافة المصاريف وخصوصاً حضانة أطفالها في حال عملها، ونأمل أن تتمكن المرأة من مواجهة هذه الظروف، وأن تكون في وظائف أفضل، ونتجه دوماً لتشجيع المرأة على العمل والإنتاجية لتكون فعالة في المجتمع وهو مهم لها ولعائلتها".