الاقتصاد السوري بين غياب الشفافية واستمرار الأزمات
لم ينعكس سقوط النظام السوري السابق على الاقتصاد الذي انهار بشكل درامتيكي منذ العام 2011 وشكل أزمة واضحة جعلت أكثر من 90 بالمئة من الشعب تحت خط الفقر بحسب تقارير أممية.

روشيل جونيور
السويداء ـ مرت ستة أشهر على سقوط النظام السوري وفي آذار/مارس الماضي استلمت هيئة تحرير الشام الحكم في سوريا، ولا تزال التساؤلات تدور حول مدى جديتها في إحداث تغيير حقيقي في المشهد الاقتصادي المتردي الذي خلفته الحرب والصراعات الداخلية.
الباحثة في الاقتصاد السياسي، إكرام حاطوم سلطت الضوء على سلسلة من الإخفاقات والمفارقات التي تحيط بأداء هذه الحكومة متسائلة عن مدى قدرتها على إخراج سوريا من نفق الانهيار الاقتصادي، مبينةً أن أبرز النقاط المثارة، عدم تقديم الحكومة المؤقتة لأي مشروع موازنة واضحة حتى الآن، بالرغم من مرور نصف عام على سقوط النظام.
وأشارت إلى أن النظام المصرفي في سوريا لا يزال شبه مشلول منذ عام 2011، نتيجة العقوبات التي كانت مفروضة على البنك المركزي، لا سيما حرمانه من نظام SWIFT الذي عزل المؤسسات المالية السورية عن النظام المالي العالمي.
ورغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رفع بعض العقوبات، تصف إكرام حاطوم هذا الإجراء بـ "الرفع المؤقت" مؤكدة أن العقوبات لا يمكن رفعها بقرار فردي، بل تحتاج إلى توافق أمريكي أوروبي أممي.
غموض في إدارة الثروات وغياب الشفافية
وطرحت إكرام حاطوم تساؤلات محورية عن إيرادات كبرى الشركات في البلاد مثل شركات الاتصالات، والأدوية، والجامعات الخاصة، التي كانت تحت سيطرة النظام السابق "هل تم تأميم هذه المؤسسات أم أنها لا تزال تدار من قبل قوى النظام القديم؟".
وترى أن المشهد ذاته يتكرر في قطاع الثروات الطبيعية "سوريا تعتبر من الدول الخمس الأوائل عالمياً في إنتاج الفوسفات، وسبق أن تم توقيع اتفاقيات مشبوهة مع كل من إيران وروسيا لاستغلال هذه الموارد ومع سقوط النظام السابق كان من المفترض إعادة النظر بهذه الاتفاقيات، لكن حتى اليوم، لا معلومات دقيقة تنشر عن الإيرادات أو المستفيدين".
انهيار القطاعات الإنتاجية... القطن والقمح نموذجاً
وبينت أنه في عام 2011، كانت سوريا تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج القطن. واليوم، لا أثر لأي خطة اقتصادية واضحة لإحياء هذا القطاع، وكذلك الأمر بالنسبة للقمح، الذي تراجع إنتاجه بشكل كارثي، دون تحرك ملموس من الحكومة المؤقتة في ظل غياب الشفافية والمحاسبة.
مفارقات دستورية وتوجهات اقتصادية ضبابية
وتنتقد إكرام حاطوم التناقضات في الإعلان الدستوري الجديد، الذي أقر العدالة الاجتماعية من جهة، ثم أعلن عن توجه اقتصادي "حر تنافسي" من جهة أخرى، مع الإبقاء على قطاعات تخضع للفقه الإسلامي، مثل التعليم "هذا التناقض يجعل من المستحيل بناء بيئة جاذبة للاستثمار".
وأشارت إلى أن أي تجربة "خصخصة" مثلما حدث في السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان لا يمكن أن تنجح إذ لم تشمل كافة القطاعات وتأهيل أرضية اقتصادية واجتماعية مستقرة أما في الحالة السورية فإن الحديث عن الخصخصة في ظل غياب فرص العمل وارتفاع معدلات الفقر يجعل من هذا الخيار تهديداً مباشر للطبقات الفقيرة، خصوصاً مع رفع الدعم عن معظم فئات الشعب رغم أن أكثر من 90 % من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
الخصخصة... حل أم عبء؟
وترى أن الخصخصة قد تكون خياراً منطقياً في قطاعات محددة، بشرط أن تسبقها عملية إصلاح شامل وتوفير فرص العمل، وتأمين دخل للمواطن أما خصخصة قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والكهرباء في ظل الانهيار الاقتصادي الحالي فهي زيادة للمعاناة.
الاستثمار تحت ظل الفوضى الأمنية
وأكدت أن "الاستثمار الأجنبي في سوريا لا يزال بعيد المنال جراء حالة الفوضى الأمنية في عدد من المناطق، والمجازر التي وقعت في الساحل، فكلها عوامل تردع المستثمرين، وغياب جيش وطني يشعر المواطن بالأمان، يمنع المجتمع من التحول نحو البناء والتنمية، كما يكرس حالة من الانتماء للعنف والمخدرات والجريمة".
الاتفاقيات الاقتصادية... غياب الشرعية التشريعية
وتثير إكرام حاطوم الشكوك حول شرعية الاتفاقيات التي تم توقيعها مع الحكومة المؤقتة كاتفاقية مرفأ طرطوس، في ظل غياب برلمان منتخب ومؤسسات تشريعية مستقلة "الدستور الجديد يمنح سلطات موسعة للرئيس، ويتيح له تعيين ثلث أعضاء البرلمان، ما ينسف مبدأ الفصل بين السلطات، ويكرس نهج الحكم الفردي".
واختتمت الباحثة في الاقتصاد السياسي، إكرام حاطوم حديثها بالقول أنه "رغم سقوط النظام السابق، ما تزال الحكومة الجديدة تعاني من عقوبات غربية، ليس فقط على خلفية الإرث السياسي، بل بسبب ارتباطها بجماعات مصنفة إرهابية، مثل جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً)، وهذه العقوبات هي الأخطر، ولا يمكن إزالتها بسهولة، لأنها تتعلق بملف الإرهاب، على غرار ما حدث في العراق بعد 2003، حيث لم ترفع العقوبات إلا بعد سنوات طويلة".