تعدد الزوجات عندما تصبح المرأة مجرد رقم

"قهر لهما أكرهتهما عليه الحالة التي وصلت إليها المرأة واختلال الموازين"، هذا هو تعدد الزوجات عندما تصبح امرأتين في مواجهة بعضهما

سناء العلي

مركز الأخبار ـ "قهر لهما أكرهتهما عليه الحالة التي وصلت إليها المرأة واختلال الموازين"، هذا هو تعدد الزوجات عندما تصبح امرأتين في مواجهة بعضهما، في وضع كلاهما مكرهتان على القبول به ليثير لديهما تساؤلات عن دورهما في هذه الحياة ومدى أحقية الرجل لجمع عدد من النساء باسم "حلال".

تعدد الزوجات في دول الخليج العربي قضية شائكة تختلط فيها عدة قضايا تمس المرأة والمجتمع منها تأخر الزواج الناتج عن تغير طبيعة المجتمع، إضافة للأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تعصف بالعديد من الدول، وكذلك زواج القاصرات الذي يؤثر على الفتيات اللواتي يخترنَّ استكمال تعليمهنَّ ليجدنَّ أنفسهنَّ بعمر صغيرة على قائمة "عانسات" رغم أن أعمارهن لم تتجاوز الـ 25 عاماً وربما العشرين في المجتمعات الأكثر انغلاقاً.

 

الذريعة

تعدد الزوجات في دول الخليج عرف لا يخضع للحاجة أو الضرورة فما إن امتلك الرجل المال وحتى إن لم يمتلكه يسعى للزواج مرة ثانية وثالثة وحتى رابعة تحت شعار "الشرع حلل"، ولا يمكن للمرأة في هذه المجتمعات الرفض فهو "حق" للرجل، كذلك لا تمتلك المرأة الحرية في اختيار الطلاق حتى لا تلاحقها وصمة العار، إضافة لكونها في معظم الأحيان غير مستقلة اقتصادياً، ناهيك عن الأطفال الذين ستضحي بطبيعة الحال من أجل ألا تفقدهم أو أن يعيشوا في كنف زوجة أب.

المرأة تقبل بامرأة ثانية تدخل على حياتها لإن المجتمع يفرض ذلك عليها، بالمقابل النساء يقبلنَّ بأن يكن الزوجة الثانية والثالثة والرابعة لضغوط يمارسها المجتمع عليهنَّ، ففي تعدد الزوجات أكثر من ضحية.

تقول الناشطة النسوية الراحلة نوال السعداوي في حديث لها عن تعدد الزوجات ضاربة مثال حوار جرى بين عمها الذي تزوج بامرأة بذريعة أن الدين أعطاه الحق وأبيها الذي قال إن الدين لم يأمر بذلك "يرد أبي بهدوء: يا أخي التعدد حرام إلا بشرط واحد أن تكون الزوجة الثانية (أو الثالثة أو الرابعة) أرملة تربي أولادها اليتامى (مستشهداً بآية قرآنية). مضيفاً أن التحريم جاء في نفس الآية "إن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ولن تعدلوا".

وتقول في موضع ثانٍ إن الفقهاء تلاعبوا في الأمر لمصلحتهم الشخصية، فإن كان يحق للرجل الزواج بحثاً عن الأطفال إن كانت زوجته عاقراً، فإن للمرأة الحق بالزواج أيضاً ورداً على القائلين بعدم تعدد الأزواج لتجنب اختلاط النسب قالت إن في حال الرجل العقيم لا يمكن أن يختلط النسب. لم تكن غاية نوال السعداوي تبرير زواج المرأة بأكثر من رجل بقدر ما كانت تعمل على تعرية المجتمع الذكوري من أفكاره التي تعطي للرجل كل ما يريده ويعامل المرأة كتابع مسلوب الحقوق وحتى حق التفكير.

الاتجاه السلفي المسيطر بشكل كبير على المجتمع الخليجي في شبه الجزيرة العربية أعطى تعدد الزوجات أهمية بالغة فمشايخه يفتون بذلك، ويؤكدون على أهميته؛ بغية إشباع نزوات الرجال الجنسية وتجديد شباب العجائز منهم.

الداعية السلفي عبد العزيز أبن باز (1912ـ 1999) اعتبر في فتاواه أن من كره تعدد الزوجات، ورأى أن دونها أفضل، فهو مرتد عن الإسلام لأنه "منكر لحكم الله وكاره لما شرع"، مستشهداً كذلك بكون هذه الممارسة "سنة عن النبي محمد الذي تزوج بالعديد من النساء من أجل أن تتكاثر الأمة الإسلامية وتزداد"، وكذلك يرى أبن تيمية (1263ـ 1328) إمام السلفيين أن التعدد واجب على المسلمين.

 

العنوسة وزواج القاصرات طريق التعدد

العنوسة ليست مرتبطة بالنساء فقط وإنما بالرجال أيضاً لكن في العُرف المجتمعي فإن الفتاة ما أن تتجاوز عمراً معيناً وهو أقل من 30 عاماً تكون "عانس" ويستوجب زواجها من رجل يكبرها أو يكون متزوج، أما الرجال مهما كبروا في السن فإنهم يتزوجون بفتيات قد يكون عمرهنَّ أقل من 15 عاماً. فمصطلح عانس الذي أطره المجتمع وحصره بالمرأة فرض عليها زواجاً غير متناسب. بحسب دراسة (تشمل العنوسة للرجال والنساء) أجرتها الإذاعة الهولندية "هنا امستردام"، عام 2018، سجلت السعودية نحو مليوني عانس أي بنسبة 42 بالمئة، وفي الإمارات كانت النسبة 75 بالمئة، وفي الكويت وقطر زهاء 35 بالمئة، أما في اليمن فكانت 30 بالمئة.

زواج القاصرات ممارسة ساهمت بشكل غير مباشر بازدياد عدد الفتيات الغير متزوجات، فعندما لا تسن قوانين تلغي زواج الفتيات أقل من 18 عاماً، فإن اللواتي تجاوزن العشرين يجدنَّ أنفسهنَّ بدون زواج والشباب بطبيعة الحال وجراء الضغوط المجتمعية المفروضة عليهم أيضاً يختارون الصغيرات لأنهنَّ أكثر خصوبة، كذلك يفضلون اختيار شريكات لم يتعرضنَّ لتجارب عاطفية سابقة.

منطقة الخليج تحتل حصة كبيرة من ظاهرة تزويج القاصرات لارتباطها بشكل وثيق بالعادات والتقاليد الريفية والقبلية وكذلك المعتقدات الدينية. فبدلاً من أن تقضي الفتيات الـ 18 عاماً الأولى من حياتهنّ بالدراسة تجدهنَّ لا يملكنَّ هذه الفرصة ففي السعودية وحتى وقت قريب وقف نظام الولاية عائقاً أمام الراغبات باستكمال تعليمهنَّ حيث أن خياراتهنَّ مرتبطة دائماً بموافقة رجل وحتى بطفل ذكر له "الولاية" عليهنَّ. 

 

دعم تعدد الزوجات... الدولة شريك

التشريعات والقوانين في دول الخليج العربي تعتمد على الفقه الإسلامي فلا تمنع التعدد. ولا تضع أي قيود على ذلك حتى ولا يعتبر إعلام الزوجة أحد الشروط على عكس دول عربية مثل تونس التي تمنعه وتعاقب عليه، والعراق الذي يضع شروطاً منها القدرة المالية للرجل.

العام الماضي قالت صحيفة إماراتية إن الدولة تبحث في منح المتزوج من ثلاث نساء ثلاث منازل، مما دعا العديد من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي للتساؤل حول أحقية ذلك، مطالبين بمنح مبلغ المال للشباب الذين يواجهون صعوبات لدعمهم من أجل تأسيس أسرة بدلاً من تشجيع المتزوجين على التعدد.

ويبيح قانون الأحوال الشخصية الإماراتي الصادر عام 2005 تعدد الزوجات ووضع شروطاً لذلك ومنها "القدرة المالية والبدنية، والعدل"، كما ينص القانون على عدم قبول اشتراط المرأة عدم زواج الرجل عليها بأخرى.

في السعودية لا يوجد نص قانوني مكتوب كون البلاد تعتمد على الشريعة الإسلامية في تسيير شؤون المجتمع، وعلى ذلك يمثل التعدد إحدى أكثر الانتهاكات شيوعاً في البلاد حيث كشفت الاحصائيات الأخيرة أن نحو نصف مليون سعودي متزوجون بأكثر من امرأة أعمارهم بين (25 ـ 49) عاماً، والتعدد شائع حتى للمقيمين خارج السعودية كونه أحد موروثات المجتمع.

وتعدد الزوجات شائع بشكل كبير في المناطق المحافظة والتقليدية في السعودية كالحجاز ونجد، حيث يعد التعدد رمزاً للرجولة وهدفاً لإنجاب المزيد من الأبناء للعائلة.

وبدلاً من المطالبة بتحسين شروط الزواج كتخفيض المهر، وتأمين منازل، وتحسين المعيشة، ليتزوج الشباب العازب، أطلقت نساء في آذار/مارس الماضي وسم يحض الرجال على التعدد بسبب "العنوسة" التي غزت حياة العديد منهنَّ.

ودولة قطر اكتفت بسن قوانين تلزم الرجل بإخبار زوجته الأولى بعد توثيق زواجه الثاني، وتقديم كشف مالي للزوجة لتعرف على وضعه الاقتصادي.

وتنص المادة 14 من قانون الأسرة القطري لعام 2006 على أنه "في حالة الزواج بأخرى على الموثق التأكد من علم الزوجة بأحوال الزوج المالية إذا أنبأت حالة الزوج بعدم توافر القدرة المالية، ولا يجوز للموثق الامتناع عن توثيق العقد إذا رغب الطرفان في إتمامه وفي جميع الأحوال تخطر الزوجة أو الزوجات بهذا الزواج بعد توثيقه".

فيما تنص أحكام قانون الأحوال الشخصية الكويتي رقم 51 لعام 1984 على أنه في حالة التعدد "على إدارة التوثيقات الشرعية إبلاغ الزوجة برغبة الزوج في الزواج عليها".

وكان من نتائج هذا القانون أن احتلت الكويت في عام 2019 المرتبة الأولى عربياً بتعدد الزوجات بنسبة (8.13)، فيما جاءت دولة قطر ثانياً بنسبة (7.88)، وبعدها البحرين بنسبة (5.16). لكن هذه الدراسة التي حملت عنوان "حالة الزواج في العالم العربي"، لم تتح بيانات فيما يتعلق بالتعدد في السعودية وعمان والإمارات.

 

وعي المرأة قلل من تعدد الزوجات

أحياناً كثيرة تكون المرأة شريكة في تعدد الزوجات أولاً لقبولها بما يمليه المجتمع عليها، ثانياً نقل هذه الأفكار والمعتقدات إلى أبنائها، ففي السعودية انتشرت حملة الكترونية في نهاية أذار/مارس الماضي تطالب بالتشجيع على التعدد بحجة محاربة العنوسة، العديد من النساء السعوديات دعمنَّ للأسف هذه الفكرة لكونهنَّ مغيبات عن حقيقة أن تعدد الزوجات لا يحل ظاهرة العنوسة التي هي مرتبطة بالشباب أيضاً العازفين عن الزواج بسبب ظروف اجتماعية اقتصادية وحتى شخصية.

الوسم الذي حمل عنوان "خلك رجال وتزوج الرابعة"، قابلته حملة رافضة ومستنكرة لربط الرجولة بتعدد الزوجات، واعتبرته العديد من النساء مهين ويقلل من شأنهنَّ.

لكن آلاف النساء في الخليج يعانين في ساحات المحاكم للحصول على حقوقهنَّ أو لاستحصال الطلاق الذي يرفضه المجتمع ويسخر من المرأة التي تطلبه بسبب إقدام زوجها على التعدد وما تزال قضايا العديد منهن معلقة، فالتعدد أنتج أسراً مفككة اجتماعية وأطفال عرضة للانحراف. هذه المعاناة دعت العديد من النساء لرفض تعدد الزوجات.

وتبقى هناك بارقة أمل فمستوى تعليم المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل واضطلاعها بأدوار أكبر في الحياة العامة قلصت من تبعيتها للرجل.

فقد سجلت المجتمعات الخليجية تراجعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة بظاهرة تعدد الزوجات مقارنة بالعقود الماضية، ويرجع اساتذة الاجتماع السبب في ذلك للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يشهدها العالم والمنطقة، ونمو الوعي العام لدى النساء والفئة الشابة بالحياة الزوجية والأسرية.

عمل النساء واعتمادهنَّ على اقتصاد خاص من خلال المشاركة في سوق العمل أنتج نموذج امرأة لا تقبل أن تكون رقماً في المؤسسة الزوجية.