العقد الاجتماعي ممكن مع حقيقة المرأة التي تبدع وتدافع عن نفسها ـ 2
"إن تحويل التنوير الذي تعيشه النساء في واقع الشرق الأوسط إلى بناء اجتماعي متجذر في الثقافة الديمقراطية، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عقد اجتماعي تشارك في صياغته مختلف الفئات المجتمعية"

أليف ميركان
لقد نمت الحركات النسائية التي قاومت وناضلت من أجل الحرية الاجتماعية وحرية المرأة، وعملت على تطوير عقدها الاجتماعي مع المجتمع دائماً. وهناك أمثلة بارزة على ذلك في القرن العشرين، مثل القوانين الثورية للنساء التي وضعتها النساء المناضلات ضمن صفوف الجيش الزاباتي للتحرير الوطني، فقد صاغت هذه القوانين بعد التشاور مع المجتمعات المحلية حول أوضاع النساء. وقد حددت هذه القوانين الإطار الأساسي للعقد الاجتماعي للمرأة، استنادًا إلى حقوقها في العمل والأجر العادل، واتخاذ القرار بشأن عدد الأطفال، والتعليم، وعدم التعرض للعنف، والقيادة. كذلك، كانت القوانين التي طورتها النساء الفلسطينيات والتونسيات ذات أهمية كبيرة".
وفي القرن الحادي والعشرين، أصبح من الضروري إعداد عقد اجتماعي للمرأة مع المجتمع، مستنداً إلى التجارب التاريخية التي راكمتها النساء عبر العصور، وذلك من أجل وقف عمليات الإبادة الاجتماعية والنسائية التي نشهدها اليوم.
ففكرة العقد الاجتماعي للمرأة، الذي بدأت بجهود القائد عبد الله أوجلان عام 2001، داعياً النساء إلى تطوير عقد اجتماعي يوازي "العقد الاجتماعي" لجان جاك روسو، لكنه خاص بتحرر المرأة. تعتبر هذه المبادرة استمراريةً لإحياء وتحديث تقاليد المرأة المتعلقة بالعقود الاجتماعية عبر العصور.
يُنظر إلى هذا العقد باعتباره ضرورةً عالمية تتجاوز حدود كردستان وتركيا، ليكون أساساً لنضال النساء في جميع أنحاء العالم. في سياق الواقع الاجتماعي للمرأة في الشرق الأوسط، يُشدد على الحاجة إلى تحويل هذا الوعي إلى بناءٍ مجتمعي ديمقراطي يشمل شرائح مختلفة عبر اتفاق واسع. يُعد نضال المرأة التحرري في القرن الحادي والعشرين المرشح الأقوى لتطوير هذا العقد.
كما تتطرق الفقرة إلى فكرة "نهضة المرأة"، التي بدأت بالظهور في أوائل الألفية الجديدة ضمن الحركة الكردية لتحرير المرأة، حيث اكتسبت النساء وعياً أعمق بالهوية الذاتية وحقوق الدفاع عن النفس. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا العقد يرتبط بمجموعة من المفاهيم الأساسية مثل نظرية القطيعة، النظام القائم على المرأة، مشروع تغيير الرجل، أيديولوجية تحرير المرأة، علم المرأة (Jineolojî)، الطلاق اللانهائي، المساكنة الحرة، والرئاسة المشتركة، حيث تهدف جميعها إلى القضاء على عبودية المرأة وتمكينها من المشاركة الحرة والمتساوية في كل مجالات الحياة. يستهدف هذا العمل توثيق وترسيخ جميع الإنجازات والمكاسب التي تحققت خلال 18 عاماً من النضال، مما يساعد في حماية هذه الديناميكيات وتقنينها ضمن إطار اجتماعي شامل.
ما نوع العالم الذي نريد أن نعيش فيه؟
العقد الاجتماعي للمرأة هو محاولة لصياغة إجابات على سؤال "أي نوع من العالم نريد أن نعيش فيه؟" من جانب المرأة بكل أبعاده، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والعلاقات بين الجنسين، إنه شكل غني ومتعدد الأوجه من أشكال النضال، إنه يقوم على نقد قوي للعصر والنظام الذي نعيش فيه، وفي الوقت نفسه، فهو يحلل البنية الاجتماعية ويحدد من خلال المناقشات الشجاعة كيف، ومع من، وعلى أي مستوى، وبأي وسائل وأساليب يمكن خلق خيار حياة بديلة.
إنها خريطة طريق تهدف إلى التغلب على القوانين المعطاة التي لا تعترف بإرادة المرأة، ويهدف إلى قيادة الطريق في إنهاء ثقافة العنف والخنوع وتطوير ثقافة التعاقد، إنها تجعل قيم المرأة ديناميكية ومرنة من أجل دولة أقل وحرية أكثر وسلام اجتماعي، فهو الإطار التعاقدي للحياة الحرة، وفي جوهره، العقد الاجتماعي هو الفهم لمبادئ الحياة التي تشترك فيها جميع النساء اللواتي ترغبن في الحرية، وبهذا المعنى، فهو ليس مجرد خطوة عملية سياسية وتكتيكية، بل هو في جوهره نص لثقافة مصالحة ديمقراطية قائمة على القيم التحررية وتشمل قطاعات واسعة من المجتمع، ومن الواضح أن إطار الحياة الحرة، الذي هو طموح أوسع شرائح المجتمع، لا يمكن تحديده بعقد واحد محدد مسبقاً.
ولا يمكننا أن نفكر في العقد الاجتماعي للمرأة وأن نتعامل معه بمعزل عن تاريخ المرأة وثورة المرأة، كما أنه لا يمكننا أن نتعامل معه ونجعله حيوياً، من المهم أن نناقش هذه المجالات الثلاثة ونفهمها بطريقة شمولية، في علاقة بعضها ببعض، بجوانبها التي تؤثر وتتأثر، ومن المهم أن نفهم مكانة العقد الاجتماعي في تاريخ المرأة والعقود الاجتماعية النسائية في التاريخ الاجتماعي.
وفي الوقت نفسه، فإن مكانة ثقافة العقد وأثرها في الثورات النسائية عبر التاريخ موضوع مختلف للبحث والتحليل، فالثورات النسائية هي نتاج فكر المرأة وقوتها العاطفية التي تستطيع أن تعقد عقداً مع المجتمع على أسس صحيحة، فإن الثورة النسائية الأولى، التي يمكن أن نسميها أيضاً ثورة القرية، أو الثورة النيوليتيكية أو الثورة الزراعية، هي بالتحديد ثورة من هذا القبيل، وعندما أقوم بتحليل التطورات التي تميزت بها المرأة في التاريخ الاجتماعي، لا يسعني إلا أن أفكر "يا لها من ثقة بالنفس رائعة وخلق ذاتي وخلق مجتمع حول المرأة، يا له من عقد هادف، مباركة وجود المجتمع في إبداعه الخاص".
"يندهش المرء، ثم يتبادر إلى ذهنه سؤال لماذا لا نستطيع أن ندرك ذلك الآن أو اليوم، وأنا أبحث عن الإجابة، أصل مرة أخرى إلى تاريخ المرأة وثورتها والعقد الاجتماعي للمرأة، فمن الصعب جداً أن نفهمه دون معرفة تاريخها والثورات التي قامت في تاريخها والعقود التي يقوم عليها كلاهما، لهذا السبب على جميع الحركات والشخصيات النسائية التي تقوم وتهتم بعمل العقد الاجتماعي للمرأة في القرن الحادي والعشرين أن تقوم بكتابة تاريخ المرأة وثورة المرأة مع العمل التعاقدي، ولأنه "من المستحيل تحرير الحياة بدون ثورة نسائية جذرية، وبالتالي بدون تغيير في عقلية الرجل وحياته، لأنه من دون تحرير المرأة التي هي العنصر الأساسي في الحياة، ستبقى الحياة سراباً دائماً".
من لا يمكن أن يكون xwebûn (الاستقلالية) لا يمكن أن يكون له جماليات وأخلاقيات
يقوم العقد الاجتماعي للمرأة أولاً وقبل كل شيء على الفرد والمجتمع الحرين، لهذا السبب، فإن تطور وحرية الفرد الذي أقام الرابطة الصحيحة مع مجتمعه هو محور أساسي في العقد الاجتماعي للمرأة، وبعبارة أخرى، أن تكوني xwebûn بالكردية، وبالنسبة للنساء، أن تكوني xwebûn هو أيضاً أساس الأخلاق والجماليات، من لا تستطيع أن تكون xwebûn لا يمكن أن يكون لها جماليات وأخلاقيات، لذلك، لا يمكن أن يكون لها عقد مع المجتمع، وفي هذا الصدد، ينبغي أن يتضمن البند الأول من العقد الاجتماعي عقد المرأة مع نفسها، فبدون كتابة هذا البند وتنفيذه بجدية كبيرة من قبل النساء، يستحيل أن يكون للمرأة عقد مع المجتمع، فإن خميرة ثقافة المرأة الأم هي المرأة الأم الواعية بذاتها ومجتمعها.
فإذا كانت المرأة قد بنت المجتمع وأدارت المجتمع لآلاف السنين، فذلك لأنها كانت تتمتع بوعي قوي جداً بذاتها، لقد حافظن على أنفسهن وأطفالهن وبقية المجتمع في مواجهة الظروف الطبيعية القاسية وأنسنتهن وأضفين عليها طابعاً اجتماعياً، ولم يحدث ذلك عن طريق الصدفة أو الممارسات العشوائية، فقد تحقق ذلك من خلال القوانين، أي العقود، التي تضمنت أيضاً المحرمات والمحظورات وما إلى ذلك، وقد تحقق ذلك من خلال ثقافة العقود التي أوجدتها المرأة دون تجاهل اجتماعية لطبيعتها ووجودها واجتماعيتها التي كانت واعية بها ومستوعبة لها.
وفي الوقت الذي تتطور فيه التنشئة الاجتماعية في ظل قيادة المرأة، فإن عقل المرأة حاسم أيضاً في تمجيد المجتمع لها، وفي الوقت الذي تقدس فيه المرأة نفسها وشخصها، فإنها تعي ذاتها، كما إنها مدركة لكل الروابط بين وجودها وبين المجتمع والطبيعة، وإنها واعية بقيادة المرأة وحتميتها وهي تعلم المجتمع اللغة، والزراعة، والحصاد، والحماية، والجماع، ومع ذلك، وخلال آلاف السنين من قيادة المرأة للمجتمع، لا يمكننا أن نتحدث عن إساءة استخدام المرأة لهذه القيادة على حساب المجتمع أو نيابة عن أفراد المجتمع، وخلق سلطتها الخاصة وقمع المجتمع، وهذا يعني أن المرأة قد حلت التناقض بين كونها في السلطة وكونها حاكمة وطورت عقودها وفقاً لذلك.
وإذا كان جوهر هذه العقود ظل دائماً اجتماعياً، فإن هذا يرتبط باختيار المرأة بين السلطة الطبيعية والهيمنة، فقد اتخذت هذا الخيار كقطيعة مع السيادة، ومرة أخرى، لقد تعاقدت أولاً مع نفسها، ومرة أخرى، لو لم تكن العقود الداخلية للمرأة فيما يتعلق بالقطيعة مع فرديتها قوية، لما تطورت الاجتماعية.
كما انقلبت ثقافة الآلهة الأم رأساً على عقب، إذا ما انتبهنا إلى أن القوانين أو العقود التي تتم في شخص الذكر المهيمن والذكورة دائماً ما تكون في المقام الأول حول تأمين مكانته الخاصة تجاه المجتمع، فوفقاً لأسطورة الخلق البابلية، فإن مطالبة مردوخ بإعطائه صلاحيات 50 إلهة من آلهة البانتيون مقابل قتل تيامات هو تكريس لتقليد العقد المعادي للمجتمع، وبما أن المرأة كانت ضحية هذه المأسسة منذ التاريخ وحتى يومنا هذا، يجب على العقل النسائي أن يبحث في بدايات العقد الاجتماعي للمرأة، وجذوره التاريخية، وتقاليده، وأين وكيف تم ضربه، حتى يتمكن من تطوير عقد اجتماعي سليم في القرن الحادي والعشرين، والشرط الأول لذلك هو معرفة معنى وقوة عقد المرأة مع نفسها تاريخياً وحالياً، في العديد من بلدان العالم، يكون عدد النساء المقتولات في نهاية العام بالمئات، فكل يوم تقريباً تُقتل امرأة في كل بلد، وحقيقة أن المرأة لا تدرك أو تنسى عقدها مع نفسها هي أيضاً عامل مهم في ذلك.
ووفقاً للتقاليد الاجتماعية، أينما يتم رمي الحبل السري بعد ولادة الطفل، فإن مصير الطفل سيكون نفسه، فعلى سبيل المثال، إذا أردت أن يصبح طفلك معلماً، فإنك تدفن الحبل السري في حديقة المدرسة، وإذا أردت أن يصبح طفلك طبيباً، فإنك تدفنه في حديقة المستشفى، ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن مصير الأطفال هو كيفية تربيتهم، والتعليم الذي يتلقونه، والثقافة التي يتلقونها، خاصة الفتيات، مصيرهن هو هذا التعليم، لأنه مع التربية الأولى، تتشكل الذات والوعي والعقد الذاتي وما إلى ذلك، ويعيشون حياتهم وفق هذا العقد، ويتشكل التمرد والثقة بالنفس، وقوة اتخاذ القرار، والإحساس بالعدالة، واحترام الحب وغيرها من المعايير الأخلاقية الأساسية في يد هذه التربية الأولى.
وباختصار، فإن قدرة المرأة على إبرام عقد مع نفسها والالتزام به إما أن تكون ضعيفة أو مشجعة في هذه التنشئة الأولى، بعد سن معينة تقول كل امرأة "سأفعل كذا، لن أفعل كذا، سأحب رجلاً بهذه الصفات، لا يمكن أن أكون مع رجل بهذه الصفات، سأكون إنسانة صالحة، سأكون مفيدة لمجتمعي، سأكون طبيبة أو معلمة أو مهندسة أو طبيبة نفسية، هذه المطالبات والقرارات هي في طبيعة عقد للمرأة، عقد مع نفسها! تعاقدها مع المجتمع يعتمد على ثباتها ونجاحها في تعاقدها مع نفسها، وبهذا المعنى، فإن القاعدة الأساسية لحرية المرأة في القرن الحادي والعشرين هي أن تكون المرأة نفسها وتتعاقد مع نفسها بحرية".
وإن المجتمع الحالي هو مجتمع تم القضاء عليه ويجري القضاء عليه، إنه "مجتمع العرض" للحداثة الرأسمالية التي أُزيلت من كينونتها، حيث تعاني الطبيعة الاجتماعية من فوضى عميقة، إنها مهمة حيوية وصعبة للغاية بالنسبة للمرأة أن تحقق عقدها مع المجتمع بشكل صحيح من أجل التخلص من هذه الفوضى، ومع ذلك، لا غنى عنها، وفي الوضع الراهن، لا يمكن تحقيق عقد المرأة مع المجتمع أو العقد الاجتماعي إلا مع المرأة التي تستطيع قيادة المجتمع في الاتجاه الصحيح، وهذا ممكن مع الأفراد الذين استطاعوا أن يؤسسوا فرديتهم بالتوازن مع الاجتماعية بشكل متين وحر، وبعبارة أخرى، إذا كررت، فإن ذلك ممكن مع واقع المرأة التي أبرمت عقداً متيناً مع نفسها.
نظرية القطيعة صحيحة وضرورية للغاية
ما هي المبادئ الرئيسية لعقد المرأة مع نفسها؟ يمكننا كتابة العديد من المواد فيه، وإذا استطعنا أن نقرأ تاريخنا الذي يمتد لآلاف السنين والتاريخ الحديث قراءة صحيحة فلن نجد صعوبة في كتابة هذه المواد، على المرأة التي ستعقد عقداً مع نفسها أن تعي نفسها أولاً، وتحدد اسمها وأهدافها وأساليبها، ولكي تتحرر يجب أن تكون مستقلة، ولهذا يجب أن تختبر قطيعة جذرية مع عبودية الأنثى وهيمنة الرجل، وهذا يعني أن الربع الأول من القرن الحادي والعشرين يعلمنا أن نظرية القطيعة، التي كانت إحدى أطروحات التحرر الرئيسية على جدول أعمال حركة تحرير المرأة في عام 1996، صحيحة وضرورية للغاية.
في الواقع، يحتوي العقد الاجتماعي للمرأة على مبادئ ماذا وكيف ومتى ولماذا تنفصل أو تتحد عندما يحين الوقت، والسبب الرئيسي لكثير من المذابح التي تتعرض لها المرأة اليوم هو أن المرأة أصبحت في غربة شديدة عن هذه القدرة التقليدية على اتخاذ القرارات، وإظهار إرادة الانفصال والاتحاد، فعلى سبيل المثال، إذا عقدت المرأة عقداً مع نفسها في قضايا أساسية مثل احترام نفسها، وحب نفسها، والكفاح من أجل أن تكون نفسها، وتقوية قدرتها على اتخاذ القرار باستمرار والقدرة على الإرادة، فلا يمكن لأي رجل أن يدمرها أو يطلق عليها النار أو يأسرها.
فالمرأة التي تعيش الأيديولوجية الليبرالية لا يمكنها أن تنقذ المجتمع والأنوثة التي تقتلها هذه الأيديولوجية كل يوم، ففي عالم يعيش فيه الملايين من الناس في جوع وهجرة وانعدام أمن، لا يمكن للمرأة التي لا تطلق أنانيتها أن تصنع عقداً اجتماعياً يمكن أن يشفي آلامهم، وحتى لو فعلت ذلك، لا يمكنها الدفاع عنه بعزم وإرادة تخاطر بالذهاب إلى المقصلة مثل أوليمب دو غوج، كما لا يمكن لأي قوة نسائية منظمة أن تطبق العقد الاجتماعي على أساس الحرية دون التصميم على الطلاق من واقع أن جميع أنواع العلاقات، بما في ذلك "الجنسانية بين الرجل المهيمن والمرأة المذكر المستسلمة له بالكامل"، تدمر وتستهلك وتشوه المجتمع والمرأة والرجل.
بهذا المعنى، فإن إحدى القواعد الأولى لتعاقد المرأة مع المجتمع هي "عدم المغامرة في مجالات اجتماعية غير آمنة دون ضمان الدفاع عن النفس" ففي آلاف السنين من التاريخ الاجتماعي، المرأة التي تستطيع أن تحمي نفسها وتدافع عنها، التي تستطيع أن تمسك بيدها سلطة الحياة والموت، التي تستطيع أن تعطي الحياة وتنتج، التي تستطيع أن تبدع، هي التي صنعت العقد الاجتماعي.
ولن يتوج أي مجتمع المرأة التي تُذبح فيه بسهولة، والتي لا تعترف بنفسها، ولا تملك القدرة على اتخاذ القرارات الخاصة بها، لن يقبلها المجتمع كإلهة ولن يطبق العقد الاجتماعي أو القوانين التي أعدتها، وإذا كان العقد الاجتماعي قد تطور وعاش في ظل تصميم المرأة لعشرات الآلاف من السنين، فقد كان ذلك ممكناً أولاً وقبل كل شيء مع واقع المرأة التي تخلق نفسها وتدافع عنها، لقد أصبح ذلك ممكناً بفضل القوة المؤسسية للمرأة التي نظمت كل قدرات المرأة ووضعتها في خدمة المجتمع إلى الحد الذي يجعلها قادرة على الإمساك بمفاتيح الحياة والموت، الحرب والسلام.
في هذه الفترة التي يحتاج فيها العالم والمنطقة وكردستان إلى بناء حياة جديدة مبنية على قيم الحرية والديمقراطية، نحن أمام مهمة تجديد العقد الاجتماعي للمرأة، لقد آن الأوان لوضع عقد متين يقترح حلولاً للاحتياجات الملموسة والمشاكل الاجتماعية الأساسية للمرحلة التي نعيشها، بقيادة النساء وبالشراكة مع شرائح اجتماعية واسعة، وإن هزيمة النساء اللاتي يعقدن العقود ويضعن القواعد والقوانين ويطورن القانون القائم على الأخلاق حولهن قد أفقد المجتمعات كلها العقود والاتفاقات والمفاوضات والاستماع إلى بعضهن البعض وفهم بعضهن البعض والعديد من القيم الأخرى على مر الزمن، وبهذا المعنى، فإن العقد الاجتماعي للمرأة أو عقد المرأة مع المجتمع هو أولاً وقبل كل شيء استعادة هذه القيم، إنه عقد سلام "ما لم يتصالح الرجل مع الحياة والحياة مع المرأة، ستكون السعادة أضغاث أحلام. والحقائق الاجتماعية للمرأة والحياة الحرة لا حدود لها".
"يمكننا أن نرفع نضالنا الواعي والمنظم ضد التقاليد الرجعية"
بهذا العقد، سنكون قادرين على المطالبة بقوة أكبر بتاريخنا وتقاليدنا القائمة على المجتمعية، وواقعنا الذي يخلق الأنسنة والتنشئة الاجتماعية، يمكننا أن ننقذ تاريخنا وذهنية الإنسانية، التي شكلتها قيم المرأة والمقاومة المجتمعية للإنسانية، من أكاذيب الذكورة المهيمنة، كما يمكننا أن نضع حداً للاغتصاب والتحرش والقتل والإهانة التي يفرضها الرجال على النساء يومياً، وأن نعيد كتابة مضمون العديد من المفاهيم مثل الديمقراطية والمساواة والحرية والأنوثة والرجولة والحب والعشق وغيرها من المفاهيم في تاريخ الإنسانية والأنوثة، ويمكننا تغيير التشويهات والعقلية السيادية والأحكام القيمية في السرديات التاريخية، وأن ننهض بنضالنا الواعي والمنظم ضد التقاليد الرجعية من خلال إحياء أخلاقيات الحرية والنسيج السياسي للمجتمع، بهذه الطريقة، يمكننا أن نوقف الهجمات الرجعية المفروضة على المرأة مثل زواج القاصرات وقتل الإناث والزواج القسري وختان الإناث وتعدد الزوجات، يمكننا أن نؤسس مجتمعاً قائماً على الحرية بين الجنسين حيث يرتبط الجنسان على قدم المساواة والحرية، وأن نربي أطفالنا بحرية أكبر وأقوى، وأن نشعر بكبار السن، حكماء مجتمعنا، بشكل أعمق ونتعاطف بشكل أقوى مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويمكننا أن نحدد بحكمة وشجاعة على أي أساس وكيف سنواجه المجتمع والحياة، وكيف سننجح في حل المشاكل الاجتماعية وكيف سنكافح ضد العقبات التي تعترض سبيل الحرية، يمكننا أن نكتب القوانين الخاصة بكيفية الاعتراف بأن الاقتصاد هو المهنة الرئيسية للمرأة وكيفية ممارسة هذه المهنة من جديد، كما يمكننا تجديد عقد الحكمة الذي سيجعل من المرأة معالجاً من جديد لنفسها ولأطفالها ولمجتمعه، وأن نحيي إلهة العدالة ونعيد كتابة قواعد شفاء ضمير المرأة والمجتمع، بعبارة أخرى، يمكننا أن نحدد نوع العالم والبيئة والفلسفة والأخلاق والثقافة التي نريدها في جميع مجالات الحياة من خلال إعادة التعاقد مع المجتمع على أساس الحرية، ويمكننا تغيير الذكورة السائدة والمجتمع المتحيز جنسياً على هذا الأساس، وأن نعزز بدائلنا للدساتير الأبوية للأنظمة الذكورية، وتحديث قانون الأمومة الذي حكم المجتمع لعشرات الآلاف من السنين وتطوير قوانين المجتمع الديمقراطي بأخلاق الحرية، حيث يهدف كتاب "العقد الاجتماعي للمرأة" إلى إعادة تفعيل الأخلاق الاجتماعية والسياسة ضد القانون المتحيز ضد المرأة الذي وضعه النظام الذي يهيمن عليه الذكور منذ 5000 عام، ولهذا الغرض، فإنه يهدف إلى إخراج المرأة، التي هي مصدر الأخلاق، من الأوضاع الاجتماعية التي تسجنها فيها القوانين المتحيزة جنسياً وإعادتها إلى موقع الريادة في الحياة الحرة.
ويحدد هذا العقد الشروط التي يتم في ظلها تفعيل الدفاع الذاتي للمرأة والمجتمع، وأي المواقف والمقاربات والأحداث والظواهر التي يتم تجريمها، إن العملية الثورية في إقليم شمال وشرق سوريا مليئة بالأمثلة الصارخة على كيفية اتخاذ النساء للقرارات في ظل أي ظروف، خاصة في مواجهة وحشية منظمة مثل داعش، حيث نجحت النساء في أن تصبحن قوة الحياة والدفاع عن النفس ليس فقط للنساء بل للمجتمع من خلال وحدات حماية المرأة، لهذا، ألهمن نساء أفغانستان اللاتي تعشن في ظل أقسى ظروف الحرب منذ سنوات لتأسيس منظمات الدفاع عن النفس، وإن التنوير النسائي في الشرق الأوسط الذي كانت رائدته الفلسطينية ليلى خالد وليلى قاسم من كردستان يتحول إلى تنوير نسائي عالمي.
سيصل العقد الاجتماعي للمرأة، كبيان حرية المرأة في القرن الحادي والعشرين، إلى مداه الحقيقي بالشراكة مع نساء العالم، وستضع المرأة قوانينها الخاصة بها من جديد، كما في المجتمع الطبيعي، وتحرر المنطقة التي أبرم فيها العقد الاجتماعي مع المرأة لأول مرة، وسيتحقق السلام الاجتماعي والمصالحة الاجتماعية التي تليق بالأراضي الخصبة التي يرويها دجلة والفرات من خلال تطوير العقد الاجتماعي مع النساء، فقد كانت بلاد ما بين النهرين أول مكان تطورت فيه ثقافة العصر الحجري الحديث وقانون الأمومة والحياة الاجتماعية الطبيعية حول المرأة، وأيضاً تطورت الثقافة الذكورية المهيمنة ونظامها الهرمي لأول مرة، فنحن نساء بلاد ما بين النهرين، اللاتي تعانين من التناقضات العميقة لهذا الواقع، سنخلق خياراتنا للحل بإرادتنا وقرارنا وقوة نضالنا دون أن نتركها للحكام والأنظمة، سوف نتغلب على العقلية القمعية المهيمنة في الشرق الأوسط والعالم والقائمة على الهيمنة الجندرية بتنشئتنا الاجتماعية البديلة.