امرأة أقدم حضارات العالم تكافح ضد التهميش والطائفية
النساء في العراق عربيات وكرديات مسيحيات مسلمات وإيزيديات ومن مختلف الإثنيات تعملن بكل ما أوتين من قوة للنهوض بمهد أقدم الحضارات، للنهوض ببلد مستهدف عانى من العقوبات والحروب والمؤامرات.

سناء العلي
مركز الأخبار ـ يتربع العراق على مساحة واسعة من الأراضي التي عرفت أول حضارة في التاريخ، حدوده المعروفة اليوم فرضتها القوى الغربية عام 1920 ضمن معاهدة سيفر التي قسمت تركة الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
تبلغ مساحة العراق 438320 كم2، ويعتمد اقتصاده اعتماداً كاملاً على البترول وتأثر هذا الاقتصادي بحربي الخليج الأولى والثانية وزادت العقوبات الدولية عام 1990 من اعباءه وأفقرت الشعب العراقي بشكل كبير.
واهبة الحياة
يقول الفيلسوف الكردي عبد الله أوجلان "تمأسست ظاهرة التأنيث كأقدم مظاهر العبودية حصيلة بسط نفوذ المجتمع الجنسوي، بعد إلحاق الهزيمة بالمرأة الأم وعباداتها وطقوسها جمعاء بعد صراعات محتدمة ضارية وشاملة طويلة الأمد على يد الرجل القوي الجبار وحاشيته"، ولذلك فالنساء اللواتي ساهمنَّ في نشوء أول حضارة على وجه الأرض كنَّ مغيبات بشكل كامل، ولم يذكرنَّ إلا كضحايا.
منطقة ما بين النهرين والتي يتربعُ العراقُ على مساحةٍ كبيرةٍ منها شهدت أقدم الحضاراتِ التي عرفتها الإنسانية، وبقيت الآثار والكتابات لتؤكد للعالم أن للمرأة تاريخ عريق وامتلكت مكانة مهمة فكانت رمزاً للخصوبة، والحياة متمثلة بالآلهة إنانا، وتولت المرأة إدارة المجتمع الزراعي، وأخذت مكانة روحية عظيمة بين الناس الذين اعتبروا الأرض هي الأم ومصدر العطاء.
عند السومريين عُرفت الآلهة باسم "الأنوناكي"، في البداية كانت جميع الآلهة إناث كل ما يتعلق بالخير والاستقرار ارتبط بالمرأة فكانت إنانا أول إلهة أنثى رمزاً للخصب والحب والخير، كما عرفها البابليون باسم عشتار، فيما بعد أضاف إليها الأكاديون والآشوريون صفة القوة، واعتبرت ننهورساغ إلهة للخصوبة والأرض، أما إلهة البناء فهي لبيتوم، وكي إلهة الأرض.
وقبل حوالي 5000 عام بدأت المؤامرة على المرأة حيث أجتمع الرجل المسن والشاب والرجل القوي وشكلا أول تحالف سياسي وعسكري وإيديولوجي بغية الانقلاب على المرأة، من خلال إنهاء دور النساء وتقليل مكانتهن وكانت البداية ابتكار آلهة تحاكي الآلهة الأنثى فظهر مفهوم الإله الذكر، فمقابل إنانا برز تموز.
وحاول الرجل سرقة انجازات المرأة، وتقول إحدى الأساطير، عن هذه المعركة إن الإله إنكي حاول سرقة انجازات الإلهة إنانا التي أصرت على كونها صاحبة الاكتشافات العظمى "الماءات"، ويبلغ عددها 104 اكتشاف، وأسطورة الدمار تعتبر توثيق آخر على صراع المجتمع النيولوتي بقيادة المرأة مع الرجل وتمثل ذلك بحادثة اغتصاب إنانا من قبل الفلاح "شواكلايتودا"، الذي لجأ إلى المدينة واختفى هناك.
وفي الحضارات اللاحقة لم يكن حال النساء أفضل بل على العكس من ذلك، في الحضارة الأكادية استُخدِمت النساء لمصالح الامبراطورية باسم الزواج السياسي، وفي الحضارة الآشورية أضافوا صفة الحرب إلى إلهة الحب إنانا أو كما يسمونها عشتار، واستخدمت النساء في الحروب الهادفة لتمكين الإمبراطورية وامتُدِحت النساء اللواتي شاركن في حروب الدولة الآشورية.
الإله والدولة مفهومان لطالما ارتبطا، من أجل السيطرة على المجتمع، وكانت البداية في العراق مع الديانة السومرية التي هي من أهم مرجعيات شعوب بلاد ما بين النهرين، وسيطر الكهنة الذكور على فكرة الدين ووضعوا لأنفسهم مكانة كبيرة بين فئات الشعب، بالمقابل حرموا المرأة من امتلاك أي مناصب كهنوتية.
واستمر الصراع بين القوى المتكافئة وهي (المجتمع النيوليتي ومجتمع المدينة) حتى عام 2000 ق.م بعدها بدأت الكفة ترجح على حساب المرأة، من خلال تأنيث المجتمع واستعباده وإعطاء السلطة صفة الرجولة.
ومع ظهور السلالة واكتسابها قوة كبيرة في حضارة ميزوبوتاميا السفلى في الفترة الممتدة بين (5000 ـ 4000 ق.م) وبما أن الملوك هم من الرجال فكان إنجابهم للذكور مسألة حيوية من أجل استمرارهم، وتعدد الزوجات من أجل إنجاب المزيد من الأبناء الذكور مرتبط بذلك.
النساء في الزقورات
تؤخذ الفتيات إلى المعابد والتي تطورت إلى هياكل هرمية طويلة أطلق عليها اسم الزقورات، للعمل فيها، فتكرس الفتيات ذواتهنَّ لها، وتعرضن فنونهنَّ أمام الرجال ممن يملكون المال فإن أُعِجبَ أحدهم بإحداهنَّ تزوجها، ويَؤخذُ المعبد ثمن ذلك. يقول الفيلسوف الكُردي عبد الله أوجلان في مرافعتهِ الأولى إن المعبد استَخدم النساء من أجلِ مصالحهِ وهؤلاء النساء أشبهَ بالعملاء الأكثر إنتاجاً وعطاءً في مجتمع دولة الرُهبان الجديدة، وهذا يُماثل بيت الدعارة في وقتنا الراهن.
وبحسب نظام الطبقية السائد في ذلك الوقت فُرض الحجاب على فئات مُحددة من النساء، حيث منعت الجواري من ارتدائه، وتَظهر النساء في النقوش الجدارية وشعرهنَّ مزين بعمامة، وهناك لوحة موجودة اليوم في المتحف البريطاني لامرأة مرتدية الحجاب. وانتقلت أساطيرهم المكتوبة باللغة المسمارية على الواح الطين والحجر إلى الأكاديين والآشوريين، بالإضافة إلى أن التوراة تضمنت جزءاً من هذه القصص.
ولم تذكر الألواح السومرية التي كُتبت عليها أسماء الملوك اسم أي ملكة، وحتى عام 2500 ق.م كان الرجال هم المسيطرين على الناحية العسكرية أيضاً، وعُرف بعض الملوك بأنهم عسكريون يطلق عليهم اسم لوغاس ويعني رجل كبير، بالمقابل لا توجد نساء يحملنَّ هذه الصفة بل إنهنَّ استبعدنَّ بشكل نهائي عن الحكم.
ورغم أنه لم يتم ذكرها في سجلات الملوك إلا أن شبعاد ملكة أور والتي تعرف أيضاً باسم "بو آبي" حكمت حوالي العام 2500 ق.م، ووجد في قبرها ثلاث أختام أسطوانية الشكل من اللازورد كتب عليها اسمها ولقبها، إضافة لـ 59 شخصاً دفنوا معها، بسبب هذا العدد الكبير من الأشخاص المدفونين معها يعتقد المؤرخون أن النظرية الصحيحة لتفسير ذلك هو أنها كانت ضحية لطقوس معينة.
ويعود الفضل في بناء الحدائق المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع إلى الملكة البابلية "أوميت" أو "أميديا" زوجة نبوخذ نصر، وهي ابنة الملك الميدي سياخريس وعاشت في بلاد مادي وتقع حالياً شمال إيران حيث تتميز تلك المنطقة بطبيعتها الجبلية، وتقول الرواية التاريخية أنها اشتاقت إلى أرضها الجبلية وهو ما لم تجده في بابل ذات الأرض المستوية فكان أن بُنيت لها هذه الحدائق.
أما التاريخ الآشوري والآثار المكتشفة عنه اقتصرت على منجزات الملوك وأهملت المجتمع وأوضاع المرأة، فالجداريات عبارة عن معارك يباركها الإله آشور، واقتصر دور النساء على بطولات اللواتي ضحينَّ من أجل تثبيت أركان الإمبراطورية العسكرية.
ومع ذلك استطاعت الملكة سميراميس الوصول إلى الحكم في العام 800 ق.م وغيرت الكثير من مرجعيات هذه الفترة، وحاولت إضفاء حياة دينية وفكرية على إمبراطورية عرفت بكونها ذات طابع عسكري، وعملت على إبراز أدوار الآلهة الإناث، وقامت بمشاريع عمرانية واسعة ومنها بناء مدينة آشور، ونفق مُقبب من الحجر تحت مجرى نهر دجلة يصل بين طرفي المدينة. أما الملكة نقية أو زكوتو لعبت دوراً مهماً في سياسات الإمبراطورية الآشورية، وأدارت الممتلكات الخاصة وأمرت ببناء المعابد والقصور أثناء حكم ابنها أسرحدون (680 ـ 669ق.م).
وهمشت المرأة أكثر في دولة بابل التي أسسها الملك حمورابي في عام 1763 ق.م، فمجلس الحكماء الذي يدير شؤون الدولة اقتصر على الرجال، ويتعلم الفتية مهنة آبائهم أما الفتيات يتعلمنَّ شؤون المنزل، لكن هذا لم يمنع بعض الفتيات من تعلم القراءة في المدن والمعابد البابلية التي ضمت عدد من المكتبات.
وعند دخول الجيوش العربية إلى العراق أواسط القرن السابع الميلادي كان الفرس الساسانيون مسيطرين على البلاد، وأغلبية السكان معتنقين للديانة المسيحية إضافة لأعداد قليلة من اليهود والصابئة والمانوية، مع العلم أن غالبية هؤلاء تحولوا للإسلام بإرادتهم أو رغماً عنهم.
ويعود الفضل في تأسيس الدولة العباسية لأم سلمة بنت يعقوب المخزومية زوجة الخليفة العباس، كما أنها منعت الخليفة من سفك الدماء خلال نزاعه مع الأمويين والعلويين، ووصفت بأنها "من حازمات النساء ومن صانعات الرجال".
ورغم أن الإسلام منع أي علاقة خارج إطار الزواج إلا أن ظاهرة الجواري استمرت ولم تمنع الدولة العباسية استغلال النساء جنسياً فكن يبعن ويستخدمن للعمل في بيوت الدعارة، ليتحول المجتمع في العصر العباسي إلى أكبر التجمعات التي تحوي عبيد وجواري.
والنساء عملن في القضاء ومنهن شغب أم الخليفة المقتدر العباسي التي ترأست محكمة الاستئناف في بغداد أول امرأة تستلم القضاء في تاريخ الإسلام، إضافة لعملها في تسيير شؤون البلاد عندما كان الخليفة صغيراً، وفي الدولة العباسية الثانية تعاظم دور النساء بشكل كبير في مجال السياسة، فيما همشت نساء البادية، ولعل وضع الريفيات اليوم في العراق امتداد لما عاشته المرأة في هذه المناطق البعيدة والمنسية قبل مئات السنين.
وخلال عهد المماليك لم يختلف وضع المرأة كثيراً، أما خلال الاحتلال العثماني للبلاد (1532ـ 1918) شهدت حقوق النساء تردياً كبيراً، وكانت الرجعية تضرب بالبلاد بشدة على مختلف الأصعدة والمجالات وليس فقط أوضاع النساء.
ومن ناحية التشريعات في العصور الوسطى فإنه لم تكن إلا استكمالاً لقانون حمورابي بأبعاد دينية، بينما أدخلت عليها بعض القوانين المدنية في خمسينيات القرن الماضي، ثم بدأت السيطرة الدينية تعود شيئاً فشيئاً إليها وبلغت ذروتها في السنوات الأخيرة.
المنظومة القبلية
العراقيون كرد وعرب هم عشائر وقبائل لديها قوانينها الخاصة، وبالمجمل هذه العشائر متشددة في كل ما يخص المرأة. في العقود العشر الأولى من القرن الماضي عاشت النساء في مجتمع تسيطر عليه أعراف لا تكاد تعطي المرأة أي قيمة إنسانية، ولا يُسمح لها أن تُطل على العالم إلا من خلال ثقب صغير في الباب.
وحاول المتعصبون إبقاء المرأة على حالها دون منحها أياً من حقوقها الإنسانية، وإحباط الشباب المتنور والذي اعتبر أن أوضح ملامح التخلف في البلاد هي أوضاع النساء، ولكن إلى متى يمكنهم السيطرة على النساء فالنجاحات التي حققتها الحركة النسوية في دول الجوار شجعت العراقيات على المطالبة بحقوقهن ونظمن أنفسهن من أجل ذلك، وأسسن المنظمات والمجلات وشاركن في المؤتمرات داخل وخارج العراق.
وعملن في المجال الحزبي أمثال عدوية الفلكي التي تعرضت للاعتقال وهي تتقدم المظاهرات الرافضة لمعاهدة بورتسموث عام 1948 التي منحت بريطانيا امتيازات كبيرة على حساب العراق، كما شاركت المرأة الكردية في حركة التحرير، ومنذ عام 1991 بدأ تشكيل المنظمات النسوية في الإقليم الذي استطاع إدخال قوانين داعمة للمرأة.
بين مد وجزر
بعد ثورة 14 تموز/يوليو 1958 انخرطت النساء في معظم الأنشطة وشغلت العديد من النساء مناصب مرموقة في المؤسسات الحكومية والوزارات، وكانت نزيهة الدليمي أول امرأة تشغل منصب وزاري على مستوى العراق والبلدان العربية.
وساهمت رابطة المرأة العراقية بشكل كبير في صياغة قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 وعُد الأفضل في تاريخ العراق، لتصبح فترة الستينات والسبعينات من أفضل الفترات تاريخياً بالنسبة لنساء العراق.
وارتبط الحراك النسوي الكردي والعربي في العراق قبل حصول الإقليم على الحكم الذاتي، حيث ساهمت آسيا توفيق وهبي إحدى رائدات الحراك النسوي في البلاد في تأسيس الاتحاد النسائي العراقي، وشاركت الكرديات في جميع الجمعيات النسائية العراقية.
وخلال فترة حكم صدام حسين التي امتدت ما بين أعوام (1979ـ2003) صدرت مجموعة من القوانين الداعمة لحقوق المرأة منها حق التصويت عام 1980، كما وقعت البلاد على اتفاقية "سيداو" عام 1986، وفي عام 1977 تم تخريج أول دفعة من طالبات كليات الطب والتمريض والصيدلة والعلوم للعمل في القوات العراقية المسلحة، ولكن مع اندلاع الحرب بين العراق وإيران عام 1980 تم ايقاف منح النساء الرتب العسكرية، وتراجعت الحركة النسوية نتيجة لتوازنات سياسية قام بها صدام حسين على إثر هزيمته في حرب الكويت عام 1991، فكان أن تحالف مع العشائر والجماعات الدينية مما أدى إلى تراجع النشاطات الاجتماعية ومنها الحركة النسوية.
الاجتياح
إقليم كردستان كان بمعزل عن الحرب التي أحرقت العراقيين عندما تذرع الغرب بوجود أسلحة دمار شامل لدى نظام صدام حسين، حيث يعد الإقليم نموذجاً لانخراط النساء في العمل السياسي، وتحسنت بعض التشريعات المتعلقة بحقوق وحماية المرأة ومنحت النساء كوتا عام 2004 بنسبة 25 بالمئة ثم أصبحت 30 بالمئة عام 2009، وأقرت حكومة الإقليم قانوناً يجرم العنف الأسري وجرائم الشرف وممارسة الختان في عام 2011، وفي بقية مناطق العراق شكلت الحرب عام 2003 مفترق طرق بالنسبة للشعب العراقي وللمنطقة ككل، وما زالت تداعياتها مستمرة، وانتشرت الطائفية وأجبرت النساء على التخلي عن أسرهن؛ كون الأزواج ينتمون لطوائف مختلفة، وعلى اختلاف معتقداتهن أجبرن على تغيير ملابسهن وعاداتهن وفق لأحكام الشريعة الإسلامية، تحت طائلة التعرض للاغتصاب والتحرش وحتى الخطف.
حال النساء بعد الغزو الأمريكي البريطاني يكذب ما قاله الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، "كل النساء في العراق أفضل حالاً الآن"، فالنساء أكثر من تضرر بالعنف الطائفي، وحتى فترة قريبة قتلت نساء بسبب ملابسهن، وفي عام 2013 صنف العراق كثاني أسوأ بلد عربي بالنسبة للمرأة، وفي عام 2020 جاء العراق في المرتبة 11 عربياً في تصنيف أفضل الدول لعيش النساء فيها.
ومارس الجنود الأمريكيين الاعتقال التعسفي، وتلفيق التهم، والتعذيب والاعتداءات الجنسية التي طالت النساء والرجال، وفي 28 نيسان/أبريل 2004 نشرت CBS News الأمريكية صور تعذيب المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب، وهو ما عرف بفضيحة أبو غريب، وفي معسكر بوكا وحده وصل عدد المعتقلات لـ 10 آلاف امرأة.
وفي عام 2010 قدم الاتحاد النسائي العام في العراق تقريراً لمجلس حقوق الإنسان، حمّل الولايات المتحدة الأمريكية كل ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، جراء إنهاكه بالعقوبات منذ عام 1990، وغزوه وتحويله لمنطقة صراعات طائفية.
ووصلت نسبة البطالة بين النساء لـ 90 بالمئة من نسب البطالة الكلية، إضافة إلى أن النساء اللواتي فقدن معيلهن ومع تنامي معاداة عمل المرأة أصبح وضعهن مأساوياً، كما أن أعداد الأطفال المتسولين في الشوارع ارتفع بشكل كبير.
النشاط النسائي بعد 2003
بعد انهاء حكم صدام حسين عام 2003 نشطت النساء أكثر وزاد عدد المنظمات النسائية ومنظمات المجتمع المدني، وتمكنت المرأة من تفعيل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 والذي يؤكد على أحقية النساء بالمشاركة بالقرار السياسي، وتأسست في عام 2004 وزارة المرأة التي استمرت حتى عام 2015، وتم تحديد نسبة كوتا 25 بالمئة في الدستور العراقي لعام 2005 وخلال الدورتين البرلمانيتين لعامي 2006 و2010 شُرعت قوانين هامة مثل منح الجنسية لأبناء العراقيات.
ومثلت النساء في المجلس الوطني الانتقالي بنسبة لا تقل عن 25 بالمئة، هذه النسبة تعتبر سابقة في البلدان العربية والشرق الأوسط، لكن فعلياً لم تؤثر بشيء فيما يخص حقوق المرأة، فالعاملات في مؤسسات الدولة لا تبدين أي نضال لتحسين ظروف العراقيات، فمعظم عضوات مجلس النواب حصلن على مناصبهن عبر الكوتا ولسن من الناشطات النسويات، كما أن وزارة المرأة لم تفعل شيء ولم تمتلك صلاحيات أو ميزانية خاصة.
ولم تستطع البرلمانيات التصدي للقوانين الطائفية التي بلغت ذروتها في المادة 41 التي تنص على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون".
فيما التنظيمات النسائية في إقليم كردستان ذات توجه حزبي حيث أن اتحاد نساء كردستان مرتبط بالحزب الديمقراطي الكردستاني بينما يرتبط الاتحاد الوطني لنساء كردستان بالاتحاد الوطني الكردستاني وما يزال تمثيل النساء في تشكيلة حكومة الإقليم ضعيفاً، ولم تستلم أي امرأة رئاسة الإقليم أو رئاسة الوزراء هذا إذا ما تم استثناء فالا فريد التي تقلدت منصب رئاسة البرلمان عام 2019، ولكن النساء حققنَّ انتصاراً بسن قانون العنف الأسري في الإقليم عام 2011.
محاربة داعش
خلال عامي 2014 و2015 سيطر مرتزقة داعش على مساحات واسعة من العراق، وفي الثالث من آب/أغسطس 2014 ارتكب المرتزقة جريمة ضد الإنسانية بحق أهالي شنكال، في الوقت الذي بدأت فيه القوات العراقية والبيشمركة بالانسحاب وترك المدن والقرى فريسة سهلة لمرتزقة داعش نزل مقاتلي ومقاتلات قوات الدفاع الشعبي "الكريلا" من جبال قنديل لطرد الإرهابيين، حيث شارك الكريلا بوحدة قوامها 500 مقاتل في معارك تحرير مخمور، وشنكال، وكذلك في تحرير مدينة الموصل ولم يكتفي حزب العمال الكردستاني بذلك بل عمل أيضاً على تدريب مقاتلين/ات إيزيديين.
وتعد وحدات حماية ايزيدخان أكبر قوة في مناطق الإيزيديين في العراق تأسست عام 2014، ووحدات نساء ايزيدخان هي الفرع النسائي تشكلت في الخامس من كانون الثاني/يناير 2015.
"ثورة تشرين"
الفقر في العراق هو الشعرة التي قسمت ظهر البعير، فرغم أن البلاد تتربع على ثروة نفطية هائلة إلا أن شعبها يعيش في فقر مدقع، وهو ما دفعه للانتفاض في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وسجلت المرأة حضوراً قوياً في الاحتجاجات منذ اليوم الأول، واستمر حضور النساء رغم عمليات الاختطاف لعدد من الناشطات، وقمع السلطات والاعتقال، ولكن انتشار فيروس كورونا أدى لتوقف الحراك.
والشابات أسهمنَّ في رسم اللوحات الجدارية، وإصدار جريدة ورقية لنقل يوميات الثورة، أملاً في تغيير الأوضاع وإنهاء الفساد والمحسوبيات وتأمين فرص عمل للعاطلين، ويداً بيد مع الرجال يحضرون الطعام ويشاركون في تنظيف أماكن التظاهر.
ولأن لقضايا النساء خصوصية خرجت أول مظاهرة نسائية حاشدة في العاصمة بغداد دعماً للحراك، في شباط/فبراير 2020 تحت شعار "لست عورة"، وكان من المخطط أن تنظم في ساحة التحرير وسط العاصمة فقط، لكنها اتسعت حتى شملت كافة ساحات الاعتصام في العراق، كما دشنت المغردات على وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغ "بناتك يا وطن" وذلك رداً على الجماعات التي عمدت إلى نشر الإشاعات وتشويه سمعة المشاركات في الاحتجاجات، وحملن لافتات كتب عليها "أنتِ الثورة وهم العورة" رداً على التصريحات التي تُعيب الاختلاط بين الجنسين في أماكن التظاهر.
استمرار الفساد وخمول الحركة النسائية
رسخت الطبقة السياسية مفهوم المحاصصة، وحتى اليوم لم يكن هناك أي مسعى جدي لتمكين مؤسسات دستورية وإدارة البلاد وفق الإرادة الشعبية وعلى العكس تماماً استخدمت انتخابات المجالس المحلية عام 2023 لتعزيز الأحزاب الحاكمة، والنساء اللواتي ترشحن إما استخدمن لمصلحة حزب أو طائفة ما أو تعرضن للمضايقات.
كما أن الفقر وتحديات أخرى تعيشها نساء العراق جراء السياسات الخاطئة وتغير المناخ الذي يؤثر سلباً على الملايين منهن، ففي عام 2022 اضطرت عشرات النساء في الأهوار والريف في جنوب العراق لترك قراهن والتوجه نحو المدن جراء موجات الجفاف وشح المياه.
ونتيجة انتهاكات حقوق الإنسان التي يحملها قانون الأحوال الشخصية الطائفي ضمن بنوده وعدم وجود منظومة تحمي المرأة ترتفع نسب العنف في البلاد ليسجل العام 2023 أكثر من 90 حالة عنف أسري يومياً، كما برزت ظاهرة "زواج المتعة"، ولا توجد احصائيات لها فالعديد من هذه الزيجات تجري بشكل سري، كما استفحلت ظاهرة زواج القاصرات في البلاد، وكشفت اليونيسيف أن أكثر من 5 آلاف فتاة قاصر تزوجت في عام واحد، وترتفع معدلات تعدد الزوجات، وأكثر من 3 ملايين طفل تركوا مدارسهم في عام 2022 فقط.
بالمقابل تراجعت الحركة النسوية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ولم تستخدم النساء وسائل التواصل الاجتماعي من أجل حقوقهن وإثبات دورهن أو لفت انتباه العالم لما يعيشه ويعانيه الشعب العراقي، ولكنهن انتفضن مرة أخرى عند طرح مشروع قانون ينتهك حقوقهن في تموز/يوليو 2024 واتحدت اصوات النساء فقامت عدد من منظمات المجتمع المدني والتحالفات والشخصيات بإصدار مذكرة إلكترونية لجمع تواقيع، تحت عنوان "لا لتعديل المادة 2 من قانون الأحوال الشخصية العراقي".
ولكن رغم أن الضغط والمناصرة المستمران من قبل منظمات حقوق المرأة قد خففا جزئياً من ضرر التعديل من خلال الإبقاء على أحكام تتعلق بالسن الأدنى للزواج وحضانة الأطفال وتعدد الزوجات، إلا أنه بالرغم من ذلك يضم القانون المعدل أحكاماً أخرى تهدد حقوق النساء والفتيات، فالتعديل الذي أقر بعد أشهر عدة من المشاحنات القانونية والسياسية، ودخل حيز التنفيذ في السابع عشر من شباط/فبراير يعرض النساء والفتيات لخطر الانتهاكات المختلفة.
لا يمكن للمرأة وخاصةً العراقية أن تفقد الأمل فهي أيقونة صبر تتخطى الصعاب لبناء بلادها رغم تقلبات الزمن، فتاريخها يشهد أنها لم تتغير أو تنحني بل ظلت صامدة بوجه التحديات وكانت ولازالت تمثل جزءاً رئيساً في كينونة المجتمع.