العقد الاجتماعي ممكن مع حقيقة المرأة التي تبدع وتدافع عن نفسها -3
عندما نطالب بأبسط حقوقنا التي حصلنا عليها من خلال النضال، نتعرض للضرب، والاعتقال، والاغتصاب، وحتى القتل، ما هو الشعور الذي ينبغي أن تولده كل هذه الأشياء في داخلنا؟ إلى أي أفكار وأحلام يجب أن تدفعنا برأيك؟

أليف ميركان
القانون، الكلمة، والعقد الاجتماعي توجد قبل جميع القوانين المكتوبة، وتتشكّل بالعرق والدم، كانت محفوظة في ذاكرة المجتمع الإنساني، ومحمولة في القلب والروح، تتشكّل وتنفذ بيد الأم، بلغتها، وبعدالتها، كان الرجال والنساء، يعيشون وفقاً لقانون الأم التي اكتشفت الكلمة واللغة، وجعلتها مقدسة وحيوية، ووضعت القوانين، وكانت تستطيع أن تستعيد الحياة التي منحتها بقوانينها، وكانت هي من يعقد الاتفاقيات، من خلال اجتماعيتها كأم، والزواج المقدس، وقوانين الإلهة، وبعد تطوير الكتابة، نُقلت وتُرجمَت أحكامها، مقدساتها، قوانينها وتشريعاتها، وعلى مدى قرون، حتى بعد تدوين القوانين والكلمات والعقود، بقي الحكم لفترة طويلة في يدها.
وعلى مدى فترات طويلة من تاريخها، حكمت جميع المجتمعات بقانون النسب الأمومي، لقد امتد جزء كبير من تاريخنا الاجتماعي على شكل قوانين غير مكتوبة لكنها قوية، بأعراف شفوية وعقود لم تُدوَّن، لم تكتفِ النساء بوضع القوانين، بل أنشأن أيضاً التنظيمات وآليات الرقابة لضمان تطبيقها، ولكن مع انهيار النظام الاجتماعي القائم حول المرأة-الأم، وبناء مجتمع قائم على الهيمنة الذكورية، تآكلت تدريجياً سلطة النساء في التشريع، وسن القوانين، والرقابة عليها، وعملت الهيمنة الذكورية على ترسيخ سلطتها وإدامتها من خلال الاستيلاء التدريجي، بالقوة والخداع والمؤامرات، وعلى الدور التشريعي والتنفيذي الذي كانت المرأة-الأم تمارسه في مجتمعها، وبعد السيطرة على هذا الدور، طوّرت السلطة الذكورية الفكر والسياسة لضمان عدم فقدانها لهذه القوة.
خلال الخمسة آلاف عام الماضية، وربما قبل ذلك، بدأت القوانين المكتوبة وغير المكتوبة، بما في ذلك العديد من التقاليد والمعتقدات الدينية والقيم الاجتماعية، تهيمن على حياة النساء، حيث سُعي إلى محو وإعادة تفسير عقود النساء الاجتماعية التي امتدت لآلاف السنين، مما أدى إلى حرمانهن من حقوقهن وقوانينهن عبر النصوص القانونية والدينية، حتى في القانون العالمي الحديث، تطلب الأمر كفاحاً طويلاً وشاقاً لتأمين بعض الإصلاحات المحدودة لصالح النساء، ولم تُمنح هذه الحقوق كهدايا، ولم تُهدَ إلى النساء كما يُصور أحياناً، بل كانت نتيجة نضال صعب، ومع ذلك، فإن العديد من الدول لا تزال غير متسامحة مع هذه الإصلاحات المحدودة وتسعى، كلما سنحت الفرصة، إلى التراجع عنها.
"أمثلة من الدول على اضطهاد النساء"
لنقدّم بعض الأمثلة الملموسة عن هذا الواقع في السنوات الأخيرة، حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979 اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، والتي تلزم الدول بالقضاء على التمييز ضد المرأة، ومع ذلك، تُنتهك هذه الاتفاقية عملياً من قبل العديد من الأنظمة عبر تحفظات مختلفة.
اتفاقية إسطنبول، التي تهدف إلى منع العنف ضد المرأة وحماية الضحايا، تم فتح باب التوقيع عليها في عام 2011 من قبل مجلس وزراء مجلس أوروبا في إسطنبول، وكانت تركيا أول دولة تصادق عليها، إلا أن رجب طيب أردغان ألغى الاتفاقية رسمياً في 20 آذار/مارس 2021.
وفي مثال أخر، احتوى دستور العراق لعام 2005 على بعض المواد التقدمية بشأن حقوق المرأة، لكن التعديلات التي طالت قانون الأحوال الشخصية في 2024-2025 شكلت تراجعاً، حيث جعلت هذه التعديلات حقوق المرأة تحت رحمة البُنى الطائفية وحددت سن الزواج بـ 9 سنوات، كما منح القانون حضانة الأطفال للأب في حالة الطلاق، مما أضعف مكانة المرأة داخل الأسرة، وقد واجهت هذه التغييرات انتقادات وتحذيرات جدية من منظمات حقوق المرأة، ونشطاء حقوق الإنسان، والبرلمان الأوروبي، لكن مدى تأثير هذه الانتقادات لا يزال موضع شك.
أما تونس، فقد اتخذت خطوات متقدمة نسبياً في المنطقة عبر قانون الأحوال الشخصية لعام 1956، حيث حظر تعدد الزوجات وعزّز حقوق المرأة في الزواج والطلاق، كما نص الدستور التونسي لعام 2014 في المادة 46 على إلزام الدولة بضمان حقوق المرأة، تحقيق المساواة بين الجنسين، تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية، حماية حقوق المرأة، ومنع العنف ضدها.
لكن تونس أيضاً لم تكن بمنأى عن التراجع الذي شهدته دول عديدة، فقد ألغى الرئيس قيس سعيد في عام 2022 عدة مواد من دستور 2014 أو جعلها غير فعالة، مما وجه ضربة لحقوق المرأة، خاصة فيما يتعلق بمشاركتها السياسية، وأبعدها بشكل كبير عن المجال العام والسياسي، وهذا التراجع يمثل تهديداً كبيراً للمكاسب القانونية التي حققتها النساء.
وفي مصر، أدخل دستور 2019 تغييرات تقدمية فيما يخص التمثيل السياسي والقانوني للمرأة، أدوارها في القضاء، قانون الأسرة، منع العنف ضد المرأة (بما في ذلك تشويه الأعضاء التناسلية)، وتعزيز مكانتها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة في التطبيق بسبب تأثير التقاليد الاجتماعية والبنية الثقافية والمعتقدات الدينية، علاوة على ذلك، فإن هذه الإصلاحات الإيجابية، التي ظهرت بموافقة الذهنية الذكورية السلطوية، يمكن أن تُلغى بسهولة بنفس العقلية المسيطرة.
أما في نيجيريا، حيث لا يزال دستور 1999 ساري المفعول، فالمادة 42 تنص على عدم التمييز على أساس الجنس، لكنها لا تعتبر المساواة بين الجنسين مبدأً أساسياً، حيث لا تزال حقوق المرأة في الإرث، الزواج، الطلاق، وحضانة الأطفال تخضع إلى حد كبير إما للتقاليد أو للقواعد الدينية التي تميل ضد النساء. وعلى الرغم من أن نيجيريا صادقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) منذ عام 1985، إلا أنها لم تُدمج في قوانينها المحلية بشكل فعال.
أما السودان، فلا يملك حالياً دستوراً دائماً، ومنذ عام 2019، يُدار من خلال بعض الترتيبات المؤقتة، وينص دستور السودان المؤقت لعام 2019 في المادة 7 على المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون بغض النظر عن الجنس، إلا أن هناك عقبات كبيرة في الواقع العملي، فعلى الرغم من حظر ختان الإناث رسمياً في عام 2020، إلا أن هذه الممارسة لا تزال مستمرة فعلياً في السودان، كما هو الحال في دول أخرى، تفرض العوامل الدينية والثقافية والتقاليد قيوداً كبيرة على حقوق المرأة.
وبعد سقوط نظام القذافي في عام 2011، لا تزال ليبيا تعاني من عدم الاستقرار السياسي، وعلى الرغم من أن الإعلان الدستوري المؤقت، الذي صدر بعد 2011 ولا يزال سارياً، ينص على المساواة العامة بين جميع الليبيين أمام القانون، إلا أنه لا يتضمن تركيزاً خاصاً على حقوق المرأة، كما أن المادة 1 والمادة 2، اللتان تعتبران الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، تفرضان قيوداً على حقوق المرأة.
في عام 2017، تم إعداد مسودة دستور تتضمن مبادئ المساواة بين الجنسين، وإلزام الدولة بتشجيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، واتخاذ تدابير من العنف، ومع ذلك، لم يتم إقرار هذه المسودة رسمياً، مما يعني أنها لا تتمتع بأي تأثير قانوني.
أما في أفغانستان، فإن حركة طالبان، التي تحكم باسم الشريعة، تنتهك بشكل صارخ الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية للمرأة، وعلى الرغم من وجود تجارب لحركات نسوية قوية مثل الجمعية الثورية لنساء أفغانستان RAWA، إلا أن الوضع الحالي للمرأة والمجتمع في أفغانستان يُعتبر من أكثر الأوضاع مأساوية، والأسوأ من ذلك، أن حركة طالبان معترف بها من قبل بعض الدول الأوروبية التي تروج بشكل مستمر لمفهوم حرية المرأة.
تمثل الحكومة المؤقتة في سوريا، التي ستبقى في السلطة لمدة لا تقل عن 4-5 سنوات دون انتخابات، تهديداً خطيراً لجميع النساء السوريات، خاصة العلويات والكرديات والدرزيات، فقد كشفت الفظائع في الساحل السوري عن حجم هذه التهديدات، ولا يزال الوضع غير مستقر، ولم يتم إعداد دستور يحظى بقبول جميع الأطراف.
في ظل هذا الواقع، تتعرض النساء للعنف الوحشي دون رادع، فمنذ كانون الأول/ديسمبر 2024، وقعت جرائم قتل، خطف، استعباد واعتداءات ضد مئات النساء، في ظل سياسات قمعية.
إن هذه الجرائم تعكس تصاعد التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تستمر الانتهاكات بلا أي اعتبار للأخلاق أو القوانين الدولية، هذه الأحداث ليست معزولة، بل تشكل جزءاً من نمط واسع من الاضطهاد الذي شهدته المنطقة سابقاً، مثل الهجمات ضد النساء الإيزيديات في 2014، ما يحدث اليوم هو تهديد عالمي يجب تحليله بعمق، وخاصة من قبل النساء في المنطقة.
ومن خلال النظر إلى الوضع القانوني في بعض الدول، يمكن استخلاص عدة نتائج أساسية، أولاً، إن القوانين التي لا تستند إلى عقلية ديمقراطية حقيقية يمكن أن تُلغى بسهولة عندما تتغير الظروف السياسية، ثانياً، غياب مفهوم المساواة والحرية في المجتمع يجعله عرضة للأنظمة الذكورية السلطوية التي تستغل الفرص لفرض العنف والقمع، ثالثاً، الحقوق التي اكتُسبت عبر النضال والتضحيات يمكن أن تُمحى بقرارات فردية للحكام المستبدين.
عندما تطالب النساء بأبسط حقوقهن، يتعرضن للعنف، الاعتقال، الاغتصاب، وحتى القتل، قد يشعر الناس بالخوف والغضب واليأس في مواجهة هذا الواقع القاسي، العالم يمر بمرحلة فوضوية حيث تُرتكب انتهاكات جسيمة بحق النساء والأطفال تحت مسميات الأمن والقانون، أماكن السلام قليلة، بينما تعاني أغلب المناطق من آثار الحروب والصراعات.
حقوق المرأة، خاصة حقها في الحياة، مهددة في العديد من دول العالم، حيث تواجه النساء أشكالاً مختلفة من العنف والاضطهاد يومياً، إن الأطفال يصبحون أكثر عرضة للخطر عندما تكون النساء بلا وسائل دفاع ذاتي، هذا الواقع يستدعي وعياً وتحليلاً عميقاً لمواجهته بطرق أكثر تأثيراً.
في ظل الهيمنة العالمية للظلم، قد يتساءل المرء ماذا يمكننا أن نفعل؟ هل يمكن أن يكون هناك أمل حقيقي في الحرية، الدفاع الذاتي، والوجود الفاعل للنساء وسط هذا الفوضى والدمار؟ نعم، يمكن ذلك، رغم التضحيات الكبيرة، لقد أثبتت تجربة النساء الكرديات للعالم هذا الواقع على مدى عقود.
لمواجهة الحرب المفروضة علينا كنساء، علينا أولاً أن نتضامن مع بعضنا البعض ومع ذاتنا، ونبني عقداً اجتماعياً قوياً، هذا العقد ليس مجرد فكرة، بل ضرورة لتحديد مسار نضال المرأة وترسيخ مكتسباتها كقيم ومبادئ، حتى يتم الاعتراف بالحقوق الفردية والجماعية للنساء في إطار قانوني، يجب علينا وضع أهداف واضحة والتقدم وفقاً لها، مع تحديد علاقاتنا مع كافة فئات المجتمع بشكل صحيح ومشاركتها معه.
وإن صياغة مبادئ هذا العقد والالتزام بتنظيم صارم ومنضبط حوله هو مفتاح النجاح في كافة مجالات الحياة، لا يمكن للنساء أن يكنَّ متسولات لبضعة مواد قانونية صاغها الفكر السلطوي الذكوري وفق مصالحه، لأن حرية المرأة وطبيعتها تتجاوز ذلك بكثير، بل إن الحقوق التي نحارب من أجلها، والتي كتبتها نساء مناضلات قبل قرون، لا يمكن حصرها في هذه النصوص المحدودة.
لذا، بدلاً من التبعية لهذه المواد المجزأة، يجب أن نستعيد قدرتنا على صياغة قوانيننا ومبادئنا بأنفسنا، كما فعلت النساء في بدايات التاريخ الاجتماعي، لنصبح مرة أخرى الرواد الحقيقيين لمجتمعاتنا.
إن الحاجة الأهم للنساء اليوم هي مشاركة التجارب الإيجابية والناجحة بسرعة، لأن الطاقة الإيجابية والنجاح والتطورات الإيجابية تمتلك تأثيراً قوياً، خاصة في عالم يُجبرنا على العيش بلا أمل، لذلك، فإن الإنجازات التي تحققها النساء في الاقتصاد، البيئة، الصحة، العدالة، السياسات الاجتماعية، والسلم والحرب لها أبعاد عالمية.
في هذا السياق، يعد الميثاق الذي تعمل عليه الحركات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا، والمقرر تقديمه قريباً، هي وثيقة ذات قيمة عالمية، ويتعين على جميع النساء قراءته، فهمه، وتكييفه وفقاً للواقع المحلي، بل وتطويره لإنتاج مواثيق مجتمعية تلائم احتياجاتهن الخاصة.
الحركات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا تستند إلى قراءة تاريخ المرأة لتطوير هذا الميثاق، مستمدةً قوتها من النماذج النسائية الرائدة عبر التاريخ، فمن لا يعرف قوانين الإلهة إنانا، أو تضحيات أوليمب دو غوج ومدام رولاند، أو شغف ماري وولستونكرافت في الدفاع عن حقوق النساء، أو معاناة روزا لوكسمبورغ من أجل الحرية، أو تجارب النساء التونسيات، الفلسطينيات، الكرديات، والناشطات في صفوف الجيش الزاباتي لتحرير الوطن، فإنه سيجد صعوبة في إحياء "الميثاق المجتمعي الحر" للمرأة في عصر يتسم بالقمع والقهر.
وإن فهم الطروحات النسوية التي قُدمت عبر العقود في شكل بيانات ومشاريع مستقبلية أمر أساسي؛ فمن دون هذا الوعي، سيكون الحديث عن عقد اجتماعي للمرأة وسط نظام قائم على القمع والعنف ضدها أمراً بالغ الصعوبة.
مُبدعات حقوق المرأة هن أيضاً النساء المناضلات والرائدات
إن تجربة العقد الاجتماعي التي تقودها الحركات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا ستخلق أملاً قوياً، وإن وصول هذا الأمل إلى النساء في مختلف أنحاء العالم، وارتباطه بشبكات تنظيم النساء، سيشكل نواة قوية للثورة النسائية العالمية. لذلك، فإن هذه التجربة تستحق الدراسة، الفهم، والتضامن معها في جميع جوانبها.
كما أن دراسة العقود النسائية التي وُضعت عبر التاريخ، سواء كانت مكتوبة أو تقليدية، بأسس علمية هو أمر في غاية الأهمية. فكل واحدة من هذه العقود تمثل امرأة، أو منظمة، أو حركة مقاومة كانت رمزاً للكفاح في زمنها، وهي وثائق فريدة تستحق دائماً التحليل والاستلهام منها.
إن العديد من الحقوق النسائية التي أُدرجت اليوم في القانون الدولي هي نتاج نضال النساء الرائدات والمقاتلات، نحن مدينون لهن بالكثير، والطريقة الأكثر شرفاً لسداد هذا الدين هي ضمان أن تضحياتهن الهائلة، معاركهن الشجاعة، ومقاومتهن التي كلفت حياة الآلاف، لم تذهب سدى، والطريق إلى ذلك هو تعزيز تلك العقود النسائية، تحديثها، والأهم من ذلك، تطبيقها على أرض الواقع.
يجب على النساء إعطاء الأولوية لتعزيز العلاقات الديمقراطية وتوسيع شبكات التحالفات النسائية، بغض النظر عن أماكن وجودنا، إذا لم نتواصل مع النساء في بلداننا ومناطقنا وقاراتنا وحتى على مستوى العالم، فسنواجه خطر العزلة والهزيمة.
المرأة، من حيث طبيعتها، كائن عالمي، مما يجعلها مناضلة أممية، فعندما تناضل امرأة أو منظمة نسائية من أجل حريتها، فهي تُساهم في النضال العالمي للنساء جميعاً، وبذلك، فإن حركة تحرير المرأة تعيد يومياً تعريف النضال الأممي، مدركةً مسؤوليتها الأخلاقية والاجتماعية.
لهذا السبب، فإن مشاركة التجارب النسائية في مختلف المجالات أمر بالغ الأهمية، فهو حق ومسؤولية، من هنا، يُنصح النساء في الشرق الأوسط وإفريقيا، ولا سيما المنظمات النسائية، بالاهتمام الكامل بتجربة تحرير المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، وخصوصاً "ميثاق حرية المرأة"، والذي سيتم الإعلان عنه قريباً ويجب أن يحظى باهتمام جميع النساء.
وإن التركيز الأساسي للنساء اللاتي تعشن في ظل الحروب العميقة، بما فيها الحرب الاقتصادية، يجب أن يكون على الدفاع الذاتي والسلام الاجتماعي من خلال المواثيق النسائية، فالجغرافيا، الثقافة، والنظام السياسي لكل بلد يؤثر على وعي النساء وسعيهن للتنظيم والعمل، ما ينعكس على استراتيجياتهن، تحالفاتهن، وأساليبهن في بناء الوعي.
يمكن أن تتطور مبادئ وقواعد العقد الاجتماعي للمرأة وفقاً لخصوصية كل دولة أو منطقة، لكن الأهم هو أن تتبنى النساء هذا الإطار المشترك وتلتزمن به، يجب أن تنشئ النساء عقوداً تربطهن من حيث التنظيم والانضباط والإرادة الذاتية، حيث يمكن لكل بلد أو منطقة تحديد نموذجها الديمقراطي-الكونفدرالي بناءً على احتياجاتها الخاصة.
المواثيق ليست مجرد أفكار نظرية، بل هي وسيلة لتحديد المبادئ الأساسية لحياة النساء وتنظيمها عملياً، على سبيل المثال، إذا كان التهديد الأكبر في إحدى المناطق هو الدمار البيئي، يمكن للنساء أن ينظمن عقداً اجتماعياً لمواجهته، وإذا كانت هناك جرائم قتل ممنهجة ضد النساء في مدينة معينة، يمكن كتابة ميثاق يهدف إلى وقف هذه الجرائم، بمشاركة النساء من مختلف الأحياء، ليكون هذا الميثاق بمثابة قاعدة لمواجهة العنف وضمان الحماية.
على كل شخص البحث عن حلول وفقاً لواقع بلده
انطلاقًا من هذه المعطيات، أقترح إنشاء شبكات عقود اجتماعية نسائية، على سبيل المثال، يمكن تشكيل شبكة من النساء المتخصصات في القانون، بحيث تعمل هذه الشبكة القانونية النسائية على وضع عقد اجتماعي قائم على حرية المرأة ضمن إطار قانوني، مما يساعد على توعية المجتمع به.
كما يمكن إعادة صياغة العقد الاجتماعي النسائي وفقاً للاحتياجات المحلية في مختلف المجالات، ويمكن لكل دولة أو منطقة تنظيم لقاءات سنوية حول العقود الاجتماعية النسائية، ليتم لاحقاً توسيع هذه المبادرات على المستوى العالمي.
ومن الضروري أيضاً إعداد برامج تعليمية خاصة لتثقيف مختلف فئات المجتمع، وخاصة الأطفال والشباب، حول فلسفة ومبادئ هذا العقد الاجتماعي، في جميع أنحاء العالم، هناك نساء دفعن حياتهن ثمناً في سبيل الدفاع عن حقوق المرأة، مثل أوليمب دو غوج ومدام رولاند اللتين أُعدمتا بالمقصلة في فرنسا.
لا يمكن للنساء أن يبقين في موقف المتفرج في هذا الوقت، لأن الصمت يؤدي إلى القتل، الاغتصاب، والاستعباد، العنف ضد المرأة منتشر عالمياً، مع اختلاف شكله من بلد إلى آخر، لكن في جوهره، نحن جميعاً نتعرض له يومياً، لهذا، لا يمكننا التراجع أو السكوت، بل علينا البحث عن طرق وأساليب لا حصر لها لمقاومته.
كل امرأة يجب أن تصوغ عقدها الاجتماعي وفقاً لواقع بلدها ومجتمعها، بحيث تكون حرة في تقرير مصيرها، والعقد الاجتماعي للمرأة يجب أن يكون معادياً للرأسمالية، بغض النظر عن الدين أو العرق أو السن أو الجنسية، والدفاع الذاتي مرتبط بمواجهة الاستغلال، إذ أن القبول به يعني الاستسلام للرأسمالية، التي تسعى للسيطرة على الفكر والجسد والمجتمع.
لذلك، فإن صياغة عقد اجتماعي يضمن الحرية والدفاع الذاتي هو مسؤوليتنا، كل كيان يحتاج أولاً إلى تحديد هويته وتنظيم نفسه داخلياً قبل أن يكون قادراً على الصمود، بالنسبة للنساء، فإن هذا العقد يجب أن يكون مجتمعياً، لأن وجود المرأة يؤثر في كل المجتمع، وهو أساس الحياة وقوامها.
والعقد الاجتماعي هو أيضاً أحد المهام الأساسية والأولوية للثورة النسائية في القرن الحادي والعشرين، يجب على جميع نساء العالم، ونحن نودّع الربع الأول من هذا القرن، أن يتطرقن إلى الثورة النسائية، العقد الاجتماعي القائم على الحرية المجتمعية للمرأة، والنظام الكونفدرالي الديمقراطي للنساء بشكل متكامل وتعاوني لتطويره.
كما أنه إطار استراتيجي يحدد نوع المجتمع المثالي الذي نطمح إليه، أما الكونفدرالية الديمقراطية فهي المبادئ التي تقوم عليها عملية بناء النظام الاجتماعي للمرأة، الثورة النسائية هي النضال من أجل الحرية الذي يقوم على هذين الركنين الأساسيين.
"ندخل في مرحلة مثيرة ومفعمة بالأمل"
إن دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" التي وجهها القائد عبد الله أوجلان إلى الدولة التركية وجميع القوى الإقليمية والعالمية المعنية بالقضية الكردية، قد خضعت لتقييمات واسعة من قبل العديد من الدول ومنظمات المجتمع المدني والمفكرين والكتاب والفلاسفة، وكان القاسم المشترك في هذه التقييمات هو أن هذه الدعوة لا تقتصر فقط على الشعب الكردي والدولة التركية، بل تفتح أيضاً آفاقاً بناءة وإصلاحية ومبشّرة لمستقبل المنطقة بأكملها.
تمثل هذه الدعوة التاريخية فرصة لتعزيز الديمقراطية والسلام في المنطقة، والنساء هن أكبر داعم ومكمّل وقائد لهذه العملية، وإن هذا المسار، الذي أطلقه القائد عبد الله أوجلان بعنوان "عقد الإخاء الجديد"، سيساهم في تغيير الأنظمة السلطوية القائمة على الحرب والقومية في المنطقة، منحه فرصة للثقافة الديمقراطية والسلمية يجعله ذا قيمة بالغة.
وعلى نفس المنوال، فإن هذه الدعوة التي تتمحور حول السلام والمجتمع الديمقراطي ستعزز عقد المرأة الاجتماعي القائم على الحرية، لذلك، يجب على النساء في جميع بلدان المنطقة متابعة هذه العملية بمسؤولية، فإذا تطور هذا المسار، فسيتم الحد من عمليات التخريب التي فرضتها القوى الغربية المهيمنة على المنطقة خلال القرن الماضي، عبر تأجيج الحروب والقومية والدين والتمييز القائم على النوع الاجتماعي الذي استهدف البنية المجتمعية الراسخة منذ آلاف السنين.
نحن الآن أمام مرحلة مثيرة ومفعمة بالأمل، قائمة على كلٍّ من عقد المرأة الاجتماعي وعقد الإخاء الجديد، إن أحد أهم الطرق لتجاوز المخاطر والتحديات هو ترسيخ عقد المرأة الاجتماعي القائم على الحرية، وتعزيز شبكات التنظيم الكونفدرالي النسائي لبناء ثورة المرأة في القرن الحادي والعشرين خطوة بخطوة.
هذه القوة موجودة في الإرث التاريخي لنساء الشرق الأوسط وإفريقيا، في نضالاتهن المعاصرة، وفي الجينات الثقافية المشبعة بالمبادئ الديمقراطية.