من قارة إلى قارة... نضال المرأة قديماً وحديثاً (11)

في بلاد مصر التي يمتد تاريخها إلى حضارة عصر الأمومة، ورثت النساء ثقافة مقاومة أصيلة وقديمة. ومن أمثلة هذا الميراث، الملكة نفرتيتي التي غيرت مصير بلادها، وأنجزت أعمالاً تقدمية سيظل التاريخ يتذكرها لآلاف السنين

مصر، من نفرتيتي إلى ميدان التحرير

غرفة الأخبارـ . ومع بداية القرن العشرين سارت النساء على هذا الميراث، ووضعت بصمتها على العديد من الفعاليات النضالية مثل مناهضة الختان، والعنف الممارس ضد المرأة وعنف الدولة.
في الدولة التي أنطلق فيها الربيع العربي، سعت النساء لأن تكن جزء من عملية التغيير والتجديد، وعليه خرجن منذ اليوم الأول إلى الساحات والميادين، إلا أنهن في النهاية تعرضن للتهميش والإقصاء في آخر مراحل الثورة. وفي مواجهة سياسات الإقصاء والتهميش تواصل النساء المصريات نضالاً دؤوباً من أجل الدفاع عن حقوقهن.
مصر واحدة من أهم وأقدم الحضارات البشرية في العالم، ومركز الثقل في الشرق الأوسط، تعاني منذ بداية القرن العشرين من سلسلة دوامات سياسية، فمن الناحية الاقتصادية ازدادت الفروقات الطبقية بين الفقراء والأغنياء، فيما يعيش حولي 60 بالمائة من السكان تحت خط الفقر. الجماهير التي انتفضت في 25 كانون الثاني/يناير من عام 2011، وتمكنت من إنهاء عصر الدكتاتورية الذي استمر 33 عاماً، معظمهم من الطبقات الفقيرة والمحرومة والمهمشة، ومن النساء. ورغم أن مصير الثورة سيكون الانقلاب والأزمات السياسية في النهاية، إلا أن المرأة في مصر سعت على الدوام إلى حماية ثقافة المرأة المقاومة.
 
التحرش.. الاغتصاب.. العنف.. الختان والإبادة
مثلها مثل العديد من دول الشرق الأوسط، تعرضت المرأة للقتل باسم "الشرف"، كما تعرضت للعنف والتحرش والاغتصاب. يضاف إليها العنف الجسدي الكبير الذي تعرضت ولا تزال تتعرض له جراء عادة الختان. وتعرضت حوالي 132 مليون امرأة لهذه الممارسة الوحشية في مصر. ففي كل عام يتم ختان حوالي مليون امرأة. خلال المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (ICPD) المنعقد في عام 1994، تم نشر وثيقة حول ختان النساء، مما أجبر الحكومة المصرية والمجتمع المصري لطرح موضوع FGM (تشويه الأعضاء التناسلية للإناث). كما أثير موضوع الختان أمام الرأي العام وطرح للنقاش على المستوى الوطني بعد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد عام 1994. كانت المجموعات النسوية على علم بهذا الموضوع ولكنها أحجمت عن إثارته نظراً لوجود العديد من القضايا والأهداف، بدأت هي أيضاً بإثارة الموضوع ومناقشة قضية تشويه الأعضاء التناسلية للإناث. الأوساط التي عارضت إثارة موضوع تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، ادعوا أن الدول الغربية تثير الموضوع بداعي التشويه. أدانت الحكومة ختان النساء، ووعد وزير الصحة وتنمية المجتمع الدولي بحظر ممارسة عادة الختان، إلا أنه لم يستطع الوفاء بوعوده بسبب ردود الأفعال الرافضة.
 
في مصر والتحرير كتبت النساء عن الثورة ولكن ...
منذ أول أيام الربيع العربي الذي أنطلق في 25 كانون الثاني/يناير عام 2011 في مصر، خرجت النساء إلى الميادين من أجل المساهمة في التغيير. ورغم جميع الهجمات والاعتداءات الجسدية والسياسية والتعجيز إلا أن النساء لم تتخلين عن ميدان التحرير وعبرن عن مطالبهن عبر شعار "المساواة، الحرية والعدالة". في مصر التي تم خلع رئيسها الدكتاتور عبر انتفاضة شعبية، لم يتم إشراك أية امرأة مختصة في لجنة إعداد الدستور الجديد. وعليه أصدرت 63 منظمة نسائية بياناً مشتركاً جاء فيه "إن النساء المصريات شاركن بشكل جماعي ومتساو مع الرجل في الثورة، من حقهن أن يكون لهن مكان في بناء مصر الجديدة". وقالت المنظمات المذكورة إن اللجنة التي تشكلت بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير وأنهت حكم الرئيس حسني مبارك، تثير الشكوك حول جدواها في مستقبل البلاد وبداية مرحلة جديدة. وقد كانت النساء على حق في شكوكهن آنذاك، حيث صعد الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في البلاد، وأقصيت النساء بشكل كامل من مواقع القرار. في تلك الفترة تعرضت المئات من النساء المصريات الأقباط للاغتصاب، وفيما بعد حدث الانقلاب العسكري ضد الإخوان، ما أدى إلى تراجع النساء خطوة أخرى نحو الوراء، حيث استهدفت الدولة هذه المرة النساء اللواتي كن عضوات في تنظيم إخوان المسلمين.
 
العديد من النساء تعملن بدون سجلات رسمية
يشير تقرير لمنظمة اليونيسف صدر عام 2002، إن 35 بالمائة من النساء المصريات تتعرضن للعنف على أيدي أزاوجهن، فيما تعود أسباب 47 بالمائة من جرائم القتل إلى العادات والتقاليد المتعلقة بالشرف والعار. وبحسب تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2003، إن 56.1 بالمائة من النساء المصريات ممن تزيد أعمارهن عن 15 عاماً تعانين من الأمية، ويعتبر الفقر والأوضاع المادية السيئة وكذلك الأسرة من أهم العوائق أمام التعليم، وبشكل خاص تعليم الفتيات. وبحسب تقرير "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" CEDAW فإن الحكومة تعمل منذ عام 1996 على تأمين فرص التعليم للفتيات في المناطق الريفية، وأن العديد من الفتيات من تلك المناطق تمكن من التسجيل في الجامعات. ومنذ عام 1960 تحتل النساء مكانة مهمة في الاقتصاد، ومنذ عام 1998 تقل نسبة النساء العاملات في مجال الطب والمحاماة، فيما تبلغ نسبة النساء 30 بالمائة من مجمل نسبة عدد العاملين في البلاد. وفي أعوام 1998- 1999 بلغت نسبة النساء العاملات 22 بالمائة من مجمل عدد العمال، فيما تبلغ نسبة العاملات في الزارعة 35 بالمائة، و9 بالمائة في قطاع الصناعة، في القطاع الخدمي 56 بالمائة ، أما في القطاع الإداري فتبلغ نسبة النساء 16 بالمائة وفي الوظائف التقنية 31 بالمائة. وبعد التأميم الاقتصادي عام 1970 تعمل العديد من النساء العاملات في مختلف القطاعات بدون سجلات رسمية.
 
المرأة في الدولة والسياسية والإدارة
رغم منح النساء في مصر كامل حقوقهن المدنية والسياسية وحقوق المواطنة منذ عام 1956، إلى أنها لا تزال متأخرة عن التمثيل والمشاركة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، كما أن نسبة مشاركتها في التمثيل السياسي لا يتجاوز 10 بالمائة. في الفترة بين عامي 1919 و 1952 وأثناء ظهور الحركة القومية في البلاد شاركت نساء من الطبقة المثقفة والمتعلمة في الحركة القومية في الحراك السياسي، كما كانت لهن مكانة في مواقع القرار أي في البرلمان. في عام 1952 وعند صعود جمال عبد الناصر إلى سدة الحكم في مصر وفتح المجال أمام النساء للمشاركة السياسية، كانت راوية عطية أول برلمانية عربية تدخل البرلمان وذلك عام 1957. وأثناء حكم حسني مبارك في مصر كانت نسبة تمثيل النساء في البرلمان تبلغ 10 بالمائة، وفيما بعد تراجعت هذه النسبة إلى 4 بالمائة ومن ثم إلى اثنان بالمائة.
 
استمرار ثقافة المقاومة
في عام 2010 تأسست في مصر (الجبهة الوطنية للنساء)، وضمت الجبهة 15 منظمة نسائية، تضم نقابات ومنظمات مدنية ديمقراطية ومؤسسات نسائية. وتخوض الجبهة النضال من أجل المطالب الديمقراطية وتحقيق الاشتراكية من خلال مختلف أساليب النضال الإيجابية. والقاسم المشترك بين جميع هذه المنظمات والمؤسسات النسائية هو النضال المشترك من أجل الحرية والنضال إلى جانب العمال والمضطهدين والشعوب. وتستند الجبهة إلى مبادئ مناهضة الامبريالية والرأسمالية والفاشية، وتواصل النضال من أجل إنهاء استعباد واضطهاد البشر.
 
من رائدات اليسار المصري: إنجي أفلاطون
نضال الحركة النسوية المصرية الذي أنطلق منذ عام 1900، أبرز العديد من النساء الرواد في العديد من الميادين. إنجي أفلاطون 1923-1989، من رواد الحركة اليسارية المصرية. اعتقلت وسجنت لأسباب سياسية في الفترة بين عامي 1959 و 1963. وفيما بعد أسست مع سيزا نبراوي لجنة الشابات في الاتحاد النسائي المصري، ولاقت دعم ومساندة النساء اليساريات والشيوعيات. وانشغلت أنجي بأسباب القمع المفروض على المرأة، ورأت أن هذا الواقع هو نتيجة للاستعمار الإمبريالي. الدستور المصري لعام 1923 أقر بالمساواة بين المصريين لكن لم يكن للمرأة الحق في التصويت. فيما كان الرجال يساندون حق المرأة في المشاركة في النشاط القومي. ولكن بعد إقرار دستور عام 1923 الذي حرم المرأة من حقوقها، اتجهت النساء من التوجه القومي إلى التوجه النسوي.
 
نفرتيتي وأم مصر
نفرتيتي ولدت عام 3300 ق.م، من عائلة ملكية في مملكة عمارنة، وهي ابنة الأمير ميتوني. وكانت نفرتيتي من أقوى نساء عصرها، وخاصة في مصر حيث كان زوجها أخناتون فيما بعد فرعون مصر، وكان لنفرتيتي ختمها الخاص، مما يشير إلى أنها كانت في موقع متميز إلى جانب الملك. وكان لها رأيها وبإمكانها إنجاز الإعمال التي كانت مناطة بالفرعون نفسه. ويوجد خاتم نفرتيتي على نص معاهدة قادش للسلام. هذا الأمر أثار استياء عامة الشعب وكذلك الأوساط الدينية، لأن مثل هذه الظاهرة لم تكن معروفة في مصر وقتها. ورغم ذلك إلا أن كل من نفرتيتي والملك امنحوتب أضفيا طابعاً خاصاً على السياسة والدين في مصر. في السنة الخامسة من حكمها عملت نفرتيتي على تجريد الرهبان القدامى من سلطتهم الدينية، كما حطموا تماثيل الآلهة القدامى وأعلنوا عن الديانة التوحيدية. دين آلهة الشمس آتين. وكانت تلك ديانة وعبادة جديدة. وغير امنحوتب اسمه إلى أخناتون والتي تعني (خادم الإله).
 
أحدثت تغييرات جذرية في مصر
طوال فترة حياتها وحكمها كانت نفرتيتي تقود الجيوش إلى جانب الملك، وقضت على أعداء مصر. ورغم فترة الحكم القصيرة والتي لا تزيد عن 20 عاماً فإنها أحدثت تغييرات جذرية وكبيرة في مصر. كون نفرتيتي في نفس منزلة الفرعون، لم يرق لعامة الشعب وكذلك للأوساط الدينية، وفي السنة السادسة لحكمها نقلت عاصمة مصر من سبينيتوس إلى تل عمارنة، كما غيرت العديد من العادات القديمة الرجعية في مصر. وبعد وفاة أخناتون زوج نفرتيتي بسبب مرض انتشر في القصر، قادت نفرتيتي البلاد بمفردها. وبدل من إعلان الحزن على زوجها أنجزت نفرتيتي العديد من الأعمال التي غيرت مصير بلادها. مما جعل اسمها يكتب في صفحات التاريخ ويذكر بعد آلاف السنين.