المرأة العراقية... بصمة وتأثير في مختلف الحضارات والأزمنة (7)

تحول الوضع السياسي في العراق بعد عام 2003 لشكل معقد، فنظام التعددية الحزبية، فتح المجال لاقتسام السلطة بين عدة أحزاب لكل منها توجهاته فيما يخص حقوق المرأة

الحقوق السياسية للنساء ما بعد 2003 وحتى اليوم

سناء العلي 
مركز الأخبار ـ . يختلف الوضع كلياً بين العراق وإقليم كردستان في الشمال، فالإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي ارتقى بحقوق المرأة السياسية ويصنف على أنه الأفضل مقارنة مع العراق ودول الشرق الأوسط عموماً.
يعد إقليم كردستان نموذجاً من حيث نسبة انخراط النساء في العمل السياسي والحضور في البرلمان، تصل نسبتهن في مجلس النواب لـ 30 بالمئة، ولا يتوقف الأمر على ذلك بل أن العديد منهن شغلن مناصب رفيعة منها رئاسة اللجان النيابية، كما ترأست النائبة فالا فريد البرلمان في عام 2019.
كما تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً كبيراً في الضغط على الحكومات من أجل تمثيل أكثر للنساء في مختلف المجالات.
في العراق الصورة مختلفة تماماً ففي الفوضى العارمة التي حلت بالمناطق العربية بعد الغزو الأمريكي، النساء القلائل اللواتي دخلن المعترك السياسي أو دخلن البرلمان مثلن أجندات معينة. النساء اللواتي تم تعيينهن في الوزارات أو البرلمان لم يكن أكثر من رقم لصالح حزب أو طائفة معينة، لأن دخولهن له جاء بحسب طوائفهن وليس بحسب خبراتهن أو كفاءاتهن. قضايا المرأة أهملت بشكل كبير، بالمقابل استبعدت النساء اللواتي ينتمين للأقليات من العمل السياسي. 
 
الكوتا النسائية
استطاعت النساء تثبيت نسبة كوتا 25 بالمئة في الدستور العراقي لعام 2005 في مجلس النواب "البرلمان"، دون الالتفات للمناصب الرئاسية الثلاث والمناصب الوزارية.  
انحصر دور النساء في الوظائف العامة، تقريباً انعدمت الجهود لإزالة التمييز ضد المرأة وتطبيق نصوص اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة "سيداو" والمصادق عليها من قبل العراق عام 1986.
في انتخابات الجمعية الوطنية لعام 2005 شكلت النساء 31 بالمئة من المقاعد بواقع 87 امرأة من أصل 275، ولكن في الدورات اللاحقة بدأت النسبة في التراجع مع تغيير قوانين الانتخابات.
في عام 2006 اعتمد على نظام الدائرة الواحدة والقائمة المغلقة ثم اتُبع نظام تعدد الدوائر والذي شمل عدد من محافظات العراق، لذلك شهدت تراجعاً ملحوظاً لأعداد النساء في لجان مجلس النواب الذي ضم 24 لجنة شاركت فيها عضوتان فقط من أصل 30 عضواً. 
حاول السياسيون من الرجال الالتفاف على الكوتا النسائية عام 2008 من خلال حذف المادة 50 والتي تنص على اتخاذ المفوضية العليا للانتخابات إجراءات من شأنها حصول المرأة على نسبة لا تقل عن 25 بالمئة من المقاعد في مجالس المحافظات والنواحي، حذفت هذه المادة من قانون انتخابات مجالس المحافظة والأقضية والنواحي. بالمقابل لم تستكن النائبات في البرلمان وأصرين على تقديم مذكرة اعتراض للمحكمة الاتحادية العليا، فجاء قرار المحكمة مؤيداً لهن، بأن قرر تطبيق الكوتا على جميع المجالس التشريعية ومنها مجالس المحافظات والاقضية والنواحي. 
التمثيل النسائي غاب بشكل تام عن هيئة الرئاسة في السلطة التشريعية وفي جميع اللجان ذات الطابع السيادي والأمني، فعدد النساء ارتفع في اللجان ذات الاهتمام الأسري والمجتمعي والمدني، أما في اللجان المتعلقة بالأمن والطاقة وغيرها فانخفضت نسبة حضورهن حتى وصلت للصفر، منها لجنة الأمن والدفاع لدورتي 2006، 2010، ولجنة الاقتصاد والخدمات والأعمار والزراعة والمياه والعشائر والسياحة في دورة عام 2006.
في برلمان 2014 ترأست المرأة اللجان الثانوية وغُيبت عن اللجان الرئيسية، فقد ترأست 4 لجان فقط من أصل 26 لجنة وهي "لجنة المرأة، مؤسسات المجتمع المدني، الثقافة والإعلام، شؤون الأعضاء والتطوير البرلماني"، وحصلت على منصب مقررة في سبعة لجان.
إقليم كردستان أقر الكوتا النسائية منذ عام 2004 من ثم زاد نسبتها. النساء شكلن 25 بالمئة في البرلمان منذ عام 2004 وحتى عام 2009، وزادت النسبة 5 بالمئة في عام 2009 وحتى اليوم.
في الانتخابات الرئاسية لعام 2013 حصلت النساء على 34 مقعداً من أصل 111 مقعداً في برلمان الإقليم، مع العلم أنه إن لم تصل نسبة النساء لـ 30 بالمئة أي الكوتا فإنه يتم تعيين العدد المطلوب من النساء اللواتي رشحن على لوائح الأحزاب، فالأحزاب تلتزم بترشيح امرأة مقابل كل رجلين.
أما تمثيل النساء في تشكيلة حكومة إقليم كردستان فما زال ضعيفاً، ولم تستلم أي امرأة رئاسة الإقليم أو رئاسة الوزراء هذا إذا ما تم استثناء فالا فريد التي تقلدت منصب رئاسة البرلمان عام 2019.
رغم أن القوانين لا تمنع استلام النساء للمناصب الحكومية أو التشريعية والقضائية، لذلك تطالب النساء بكوتا تشمل الحكومة لا تقل نسبتها عن 30 بالمئة، ومن هذه المطالبات ما أطلقته مجموعة من الناشطات المدنيات في عام 2019 منهن الناشطة تانيا طلعت كلي عضو البرلمان العراقي سابقاً، والناشطة البارزة لانجا عبد الله.
تتعرض المرشحات للإسقاط والتشهير كما حدث في انتخابات عام 2018 التي شهدت موجة فضائح كبيرة طالت عدداً من المرشحات، وعلى إثر ذلك انسحبت العديد منهن قبل بدء الحملات الانتخابية وبعضهن ألغين فكرة الترشح نهائياً.  
أما في الانتخابات الأخيرة التي جرت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، لم تتراجع المرشحات رغم محاولات الإحباط وحملات التشهير، واستطاعت 97 مرشحة الفوز بمقاعد في البرلمان الذي تقدم له أكثر من 3 آلاف مرشح للانتخابات، يتنافسون للفوز بـ 329 مقعداً في البرلمان الذي يعاني من قلة التمثيل النسائي ويكاد أن يكون معدوماً. 
 
هل ساهم الحضور النسائي في تغيير قوانين المرأة؟  
خلال الدورتين البرلمانيتين لعامي 2006 و2010 شُرعت قوانين تعنى بالمرأة، أحد هذه القوانين ألغى التمييز الممارس ضد النساء بخصوص منح الجنسية، من خلال إعطاء المرأة حقها في منح جنسيتها لأبنائها بغض النظر عن جنسية والدهم ونص على أنه "يعتبر عراقي من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية" من خلال ذلك تمكنت النساء من رفع التحفظ على أحد أكثر بنود اتفاقية سيداو أهمية، وتطبيق جزء مهم من القانون العراقي لعام 2005 والقاضي باحترام حقوق المرأة.
كذلك تم التصويت في البرلمان على قوانين مهمة بالنسبة للمرأة منها مكافحة الإتجار بالبشر والذي تشكل النساء غالبية ضحاياه، كما تم التصويت على قانون خاص بمكافحة الأمية. وأيضاً صوت مجلس الوزراء في آب/أغسطس 2020 على مسودة مشروع قانون الحماية من العنف الأسري.
لكن هناك قوانين كثيرة مرتبطة بلجنة المرأة والأسرة والطفولة الموجودة ضمن البرلمان إضافة للجنة القانونية بطبيعة الحال، هذه القوانين ما تزال في الأدراج كقانون الرعاية الاجتماعية.
لجنة المرأة ما زالت حتى كتابة هذه السطور تطالب بالإسراع في إقرار قانون لمكافحة العنف الأسري الموجود في المجتمع والذي زاد بشكل كبير مع الحجر الصحي الذي فرضته إجراءات الوقاية من فيروس كورونا الذي انتشر بشكل كبير في جميع أنحاء العالم منذ نهاية عام 2019. 
لم تشرع قوانين تصب في مصلحة المرأة رغم أن عدد كبير من النساء يملكن مواقع مهمة في البرلمان. الجهود ما تزال ضعيفة حيال تحقيق تطور في تشريعات تحمي المرأة وتعطيها حقوقها. الأسوأ من ذلك كان محاولة برلمانيات تمرير قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي يسلب من المرأة معظم حقوقها. 
ارتفعت أصوات برلمانيات تنادي بأحقية تعدد الزوجات، ونساء في مراكز صنع القرار أيضاً منهن رابعة محمد النايل عضو مجلس محافظة الأنبار ورئيسة منظمات المجتمع المدني التي طالبت في عام 2010 بالسماح بتعدد الزوجات بذريعة ازدياد عدد النساء مقارنة بالرجال نتيجة الحرب والهجرة وارتفاع أعداد الأرامل والمطلقات. 
ترى ناشطات حقوقيات ونسويات أن هذا التردي يعود للاختيارات السيئة والمقصودة للمرشحات غير الكفؤات اللواتي يعملن لأجندات معينة ويحملن فكراً معارضاً لحقوق المرأة، ويتم بالمقابل إقصاء الحقوقيات اللواتي يملكن تاريخاً نضالياً. 
 
النساء في الحكومة
حاولت سروة عبد الواحد الناشطة السياسية والعضو في حركة التغيير الكردية تحقيق إنجاز مهم لأول مرة في البلاد وفي الشرق الأوسط ككل من خلال ترشحها لمنصب رئاسة العراق في أيلول/سبتمبر 2018 مقابل ستة مرشحين، لكن مساعيها لمن تنجح.
البرلمان ومجلس الوزراء لم تترأسهما أي امرأة، النساء اللواتي ترشحن لانتخابات رئاسة الوزراء في أيار/مايو 2018 تم تشويه سمعتهن والتدخل بحياتهن الشخصية لإفشال مساعيهن.
لم تضم حكومة عادل عبد المهدي في عام 2018 أي امرأة، رغم أن الإعلامية داليا العقيدي كانت أول من ترشح عبر نظام الترشح الإلكتروني الذي استخدم حينها. بلغت نسبة المتقدمات 15 بالمئة من بين أكثر من 36 متقدم، لكن ما حصل في النهاية هو اقتسام الأحزاب الدينية والكتل السياسية جميع المناصب في الحكومة فجاءت التشكيلة الوزارية خالية من النساء. أقصيت النساء بشكل كامل فمن بين 14 وزيراً لم تكن هناك أي امرأة. 
في حكومة مجلس الحكم الانتقالي المعلنة في تموز/يوليو 2003 شغلت نسرين برواري وهي من المكون الكردي منصب وزيرة الأشغال العامة، وفي الحكومة المؤقتة برئاسة أياد علاوي (2004ـ 2005) حصلت النساء على أعلى نسبة حتى اليوم بواقع 6 حقائب وزارية توزعت ما بين وزارة الزراعة واستلمتها سوسن علي الشريفي، وزارة المغتربين والمهاجرين لباسكال إيشو وردة، ووزارة البيئة لمشكاة مؤمن، وزارة الأشغال العامة لنسرين برواري التي كانت قد استلمت وزارة الاشغال العامة في الحكومة الانتقالية، فيما استلمت حقيبة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ليلى عبد اللطيف، ووزارة الدولة لشؤون المرأة نيرمين عثمان. 
في حكومة إبراهيم الجعفري (2005ـ2006) حافظت النساء على حضورهن تقريباً بخمس حقائب وزارية استأثر المكون الكردي بثلاث حقائب حيث عينت جوان فؤاد معصوم وزيراً للاتصالات، ونيرمين عثمان في وزارة حقوق الإنسان، فيما شغلت نسرين برواري منصب وزير البلديات والأشغال، والوزارتين المتبقيتين شغلتهما كل من أزهار عبد الكريم الشيخلي في منصب وزير الدولة لشؤون المرأة، فيما وزارة العلوم والتكنلوجيا كانت من نصيب باسمة بطرس.
في حكومة المالكي الأولى (2006ـ2010) انخفض تمثيل النساء لثلاث وزارات، وفي حكومته الثانية انخفض التمثيل مرة أخرى لوزارتين فقط، وحافظت حكومة حيدر العبادي (2014ـ2018) على نفس العدد وبقيت وزارة واحدة بعد أن الغيت وزارة الدولة لشؤون المرأة عام 2015، وفي التعديل الوزاري لحكومة حيدر العبادي (2016ـ2017) بقيت وزيرة واحدة وهي آن نافع أوسي في منصب وزارة البلديات والإسكان.
 
وزارة المرأة 
كان من الممكن أن يكون تأسيس أول وزارة للمرأة في العراق عام 2004 انجازاً عظيماً، لكن إلغاء قانون الأحوال الشخصية من خلال المادة 41 والتي أعطت لكل طائفة حق التصرف بأحوال المرأة على هواها أجهض هذه الآمال.
في أول وزارة عينت نرمين عثمان تلتها أزهار الشيخلي 2005، وفاتن عبد الرحمن 2006، ثم نيرمين عثمان 2007، ثم نوال مجيد السامرائي 2008 خلفتها خلود عزارة آل معجون 2009، ثم ابتهال كاصد الزيدي 2011، وبيان نوري عام 2015. 
في عام 2009 قدمت وزيرة المرأة نوال السامرائي استقالتها وقالت إن الوزارة عوملت كأنها مكتب ملحق، حتى ذلك التاريخ كان يعمل فيها 17 موظف فقط. الوزارة لم تكن تملك ميزانية خاصة تؤهلها لمساعدة النساء الفقيرات والأرامل واللواتي يفوق عددهن الثلاث مليون أرملة، إضافة لتراجع حقوق النساء بشكل كبير ولا صلاحيات للوزارة من أجل تغيير الوضع.
الناشطة النسوية أمل الجابر قالت في أحد حواراتها أن وزارة المرأة لم تحقق شيئاً خلال 11 عاماً مؤكدة أن الوزارة لم تمثلها يوماً من الأيام. 
في عام 2011 كشف الجهاز المركزي للإحصاء أن 5.4 بالمئة من الفتيات تزوجن قبل بلوغهن 15 عاماً، إضافة لـ 23 بالمئة من الفتيات تزوجن قبل بلوغهن 18 عاماً. سيطرة مرتزقة داعش على مدينة الموصل في التاسع من حزيران/يونيو 2014 وتمدده في البلاد زاد من معاناة النساء.
عام 2015 تقرر التضحية بوزارة الدولة لشؤون المرأة وذلك ضمن سياسة التقشف التي أعلنتها البلاد نتيجة لهبوط سعر برميل النفط وتصاعد الأزمة المالية. واستعيض عنها بمنصب مستشارة رئيس الوزراء لشؤون المرأة.