المرأة المصرية سيدة التاريخ ترزح تحت وطأة الذهنية الذكورية "9"

المرأة جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر الفني الذي يمتد على امتداد حضارة وادي النيل، اقتحمت النساء مجالات الفن المختلفة أبدعن في الكتابة والتمثيل رغم الرفض المجتمعي، انتجت امرأة أول فيلم سينمائي في البلاد عام 1927م، وما زالت اسماء وانجازات العديد منهنَّ خالدة إلى يومنا هذا

المرأة المصرية تألق وابداع 
مركز الأخبارـ
 
الفن قديماً... النساء شكلن فرقة للرقص  
الحضارة المصرية مليئة باللوحات والتماثيل التي تصور الرجال والنساء ومختلف تفاصيل الحياة في ذلك الوقت، لكن لا يوجد أي دليل حول جنس الفنانين الذين أبدعوها إن كانوا نساءً أو رجالاً، ولا يوجد ما يشير إلى أن الفن كان حكراً على الرجال أم أن النساء ساهمنَّ فيه، مع ذلك صورت الرسوم الجدارية والتماثيل النساء والرجال على حد سواء، ويقارب عدد اللوحات التي ظهرت فيها النساء عدد اللوحات التي ظهر فيها الرجال.
عُرف العزف والغناء قبل تاريخ الأسرات، فللموسيقا آلهة وهو "الإله أوزيريس" وله فرقة موسيقية من نساء ورجال عازفين/ت ومغنين/ت، وكان يُعد الإله مانير مخترع الموسيقا وحاميها. 
الهيمنة الكبيرة للنساء فقد كنَّ يشكلن فرق للغناء في المعابد ويستخدمن الآلات الموسيقية المتواجدة، ومنها الهارب، والناي، والمزمار وغيرها. تُقدم المغنيات عروضهن خلال الاحتفالات مثل الاحتفال بميلاد الإله، ومواسم الحصاد، والجنازات، من أشهر هؤلاء المغنيات (حم ـ رغ) وكانت رئيسة المغنيات والوصيفات الملكية.
ارتبط الغناء بالرقص، ولم يكن الرقص مصدر ازدراء بل كان فناً محترماً وطقس ديني وركن أساسي في الأفراح والأعياد، فكان المصريين القدماء يقدمون الأغاني والرقص في الحفلات العامة والخاصة، وتشكلت فرقة الراقصات المحترفات اللواتي يتجولنَّ بين القرى والمدن ويعرضنَّ رقصاتهنَّ أمام العامة.
ووثقت النقوش الموجودة على جدران المقابر والمعابد حركات للرقص التعبيري، كما صورت ثلاث نساء يشاركنَّ في احتفالات الإلهة حاتحور على جدران مقبرة أمنمحات بطيبة على الضفة الغربية لنهر النيل. 
كذلك ارتبطت الموسيقا بالمسرح فكانت تقدم الأساطير مثل أسطورة الكون، التتويج، مسرحية حورس وهي الأكثر شعبية في ذلك الوقت، كما تقدم مسرحية الآلام وتمثل اسطورة ايزيس ورحلة البحث عن أشلاء زوجها الإله أوزوريس.
لكن مع دخول المسيحية للبلاد اندثرت الكثير من الفنون ومنها المسرح لربطها بالوثنية، واستمر ذلك حتى بعد دخول العرب المسلمين، فيما أدخل الفاطميون ما يعرف بخيال الظل والذي يعتبر صورة بدائية للسينما، طبعاً كان يسيطر الرجال على هذا النوع من الفن.
  
فنون العصر الحديث... أسماء لامعة تحدت المجتمع الأبوي 
تألقت الفنانات المصريات في السينما منذ افتتاحها في البلاد، ولا تزال أسماء العديد منهنَّ راسخة في أذهان أجيال اليوم وربما أجيال المستقبل أيضاً، في الأدب والشعر هناك أسماء لامعة تحدت المجتمع الأبوي وتقاليده البالية.
برزت أسماء نسائية عديدة منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وضعنَّ بصمتهنَّ في مجالي الأدب والشعر، فمن خلال دراسة أشعار عائشة التيمورية، وأبكار السقاف، وقراءة قصص أليفة رفعت تتوضح لنا صورة الشعر والأدب النسوي بصورتيه المحافظة والثورية، حيث تُشكل آراءهن أبرز التيارات الموجودة في البلاد.
الشاعرة والروائية عائشة التيمورية (1840ـ1902) نظمت الشعر بعدة لغات منها العربية، والتركية، والفارسية، لها ديوانين بالتركية والفارسية طبع عام 1894م، وديوان باللغة العربية بعنوان "حلية الطراز"، كما أنها كتبت رواية بعنوان "اللقا بعد الشتات"، برعت بشعر الرثاء بعد موت ابنتها حتى قورنت بالخنساء، وأخذ شعرها منحى دينياً فقدمت المديح النبوي والابتهالات الإلهية، كانت ابنة زمانها فلا عجب أنها أيدت الحجاب بشكل صريح في إحدى قصائدها مع ذلك لا يمكن اجحاف حقها والاعتراف بأنها إحدى أهم الشاعرات المصريات بل والعربيات أيضاً.
على عكس عائشة التيمورية تحدت الشاعرة أبكار السقاف (1913ـ1989) الواقع وطرحت أسئلة حول الوجود والحياة، لذلك حوربت من قبل السلطات المصرية، حتى أنه لا توجد لها سوى صورة واحدة وهي ترتدي النظارة. وفي عام 1962م صادرت السلطة مؤلفها "موسوعة نحو آفاق أوسع" ووجهت لها تهمة الكفر، وحتى يومنا هذا ما زال المتشددين يحاربون أفكارها.
فيما ضمنت الروائية والقاصة أليفة رفعت (1930ـ1996) قضايا المرأة المصرية وخاصة المرأة الريفية في مؤلفاتها، وانتقدت التسلط الذكوري على المرأة وسلبها حرية الاختيار، والفصل بين الجنسين، كتبت عن مواضيع حساسة بالنسبة للمجتمع مثل السحاقية والاغتصاب الزوجي، عناوين مؤلفاتها وأغلبها مجموعات قصصية تُعبر عن محتواها فنجد (حواء تعود لآدم، من يكون الرجل، بعيداً عن المئذنة) ولها رواية وحيدة بعنوان "جوهرة فرعون".
في مصر اسماء عديدة لنساء أبدعن في مجال الأدب من أجيال مختلفة أمثال لطيفة الزيات التي أولت اهتماماً كبيراً لقضايا المرأة، كذلك آية ياسر وأمينة زيدان وسهير القلماوي وشيرين هاني وعزة لطفي، ونوال السعداوي المناصرة لقضايا المرأة وغيرهن الكثير.
 
المرأة في المسرح تكسر التقاليد وتؤسس الصناعة السينمائية
على خشبة المسرح وقفت منيرة المهدية عام 1915م لتكون بذلك أول امرأة تحقق هذا الإنجاز، ذاع صيتها في العديد من الدول العربية حتى أن الشاعر العراقي معروف الرصافي امتدحها في إحدى قصائده. كان لها الفضل في اكتشاف الموسيقار المشهور محمد عبد الوهاب، ولها فيلم وحيد بعنوان "الغندورة" عام 1935.
لكن بشكل عام لم تكن المرأة فاعلة في المسرح سواء من خلال الكتابة "التأليف" أو الإخراج، وفي بداية افتتاح المسرح كان من المُعيبِ أن تقوم امرأة بالتمثيل، لذلك يعهد بالدور لشبان صغار في العمر، إضافة إلى أن معظم الفنانات من جنسيات عربية سوريات ولبنانيات، بعد ذلك اقتحمت المرأة المصرية المسرح وبرزت أسماء عديدة نالت شهرة كبيرة في ذلك الوقت، كـ دولت أبيض وعزيزة أمير وفاطمة رشدي وغيرهنَّ، قدمنَّ المسرحيات إضافة للأفلام السينمائية. 
مصر هي البلد العربي الأكثر إنتاجاً للأفلام السينمائية لها تاريخ عريق في هذا المجال، في عام 1896م افتتحت السينما وقدمت أول عرض سينمائي، لكن عرض الأفلام المصرية لم يبدأ حتى عام 1917م.  
عند البحث عن صاحب الفضل في السينما يحضر أسم "طلعت حرب"، ويهضم حق عزيزة أمير (1901ـ1952) صاحبة الفضل الأول في إنتاج أول فيلم سينمائي في البلاد عام 1927م، رغم أن طلعت بذاته قال عنها كما تنقل المصادر "لقد نجحت يا سيدتي في إنجاز ما عجز عنه الرجال".  
أما آسيا داغر (1901ـ1986) التي لم تكن تعرف القراءة، ولا تملك حتى مصدر تمويل أسست شركة لوتس فيلم للإنتاج وتوزيع الأفلام، ولقبت بعميدة المنتجين وأم السينما المصرية، قدمت العديد من المخرجين المعروفين، وانتجت الأفلام التاريخية مثل شجرة الدر 1935، وأمير الانتقام 1950 عن الرواية الشهيرة الكونت دي مونت كريستو، كما انتجت شركتها فيلم الناصر صلاح الدين عام 1963. 
اعتمدت السينما التي تدار من قبل الذهنية الذكورية بشكل كبير على الصورة النمطية للمرأة، وعلاقتها بمحيطها بشكل سطحي بعيداً عن المجتمع، والتغيرات السياسية، وحتى وقت قريب كانت السينما تعتمد على الشخصيات غير المركبة. 
صورت المرأة بصورتين مختلفتين إما شريرة مغالية بالشر وإما طيبة حد السذاجة، تدور قصص الأفلام بمجملها حول علاقات الحب.
من خلال الأفلام حوربت الحركة النسوية وقضايا المرأة، عملت الذهنية الذكورية التي حكمت العمل السينمائي على إظهار المرأة الثائرة على المجتمع والتقاليد بصورة غير لائقة، وصورتها كسبب في دمار الأسرة ولربما المجتمع، وفي النهاية يُختم الفيلم بندم المرأة المطالبة بحقوقها على "الذنب الكبير" التي اقترفته ومن هذه الأفلام فيلم "مراتي مدير عام" 1966 من بطولة شادية.
بعد ثورة الضباط الأحرار عام 1952م واستلام الحكم من قبل سلطة أكثر انفتاحاً على قضايا المرأة، بدأت تتغير النظرة التقليدية تجاه المرأة، فكان فيلم "الأستاذة فاطمة" عام 1952 بطولة فاتن حمامة نقلة نوعية في الطرح الفني لقضايا المرأة حيث أنه قدم قضية المساواة كضرورة في المجتمع. 
ومع كل نظام سياسي كانت المرأة أداة لتمرير فكر السلطة الحاكمة فمنذ ثورة الضباط الأحرار استخدمت النساء لتمرير الفكر القومي، كانت الثائرة ورمزاً للوطن، طبعاً بما يخدم النظام.
لا يمكن الحديث عن الغناء بمعزل عن التمثيل ارتبط الفنين في السينما والتلفاز، أبدعت المرأة بكليهما ومنهن أم كلثوم وفاتن حمامة وشريفة فاضل وشادية ونادية لطفي، وما يزال المشاهد العربي يستمع لأغاني تلك الحقبة ويشاهد أفلامها بنفس الشغف. 
في السنوات الأخيرة سلطت الأفلام الضوء على قضايا تمس النساء منها كشف العذرية وتأخر الزواج، كما في فيلم "بنتين من مصر" من بطولة زينة وصبا مبارك، لكن شريحة كبيرة من المصريين لم تتقبل الفيلم واعتبرت أنه يسيء للمرأة المصرية، رغم شفافية الفيلم وعرضه لظاهرة تعاني منها الفتيات على طول البلاد وعرضها.
يتجه اللوم على الأفلام وخاصة التجارية منها والتي تُصنف تحت خانة "هابطة"، ففي عام 2013 ندد المجلس القومي للمرأة بعرض مجموعة من الأفلام اعتبرها هابطة ومتدنية أخلاقياً، وقال "إن تلك النوعية من الأفلام تؤدي إلى ازدياد واستفحال معدلات التحرش الجنسي بالشارع المصري" وطالب المسؤولين عن صناعة السينما باتخاذ خطوات جدية تجاه هذا النوع من الأعمال.
كما انطلقت حملة "خد بالك" على تويتر لمقاطعة هذه الأفلام التي لا يقل تأثيرها عن تأثر المخدرات بحسب وصفهم معتبرين أنها "ترفع شعار المتعة الرخيصة للكسب السريع... وتساعد على نشر الجهل والتخلف". 
 
أم كلثوم أيقونة الغناء العربي
أم كلثوم (1898ـ1975) ولدت باسم فاطمة بنت الشيخ البلتاجي لكنها اشتهرت باسم أم كلثوم وعرفت أيضاً بالست وسيدة الغناء العربي وكوكب الشرق وغيرها الكثير من الألقاب.
اشتهرت في القرن العشرين وما تزال تحتفظ بشهرتها حتى اليوم، ففي عام 1928 حصدت اسطوانتها التي ضمت أغنية "إن كنت أسامح وأنسى الآسية" أعلى المبيعات ودوى اسمها في الساحة الفنية. بعد عدة أعوام كانت أم كلثوم أول من غنى في الإذاعة المصرية.
حصلت على عدة جوائز من دول عربية منها وسام الرافدين من العراق عام 1946، ووسام النهضة من ملك الأردن عام 1975، وسام الجمهورية من تونس عام 1968، وسام الأرز من لبنان عام 1959.
توفيت كوكب الشرق بعد معاناة مع مرض التهاب الكلى وقصور القلب في القاهرة، شيعها حشد كبير من الناس حيث قدر عددهم بين (2 ـ 4) مليون شخص. 
 
المرأة في المجالات العلمية
أثر استمرار ضعف الاهتمام بالبحث العلمي في الوطن العربي عموماً وفي مصر خصوصاً على المرأة فكانت أعداد النساء اللواتي دخلنَّ المجال العلمي وأبدعن فيه قليلة جداً، ولكنها مهمة مقارنة بالوضع العلمي الذي تعيشه البلاد. 
برزت بعض الأسماء منهن سميرة موسى (1917ـ1952) أول عالمة ذرة مصرية. والمخترعة رنا القليوبي قامت من خلال شركة إفيكتيفا للتقنيات بعمل اختراع يجعل أجهزة الكمبيوتر تتعرف على الشعور الإنساني، وهي تعمل حالياً كمدير تنفيذي للشركة، ومن أبرز سيدات الأعمال في الشرق الأوسط. وأيمان غنيم عالمة الجيولوجيا اكتشفت بحيرة كبيرة قديمة مدفونة تحت رمال الصحراء الكبيرة في منطقة شمال دارفور في السودان في عام 2007.
 
 رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=H9JLuQQrCEw
https://www.youtube.com/watch?v=gDX-nuMnywY