الأدب والشعر والغناء... تمرد على السلطات في إيران

سعت الكاتبات والشاعرات من خلال كتاباتهن إلى رفض خنوع المرأة للسلطة الأبوية، اختلف طرح القضايا الوطنية بين الشعر والأدب والرواية، وطرحن مواضيع مختلفة تبدأ من الأسرة والصراع بين الجنسين من جهة وبين المرأة مع تقاليد المجتمع البالية من جهة أخرى.

مالفا محمد

مركز الأخبار ـ ورثت الأديبات والشاعرات الإيرانيات الفنون بمختلف أشكالها من أولى الحضارات في البلاد، ساهمن في نقل الأساطير من جيل إلى جيل وشكلن حجر أساس في التقدم الحضاري في البلاد، ومن خلال الأدب والشعر والقصائد عبرن عن أنفسهن وتمردن ضد السلطات.

 

الجواري والأدب

ساهمت الجواري في إيران بنشر الثقافة خلال عهد الخلافة العباسية ومنها الفنون الجميلة والغناء والشعر. الجواري اللواتي تم جلبهن من الحجاز كان لهن تأثير واضح على تطور فن الغناء في مدينة طهران، كانت الجارية دنانير من أشهر الجواري اللواتي برزن في مجال الغناء. دنانير جارية الشاعر العباسي محمد بن كناسة، لقبت بـ "البرمكية"، كانت مغنية وشاعرة ذات ثقافة عالية.

اعتبرت دنانير من أوائل الفنانات في عصرها، أصبحت من المغنيات الذائعات الصيت، وقد ألفت كتاباً في الأغاني باسم "مجرد الأغاني"، اشتهر الكتاب كثيراً حتى أخذ به العديد من أعلام الموسيقى والغناء واعتبر مرجعاً لهم.

أثرت النساء في الأدباء والشعراء كما كن ملهمات للكثير منهم، في ذلك الوقت انتشرت قصص الحب الرومانسي والقصائد التي وثقتها، ومن أشهر القصص التي انتشرت في ذلك الوقت قصة "شيرين"، حتى ذلك الوقت لم تعرف الرواية أو السرد الطويل ما عدا قصة شهرزاد الشهيرة.

لم تكتف الجواري بأن يكن ملهمات فقط لكن عدد منهن نظمن الشعر أيضاً وكن يستقبلن الأدباء في مجالسهن ويتبارين مع كبار الشعراء، لكن التاريخ لم يحفظ من ذلك إلا القليل حيث سيطر الرجال على كتابة التاريخ ومسحوا كل ما يهدد ذكوريتهم وانغلاق المجتمع الذي يخدم مصالحهم.

قدمت النساء الحرائر والجواري موضوعات شعرية مختلفة كالغزل والزهد والرثاء والمديح والهجاء، كانت بمجملها من نوع المقتطفات الشعرية ذات النظم الخفيف، أبدعت النساء في أدب المراسلات الشخصية وأدب التوقيعات كذلك. لم تقتصر التوقيعات على كبار رجال الدولة العباسية ويبلغ أدب التوقيعات من الأهمية بأنه الكلمة الوجيزة التي يوقع بها الخليفة أو وزيره.

تُعد التوقيعات النسائية جزء مهم من الأدب النسوي، تميزت كتابات النساء بقوة التعبير واللغة والسلاسة، الشاعرات استخدمن الألفاظ السهلة والتعابير الرقيقة والجمل القصيرة المعبرة.

 

الأدب الإيراني... فن الأسطورة والقصص

منذ القدم كانت صورة المرأة حاضرة في الأدب والشعر، كقصة "ويس ورامين" للشاعر الإيراني فخر الدين أسعد الجرجاني، والتي لا تقل أهمية عن قصة روميو وجولييت، والتي جاء على نهجها قصص أخرى كقصة "شيرين وفرهاد، خسرو وشيرين".

في جميع هذه القصص ظهرت المرأة كشخصية رئيسية لا ثانوية، وكانت تصور مساوية للرجل، شجاعة ومستقلة. أما في قصص ألف ليلة وليلة العمل الأدبي الكلاسيكي، تسرد مجموعة من القصص الفولكلورية من القرون الوسطى، والتي كُتبت باللغة العربية في الأصل، فقد صور الملك شهريار كرجل ظالم وقوي مشبع بالذكورة، كان يتزوج فتاة عذراء كل يوم ويأمر بقطع رأسها في اليوم التالي.

إلا شهرزاد فقد تم تصويرها كامرأة فارسية مليئة بالشجاعة والحكمة والدهاء، وبفضل حنكتها استطاعت أن تعيد الملك إلى صوابه شيئاً فشيئاً عن طريق حكاياتها. تم جمع هذا الكتاب على مدى العصور من مناطق متعددة، غير أن نواة القصص تتمثل في المجموعة الفارسية بعنوان "هزار أفسانا" (ألف حكاية وحكاية).

مع بدايات القرن العشرين أحدثت موجة كبيرة في طباعة ونشر مئات الكتب لكاتبات إيرانيات. هذا ما أدى إلى ولادة حركة نسوية جديدة مختلفة في إيران، شكلت ظاهرة في الأدب، لكونه الصوت الحي للمرأة الذي من خلاله تمكنت من التواصل مع غيرها من الإيرانيات اللواتي مررن بالمعاناة نفسها، تماماً كما فعلت الروائية الأولى في إيران سيمين دانشور في تجسيد قصص النساء في رواياتها.

فقد انتقدت فروغ فرخزاد (1934-1967)، التي وصفت بأنها سيلفيا بلاث الإيرانية، الحدود الأبوية للمجتمع الإيراني وتحدت مكانة المرأة داخلها.

تعتبر فروغ فرخزاد من أشهر الشاعرات الإيرانيات في الأدب الحديث. أصدرت أول ديوان لها في عام 1955 بعنوان "الأسير"، أثارت الجدل والانتباه حولها كمطلقة تحمل أفكار نسوية جدلية. وفي عام 1958 نشرت ديوانين آخرين بعنوان "الجدار" و"الثورة". وفي عام 1963 نشرت ديوان "ميلاد مجيد" والذي شكل علامة فارقة في تاريخ الشعر الإيراني الحديث.

شكلت الثورة نقطة تحول أخرى للأدب الإيراني، ففي السنوات التالية، كانت هناك فترة قصيرة من الحرية عززت كلاً من المنشورات المستقلة والأنشطة الفكرية الأخرى. بيد أن هذا المناخ المتفائل والمفعم بالنشاط لم يدم طويلاً، فقد شهدت الثمانينيات أسوأ العقود التي عاشها الأدب الإيراني، إذ قوض القمع الإسلامي، والحرب مع العراق والمشاكل الاقتصادية الملحة، من بين أمور أخرى، آفاق الكتاب وخاصة النساء منهم الذين لم يختاروا المنفى. ومع ذلك، تغير المشهد الأدبي مجدداً مع وصول محمد خاتمي إلى السلطة عام 1997.

مهد الانفتاح السياسي الطريق أمام ظهور جيلٍ جديد من الكتاب الشباب، واكتسب كتاب أمثال زويا بيرزاد إشادة من النقاد وجمهور كبير. وفي هذه الفترة، ظهرت العديد من الصحف الإصلاحية التي جذبت جمهوراً واسعاً. كما كانت الصفحات الأدبية تحظى بشعبية، وتم إنشاء عدد من الجوائز الأدبية غير الحكومية. وقد مُنحت نصف هذه الجوائز لنساء، إذ كان نصف هؤلاء النسوة يكتبن لأول مرة.

 

"أن تقرأ لوليتا في طهران"... الأدب النسائي من المنفى

لم تكتفي المرأة بتجسيد معاناة النساء في بلادها، بل حاولت عن طريق الرواية والأدب أن تدفع الحدود وأن تحارب من أجل التغيير الاجتماعي والديني والسياسي وطرحن مواضيع مختلفة تبدأ من الأسرة والصراع بين الجنسين من جهة وبين المرأة مع تقاليد المجتمع البالية من جهة أخرى. سعت الكاتبات من خلال كتاباتهن إلى رفض خنوع المرأة للسلطة الأبوية، اختلف طرح القضايا الوطنية بين الرواية المكتوبة في إيران وبين نظيرتها في بلاد المهجر.

 فأصبح ينظر إلى الكتابة في المجتمع الإيراني كتمرد أو كفعل ثوري يتحدى الدولة والسلطات السياسية في البلاد كرواية "أن تقرأ لوليتا في طهران" للكاتبة آذر نفيسي التي كانت بمثابة القنبلة للمجتمع الإيراني، فقد نظر إلى هذا الكتاب كتحد للدولة حتى قبل إدراك محتواه، وبالرغم من منع السلطات لهذا الكتاب إلا أن المجتمع قد وجد طريقته في الحصول على نسخ منه، الأمر الذي فسره البعض على أنه رغبة للانفتاح.

في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي برزت ظاهرة الكاتبات الإيرانيات في المهجر، إلى أن أخذت هذه الظاهرة في التعمق والتوسع خاصة بعد خروج كاتبات الجيل الجديد إلى المنفى هرباً من السلطات السياسية التي تحكم البلاد، وبمجرد خروجهن من البلاد أقبلن على الكتابة بلغات أجنبية مثل الإنكليزية والفرنسية، وقد لقيت كتابات الأدب النسائي الإيراني رواجاً عالمياً كبيراً.

تميزت الروائيات بالجرأة في محاولة تحطيم القيود لكن بشكل غير مباشر، تمكنت الروائية والأكاديمية الإيرانية آذر نفيسي صاحبة رواية "أن تقرأ لوليتا في طهران" التي نشرت في عام 2003، من تحقيق شهرة واسعة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. جسدت ظاهرة صعود الكتابة النسائية الإيرانية في المنفى الوجه الآخر لحركة الرواية النسائية داخل البلاد التي تزخر بأصوات مهمة للغاية ترجم البعض منها عالمياً وبقي الآخر باللغة الإيرانية. وهي من أهم روايات الأدب النسائي الإيراني التي تناولت واقع البلاد بعد الثورة الإسلامية.

ترجمت روايتها إلى أكثر من 32 لغة بينها العربية، ويمكن اعتبار هذه الرواية أقرب للسيرة الذاتية أو التوثيق، إذ تسرد آذر نفيسي من خلالها على مدار أكثر من 500 صفحة ذكرياتها في إيران منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى أواخر تسعينياته حين قررت ترك البلاد والسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية. أبرز ما قالته في الرواية "الدرس الأول في الديمقراطية: بإمكان كل فرد أن يتمتع بحقه في الحياة والحرية والسعي لنيل السعادة، أياً ما كانت تفاهة أو وضاعة ذلك الفرد".

وطوال أحداث الرواية تسرد آذر نفيسي بخيبة أمل واضحة وإحباط شديد عن القوانين التي فرضت على المجتمع الإيراني عقب الثورة الإسلامية، وتعرج بعد ذلك على أجواء الحرب العراقية الإيرانية والخوف الذي خيم على النفوس، ركزت على عملها كأستاذة للأدب الإنكليزي في جامعة طهران لتتفاجأ بعد ذلك بمنع تعليم الروايات التي كان يراها النظام تشجيع على الرذيلة ومن بينها رواية "لوليتا" للكاتب الروسي نابوكوف التي تتناول قصة جريئة تحكي عن تعقيدات النفس الإنسانية ولهذا منعت وسحبت من المكتبات الإيرانية، وقد اختارت عنوان روايتها للربط بين غضبها ورفضها للثورة الإيرانية ورفض نابوكوف للثورة الروسية.

 

رواية "سجينة طهران"... عن الحياة داخل المعتقلات الإيرانية

خلال عام 2003 اعتقلت المصورة الإيرانية زهرة كاظمي وذلك حين كانت تصور أقارب المعتقلين خارج سجن إيفين في مدينة طهران، وبعد أقل من شهر على اعتقالها توفيت في السجن ودفنت جثتها بسرعة دون إجراء تشريح لمعرفة سبب الوفاة، وبعد هذه الحادثة تحديداً قررت الكاتبة الإيرانية مارينا نعمت أن تخرج عن صمتها الطويل وتحكي في روايتها "سجينة طهران" عن معاناة السجناء السياسيين في سجن إيفين الرهيب الذي قضت داخل أسواره سنتين وشهرين وأثنى عشر يوماً بتهمة إهانة الثورة الإسلامية.

بدأت قصة مارينا نعمت في كانون الثاني/يناير عام 1982، اعتقلت وهي لا تزال مراهقة صغيرة في السادسة عشرة من عمرها، على يد السلطات الإيرانية لأنها احتجت على قرار أحد المدرسين بتدريس الثقافة الإسلامية في حصة الرياضيات وهنا قال لها المدرس "إذا لم تستسيغي الحصة بإمكانك الرحيل"، فما كان منها إلا ترك الصف فتبعها معظم الطلبة ونتيجة لذلك اعتقلت وحكم عليها بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى المؤبد وضغط عليها أحد السجانين ويدعى "علي" للموافقة على دخول الإسلام والزواج به وإلا فأنه سيلحق الأذى بعائلتها، فوافقت مارينا نعمت على الزواج به قسراً لكن علي نفسه قتل فيما بعد ضمن حملة تصفية حسابات داخل السجن.

في نهاية الرواية تخبرنا مارينا نعمت التي خرجت من السجن بعد سنتين وسافرت إلى كندا، أن "لون السماء لا يتغير أينما ذهبت، لكن السماء في كندا كانت تختلف عن سماء إيران إذ كان لونها أكثر زرقة، وبدت بلا نهاية وكأنها تتحدى الأفق".

 

"بنات إيران"... تاريخ إيران الحديث

ركزت أغلب الروايات النسائية على سرد معاناة المرأة مع مجتمعها الإيراني وذلك من خلال ثنائيات "الداخل والخارج، العنف والعنف المضاد، القمع المتتالي، المنع والحجر، الرفض والقبول". تنقسم رواية "بنات إيران" للكتابة ناهيد رشلان إلى 41 فصلاً يبدأ فيها الزمن منذ عام 1946 ويمتد حتى عام 2006 ساردةً تاريخ إيران من وجهة نظر المهمشين، حيث تحكي الرواية قصة عائلة إيرانية من الطبقة المتوسطة تعيش في حالة من التعصب والانغلاق.

 

الشعر إبداع وتميز نسوي

تعرف إيران بشعرها الراقي ولغتها القوية، كما تنتشر في البلاد قصائد باللهجة العامية ولها من الشهرة الكثيرة. تنوعت المواضيع التي تطرق لها الشعر. المرأة وعلاوة على كونها تكتب القصائد، فهي البطل في جميع كتابات الشعراء.

في تاريخ إيران، النساء وصناع الثقافة هم في الغالب شاعرات. كان الشعر هو الوسيلة التي تمكنت النساء من خلالها من التعبير عن أنفسهن بطريقة مقبولة أكثر. لم ترد أنباء عن الشاعرات حتى القرن الرابع الهجري تقريباً. وطبعاً هذا الغياب ينطبق أيضاً على الرجال، بينما في القرن الخامس، كانت ماهاستي هي سيدة الرباعية في بلاط السلطان سنجار السلجوقي. كانت تعرف الموسيقى وتعزف على القيثارة وتتلو الشعر.

في القرن التاسع كانت هناك شاعرتان مشهورتان. بيجة منجمه، التي قارنت وناقشت جامي وجميلة أصفهاني التي تلت أشعارها في المقاهي في عهد الشاه عباس. شاعرة القرن العاشر الشهيرة هي ابنة الشاعر الشهير في ذلك الوقت هلالي أسترابادي. هذه المرأة رغم أنها تمتلك قصائد جميلة جداً إلا أن اسمها غير معروف ولم يرد ذكره في التاريخ، واكتفى المؤرخون بحقيقة أنها ابنة هلالي أسترابادي.

في القرن الثالث عشر كانت معظم زوجات وأمهات وبنات فتح علي شاه ونصر الدين شاه من الشعراء في البلاط القاجاري، وأشهرهم شاه بيجوم (ابنة فتح علي شاه).

ومن أشهر الشاعرات المعاصرات جيلا حسيني وهي شبيهة فروغ فرخزاد أُخرى من شرق كردستان، استلهمت كتاباتها من مكتبة والدها وبدأت بكتابة الشعر وهي في سن الخامسة عشرة. بدأت جيلا بكتابة الشعر في سن الخامسة عشرة وبإحساس مرهف وكبير نظمت كلمات قصائدها.

ولدت جيلا حسيني عام 1964 في سقز بشرق كردستان ضمن عائلة أدبية مهتمة بالشعر، تطرقت من خلال شعرها إلى آلام وأفراح المجتمع الذي تعيش فيه ودفعت الناس للإحساس بهذه الآلام والأفراح التي جسدتها في قصائدها. وقد تمت طباعة ونشر دواوين قصائدها بالعديد من اللغات. بالإضافة إلى الشعر والقصص القصيرة كتبت أيضاً حكايات للأطفال. ونظراً لثراء محتوى قصائدها وغناها بالمواضيع المهمة عُرفت من قبل العديد من المشاهير، أول أعمالها كان كتاباً بعنوان ذهب مع الريح "Ber bayê çu" كتبته باللغة الفارسية.

بالإضافة إلى بارفين إتيسامي وفروغ فرخزاد، ذاع صيت فخر أعظمي والدة الشاعرة المعاصرة سيمين بهبهاني. بينما برزت حميدة سبهري من بين أشهر شاعرات ما بعد الدستور.

وكانت دانشفار سيمين أول روائية معاصرة من مدينة شيراز، بعد عامين من نشر كتابها، تزوجت من المؤلف جلال الأحمد، بعد تخرجها من جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية عادت إلى إيران لتعمل في جامعة طهران واستمرت أنشطتها هناك حتى عام 1979.

من جانبها تعد بيبي فاطمة أسترابادي أول كاتبة هجائية في إيران، اشتهرت أكثر فأكثر من خلال كتاباتها عن عيوب الرجال رداً على كتاب "تأديب النساء"، سبق لها أن كتبت مقالات عن المرأة ونشر مقالها الأول في جريدة تامادون.