سولماز عباسي... رياضية حلمت بالحرية وقُتلت لأنها طالبت بحقها
سولماز عباسي، مدربة كرة طائرة بارزة وعضوة سابقة في المنتخب الوطني الإيراني للتجديف السيدات، قُتلت طعناً في مكتب محاميتها، وكان "جُرمها" الوحيد هو مطالبتها بحقوقها القانونية بعد اتخاذها قرار الطلاق.

فيان مهربرور
أورمية ـ يوم دفنها كان صدمة كبيرة لكل من شيّع جثمانها، امرأة تبلغ من العمر 43 عاماً، حصلت على مكانة خاصة في قلوب المئات، لم تُدفن بإرادتها أو لأسباب طبيعية، بل فقط لأنها امرأة، قصة حياة سولماز عباسي المؤلمة، رغم تميزها، تشبه قصص آلاف النساء اللواتي يُقتلن في إيران على يد أزواجهن فقط لأنهن تسعين لحياة حرة وحقوق إنسانية.
سولماز عباسي، من مواليد 29 كانون الثاني/يناير 1983 في مدينة أورمية شرق كردستان، كانت مدربة بارزة في كرة الطائرة وواحدة من أعضاء المنتخب الإيراني للتجديف السيدات، فازت في دورة الألعاب الآسيوية في إنتشون عام 2014 بميداليتين برونزيتين في منافسات فردية وجماعية، وكانت بصفتها رياضية ناجحة، تشير دوماً إلى العقبات والتحديات التي تواجهها النساء الرياضيات في إيران، ولو كانت على قيد الحياة، لبدأت هذا الخريف عملها كمعلمة في وزارة التربية والتعليم.
عاطفة شرفي، إحدى مئات الطالبات اللاتي تعلمن على يد سولماز عباسي، قالت "كانت كأم ثانية ليّ، لم تكن تساندني فقط في النادي الرياضي، بل حتى في شؤون الحياة الأخرى، كانت سولماز عباسي من المدافعات الحقيقيات عن حقوق المرأة"، مضيفةً أن جميع صديقاتها وطالباتها يصفنها بأنها "امرأة قوية، طيبة، ومدافعة عن حقوق النساء".
توفيت لأنها طالبت بحقها
لكن ما الذي جعل هذه الشخصية البارزة والمستقلة ضحية لثقافة وقوانين المجتمع الذكوري في إيران؟ تُجيب عن هذا السؤال إحدى أقاربها فهيمة محمدي (اسم مستعار) "كانت سولماز عباسي تعاني منذ فترة طويلة من مشاكل مع زوجها، لكن بدا وكأن الجميع كانوا يدعونها للصمت وحل المسألة في الخفاء، من أجل ابنها البالغ من العمر 17 عاماً، وبعد تفاقم الخلافات مع زوجها، قررت الانفصال عنه".
وأوضحت أنها "كانت مستقلة مادياً منذ سنوات وكانت امرأة ناجحة، لكن زوجها لم يكن كذلك، بعد أن قررت الانفصال، طالبت بالطلاق واسترداد ممتلكاتها ومهرها وحقوقها، لكن هذا الرجل نقل ممتلكاته إلى اسم والده هروباً من الالتزامات المالية، وبعد أن أصرت سولماز عباسي على متابعة الأمر، هدّدها بالقتل وقد نفذ تهديده".
وأضافت أنه "في مساء يوم 27 حزيران الماضي، حوالي الساعة التاسعة مساءً، قُتلت هذه المدربة الرياضية بعد تلقيها 27 طعنة سكين داخل مكتب محاميتها، ووفقاً لمصادر مطلعة، وبسبب تهديدات سابقة تلقّتها من زوجها، اختارت سولماز عباسي عقد هذا اللقاء في مكتب المحامية خوفاً من تعرضها لأي اعتداء، إلا أن الرجل هدد المحامية وموظفي المكتب، واحتجزهم كرهائن تقريباً، ثم اقتاد الضحية إلى غرفة أخرى ووجّه لها الطعنات القاتلة، بعد ذلك، حاول الانتحار لكنه لا يزال على قيد الحياة ويتلقى العلاج في أحد مستشفيات أورمية، وهو رهن الملاحقة القانونية".
الصمت مقابل الحياة... سياسة النظام الأبوي
قتل النساء في إيران بسبب مطالبتهن بحقوقهن القانونية مثل المهر، الطلاق، حضانة الأطفال أو النفقة، ليس ظاهرة نادرة. كثيرات من هؤلاء النساء تعرّضن لتهديدات متكررة قبل مقتلهن، ومع ذلك لم توفر لهن لا المنظومة القضائية ولا الجهات الداعمة أي حماية. وبحسب أقارب سولماز عباسي، هي أيضاً تلقت تهديدات عديدة شفوية ومكتوبة قبل مقتلها.
حيث قالت شكیلا أحمدي، طالبة في دراسات المرأة "في بنية المجتمع الذكوري، المرأة التي تطالب بحقها تُوصم بلقب "متمردة" أو "مخربة للأسرة"، والقانون قد يعترف ببعض هذه الحقوق نظرياً، لكن الوصول الفعلي إليها مكلف وصعب لدرجة أن كثيراً من الحالات تنتهي بالعنف، وبعض أشكال هذا العنف تصل إلى القتل".
وأوضحت أنه "حتى عندما تطالب النساء بالقليل مما وُعِدن به قانونياً، يُقابَلن بالغضب والرفض، وغالباً لا يتعاطف المجتمع معهن، فبدلاً من محاسبة المعتدي، تُلام الضحية، لماذا طالبتِ بمهرِك؟ لماذا اشتكيتِ؟ لماذا لم تصمتي؟ لماذا لم تسامحي؟".
قضية قتل سولماز عباسي مثال آلاف الجرائم التي تظهر أن النساء في إيران غير آمنات لا في البيت ولا في الشارع ولا حتى في مكتب طبيب نفسي أو مستشار، وفي ظل غياب ملاجئ آمنة، وحماية قانونية فعالة، ووعي مجتمعي، تصبح كل امرأة تطالب بحقوقها عُرضةً للتهديد الذي قد يصل إلى الموت، وفي الوقت نفسه، لا يملك النظام الإيراني أي قانون يحمي النساء، بل إنه يعمّق دوّامة قتلهن بما يخدم مصالحه السلطوية.