ست سنوات على التحرير... قصص نساء الباغوز في مواجهة التحديات

من بين أطلال الدمار وفوضى اليأس، تبرز بلدة الباغوز كنموذج حي للنهضة والتجدد، وتعد رمزاً لقدرة الشعوب على النهوض من أعماق المعاناة وتجاوز آثار الحروب، تجسد هذه البلدة المعنى الأصيل للانتفاض ضد المحن، من خلال وحدة أبنائها وتمسكهم بأرضهم.

زينب خليف

دير الزور ـ مع اقتراب الذكرى السادسة لتحريرها، أثبتت بلدة الباغوز بمقاطعة دير الزور بإقليم شمال وشرق سوريا، بفضل تلاحم مجتمعها، تقدماً ملحوظاً في السنوات الخمس الأخيرة، إذ تمكنت من تحسين واقعها الخدمي، توفير الدعم لقاطنيها، وإحياء تراثها من جديد.

الباغوز أكثر بلدات ريف دير الزور تضرراً من الأحداث الدامية، شهدت محطات صعبة خلال سنوات الحرب، خاصة قبل تحريرها على يد قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي في الثالث والعشرين من آذار/مارس عام 2019.

شكل تحرير البلدة نقطة محورية في الصراع ضد داعش، حيث تركز فيها العديد من عناصر المرتزقة وعائلاتهم، وقد أسفرت المعارك العنيفة عن دمار واسع ترك أثراً عميقاً نفسياً واجتماعياً على سكانها، ولكن رغم كل هذه التحديات، نجحت الباغوز في استعادة بعض ملامح الحياة الطبيعية بفضل إرادة أهلها وصلابتهم، لتبدأ رحلة إعادة الإعمار وتحسين الخدمات التي انطلقت بعد عام من التحرير، ليثبتوا أن القوة في الوحدة والإصرار على بناء المستقبل.

وللاطلاع على التغيرات التي طرأت على حياة النساء في البلدة، التقت مراسلة وكالتنا بعدة نساء من بلدة الباغوز.

 

الذكرى السادسة لتحرير الباغوز... نضالٌ مستمر

 

 

تقول الرئاسة المشتركة لمجلس ناحية السوسة صافية الأحمد، أنهم منذ خمس سنوات وهم يحتفلون في الثالث والعشرين من آذار/مارس من كل عام، بذكرى تحرير الباغوز من قبضة داعش، تلك اللحظة التاريخية التي سجلت انتصاراً كبيراً لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة، هذا التحرير لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان بداية مرحلة جديدة من بناء المجتمع المحلي، وعودة الحياة إلى منطقة كانت تعاني من ويلات الحرب والدمار، اليوم، نُحيي ذكرى هذا التحرير، ونستذكر جميع التضحيات التي بذلها أهالي الباغوز، والنساء خاصة، في صراعهم المستمر لاستعادة كرامتهم وحريتهم".

 

المرأة في صلب معركة التحرير

وأوضحت أن الباغوز، التي كانت آخر معاقل داعش في المنطقة، عاشت تحت ظلم التنظيم الإرهابي لسنوات طويلة، في ظلام ويأس، وتعرضت بنيتها التحتية لتدمير هائل، إلى جانب فقدان الكثير من الأرواح وتهجير آلاف الأسر التي سلبت منهم جميع حقوقهم، ومع انطلاق معركة التحرير من قبل قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة اللتين قدمتا تضحيات عظيمة لتحرير المنطقة، أشرقت شمس الأمل على سكانها.

وأكدت على أنه لا يمكن الإغفال عن الدور الحاسم الذي لعبته المرأة في معركة التحرير وما بعدها، فالنساء كن في طليعة المعركة ضد داعش، وكن في الصفوف الأمامية لجبهات القتال، وتنظيم المقاومة، ورعاية الجرحى، وتقديم الدعم لعائلات الشهداء، واستمر دور المرأة في إحداث التغيير بعد التحرير، حيث كانت شريكاً أساسياً في عملية إعادة إعمار المنطقة، وانخرطن ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية المحلية، وقمن بتفعيل دورهن في مختلف المجالات الخدمية والإدارية.

 

إعادة الإعمار... من الدمار إلى التنمية المستدامة

وأشارت إلى أنه بعد مرور ست سنوات على التحرير، لا تزال الجهود مستمرة لتوفير حياة كريمة لسكان البلدة، فقد تم التركيز على إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة، بدءاً من شبكات المياه والكهرباء، حيث تم توفير محطات مياه صالحة للشرب، وتحسين خدمات الكهرباء والصرف الصحي التي تضررت بشدة نتيجة الحرب، وصولاً إلى إعادة بناء المدارس والمراكز الصحية التي تم تدميرها.

ولفتت إلى أن إعادة الإعمار لم يكن يقتصر على الجانب المادي فقط، بل شمل أيضاً توفير خدمات اجتماعية وحياتية للمجتمع المحلي، حيث تم التركيز على الزراعة والتعليم وتنمية المشاريع الصغيرة، فالباغوز تعيش اليوم مرحلة جديدة من التنمية المستدامة التي تشمل كافة جوانب الحياة اليومية.

 

نساء الباغوز... قصص من الأمل والحرية

 

 

وعن دور المرأة ما بعد التحرير وإقبالها على كافة المجالات تقول الرئاسة المشتركة للمجلس المحلي في بلدة الباغوز ليندا الهبو، أن النساء قد حصلن على فرص كبيرة في المجالات الإدارية والمهنية خلال السنوات الماضية، مشيرةً إلى أنه هناك أنشطة مستمرة لدعم النساء، بما في ذلك التنسيق مع المنظمات المحلية والدولية لتقديم مشاريع تهدف إلى دعم العائدات من مخيم الهول وغيرها من المناطق المتأثرة "لقد أصبح دور المرأة في الباغوز رمزاً للنضال والمثابرة، ولا تزال تشارك في بناء المستقبل بشكل فعال".

 

 

وأوضحت فادية الأحمد أنها بعد سنوات من العيش في ظلام، أصبح بإمكانها الخروج والعمل في أرضها دون خوف من القمع أو الإرهاب "تحرير البلدة كان حلماً وتحقق".

 

 

من جانبها تقول هدى الشيخ أنها نزحت من البلدة إثر الهجمات المكثفة عليها وسيطرة داعش عليها حيث حرمن من حقوقهن ومنعن من الخروج من منازلهن، ولكن بعد تحريرها عادت إلى بلدتها "بعد خمس سنوات من التحرير والعمل على بناء البلدة، تحسنت الأوضاع، في البداية واجهنا صعوبة في زراعة الأراضي، فرغم حراثتها لم يكن المحصول جيداً"، مضيفة "اليوم أزرع أرضي بكل أمل وأعيش حياة حرة وكريمة، لا يوجد شيء أغلى من الحرية التي نعيشها الآن بعد أن تخلصنا من إرهاب داعش".