شبكة النساء العراقيات تعقد مؤتمرها الوطني حول الحقوق والمساواة للنساء

نظمت شبكة النساء العراقيات مؤتمراً وطنياً في بغداد بعنوان "الحقوق والمساواة وتمكين النساء والفتيات في العراق"، ناقش فيه المشاركون أبرز التحديات التي تواجه المرأة، وسُبل تعزيز دورها في المجتمع والتنمية.

رجاء حميد رشيد

العراق ـ أكدت المشاركات في المؤتمر على ضرورة تعزيز الحماية القانونية للنساء والفتيات، ومواجهة الأعراف المجتمعية والأنماط الثقافية التي تكرّس التمييز وعدم المساواة، إضافة إلى أهمية إشراك المرأة في بناء السلام وتنفيذ برامج التنمية المستدامة.

عقدت شبكة النساء العراقيات مؤتمراً وطنياً في بغداد يومي الجمعة والسبت 17 و18 تشرين الأول/أكتوبر، تحت شعار "الحقوق والمساواة وتمكين النساء والفتيات في العراق"، بهدف تعزيز مسار الحركة النسوية في البلاد.

ناقش المؤتمر أبرز مظاهر العنف والتحديات التي تعيق حصول النساء والفتيات على حقوقهن وحرياتهن المكفولة دستورياً، في ظل ضعف الحماية القانونية وسيطرة الأعراف المجتمعية والأنماط الثقافية التي تعزز التمييز وعدم المساواة داخل الأسرة والمجتمع، كما سلط الضوء على تهميش دور المرأة في بناء السلام والمشاركة الفاعلة في تنفيذ برامج التنمية المستدامة.

كما سعى المؤتمر إلى تقييم عمل شبكة النساء العراقيات وتنظيمها الهيكلي والإداري، وتحديث استراتيجيتها في ضوء تحديد الفرص والتحديات التي تواجه العمل النسوي ومنظمات المجتمع المدني.

 

التضامن قوة للتغيير

واستُهِلّ المؤتمر بكلمة للناشطة الحقوقية هناء أدور، استعرضت خلالها محاور المؤتمر الرئيسية، مشددةً على أهمية القضايا المطروحة ودورها في رسم مستقبل حقوق الإنسان، لاسيما حقوق النساء والأطفال في العراق.

وأوضحت أن المحور الأول من المؤتمر يتناول تطبيقات قانون الأحوال الشخصية رقم (1) لعام 2025، وتداعياته السلبية على أوضاع النساء والأطفال، وتؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الأسري والمجتمعي، وأن هذا القانون، بصيغته الحالية قد يشكل تهديداً حقيقياً لمبادئ العدالة والمساواة التي يكفلها الدستور العراقي.

أما المحور الثاني، فركز على مسار الحركة النسوية العراقية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والدور المحوري الذي تلعبه النساء في هذا السياق، من خلال المشاركة في قضايا الشأن العام والدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، وأكدت على أن التضامن النسوي في مواجهة التحديات وأن هذا التضامن يجب أن يشمل الناشطين والناشطات وجميع منظمات المجتمع المدني خاصةً في ظل محاولات تقييد وتقليص أدوار هذه المنظمات.

أما المحور الثالث فقد تناول الانتخابات القادمة والمشاركة السياسية للنساء، ودورهن في بناء النظام الديمقراطي، الذي يُفترض أن يضمن الحقوق والحريات المكفولة دستورياً، وعبّرت عن قلقها إزاء ما قد تؤول إليه الأوضاع بعد الانتخابات، وتساءلت كيف يمكن للناشطين والناشطات أن يساهموا في دفع عجلة بناء ديمقراطية حقيقية في العراق؟ وشدّدت على أن المشاركة الواسعة في الانتخابات، وتوعية المواطنين بضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع، تمثلان شرطًا أساسياً لأي تغيير حقيقي في البلاد.

وفي سياق حديثها، تطرقت إلى الوضع الإقليمي والدولي، مشيرةً إلى أن قضية غزة وفلسطين لم تعد محلية أو إقليمية فحسب، بل باتت قضية عالمية تتطلب مواقف إنسانية وأخلاقية وقالت "من هذا المنبر نعبّر عن تطلعنا إلى تضامن واسع داخل العراق أيضاً، وألا نكتفي فقط بمراقبة التضامن الدولي، قلوبنا اليوم مع هذا الشعب الذي يعاني منذ أكثر من 76 عاماً، ويتعرض الآن لجرائم إبادة طالت الأطفال والنساء، الذين يشكلون غالبية الضحايا في العامين الأخيرين، قلوبنا كلها تنظر بالحب بالوفاء من أجل تعزيز هذا التضامن ومن أجل وقف حرب الابادة وأن ينال الشعب الفلسطيني الحقوق المشروعة في العودة وفي تحقيق المصير لتحقيق بناء دولة مستقلة التي يقررها الشعب نفسه".

واختتمت كلمتها بالتضامن مع الشعوب الشقيقة في السودان ، اليمن ، ليبيا ، تونس ، المغرب ، وفي سوريا قائلة "إنهم يعانون معاناة نحن مررنا بها سابقا معاناة الطائفية والارهاب، لذلك علينا تعزيز علاقتنا مع شقيقاتنا السوريات اللبنانيات وفي الاردن، ولهذا نؤكد على تضامننا النسوي ليس فقط على مستوى العراق وإنما مع شقيقاتنا في البلدان العربية وأيضاً على المستوى العالمي".

 

الجلسة الأولى... تعديل قانون الأحوال الشخصية                                                     

وحول تعديل قانون الأحوال الشخصية، وعن المساعي المتكررة لتعديل هذا القانون، والضغوط التي مورست في الدورات البرلمانية السابقة بهدف تمريره قالت المحامية ريزان شيخ دلير، إن مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية قُدم أكثر من مرة إلى مجلس النواب خلال السنوات الماضية، إلا أن منظمات المجتمع المدني والنشطاء، ورغم جهودهم الكبيرة، لم يتمكنوا من تمرير المشروع أو تشريعه، مضيفةَ أنه في الدورة البرلمانية الرابعة، طُرح مشروع تعديل يخص فقرة من قانون الحضانة (المادة 57) ضمن قانون الأحوال الشخصية، لكنه أيضاً لم يُقر.

وأكدت أنه "على الرغم من قلة عددنا كنائبات في البرلمان، حيث لم يتجاوز العشر نائبات، فإننا تمكنّا من الوقوف بقوة ضد هذا التعديل ورفضه، بدعم من منظمات المجتمع المدني وعدد من النواب الرافضين لتقييد حقوق المرأة"، مشيرةً إلى أن الدورة البرلمانية الخامسة شهدت تمرير قانون وصفته بأنه كارثة على الأسرة العراقية، وذلك عند ربطه بما يسمى المدونة الجعفرية، حيث أن القانون الجديد جاء متشدداً حتى ضمن المذهب الجعفري نفسه، وأنه أدى إلى إقصاء المرأة من دورها داخل الأسرة، بل جعلها، بحسب تعبيرها، "كأنها زائرة في بيتها".

وشددت على أن هذا التوجه يمثّل تراجعاً خطيراً في مكانة المرأة داخل المجتمع والأسرة "لم نكن نعرف الطائفية أو الانقسام المذهبي بهذا الشكل، كنا وما زلنا شعباً واحداً، وكل المذاهب لا يجب أن تُستخدم كأدوات لإهانة المرأة أو الانتقاص من حقوقها".

 

الجلسة الثانية... مسار الحركة النسوية في العراق

بدورها سلطت نادية محمود رئيسة تحالف أمان نسوي، الضوء على التحديات التي تواجهها الحركة النسوية في العراق، وعلى الازدواجية الواضحة في مؤسسات الدولة، التي تجلّت من خلال التناقض بين ما ينص عليه الدستور العراقي من جهة، والاستراتيجيات الوطنية والممارسات الفعلية من جهة أخرى مستشهدةَ بـ المادة 30 من الدستور، التي تنص على ضمان الرفاهية للأسرة والمجتمع، وصون كرامة المرأة وحمايتها، إلى جانب الخطط الوطنية المرتبطة بالقرار الاممي1325 والتي أُطلقت في ثلاث مراحل (الأولى، الثانية، والثالثة)، وجميعها تؤكد على إنهاء العنف ضد النساء.

وأشارت إلى أن قانون تجريم العنف الأسري لا يزال يواجه رفضاً في البرلمان، دون وجود أي موقف داعم من رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة، أو حتى من باقي الجهات الرسمية، أن هذا الصمت الحكومي يكشف عن فجوة حقيقية بين الخطاب الرسمي والتطبيق العملي.

وأضافت أنه "في العراق وبينما تتحدث الخطط الوطنية عن إنهاء العنف، جاءت المدونة الجعفرية وسط صمت كامل من مؤسسات الدولة"، لافتةً إلى أن الدولة تفتقر إلى رؤية واضحة ومتماسكة بشأن قضايا النساء، وأن هناك تناقضاً صارخاً في السياسات، يتجلى في مثال إلغاء خطط تمكين المرأة ومشاريع الجندر، التي عملت عليها الحكومات لفترة، ثم تراجعت عنها.

كما تناولت خلال حديثها أشكال التضامن النسوي، وأشارت إلى أنه عبّر عن نفسه بوسائل متعددة، منها جلسات هذا المؤتمر، والوقفات الاحتجاجية، حتى وإن كانت محدودة العدد، إضافة إلى التجمعات النسوية والتنسيق عبر التطبيقات مثل "واتساب"، والتي تُستخدم كوسائل غير رسمية تجمع بين الناشطات لتبادل النقاش حول القضايا التي تواجههن، والتعبير عن الغضب، ومشاركة التجارب، والعمل المشترك بشكل طوعي، وهذه المبادرات تمثل أحد أشكال التضامن والتشبيك النسوي المستمر في مواجهة التحديات الراهنة.

 

الجلسة الثالثة: فرص النساء في الانتخابات القادمة

من جانبها تحدثت ممثلة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، نبراس أبو سودة، عن جهود المفوضية في تعزيز مشاركة النساء في الانتخابات المقبلة، مؤكدة أن المفوضية رغم كونها جهة تنفيذية محايدة وبعيدة عن التأثيرات السياسية والإعلامية، فإن من بين مسؤولياتها الأساسية التثقيف والتوعية الانتخابية.

وأوضحت أن المفوضية تتبنى هذا الدور من خلال شراكات استراتيجية مع وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى تنفيذ برامج توعوية عبر أقسامها المختلفة، بهدف الوصول إلى الناخبات، حتى في المناطق النائية، مؤكدةً على حرص المفوضية على المشاركة في جميع الفعاليات، كالمؤتمرات والندوات، باعتبارها جزءاً من التوعية الانتخابية.

وأضافت أن المفوضية تعمل حالياً على برنامج جديد موجه للناخبات، سيُطلق قريباً، بهدف تشجيعهن على المشاركة وتوعيتهن بشأن آليات التصويت، كما أنها تعتمد في تنفيذ برامجها على تجاوب الإعلام والمنظمات الفاعلة، إلا أن درجة الاستجابة غالباً ما تكون مرتبطة بـمزاج الجهات الإعلامية ونشاط الشركاء المحليين.

وفي هذا السياق، أشارت إلى وجود فريق متخصص بقضايا المرأة داخل المفوضية، يعمل على محورين أساسيين هما محور التوعية ويشمل تنفيذ ورش ودورات توعوية على مدار العام قبل وأثناء الاستحقاق الانتخابي بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى الوزارات، الجامعات، والمؤسسات المختلفة، وكذلك عبر الوسائط الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ومحور دعم الحصول على البطاقة البايومترية، حيث تعمل المفوضية على تسهيل عملية التسجيل، وتوجيه فرق جوالة لتوفير هذه الخدمة، لا سيما أن الاقتراع أصبح مشروطًا بامتلاك البطاقة البايومترية.

أما فيما يخص المرشحات، فأكدت على وجود برنامج خاص لدعم النساء المرشحات، يُفعَّل خلال فترة الاستحقاق الانتخابي، مشيرةً إلى أن هذه البرامج تطورت بمرور الوقت إذ كانت تركز سابقاً على تقديم المعلومات الانتخابية والتفسير القانوني فقط، أما اليوم فقد توسعت لتشمل دعم النساء في مجال الأمن الشخصي والسيبراني، التعامل مع الشائعات والتنمر الإلكتروني، تعزيز مهاراتهن في التواصل الإعلامي، بناء قدراتهن لخوض الحملات الانتخابية بفعالية "أقامت المفوضية شراكات مع جهات متخصصة، منها مؤسسات إعلامية وأمنية، لتوفير الدعم الشامل للمرشحات".

وفي ختام مداخلتها، تطرقت إلى التغييرات التي طالت اسم الفريق المعني بشؤون المرأة داخل المفوضية، مشيرة إلى أنه بدأ في عام 2012 تحت اسم "فريق الجندر"، وفق توصية من الأمم المتحدة، وكانت المفوضية أول مؤسسة رسمية تشكله في العراق، ثم تغير الاسم إلى "فريق تمكين المرأة"، ونتيجة الهجمات الإعلامية والتحسس من مصطلح "الجندر"، أصبح اليوم يُعرف باسم "فريق دعم المرأة الانتخابي"، مؤكدة أن الفريق لا يزال مستمراً في أداء مهامه رغم التحديات.

 

أنشطة اليوم الثاني وخاتمة المؤتمر

وتخلّل المؤتمر عرض فيديو توثيقي مؤثر حول أوضاع غزة، سلط الضوء على الكارثة الإنسانية المتفاقمة والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، لا سيما النساء والأطفال.

في اليوم الثاني من المؤتمر، تناولت الجلسات الأربع مجموعة من المحاور الحيوية، حيث قدمت هناء حمود، عضو الهيئة الإدارية لشبكة النساء العراقيات، تقرير الظل أمام لجنة "سيداو"، متطرقةً إلى واقع النساء العراقيات في ظل التحديات المتزايدة التي تهدد الحقوق والمساواة والعدالة، مع تركيز خاص على نساء الأقليات وما تتعرضن له من تمييز مضاعف وانتهاكات ممنهجة.

كما عرضت الناشطة إيناس جبار التقرير الإنجازي للشبكة، مستعرضة أبرز المبادرات والأنشطة التي نُفذت خلال الفترة الماضية في مجالات التمكين والتوعية والمناصرة، وشهدت الجلسات أيضاً مناقشة التقرير المالي، حيث تم عرض تفاصيل الإنفاق ومصادر التمويل بشفافية، إلى جانب تحليل التحديات المالية الراهنة واستشراف الفرص المستقبلية.

 واختُتمت الجلسات ببحث مقترحات تعديل النظام الداخلي للشبكة، بما يواكب تطورات المرحلة المقبلة ويعزز من فعالية العمل النسوي المشترك. وفي ختام المؤتمر جرت عملية انتخاب أعضاء الهيئة الإدارية الجديدة لشبكة النساء العراقيات، وسط أجواء ديمقراطية وشفافة، عكست حرص المشاركات على استمرار العمل النسوي وتطوير آليات العمل التنظيمي داخل الشبكة.