رحيل سامية عباد إحدى رائدات النضال النسوي اليساري في المغرب
غيب الموت حياة المناضلة والناشطة السياسية والنسوية سامية عباد الأندلسي، بعد مسيرة نضالية امتدت لأكثر من أربعة عقود، جمعت خلالها بين الالتزام السياسي والعمل النسوي في قلب التنظيمات المغربية.

المغرب ـ كانت الناشطة سامية عباد الأندلسي من أبرز الأصوات التي حملت قضايا النساء إلى صلب العمل السياسي، وأسهمت في بناء مؤسسات نسائية وفكرية ستبقى شاهدة على حضورها ودورها الريادي.
توفيت المناضلة سامية عباد الأندلسي، أمس الخميس 26 حزيران /يونيو، بعد مسار استثنائي جمع بين الالتزام السياسي، والنضال النسوي، والعمل التربوي داخل التنظيمات اليسارية المغربية، منذ سبعينيات القرن الماضي.
وبرحيلها تفقد الساحة التقدمية واحدة من نسائها الرائدات، ممن جمعن بين الوعي الحاد بقضايا النساء، والرهان على التغيير الجذري من قلب المؤسسات الحزبية.
من الطب إلى النضال مسار لا يشبه سواه
سامية عباد الأندلسي الحاصلة على دكتوراه في الصيدلة، اختارت منذ بداية شبابها أن تجعل من السياسة طريقاً لا مهنة، انخرطت مبكراً في صفوف الحركة الطلابية، وبرزت كصوت نسائي لافت في تنظيم "23 مارس" أحد أبرز التنظيمات السرية التي طبعت مرحلة ما بعد الاستقلال في المغرب، في زمن كان فيه مجرد الانتماء إلى صفوف المعارضة مغامرة وجودية، اختارت أن ترفع صوتها ضد القمع والظلم، دفاعاً عن حلم يساري بعدالة اجتماعية حقيقية.
من السرية إلى الشرعية
مع بداية الثمانينيات، واكبت سامية عباد الأندلسي التحول السياسي الذي عرفه المغرب نحو العمل السياسي العلني، وأسهمت عام 1983 في التأسيس الفعلي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التنظيم الذي انبثق من رحم اليسار الراديكالي، وكان ساحة جديدة لنضالاتها الفكرية والتنظيمية، قبل أن تواصل المسار لاحقاً داخل الحزب الاشتراكي الموحد، الذي كانت عضوة في مكتبه السياسي.
نسوية ملتزمة لا تجميلية
لكن الحضور النسائي لسامية عباد الأندلسي لم يكن مجرد "تأنيث" للعمل السياسي، بل كان فعل مقاومة نسوي بامتياز، فقد كانت من أولى النساء اللواتي سعين لتأسيس جناح نسائي داخل التنظيمات اليسارية، وأسهمت بقوة في بلورة مشروع "اتحاد العمل النسائي"، الذي شكل منذ تأسيسه عام 1987 أحد أهم أطر التأطير والتعبئة لقضايا النساء من منظور يساري جذري.
وساهمت سامية عباد الأندلسي في تأسيس وإدارة جريدة "8 مارس" التي لم تكن مجرد منبر إعلامي بل مشروع فكري جماعي هدفه نقل قضايا النساء من الهامش إلى صلب النقاش العمومي والسياسي.
لم تكن سامية عباد مناضلة فقط، بل كانت رفيقة درب ووعي للمناضل مصطفى مسداد، الذي تقاسمت معه مشروعاً سياسياً وإنسانياً مشتركاً، شكلا معا نموذجاً لعلاقة رفاقية، حيث يتقاطع النضال العام مع اليومي، ويذوب الخاص في العام، في انسجام نادر بين القيم والواقع.
تنتمي سامية عباد إلى جيل المؤسسات في تاريخ الحركة النسائية المغربية، الجيل الذي راهن على التغيير العميق، لا الإصلاح السطحي، والذي مزج بين الانخراط السياسي المباشر وبناء أدوات نسوية مستقلة، فكانت من النساء القلائل اللواتي أدركن باكراً أن قضايا النساء لا يمكن أن تنتظر "التحرر الوطني" كي تطرح بل يجب أن تكون في صلب المشروع السياسي منذ البدء.
ذاكرة لا تموت
برحيل سامية عباد الأندلسي لا تفقد الحركة النسائية مناضلة فحسب، بل ذاكرة حية لحركة بكاملها، لم تكن فقط شاهدة على التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها المغرب، بل فاعلة أساسية فيها وصاحبة رؤية نسوية عضوية، وسيبقى اسمها حاضراً في الذاكرة الجمعية لكل مناضلة تؤمن بأن المساواة لا تمنح، بل تنتزع.