قمع النساء، وسياسة التفرقة: رواية التدخل والمقاومة في أفغانستان

أفغانستان، بما تحويه من تنوع قومي واسع، لطالما كانت هدفًا للغزوات والتدخلات الأجنبية، واليوم، لا تزال القوى الداخلية والخارجية تسعى إلى تأجيج الانقسامات العرقية، في محاولة لتفتيت النسيج الوطني، فهل ما زالت سياسة "فرّق تسُد" تُستخدم كأداة لتقويض وحدة الشعب

بهاران لهيب

أفغانستان ـ تعد أفغانستان من بين الدول متعددة القوميات التي سعت الدول المعتدية والمتدخلة دائماً إلى تأجيج الصراعات بينها، حتى عندما احتلتها بريطانيا ثلاث مرات، كان شعارها الرئيسي وسياستها الأساسية "فرّق تَسُد".

على الرغم من كل هذه المحاولات، لم تنجح بريطانيا وغيرها من القوى في تقسيم هذا الشعب. فعند دراسة تاريخ وجغرافيا أفغانستان في الولايات ومناطقها المختلفة، يُلاحظ أن القوميات والشعوب المختلفة تعيش جنباً إلى جنب، وتربط بينها علاقات أسرية.

لكن للأسف، الحكومات العميلة والتابعة للدول المتدخلة في أفغانستان وفرت الأرضية لنشر التفُرقة، وكانت تخدم مصالح أسيادها الأجانب بشكل جيد، وإذا نظرنا إلى تاريخ أفغانستان، نادراً ما نجد ملوكاً أو حكاماً لم يكونوا مجرمين أو لم يمارسوا الظلم على شعب أفغانستان بأمر من الغرباء، ومن بين هؤلاء الملوك كان أمان الله خان (1919–1929)، الذي تُعرف فترته باسم "العهد الأماني"، إلى جانب أمان الله خان، لعبت زوجته الملكة ثريا دوراً بارزاً، حيث سعت إلى تحرير النساء، والدفاع عن حقوقهن وتعليمهن، وكذلك إلى تقليل الصراعات القومية.

بتدخل بريطانيا، انتهت هذه المرحلة المزدهرة من حياة الشعب الأفغاني، واستمرت الحكومات التي جاءت بعدها حتى فترة الغزو العسكري الروسي في قمع المثقفين، وتأجيج الصراعات القومية، وممارسة الظلم القومي، وتعزيز ثقافة النظام الأبوي. ولكن مع الغزو العسكري الروسي وإنشاء حكومتهم العميلة، تغيرت ملامح أفغانستان. فقد وقف جميع أبناء الشعب من مختلف القوميات والأعراق جنباً إلى جنب لمقاومة الغزاة الروس، حتى تمكنوا من إسقاط الحكومة التابعة لروسيا، وبعد ذلك، واصل المجاهدون، وطالبان، وعشرون عاماً من الوجود الأميركي في أفغانستان، سياسة إثارة الفُرقة القومية بشكل أكبر من السابق.

عدد كبير من المثقفين والشعراء في أفغانستان، من النساء والرجال، انشغلوا خلال السنوات العشرين الماضية بإثارة القضايا القومية بدلاً من مقاومة الظلم، واعتبروا التقسيم الحل الوحيد لمشاكل البلاد، ولحسن الحظ، فإن هذه الأفكار لم تحظَ بمكانة بين أبناء الشعب الأفغاني ولا تزال كذلك. ويقول بعض الناس ساخرين "أنا طاجيكي، وتزوجت امرأة هزارة، فكيف لهؤلاء الداعين إلى التقسيم أن يحلوا مشكلتنا؟" ملايين الأشخاص في أفغانستان يعيشون في مثل هذا الوضع، حيث تزوجوا من قوميات مختلفة، ويقولون إنهم "شركاء في الدم". إن شعار التقسيم ليس سوى وسيلة للهروب من المساءلة عن الجرائم التي ارتُكبت في عهد المجاهدين وطالبان. فبدلاً من الاعتراف بهذه الخيانات، يتمسكون بمشروع التقسيم وحلم "خراسان الكبرى".

منذ وصول طالبان إلى السلطة، بدأت عمليات القمع ضد النساء وغيرها من الممارسات اللاإنسانية بشكل رسمي، ومن أجل إضعاف وحدة الشعب، أطلقت طالبان مشروع إثارة الصراعات القومية من خلال التهجير القسري للسكان، ففي ولايات مثل تخار وباميان وبدخشان، حيث يشكل الطاجيك والهزارة غالبية السكان، قامت طالبان بطرد الأهالي من منازلهم بالقوة، وأعادت توطين عناصرها وعائلاتهم في تلك المناطق، كما استولت على الأراضي الزراعية التابعة للسكان المحليين، وقد خرج سكان هذه المناطق في مظاهرات دفاعًا عن منازلهم وعائلاتهم، لكنهم واجهوا القمع والاعتقالات وحتى القتل، وكما هو الحال دائماً، كانت النساء والأطفال هم الضحايا الرئيسيون.

اليوم، تسير طالبان على نهج الأمير عبد الرحمن خان، الملك المستبد المعروف بقمعه للشعب الطاجيكي والهزارة، وعلى الرغم من الفقر والبطالة وقمع النساء والمناضلين وآلاف الجرائم الأخرى، فإنهم يجبرون الناس على التهجير القسري، وللأسف، فإن المثقفين الداعين إلى التقسيم، وزعماء التنظيمات الجهادية، ووسائل إعلامهم، وحتى على شبكات التواصل، يستغلون هذا الوضع ويعملون على تأجيج المشاعر القومية من أجل تنفيذ أهدافهم الخبيثة، وهي تقسيم أفغانستان.

يجب التأكيد مرة أخرى على أن السبيل الوحيد لإنقاذ شعب أفغانستان، وخاصة النساء، هو النضال والمقاومة الشجاعة المستمرة ضد جميع المجرمين والخونة، فمن خلال هذا الطريق فقط يمكن منع تأجيج الصراعات القومية، وقمع النساء، وآلاف الجرائم الأخرى، وبناء أفغانستان خالية من الظلم والجهل والتدخلات الخارجية.