مقاومة سد تشرين... ملاحم البطولة والمقاومة التي سطرتها النساء

توجهت الآلاف من النساء إلى سد تشرين لحمايته من هجمات الاحتلال التركي، وفي مسيرة المقاومة ضحت العشرات من النساء بأرواحهن في سبيل الحرية والعيش بكرامة، مرددين "المقاومة هي الطريق الوحيد الذي يجعلنا نتنفس الحرية في أروقتنا".

هافين أحمد

قامشلوـ في أي مكان من العالم يذهب الشعب إلى ساحات المعركة دون تردد أو خوف؟ ويغتسلون ويتطهرون بتراب ومياه بلادهم. أي شعب يرتبط إلى هذا الحد بأرضه وترابه ومياهه ومكتسباته؟ ها هم ابناء إقليم شمال وشرق سوريا يتوجهون إلى ساحات المعارك بروح المقاومة والتحدي لكافة الهجمات التي تتعرض لها مناطقهم. ويعتبرون ذلك بمثابة التنفس في سبيل ضمان الحياة الحرة. كما يملؤون التاريخ بقصص المقاومة والبطولات. وعندما يريد الصحفي أن يتحدث عن البطولية والتضحيات التي يقدمها هذا الشعب تتدفق الكلمات عن التعبير.

يشن الاحتلال التركي والمرتزقة التابعة لها هجمات على سد تشرين منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، براً وجواً. منذ بدء الهجمات وحتى الآن، يتوافد أهالي إقليم شمال وشرق سوريا، بريادة النساء، نحو سد تشرين لحماية مكتسباتهم، ويبرزون ملاحم تاريخية في مواجهة الهجمات.

 

"نحن نحمي أرضنا ومياهنا وطاقتنا"

 للسد أهمية كبيرة، حيث يوفر الطاقة والمياه للأهالي، كما يستفيدون منه سكان المنطقة في الزراعة وكسب لقمة عيشهم. حيث يلبي السد 70 بالمئة من احتياجات أهالي المنطقة. هذا الذي يجعل الأهالي يتوجهون إليه لحماية مكتسباتهم ودعم ابنائهم في جبهات القتال، أمام الهجمات الوحشية التي يشنها الاحتلال التركي على اراضيهم. وعلى الرغم من أن الشعب يقدمون تضحيات كبيرة، إلا أنهم ما مستمرون بالذهاب حتى هذه اللحظة دون أي تردد. ويوجه النساء اللواتي يبدون مقاومة تاريخية رسالة مرديين "نحن نحمي أرضنا ومياهنا وطاقتنا، والى اخر رمق من حياتنا سنحمي مكتسباتنا".

 

نساء ضحين بأنفسهن من أجل أرضهن ووطنهن

من جهة، يقومون بتشييع من استشهدوا وقدموا حياتهم في سبيل الحياة الحرة، ومن جهة أخرى، تواصلن المقاومة ودعم أبنائهن. إن النساء اللواتي شاركن في هذه المقاومة وقدموا اروحهم في سبيل حماية اراضيهم، أظهرن ملاحم تاريخية وعظيمة في قلوب وعقول شعبهم المقاوم.

واحدة من هؤلاء النساء هي المرأة المناضلة منيجة حيدر. كانت من إحدى النساء اللواتي يمتلكن الروح الوطنية والمثابرة في تنظيم النساء على مبدأ المساواة والعدالة. كانت تناضل بجهد عظيم دون أي تردد، وسعت إلى ايصال رسالة المقاومة والحرية إلى الجميع وجهت النساء للانضمام إلى ساحات العمل والتدريب في سبيل ضمان الحياة الحرة. فبدأت من عائلتها إلى ومحيطها وانطلقت إلى ميدان الكرامة والإنسانية، مرددة لعائلتها ما يلي "إذا جاء تلك اليوم واستطعت الوصول إلى درب الشهادة في سبيل العيش بكرامة، إياكم أن تتراجعوا عن النضال والمقاومة، بل استمروا على مبادئ الروح الوطنية".

منيجة حيدر من مواليد عام 1977 من قرية سنجق التابعة لمدينة عامودا انخرطت بنشاط في العمل النضالي، وفي 18 كانون الثاني/يناير قتلت في سد تشرين نتيجة هجوم شنه الاحتلال التركي بقصف المدنيين الذين يقاومون في السد لحمايته.

 

من شرارة اندلاع الثورة إلى مقاومة سد تشرين

ولدت حزنه عبدي عام 1979 في قرية كلهي التابعة لمدينة ديرك، وهي إحدى النساء اللواتي قادت ثورة المرأة، وفي عام 2013 شاركت بفعاليات ونشاطات نسوية، ومع انطلاق شرارة الثورة النسائية التي انتشرت تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية" انخرطت في العمل النضالي من أجل الحرية، وكانت تحمل روحاً مليئاً بالانتقام ضد واقع القمع والإبادة التي تمارست ضد الشعب الكردي، وأكملت مسيرتها التي بدأتها منذ اندلاع الثورة، متوجهة إلى سد تشرين لحماية المكتسبات التي تحققت خلال 12عاماً، واستشهدت يوم 21 كانون الثاني في سد تشرين.

 

بروح مقاومة كوباني توجهت إلى سد تشرين

ولدت هيزا محمد عام 2002 في قرية جندي التابعة لمدينة كوباني، وتعرفت على حركة الحرية في طفولتها وأمضت طفولتها مع أنفاس النضال من أجل الحرية، زرعت كل لحظة من لحظات المقاومة العظيمة التي شهدتها مدينة كوباني في قلبها وسارت نحو الحياة، وناضلت من أجل لغتها وثقافتها وحماية اراضيها، فمقاومة كوباني التي انتشرت صداها في جميع أنحاء العالم ووحدت الجميع وخاصة النساء بروح المحبة والنضال واحتضان الجميع أثرت في شخصيتها، فانضمت إلى المقاومة على سد تشرين، لتستشهد في الـ 15 كانون الثاني/يناير في ظل تلك المقاومة.

 

"أقسمت أن تسير على طريق ملكة الفرات زنوبيا"

ولدت كرم الحمد عام 1994 في مقاطعة دير الزور، وكانت عضوة في تجمع نساء زنوبيا، والأوراق التي كانت بين يديها تناثرت حولها عندما لفظت أنفاسها الأخيرة، لقد كانت تلك الأوراق تحتوي على البيان الذي كانت ستقرأه على سد المقاومة، لقد قطعت مسافة طويلة للوصول إلى المكان الذي كانت تريد الذهاب إليه، وضعت نصب عينيها أشياء كثيرة وأخذتها بالاعتبار، ومن أجل تعزيز معرفتها وهويتها كامرأة، ناضلت بلا كلل، وبقلب كبير وشجاع وضمت العديد من النساء إلى النضال، فقامت مع النساء الذين جمعتهم حولها بتدمير أسوار دير الزور الكلاسيكية التي بنيت بمفهوم ومنظور الرجال وأقسمت بالسير على طريق ملكة الفرات الشجاعة زنوبيا، لقد بنت وأسست نفسها لحظة بلحظة، وانضمت إلى مقاومة سد تشرين بقلبها الرحب واستشهدت في هجوم يوم 9 يناير/كانون الثاني على سد تشرين.

 

 الحياة والجمال يجتمعان معاً في الأماكن التي تزورها النساء

ولدت رونيز محمد في 26 حزيران 2004 في قرية حلنج التابعة لكوباني، الأماكن التي تواجدت فيها النساء المناضلات، تجتمع فيها الحياة والجمال معاً ويتسللان إلى قلب وطنهن، لا شيء يمكن أن يصف ويعبر عن قوة العلاقة بين المرأة والوطن، ولذلك كل مكان بنيت جغرافيته وتاريخه بمقاومة النساء المناضلات يتدفق هناك معنى الحقيقي للجمال. ناضلت رونيز كي تعرف المعنى الحقيقي للجمال والأدب واستمدت جمالها من جميع النساء اللواتي ناضلنا وحررنا كوباني من بطش داعش، وبقلبها الكبير وجمالها وطاقتها الشبابية انضمت إلى مقاومة تشرين. واستشهدت يوم 22 كانون الثاني في سد تشرين.

 

شهدت الكثير من الأحداث

ولدت زوزان حمو في مدينة عفرين، بعد احتلال التركي لمدينة عفرين عانت واقع الحرب والاحتلال، وهذا زرع في قلبها روح الانتقام، شهدت بعينيها ونظراتها الملائمة الأساليب الوحشية التي مارسها الاحتلال التركي على شعبها أطفالاً، نساءً، وشيوخاً، وكانت عينها دائماً تتلاعب مع حبات الزيتون التي غمسها العدوان بالدماء والخراب والتدمير، ومع انفجار القنابل بجانبها، وقصف الطائرات، وأشلاء أجساد البشر المتناثرة في الشوارع، شهدت حقيقة الحياة الظالمة التي اعتبروها مشروعة لشعبها ووطنها، عانت من الغزو والهجرة في كل لحظة، وبعد احتلال عفرين، توجهت إلى حلب وهذا الذي دفعها إلى ممارسة نضالها في سبيل تحرير مناطقها من العدوان وحماية اراضيها، واثناء توجهها إلى سد تشرين في 9 من كانون الثاني انضمت إلى قافلة الشهادة إثر استهداف طيارات حربية تابعة للاحتلال التركي لقافلة المدنيين المتوجهين إلى السد لحمايته.