كيف قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمأسسة العنف؟

تعمل القوانين غير المتكافئة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تعزيز وإعادة إنتاج العنف ضد المرأة والتمييز وقتل النساء، لكن لا تزال المرأة تناضل من أجل الحق في الحياة.

برجين سلطان

طهران ـ يعد العنف ضد المرأة أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعاً في العالم، على الرغم من أنه يحدث عدة مرات يومياً في جميع أنحاء العالم، إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبح أكثر وضوحاً في المجتمع الإيراني أكثر من المجتمعات الأخرى بسبب فرض قوانين حكومية غير متكافئة ومعادية للمرأة.

الدليل على ذلك هو بداية الانتفاضة الثورية للمرأة التي اندلعت عام 2022 بعد مقتل الشابة جينا أميني على يد "شرطة الأخلاق" لأنها رفضت ارتداء الملابس التي تفرضها السلطات، وعبرت تلك الانتفاضة الحدود لتصبح النساء في العالم أجمع متضامنات ومتحدات ضد العنف وضعف القوانين التي تؤدي إلى زيادة وتيرة العنف ضد المرأة.

هناك أشكال من العنف الذي يندرج بوضوح ضمن العنف ضد المرأة مثل العنف المنزلي، الاقتصادي، النفسي، العاطفي، الجسدي والجنسي، وقتل النساء، وتزويج القاصرات، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والعنف الرقمي وما إلى ذلك، لكن هناك أشكال من العنف الخفية التي ترفض المرأة أن تحكيها وتمثلها بسبب ما يسمى مصلحة المجتمع من قبل النظام الأبوي.

 

عنف أكثر شدة من أي وقت مضى

تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة زهرة ياري "يمكن رؤية أمثلة على جميع أشكال العنف بوضوح في إيران، خاصة أنه بعد اندلاع الانتفاضة الأخيرة، تشهد النساء في إيران النضال والتعرض للعنف بشكل أكثر وضوحاً من أي وقت مضى".

وأكدت أن الحياة بالنسبة للمرأة تمثل ساحة معركة ويجب أن تحارب فيها منذ أن تستيقظ وتدافع عن حقوقها وتثبت ما لها وما عليها، كما يجب كل يوم أن تذكر نفسها بحقها، مشيرةً إلى العنف الخفي "القضية المؤلمة هي أن النساء أنفسهن غير مدركات للكثير من أشكال العنف الظاهرة والخفية وكأنهن تقبلن الوضع القائم كضحية، وهذا بسبب عدم وعيهن بحقوقهن ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال زيادة المعرفة والوعي الذاتي".

 

قانون العقوبات الإسلامي هو ترخيص لقتل النساء

ولفتت الباحثة في مجال حقوق المرأة هدى هوشمند، إلى جرائم قتل النساء التي يتم تداولها في وسائل الإعلام هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى في إيران "بحسب ما ورد في وسائل الإعلام المحلية، ففي الربع الأول من هذا العام، قُتلت 35 امرأة وفتاة بذريعة الشرف"، مؤكدة على ضعف قوانين الجمهورية الإسلامية "تلعب السلطات الإيرانية دوراً ثانوياً في توسيع دائرة جرائم الشرف من خلال فرض قوانين غير عادلة".

وأضافت أن العنف في مجتمع يهيمن عليه الذكور متجذر في ثقافة المجتمع وبنيته، لأنه أعطى الرجال المزيد من السلطة والوصول إلى مصادر الطاقة ومنع النساء من الوصول إليها، لذلك تصبح المرأة أكثر عرضة للعنف بدءاً من العنف العقلي والعاطفي وحتى إزهاق حياتها.

وأشارت إلى مقتل مراسلة وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا) منصورة قديري جواد على يد زوجها في طهران، وقالت "من الأمثلة الجديدة على جرائم قتل النساء في قلب العاصمة، الصحفية منصورة قديري التي قتلها زوجها المحامي الذي ذكر في اعترافه أنه قرر قتل نفسه وطفله بعد قتل زوجها، لكنه ندم على ذلك. إن هذا التعبير عن الأسف من جانب المحامي المتمرس في قانون العقوبات الإسلامي يدرك تماماً ما هي نقاط الضعف الموجودة في القانون الإيراني بحيث يمكنه قتل زوجته والهروب بسهولة من القانون ثم بعد فترة يتم العفو عنه ومواصلة حياته، فلو كان هناك قانون صارم ضد العنف لما سمح المدعي العام لنفسه بارتكاب مثل هذه الجريمة".

 

طريقة سهلة للهروب من القانون في إيران

من جانبها تقول الباحثة والناشطة الاجتماعية مستانة صفائي إن "العنف ضد المرأة لا يتشكل من مجتمع الرجال فقط، بل العنف هو منظومة قيمية تقليدية يطبقها الرجال أو أحياناً النساء أنفسهن بسبب العادات والأديان والطقوس والقوانين وغيرها"، مضيفةً أن السلطات تحاول قمع المرأة باسم الأخلاق والدين.

وتساءلت مستانة صفائي "لماذا لا يتحدثون عن الإحصائيات الفعلية للعنف ولماذا لا يجدون حلول لوقف العنف؟"، واصفة بعض الإحصائيات المنشورة بـ "الصادمة"، كما أن زواج الفتيات دون سن 13 عام يتم بإذن المحكمة.

ففي عام 2019، هناك 767 حالة زواج مسجلة تحت سن 13 عاماً بترخيص، وبهذه الإحصائية يمكن للمرء أن يفهم ضعف القانون وأن هناك دائماً طرق سهلة للتهرب من القانون في إيران.

 

المقاومة مستمرة

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة هو فرصة للحد من كافة أشكال العنف وللصراخ بمطالب المرأة المتراكمة منذ الأزل، فقد طالبت العديد من النساء والناشطات في مجال حقوق المرأة والمنظمات النسوية، الحكومات والمنظمات المختلفة بالقضاء على العنف ضد المرأة والقضاء على المجالات التي تسهل العنف، ودعم الناجيات والمعنفات وتحقيق المساواة لهن.

لكن وضع المرأة في إيران يرتبط بمزيد من الصعوبات والتعقيدات، رغم أنها كانت لها مطالبها منذ الأيام الأولى للانتفاضة، وبذلت الكثير من الجهود، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق التغييرات التي ينبغي عليها تحقيقها، فإن حجم القمع والتجريم للأنشطة النسائية في إيران كبير لدرجة أن النساء لا تستطعن ​​ممارسة الأنشطة بشكل علني ولم يكن بمقدورهن تشكيل منظمات متماسكة لتحقيق مطالبهن ورغباتهن.

لكن رغم كل الصعوبات وغياب التنظيمات والتدريب، دخلت المرأة في إيران إلى ساحة النضال مع تراكم المطالب خلال الانتفاضة، وعبرت عن رغباتها ومطالبها وكان لها تأثيراً عالمياً وهذا النضال مستمر في المجتمع الإيراني، ويواصل الجميع جهودهم وأنشطتهم تحت راية الحرية، ضد الحجاب الإلزامي الذي فرضته السلطات.