"كيف نروي وجع النساء"... جلسة نقاشية في اليمن
يناقش الإعلاميين والأكاديميين في اليمن مسؤولية السرد الإعلامي لقضايا النساء، بين الاستهلاك العاطفي والتبني الأخلاقي، لضمان حماية المرأة وتقديم مصلحتها على السبق الصحفي.
رانيا عبد الله
اليمن ـ نظمت منصة "نسوان فويس" مساء أمس السبت 27 كانون الأول/ديسمبر جلسة نقاشية عبر تطبيق "زووم" بعنوان "كيف نروي وجع النساء دون استهلاكه؟"، تناولت الجلسة الإشكاليات الأخلاقية والمهنية المرتبطة بتغطية قضايا النساء في سياقات النزاع، مسلطة الضوء على التحول الذي يطرأ على معاناة النساء حين تنتقل من كونها شهادات إنسانية تعبّر عن الألم والواقع، إلى مواد إعلامية تُستغل وفق منطق السوق والاستقطاب السياسي، بعيداً عن منطق العدالة والإنصاف.
كان محور النقاش حول كيفية نشر قصص النساء، وشروطه الأخلاقية، والجهة التي تخدمها هذه السرديات في نهاية المطاف خصوصاً في السياق اليمني حيث قد يؤدي أي خطأ مهني غير مسؤول إلى أذى مضاعف ضد النساء تحديداً.
من الاستهلاك إلى التبني
وفي الجلسة قدمت الأكاديمية الدكتورة بلقيس علوان، رئيسة قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة صنعاء سابقاً، مداخلة ركزت فيها على أن السرد الإعلامي ليس فعلاً محايداً، بل موقفاً أخلاقياً ومعرفياً، تتحقق قيمته بمدى وعي الصحفي بالسلطة التي يمتلكها في رواية القصة والتحكم بمساراتها.
وأوضحت أن تناول قضايا النساء في الإعلام اليمني يمكن تصنيفه ضمن ثلاث مراتب متدرجة من حيث الغاية والأثر، كالاستهلاك حيث تُختزل قصص النساء في الألم المجرد، وتُعاد إنتاج المعاناة بوصفها محتوى عاطفياً سريع التداول، منزوع السياق والأسباب البنيوية، بما يخدم جذب الانتباه والجماهيرية، ويكرس صورة المرأة كضحية دائمة، وفيها تُسحب معاناة النساء إلى خطاب سياسي أو دعائي يخدم سرديات أطراف الصراع، ويقدم أحياناً بوصفه انحيازاً للمرأة، لكنه يبقى محكوماً بمنطق النفعية لا العدالة.
في المقابل، اعتبرت أن التبني يمثل أعلى درجات التناول الأخلاقي، كونه لا يتعامل مع القصة كمادة للنشر فقط، بل كقضية تتطلب شراكة مع النساء، واستمرارية في التغطية، وسعياً لإحداث تغيير فعلي في الوعي والسياسات، لا الاكتفاء بلحظة تعاطف عابرة، مؤكدة أن غياب النية في الاستهلاك لا يعفي الصحفي من مسؤولية الأثر الناتج عن النشر.
مصلحة المرأة قبل السبق الصحفي
وفي محور الممارسة اليومية، تقول بلقيس اللهبي، مستشارة النوع الاجتماعي والمجتمع المدني في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إن النقاش من الإطار النظري إلى الممارسة التحريرية اليومية، مؤكدة أن السؤال في أوقات الأزمات لا يجب أن يكون فقط هل القصة مهمة؟ بل "هل نشرها آمن وعادل لصاحبة القصة؟".
وشددت على أن القاعدة الأساسية لأخلاقيات النشر هي تقديم مصلحة المرأة على أي اعتبار مهني أو تنافسي، معتبرة أن الابتعاد عن توصيف "الضحية" خطوة أساسية لإعادة توزيع السلطة داخل النص، بحيث لا تُختزل المرأة في موقع الضعف أو تُجرد من تفردها.
وأوضحت أن النشر يمر بمستويين الأول الأخبار التي تحكمها الضرورة، والثاني تحليلي عميق يتكثف فيه الاعتبارات القانونية والمهنية والأخلاقية. وفي هذا الإطار، أكدت أن الامتناع عن نشر أي معلومات أو صور قد تعرّض النساء للخطر هو التزام قانوني وأخلاقي لا خيار فيه.
وحذرت من إسقاط ذاتية الصحفية على القصة، أو الإفراط في العاطفة الذي قد يحوّل السرد من أداة مساءلة إلى خطاب ديماغوجي، مشيرة إلى إشكالية الموافقة المستنيرة التي لا تعني موافقة شكلية على النشر، بل فهماً كاملاً من صاحبة القصة للمخاطر المحتملة، وهو شرط بالغ الصعوبة في بيئات هشة كاليمن.
وخلص المشاركين إلى أن دعم قضايا النساء إعلامياً لا يتحقق بالنوايا الحسنة وحدها، بل عبر سياسات واضحة داخل المؤسسات الإعلامية، تشمل تعزيز وجود النساء في مواقع صنع القرار، وإنشاء وحدات متخصصة بقضايا النساء، واعتماد بروتوكولات تحريرية لتقييم المخاطر قبل النشر، إلى جانب تفعيل "فيتو أخلاقي" في حال تعارضت مصلحة الوسيلة مع مصلحة صاحبة القصة، وصياغة ميثاق شرف يحدد معايير التناول الإعلامي العادل لقضايا النساء.